10 سنوات كاملة لا تعرف أسرة الشاب المصري عمر حماد أية أخبار عنه، بعد اختفائه قسريًّا وإنكار النظام المصري علمه بمكانه بعد أن أُلقي القبض عليه في محيط رابعة، وتحديدًا في 14 أغسطس/ آب 2013 أثناء فضّ اعتصام رابعة العدوية.
في تلك الأثناء، وبينما رصاص القناصة والمدرّعات في كل مكان، كان عمر ذو الـ 20 ربيعًا حينها يرى المصابين يتساقطون واحدًا تلو الآخر، حاول بكل جهده إنقاذهم حسب شهود العيان، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث فجأة وأثناء إسعافه للمصابين اُختطف الشاب العشريني من قبل إحدى المدرعات العسكرية، ومنذ تلك اللحظة اختفى من على وجه الأرض.
منذ عام 2013 وبعد فضّ اعتصام رابعة، ازدادت جريمة الإخفاء القسري في مصر بعدما طالب الرئيس المصري الشعب بتفويضه لـ”مكافحة الإرهاب”، وبعد مرور 10 سنوات، وهو العقد الأسوأ لمصر في مجال حقوق الإنسان بحسب المبادرة المصرية لحقوق الإنسان، ما زالت عمليات الإخفاء القسري مستمرة.
خارج إطار القانون
حاول “نون بوست” رصد الوضع القانوني للمختفين قسريًّا بعدد من الدول العربية التي تفاقمت فيها حدة ممارسات الإخفاء القسري خلال الـ 10 سنوات الأخيرة، وقال حقوقيون ومواطنون في حديثهم معنا إن الأشخاص المخفيين قسريًّا قد أصبحوا خارج القانون بالنسبة إلى الدولة، فالأنظمة العربية تتبرّأ من وجودهم لديها ولا توجد آلية محددة لوضعهم القانوني، ومن ناحية أخرى يرفض أهلهم إعلان وفاتهم على أمل أن يعودوا يومًا ما.
فصّ ملح وداب
بحثت عائلة عمر حماد كما أهالي المخفيين في كل مكان، ولم يفقدوا الأمل يومًا لعلهم يجدون أي بادرة تدلهم على طريق يقول لهم: “لقد مروا يومًا من هنا”، عمر الذي كان طالبًا في كلية الهندسة بجامعة الأزهر ولاعبًا في نادي الزمالك، وكانت آماله وأحلامه لا يسعها الكون، ضاع من عمره 10 سنوات مات فيها من مات ووُلد فيها من ولد، وما زال هو يواجه مصيرًا مجهولًا، وتواجه أسرته ألمًا وسؤالًا يوميَّين: “هو كان فص ملح وداب؟”.
ظهر مصطلح الإخفاء القسري جليًّا في مصر بعد انقلاب السيسي، وبدأت عملية التوثيق والتدوين من قبل أهالي المخفيين قسريًّا الذين دشّنوا صفحات عبر فيسبوك للحديث عن ذويهم، منها “رابطة أسر المخفيين قسريًّا”، وعلى التوازي دُشّنت بعض المبادرات التي اختصت تحديدًا بمتابعة ملف المخفيين قسريًّا، ومنها مبادرة “أوقفوا الإخفاء القسري” عام 2015، وهي مبادرة تجمع عددًا من المنظمات الحقوقية المصرية.
"ما بعرف إذا أبي موجود أو لا" .. قصص لذوي المختفين قسراً تكشف عن حجم الظلم الذي تعرضوا له جراء حالة عدم اليقين التي يعيشون بها. pic.twitter.com/R41erDmZAk
— نون بوست (@NoonPost) August 30, 2023
ومع استمرار التدوين حول جريمة الإخفاء القسري في مصر، أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو الجهة الحقوقية الرسمية في البلاد، تقريره الأول الذي لم يصدر غيره حول تلك الجريمة في 3 يوليو/ تموز 2016، تحت عنوان “عن الإخفاء القسري في مصر ما بين الادعاء والحقيقة”.
وقال التقرير إن هناك 266 حالة اختفاء قسري خلال عام 2015، بينها 27 حالة قالت الداخلية المصرية إنها أفرجت عنها، فيما تبقّى 143 محبوسين احتياطيًّا على ذمة التحقيق، ونفت الداخلية علمها بمكان تواجد 44 شخصًا آخرين.
