يبدو أن خطة محمد بن سلمان لمستقبل السعودية في عام 2030 لا تضمن مزيدًا من الانفتاح على المستوى الاقتصادي فحسب، بل تتضمن مزيدًا من المرح والسعادة، بل وتجعل من المرح والسعادة مصدرًا للدخل القومي للمملكة العربية السعودية كذلك وليس فقط مصدرًا للضحك والترفيه للشعب.
مع سياسة الانفتاح والتغيير الثقافي قبل التغيير السياسي التي يتبناها الأمير بن سلمان، تخطو السعودية خطوات سريعة نحو مزيدًا من التغيّرات على المستوى المجتمعي لم تشهدها المملكة من قبل على مدار العقود الماضية، فكان كل ما تناهضه ثورة الإعلام والتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي الان في السعودية، من المسلمات والمقدسات قبل عشرة سنوات فقط، لا يقبل التصحيح أو الجرح أو التعديل، لاسيما وأنه تحت حماية المؤسسة الدينية في المملكة، وهذا ما يكسبه سلطة وقداسة خاصة.
لم يكن مفهوم الاستمتاع بالوقت عن طريق الأنشطة المختلفة من الأشياء المألوفة في السعودية، وخصوصًا للمرأة، فحتى اليوم لا تمتلك السعودية صالات السينما ولا تعرض الأفلام في الأماكن العامة، كما لا يعد سماع الأغاني من المستحب في كل ما كان عامًا كذلك، فكانت السينما الوحيدة في المملكة هي سينما الأمير الوليد بن طلال لذا فما نراه الآن من ثورة اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي في المملكة من النقلات النوعية والجذرية التي يقوم بها شباب المملكة شبابًا وفتيات.
كانت البحرين ودبي من قبل مقصد السعوديين للاستمتاع بالوقت، إما لمشاهدة أحدث الأفلام في دور عرضها، أو لحضور مهرجان سينمائي أو غنائي، أو مشاهدة فرقة موسيقية مشهورة في عرضها على إحدى المسارح في عاصمة الإمارات المتحدة أو البحرين، وذلك بسبب منع القائمين على شرطة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” كل ما سبق من التواجد في مدن المملكة.
قدمت وكالة بلومبرغ تقريرًا يشرح فيه خطة ولي العهد الأمير بن سلمان في الانتقال بالسعودية من بلد قائم اقتصاده على النفط، إلى اقتصاد ما بعد النفط، أي اقتصاد لا يعتمد كليًا على النفط كما هو الحال في المملكة الآن، في اتجاه يشبه إلى حد ما منهاجية الإمارات في التعامل مع مصادر الدخل القومي الخاصة بها.
الهيئة العامة للترفيه
يشير التقرير إلى خطة بن سلمان في عام 2020 في تطبيقها لمزيد من وسائل الترفيه في المملكة، فيقرر بن سلمان إقامة أكثر من 450 نادي لمشاركة الأنشطة الثقافية المختلفة، وإقامة المناسبات الثقافية المحلية والدولية فيها، ذلك بالاستعانة بفريق الهيئة العامة للترفيه، وهي إحدى الهيئات الجديدة في المملكة تم تأسيسها العام الماضي، و التي تعمل على زيادة نسبة إنفاق السكان على وسائل الترفيه بهدف يصل إلى 6٪ إضافية علي ما ينفقونه بالفعل.
أشار عمرو المدني، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للترفيه في تقرير وكالة بلومبرغ
هذا مكسب اقتصادي للسعودية، سنركز على العائلات في مهمتنا الثقافية، وسنراعي مبادئ الإسلام و آدابه
غضب ثوار اليوتيوب
تعتبر القيود والقوانين التي ينصها القانون السعودي في المملكة بمثابة مادة خام للسعوديين للغضب والثورة باستخدام ثورة اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، فكانت منصة حيوية واسعة المجال بالنسبة إليهم، كما كان للمرأة دورًا مركزيًا فيها، إذ كانت مشكلة منع المرأة من قيادة السيارة في شوارع المملكة شرارة بدء تلك الثورة من الفيديوهات الغنائية ، التي تسخر من القيود التي ينصها القانون على المرأة باعتبارها مواطن من الدرجة الثانية تحتاج لوكيل أمرها في كل الأنشطة الحياتية.
