يتعرض المسلمون في الغرب عموماً و في الولايات المتحدة خصوصاً لموجة تطرف وعنصرية عاتية تكللت بفوز صاحب أكبر عدد من التصريحات البالغة التطرف -ضد الأقليات والمهاجرين والمسلمين منهم بصفة خاصة- بفوزه في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية.
ورغم أن هذه التصرحات العنصرية بلغت مدىً من التطرف مما يجعل تطبيقها في الواقع غاية في الصعوبة، إلا أن الضرر الذي صاحب هذه الموجة قد وقع بالفعل من خلال الإنتهاكات التي رُصِدت ضد المسلمين وممتلكاتهم، والسؤال الذي نحاول الإجابة عليه في هذا المقال هو:
كيف يمكن للجاليات المسلمة تحويل هذه التهديدات إلى فرص سانحة يمكن أن تعزز وترسخ الوجود الإسلامي بالولايات المتحدة بصفة خاصة؟ في سياق البحث عن اجابة هذا التساؤل علينا نسرد بعض الحقائق التى قد تساعدنا في هذه المحاولة:
فقد قدر مركز “بيو” البحثي الأمريكي عدد المسلمين في الولايات المتحدة بـ 3.3 مليون نسمة من كل الأعمار يعيشون في الولايات في عام 2015، وهذا يعنى أنهم يشكلون حوالى 1% من إجمالى سكان البلاد، وقد توقع المركز أن العدد سيتضاعف بحلول عام 2050، أن المسلمون قد تواجدوا في أمريكا منذ ميلاد الدولة، وفقا لباحثين وعلماء التاريخ حيث أن ما بين ربع وثلث الأفارقة الذين أحضروا كعبيد إلى أمريكا كانوا من المسلمين.
أغلب المسلمون حالياً متعلمون تعليماً جامعياً وهم بصورة عامة أفضل تعليماً من أغلب الأمريكيين، أن عدد المسلمين يتقارب وعدد اليهود إلا أن كفاءة المنظمات اليهودية و دورها في التأثير على توجيه القرار الأميريكى أكبر بكثير من نظيراتها التابعة للكيانات الإسلامية.
يؤمن المسلمون في أمريكا بالمساواة بين الجنسين بصورة أكبر من أي مكان في العالم، حيث أن 90 في المائة منهم يؤيدون عمل المرأة خارج المنزل، في الوقت الذي تحمل فيه النساء المسلمات شهادات جامعية بنسبة تَفُوق عدد ما حصل عليه الرجال المسلمون.
تنتشر المساجد وأماكن الصلاة في معظم أنحاء الولايات المتحدة وأعدادها بالمئات بين مسجد كبير ومصلى فقط، وتنقسم المساجد وأماكن الصلاة إلى ثلاثة أنماط، منها، مراكز إسلامية كبيرة وفقاً للطراز الإسلامي المعروف وهى متعددة الخدمات و بها مدارس الأحد لتعليم القرآن والدين وغيرها اضافة لأماكن الصلاة، ومنها ما هو عبارة عن أماكن للصلاة فقط وتتبع الطراز الإسلامي وكلها أقيمت بجهود ذاتية وهي مصليات مؤقتة تقيمها (جالية معينة) حتى تتمكن من بناء مسجد مستقل لأداء الصلاة، وأخيراً منها ما هو أماكن للصلاة فقط خصوصاً تلك الموجودة بالجامعات الأميركية وتشرف على هذه الأماكن منظمة الطلاب المسلمين (MSA) بالولايات المتحدة.
كل هذه الحقائق و غيرها تدفعنا إلى التساؤل لماذا تبدوا الجاليات الإسلامية ضعيفة وغير مؤثرة وغير منظمة رغم هذا التواجد الكبير لها؟
لماذا تبدوا الجاليات الإسلامية ضعيفة وغير مؤثرة؟
إن الجالية المسلمة مكونة من مجموعات عرقية وقطرية متفرقة نقلت معها مشاكلها وتعقيداتها، مما تسبب في وجود حساسيات تحول دون اندماجهم وتعاونهم معاً للدفاع عن مصالحهم المشتركة في وطنهم الجديد.
إن الجالية المسلمة كما هو الحال للإسلاميين في العالم العربي والإسلامي ينقصهم الأدوات، فهم لا ينقصهم العدد ولا المال ولا العقول ولا الأفكار ولكن الأدوات هى ماتنقصهم، وإذا لم ينتهزوا هذه الفرصة السانحة فربما لن يجدوها في المستقبل القريب والمتوسط.
أفكار للحل
1- الإستفادة من الموجة المضادة للعنصرية داخل المجتمع الأمريكي
إن تعاطف الفئات الشبابية من الأمريكيين و كثيرين من فئات المجتمع الأميريكي في ظل الحالة العدائية للتطرف الظاهر من قطاعات قديمة في المجتمع الأمريكي لهي فرصة يجب استثمارها.