وبعد كل تلك الفترة، لا يوجد تقرير رسمي واحد يتحدث عن المخفيين قسريًّا في مصر، ومع زيادة الضغط على النظام المصري للإعلان عن مصير مئات المخفيين، يبقى التدوين وحده هو الوسيلة الوحيدة لأهاليهم، خصوصًا أن الدولة لا تعترف بعدم وجودهم وتتبرّأ من أي صلة لها بهم رغم ظهور عدد من المخفيين بعد ذلك، لكن النظام لا يستشعر الحرج وسط كذبه بعدم معرفة مكان هؤلاء، ثم ظهورهم رهن تحقيقات نيابات أمن الدولة.
التدوين
كان التدوين مفيدًا في حالة الناشط أحمد جيكا “26 جيكا”، الذي أُلقي القبض عليه في 13 يونيو/ حزيران 2023، أثناء المتابعة الأمنية على خلفية تعرضه للحبس في سنوات سابقة بسبب مظاهرات شارك فيها، منها تلك المناهضة لبيع جزيرتَي تيران وصنافير.
بقي جيكا مختفيًا لأكثر من 58 يومًا، وبعد الضغط عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ظهر مرة أخرى في نيابة قليوب شرقي مصر، ووُجّهت إليه النيابة تهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية” قبل أن تقرر إخلاء سبيله بضمان محل إقامته، لكنه اختفى مرة أخرى بعد قرار إخلاء سبيله في 11 أغسطس/ آب 2023، وحتى الآن لم تُعلن وزارة الداخلية عن مكان احتجاز جيكا، رغم تقدم والدته ببلاغ للنائب العام مطالبة بالتحقيق في سبب اختفائه.
أكثر من 15 ألف حالة بين عامي 2013 و 2022 في مصر وحدها.. ضحايا الإخفاء القسريّ والمأساة المنسيّة#اليوم_الدولي_لضحايا_الاختفاء_القسري#حقهم_حرية#TheirRight pic.twitter.com/akehOvmeaV
— نون بوست (@NoonPost) August 30, 2023
يقول مشرف صفحة “الحرية لأحمد جيكا” إن التدوين وحده ليس كافيًا في الوقت الحالي، رغم أنه وسيلتهم لتوثيق اختفاء جيكا.
ويضيف: “جيكا كغيره من المصريين قُبض عليه أثناء تنفيذه لإجراء غير قانوني وهو “المتابعة الأمنية”، هو فقط نوع من التنكيل يمارسه عدد من ضباط أمن الدولة ضد المصريين، وليست المرة الأولى التي يتم فيها إخفاؤه قسريًّا، لكن هذه المرة ليست هناك استجابة حقيقية من النظام للإفصاح عن مكانه”.
وتابع: “سلاح الحرب على الإرهاب هو سلاح خاطئ تمامًا، توجهه الدولة نحو أشخاص لا ذنب لهم سوى حلمهم بمستقبل أفضل”.
والدة جيكا، السيدة ذات الـ 65 من عمرها، لم تستطع تدبير نفقاتها المعيشية بعد اختفاء نجلها وتعرضه للحبس أكثر من مرة، وأيضًا وفاة زوجها قبل بضع سنوات، وكان جيكا هو عائلها الوحيد.
وبعد أكثر من عقد على ثورات الربيع العربي، ما زالت آلاف الأسر تتساءل عن مصير أبنائها ممّن ضاعوا وأُخفوا في غياهب السجون، ما مصيرهم عند الخروج من محبسهم إن ظهروا أصلًا؟ والأهم كيف تعيش تلك الأسر في تعاملاتها الحكومية؟ ماذا تسمّي الدول العربية المخفي قسريًّا؟
اليمن.. النساء وحدهن يتجرعن مرارة الفقد
بحسب تقرير أصدرته منظمة ماعت لحقوق الإنسان في مصر، فإنه ورغم أن ممارسات الإخفاء القسري من قبل السلطات والأنظمة الحكومية تجاه المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، من ضمنهم المحامون والصحفيون، استراتيجية لبثّ الرعب داخل المجتمع، إلا أنها تفاقمت على يد الجماعات المسلحة والفواعل غير الدول بحق المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وأشارت المنظمة إلى تفاقم الإخفاء القسري في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، مثل الممارسات التي ترتكبها جماعة الحوثيين في اليمن، وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا، والميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في كل من ليبيا والعراق.