لن تقودي مع الفئة الفالة
يحتل مقدمي برامج اليوتيوب “اليوتيوبرز” السعوديين مراتب مميزة في قائمة أفضل يوتيوبرز في العالم، لذا يستغل مقدمي تلك البرامج في تسليط الضوء على المشاكل المجتمعية التي يعاني منها المجتمع السعودي، كان أبرزها مطالب المرأة في الحصول على حقوقها متساوية مع الرجل، وإسقاط نظام الولاية، وكان أهمها حق المرأة في قيادة السيارة.
كانت أغنية لن تقودي من أهم الفيديوهات الغنائية الساخرة من النظام السعودي، قدمها برنامج الفئة الفالة، أحد برامج الكوميديا الارتجالية المتميزة في المملكة، تقارب مشاهدات الفيديو المليونين، حيث حقق نجاحًا وانتشارًا واسعًا بين مواطني السعودية وغيرهم على مواقع التواصل الاجتماعي، استخدم الفيديو لحن الأغنية الشهيرة “تشيب ثيرلز” للمغنية العالمية “Sia”، مع تعديل الكلمات إلى كلمات ساخرة على الوضع المجتمعي بالنسبة للمرأة في شكل حوار ما بين امرأة متذمرة وترغب في قيادة السيارة، وثلاثة رجال يرددون بأن مهام المرأة الطبخ وغسل الملابس، وأن المجتمع السعودي لم يسمح بعد للمرأة بتلك الحرية في التنقل.
استوديو ايتيز وإحياء الشعر القديم
يقوم استديو ايتيز، بالتعاون مع المخرج السعودي المميز “ماجد العيسى”، بانتاج العديد من الفيديوهات الغنائية التي تسلط الضوء على المشاكل المجتمعية في السعودية بشكل مميز وجذاب، كان آخرها أغنية هواجيس، التي تعدت مشاهدتها 6 مليون مشاهدة، تميزت أغنية هواجيس بمزجها للشعر القديم مع حداثة وتنكولوجيا إنتاج الفيديو المصور، بالإضافة إلى تسليطها الضوء على متطلبات المرأة السعودية في قيادة السيارة، كل ذلك أنتج عملًا مميزًا تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ولاقى نجاحًا وإقبالًا على مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة بالنسبة للمستخدمات السعوديات منهم.
مدن ترفيهية للكبار وللأطفال
تستقبل السعودية في مدنها الكبيرة، جدة والرياض، العديد من المناسبات العالمية في عام 2017، من بينها مسابقات المصارعة للرجال والفتيان فقط، كذلك عقدت الهيئة العامة للترفيه صفقة تصل تكاليفها إلى 500 مليون دولار مع شركة 6 فلاجز العالمية للمدن والألعاب الترفيهية، كما تتبنى مدينة جدة سباقًا للسيارات في عام 2017 بسعة 6000 مشاهد في شوارع المدينة.
في تجربة الأولى من نوعها تشهد السعودية برنامج المواهب “Got Talent” في مركز الملك عبدالله الثقافي، وعلى الرغم من كون فريق العمل والمتسابقين من الرجال فقط، ولا يسمح للنساء بالظهور على المسرح، إلا أنها تجربة فريدة من نوعها على المجتمع السعودي، باختيار العائلة الذهاب لمشاهدة عروض الموهوبين على المسرح بدلًا من الاستمتاع بوقتهم بطريقة تقليدية مثل الذهاب للمركز التجاري أو قضاء يوم في الصحراء.
تخطو السعودية نحو مزيدًا من المرح والسعادة، فهل سنرى حقًا السعودية تتخذ من المرح والترفيه مصدرًا للدخل بجانب النفط، وهل سنرى حفلات للموسيقى ومهرجانات سينمائية ودورًا لعرض الأفلام في عام 2030؟