2- الإستفادة من الحقوق المدنية والسياسية الدستورية
إن المسلمون في أمريكا هو مواطنون أمريكون كاملي الحق في المواطنة وتنحصر التهديدات في الجانب الديني الذي يربط بين المشاكل الكبيرة المتورطة فيها الولايات المتحدة في البلدان الإسلامية وبين المسلمون أصحاب الأصول من تلك البلدان، ولذا نجد أن المسلمون الأمريكيون من أصول عربية أكثر تعرضا للاضطهاد من أؤلئك ذووا الأصول الآسيوية مثلا.
3- الإستفادة من تجربة المسلمون من أصول أفريقية.
إن رحلة الأمريكيين المسلمين فريدة من نوعها لأنها تشكل جزءا من تجربتين أمريكيتين جوهريتين معاً: تجربة الأمريكيين الأفارقة وتجربة المهاجرين، فالمسلمون المهاجرون والمسلمون الأمريكيون الأفريقيون عملوا بالتوازى دائماً لتأسيس مكانة لهم بحيث يُسمعون أصواتهم في السياسة وفي المجتمع، وعملوا سوية أحيانا لتحقيق ذلك، ولكن الغالب دائماً أنّ كان كل منهما يتصرف على حدة.
فرغم أنها يتشاركان في هوية واحدة كمسلمين، إلا أن أختلافات كل منهما العرقية، والثقافية، والاجتماعية، والتاريخية، حالت دون التعاون بينهما بشكل واسع في العمل معاً والمشاركة السياسية الكاملة، لذا فإنه يجب على المسلمين المهاجرين التعلم من النجاحات التى حققها المسلمين الأمريكيين ذووا الأصول الأفريقية وخاصة من زاوية بناء القدرة المؤسساتية، والتواصل الفاعل مع سواهم من الأمريكيين.
الأدوات
إذا أهم ماينقص الجاليات المسلمة هو الأدوات، فهم لا ينقصهم العدد ولا التمويل ولا العقول والأفكار، إنها الأدوات لخلق التأثير، وكي نصل إلى الأدوات هذه علينا أن ننظر إلى الجاليات الأخرى صاحبة التجربة المشابهة والتى أصبحت ذات تأثير كبير في المجتمع و ماهى الأدوات التى تُمكنها من حماية نفسها بل والتأثير في دوائر صنع القرار، فالجالية اليهودية -على سبيل المثال- هى أكبر الجاليات تأثيرا في القرار الأمريكي والجميع يعلم مدى الغزل الذي يقدمه لهم أيٍ من راغبى الوصول لعرش البيت الأبيض.
ويجدر الإشارة هنا إلى أن هناك أدوات رئيسة للتأثير وتكوين قوى ناعمة ضاغطة داخل المجتمع الأميريكي هى: الإعلام واللوبيات ومراكز المال .. ومن الأدوات المهمة أيضاً توسيع دائرة المشاركة والتعاون بين الجاليات المسلمة من خلال المؤسسات المجتمعية، ونبذ الخلافات والتعاون فيما اتفقوا فيه والتوحد خلف القضايا الهامة.
إن انشاء تحلفات مع الأقليات الأخرى ذات التجارب السابقة مع المجتمع، سواء كانت ممن يطالها هذا الخطر المحتمل أو تلك الأقليات المنفتحة والمؤمنة بالحريات يسهم بشكل كبير في خلق قوى مقاومة لهذه الموجات العنصرية واعاقتها
انشاء منظمة لمراقبة مؤشر العنصرية ضد الأقليات عموماً والتعاون مع محامين لإقامة دعوى قضائية لتحجيم هذه الموجة وتقليل الأضرار الناجمة عنها. التواصل مع منظمات المجتمع المدني الديمقراطية والمستقلة واشراكهم في مراقبة الجرائم العنصرية ضد الأقليات خصوصا المسلمة.
الظهور الإعلامي القوي للجاليات المسلمة وإبراز الدور الذي يقوم به المسلمين في المجتمع والتضحيات الكبيرة لهم وتسليط الضوء على رموز علمية ومجتمعية مسلمة بارزة.
ويعتبر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” من المنظمات غير الحكومية المهمة والمعنية بالدفاع عن حقوق المسلمين في الولايات المتحدة، ويجب على “كير” تقدم نموذج بإنشاء تحالفات مع منظمات أخرى مناظرة للدفاع عن الحقوق والحريات المدنية للأقليات عموماً وخاصة المسلمين.
الخلاصة: إن المخاوف الجدية الناجمة عن التصريحات العنصرية والتحريضية والتى أطلقها دونالد ترمب طيلة حملته الانتخابية على الجاليات المسلمة تحتاج إلى عمل دؤوب من الجاليات المسلمة لتعزيز مكانتها وترسيخها.
وعلى الجاليات المسلمة أن تعي انهم موطنون كاملي الحقوق والواجبات وأن ما من سبيل أمامهم سوى الإتحاد والتعاون فيما بينهم أولاً ثم التعاون معي الجاليات الأخرى وأن انشاء كيانات ضاغطة لم يعد ترفاً في الوقت الحالي، وأنّ عليهم أن يبنوا مؤسساتهم وتحالفاتهم، وأن يدعموا منظمات الحقوق المدنية، وأن يندمجوا في العملية السياسية بقوة.