وفي اليمن، قال التقرير إن جماعة الحوثي وحدها تورطت في الفترة ما بين مايو/ أيار 2016 وحتى أبريل/ نيسان 2020 في إخفاء 353 من الحقوقيين والصحفيين، وتورطت في عام 2021 وحده في إخفاء ما يقرب من 26 شخصًا من المدنيين، فيما لا توجد إحصاءات دقيقة تحدد عدد المخفيين قسريًّا في اليمن.
وأزمة الإخفاء القسري لا تعني المخفيين قسريًّا وحدهم، بل إن التأثير الأكبر يقع على ذويهم خصوصًا النساء اللواتي يتحملن الكثير من التأثير الاجتماعي والاقتصادي لحالات الإخفاء، فغالبًا ما ينتج عن اختفاء الرجال من العائلات تأثيرات كبرى، كفقد دخل الأسرة وكذلك الحماية الاجتماعية.
وبخلاف الوصم الذي تعانيه النساء وأطفالهن من المجتمع، والظلم الفردي ضدهن وضد أحبائهن، إلا أنهن أيضًا يواجهن الاستبعاد من التعليم بالنسبة إلى صغارهن بسبب الوضع القانوني الملتبس للمختفين (الذين لا يعتبَرون رسميًّا موتى أو على قيد الحياة)، إلى جانب انعدام الأمن المالي للأسرة، حيث لا تستطيع الزوجة أو الابنة في الكثير من الأحيان الوصول إلى الأصول العائلية والميراث والحسابات المصرفية المودعة باسم الرجل المختفي، فيما تحاول النساء في كثير من الأحيان الحفاظ على إرث الزوج.
وفي حديث لـ”نون بوست”، يقول نبيل الأسيدي عضو نقابة الصحفيين اليمنيين، إن الإخفاء القسري من أبشع الجرائم الإنسانية، خصوصًا أن ألمه ليس مؤقتًا مثل الموت مثلًا، بل إنه ألم طويل المدى ينطوي تحته الاختطاف والتعذيب والمنع من الحقوق، وأيضًا ربما تكون جريمة القتل، وهي جريمة أكثر ورودًا في جرائم الإخفاء القسري.
وتابع: “ألم تلك الجريمة يرتبط بأسرة المخفي قسريًّا لفترات طويلة تظل تنتظر عودته”، ويحكي الأسيدي عن شقيقه الذي اختفى قسريًّا منذ الثمانينيات، وما زالت والدته تبحث عنه حتى الآن، وما زالت أسرته للحظة تعيش على أمل عودته.
حال أسرة شقيق الأسيدي كحال معظم الأسر العربية التي اختفى أحد أفرادها بفعل الأنظمة أو أي جهة مرتبطة بها، وهو نفس حال الشاب المصري عمر حماد الذي ترفض عائلته حتى الآن إعلان وفاته وتستمر في التدوين عنه لعله يعود يومًا، وفي الغالب لا يتم حذفه من سجلات الدولة إذا لم تتقدم أسرته بطلب لإعلان وفاته.
ويستطرد الأسيدي في حديثه عن الإخفاء القسري: “غالبًا ما تكون انتهاكات الإخفاء القسري من قبل الدولة أو جماعات مسلحة محسوبة عليها وبرعايتها، وبالتالي هناك صعوبة كبيرة في مواجهة هؤلاء النافذين في الدولة، وهناك خشية من أهالي المخفيين قسريًّا من الحديث عنهم، كي لا يتعرضوا لنفس العقاب من قبل الجهات النافذة”.
مكملًا: “ودائمًا ما يخشى الناشطون في المجال الحقوقي والمحامون أيضًا من الحديث عن الأمر، إما بسبب الخوف من الدولة وإما بسبب عدم وجود معلومات أو أماكن احتجاز معروفة ورفض الدولة الإفصاح عنها، وندرة المعلومات المقدمة لهم، فتلتزم الأسر الصمت وتعيش على أمل عودة المفقود”.
وفي سوريا.. لا حقوق وسط نظام عنجهي
من اليمن إلى سوريا، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن ما لا يقل عن 112713 شخصاً، بينهم 3105 أطفال و6698 سيدة لا يزالون قيد الإخفاء القسري في سوريا منذ آذار/مارس 2011، وقال التقرير إن النظام السوري قد ارتكب الإخفاء القسري في إطار هجوم واسع النطاق ضد فئات السكان المدنيين، وأعطى الأوامر بالاعتقال ثم الإخفاء القسري وهو على علم تام بها، وهو ما يشكّل جريمة ضد الإنسانية، وتعتبر سوريا أسوأ دولة في العالم فيما يخص ملف المخفيين قسريًّا.
وفي هذا الصدد، يقول رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن قضية المخفيين قسريًّا تعتبر غامضة وفيها تشعّبات كثيرة، وهو مسار لا يمكن وصفه بالسهل في ظل عدم الاهتمام من قبل المجتمع الدولي، الذي يبحث ضمن مسارات كثيرة ومبادرات عن الحل السياسي داخل سوريا، متناسيًا ملف الإخفاء القسري الذي ذاق مرارته كل بيت سوري.
وأشار عبد الرحمن في حديثه لـ”نون بوست” إلى أن المجتمع الدولي أصم لا يسمع إلا نفسه، فرغم كثرة المبادرات في هذا الصدد إلا أنها آمال زائفة، وأضاف: “نحن في المرصد السوري لحقوق الإنسان تناولنا كثيرًا هذا الملف، وهو واجبنا الإنساني وهدفنا، لكن أظن أن حلحلته تتطلب رحيل هذا النظام الذي انتهج آلية الخطف والإخفاء لتصفية خصومه، فالمنظمات الحقوقية قادرة على خلق الآليات، لكن لمن ستوجَّه وكيف ستطبِّق حل القضية؟ حيث كيف يمكن الحل مع هذا النظام العنجهي؟”.
ويشير إلى أن الحل السياسي الذي يقوم على القرارات الأممية خاصة القرار الأممي 2254، قادر على حلحلة ملف المخفيين والمغيبين قسريًّا، دون ذلك إن الأمر صعب، خاصة أن النظام يتنصّل أصلًا من حالات الإخفاء، كما أن مراسيم العفو التي أصدرها النظام السوري هدفها سياسي، وهي صورية فقط ولا صحة لها، ولم يتم حتى الآن إطلاق سراح أي من هؤلاء الذين تم الإعلان عنهم.
ويتابع: “النظام يقول بهذه المراسيم للغرب والدول الإقليمية إنه تغير، بغية تحصيل مساعدات ودعم سواء سياسي أو اقتصادي، ومن تمَّ إطلاق سراحهم قضاياهم غير سياسية”.
ويوضّح عبد الرحمن: “هؤلاء ممن اختفوا لا يعترف النظام أصلًا بوجودهم ويتنصّل من إخفائهم، فكيف يكون لهم أوراق ثبوتية؟ هم بالنسبة إلى النظام كأنهم لم يكونوا موجودين على وجه الأرض، فهل يمكن أن يعترف النظام بأنه قتلهم أو توفوا في معتقلاته؟”.
متابعًا: “هنا وجب أولًا الحديث عن كيفية إيجاد وسائل من قبل المجتمع الدولي، لكشف وفضح ما عاشه هؤلاء قبل قتلهم، والأكيد أن شهود عيان في المعتقلات قادرون على المساعدة وتقديم المعطيات، وبعدها كل شيء سيكون واضحًا للمحاكمة أمام قضاء دولي عادل ونزيه، لا يمكن أن نسمح بمرور هذا النظام بعد كل الجرائم بشكل عادي، ويجب محاسبته”.
أما عن فكرة وجود حل لأهالي المخفيين قسريًّا لتعاملاتهم القانونية، فيما يتعلق مثلًا بإجراءات الإرث أو دخول الأبناء للمدارس وغيرها، يقول الناشط الحقوقي السوري إن المنظمات الحقوقية تحاول مساعدة أهالي المخفيين قدر المستطاع، ويضيف: “لكن إن كان المجتمع الدولي بكل آلياته لا يقدر على مساعدتهم، هل يمكن لمنظمات تحرَم في الأساس من العمل في سوريا أن تفلح في حصر الأعداد و مساعدة ذويهم؟ غير ممكن، فلا حقوق لأحد قبل إزاحة النظام”.
ليبيا..
تُشير التقارير الحقوقية إلى أنه لا توجد أي تقديرات محددة لأعداد المخفيين قسريًّا داخل ليبيا منذ عام 2011، إلا أن بعض تلك المنظمات أكدت تفاقم ممارسات الإخفاء القسري التي ترتكبها الميليشيات المسلحة وغيرها من الجهات منذ عام 2011.
وفي هذا الصدد، يقول عبد المنعم الحر، أستاذ القانون الدولي ورئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا، إن حالة الإخفاء القسري هي فقط التي يتم فيها اختطاف شخص ما أو سجنه من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو من قبل طرف ثالث بتفويض أو دعم أو موافقة من دولة أو منظمة سياسية، ويتزامن مع ذلك رفض الاعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، بقصد وضع الضحية خارج نطاق حماية القانون.
واستطرد الحر: “نتيجة لوقوع العديد من حالات الإخفاء القسري خلال العقد المنصرم، استدرك المشرّع الليبي خطورة ذلك، خاصة أن ليبيا ليست موقعة على اتفاقية مناهضة الإخفاء القسري، وأصدر البرلمان القانون رقم 10 لسنة 2013 الخاص بمناهضة التعذيب والتمييز والإخفاء القسري، لكن على أرض الواقع لا يوجد تنفيذ لهذا القانون لسبب بسيط هو الانقسام الحكومي والمؤسسي، ما أدّى من الناحية القانونية إلى صعوبة تطبيق القانون”.
وبالنسبة إلى الوضع القانوني لأسرة المختفي قسريًّا، يقول الحر إن القانون الدولي يضع على عاتق الدولة الإفصاح عن مصير المفقودين خلال 3 سنوات وقت السلم و4 سنوات وقت الحرب، لأن ذلك مرتبط بميراث وزوجة في حالة بين كونها أرملة أو لا، بمعنى آخر هناك وضع قانوني للزوجة والأبناء والأخوة والأخوات مرهون بوضع المفقود حيًّا كان أم ميتًا، وهي إشكالية كبيرة جدًّا.
ويختم: “نحن الآن في مرحلة الجمع والتوثيق للمختفين قسريًّا، ونحن بحاجة إلى مجموعة قرارات قانونية يتشابك فيها البعد الاجتماعي والاقتصادي”، ويوضح: “الدولة يجب أن تولي اهتمامًا بهذه الشريحة، لكن السؤال هل التوقيت مناسب لفتح مثل هذه الملفات؟ أنا أقول لا، لأن مثل هذا الملف أرى أن يفتح في ظل حكومة منتخبة من الشعب وفي دولة مستقرة”.
في العراق.. الأهل يعلنون وفاة المختفي قسريًّا
وفي العراق، قالت أحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة إن عدد المخفيين خلال نصف قرن داخل العراق تجاوز النصف مليون شخص، فيما أكدت مفوضية حقوق الإنسان أن أعداد العراقيين المخفيين خلال الأعوام 2017 و 2018 و2019 قد بلغ 7 آلاف و663 حالة، وتأكد وجود 652 حالة منهم داخل السجون.
وقالت ميسم عبد الله، رئيسة منظمة نساء نينوى للحقوق، إن الدولة لا تكترث بأهالي المخفيين قسريًّا، وبحسب عبد الله فإن القانون العراقي يتعامل مع ضحايا الإخفاء القسري كمفقودين على يد جهات مجهولة أو ضحايا إرهاب، في حين أنه تم اعتقالهم على يد جهات تابعة للدولة وبعلمها.
وعن الوضع القانوني لأهالي المخفيين قسريًّا، تقول لـ”نون بوست” إن المرأة أكثر من يعاني جراء ذلك، بعد فقدان المعيل لأسرتها، وبهذا أصبحت المرأة هي المعيلة وهذا بحد ذاته مشكلة، خصوصًا لتلك النساء اللاتي لا يملكن مهارات العمل، وأحيانًا تكون المرأة أمية غير متعلمة، وهو الأمر الذي يجعلها فريسة سهلة يمكن ابتزازها واستغلالها من قبل الأشخاص ذوي السلطة والقدرة.
وتشير إلى أنه لا يوجد حتى الآن قانون لتعويض أهالي المخفيين قسريًّا بشكل خاص، لكن يتم احتسابهم كضحايا إرهاب، وتلفت: “التعامل القانوني مع المخفيين قسريًّا وعدم وجود موارد للأسرة أرغمت ذويهم على المطالبة قانونًا بإعلان وفاتهم، واستخراج شهادات الوفاة دون المضي قدمًا في البحث عنهم أو معرفة مكان حبسهم أو حتى دفنهم، ورغم إعلان الوفاة لا يستطيع أهل المفقود الحصول على تعويض مادي بسبب الإجراءات الحكومية المعقدة”.
أما بالنسبة إلى تسجيل الأطفال بالمدارس في حال اختفاء الأب قسريًّا، فلا توجد هناك مشكلة في ذلك طالما هناك أوراق ثبوتية لهوية الأب.