للسينما سحر خاص، فإن تمكنت من التحكم بأدوات صنع فيلم جيد تستطيع أن تغير وتتحكم في وعي الشعوب، تستطيع أيضًا التلاعب بهم وإقناعهم بواقع غير موجود وربما تكون الحقيقة هي العكس تماما وأمام أعين الجماهير ولكن ذاكرتهم لن تتذكر إلا أحداث فيلم جيد.
ربما لم تسمع عن فيلم Billy Lynn’s long Halftime Walk الذي تم إنتاجه في عام ٢٠١٦ ويحكي عن قصة حقيقية لبطولة زائفة للجنود الأمريكيين بالعراق.
فشل الفيلم فشلًا ذريعًا في تحقيق أي إيرادات في دور العرض السنيمائية الأمريكية. يتحجج صانعوه أن السبب هو تصويرة بتقنية ١٢٠ إطار بالثانية وهي تقنية حديثة لا يمكن عرضها بطريقة واضحة في دور العرض السنيمائية العادية!
أحداث الفيلم تدور حول قصة العملية العسكرية “برافو” والتي قام بها مجموعة من الجنود الأمريكيين ببغداد بالعراق، وقاموا بقتل العديد من المدنيين العراقيين ومات في العملية قائد المجموعة والذي يقوم بدوره الممثل “فان ديزل” والذي شارك في بطولة فيلم إنقاذ الجندي رايان.. والبطولة هنا تتلخص في أن الجنود الأمريكيون استطاعوا الدفاع عن جثة قائدهم وأعادوها لأرض الوطن بالولايات المتحدة.
تظهر في بعض المشاهد نساء عراقيات يتحدثن بالعربية عند دخول الجنود عليهن وهن نائمات في بيوتهم وهن يصرخن خوفا من قتل الجنود الأمريكيون لأزواجهن وفي مشهد أخر يتباهى جندي من الجنود إنهم يستمتعون بقتل العراقيين وهم يستمعون لصراخ نسائهن!
في بداية الفيلم يحكي أحد الجنود أن سبب انضمامه للجيش الأمريكي هو أنه تشاجر مع صديق شقيقته وهشم سيارته الرياضية الحديثة وتم الحكم عليه بالسجن فقام بالتطوع في الجيش ليسقط التهم من عليه، أي أن الحكومة الأمريكية تسمح للمجرمين بالتطوع في الجيش الأمريكي مقابل إسقاط التهم عنهم ومنحهم الأموال نظير أن يتحول الجندي الأمريكي لقاتل يفعل ما يؤمر به ويقتل المدنيين دون رحمة.
يذكرنا هذا الفيلم وأبطاله وخصوصًا “فان ديزل” بأحداث فيلم “إنقاذ الجندي رايان” مع اختلاف قوة القصة الأسطورية بين الفيلم الأول الذي كان يقوم ببطولته الممثل “توم هانكس” وبين الفيلم الأخير الذي لم يكن على نفس القدر من القوة ولكن الفكرة الأساسية لم تختلف كثيراً.
ولكن هل تساءلت يوماً عن كيف يعيش مصابي الحروب الأمريكية من هؤلاء المرتزقه؟! هل فكرت في الواقع بعيدًا عما تقدمه لك السينما الأمريكية من سحرٍ وإبهارٍ وخداع؟
أعتقد أم ما ستقرأه الآن سيثلج صدرك حقًا.
طبقاً لتقرير نشرته مؤسسة “يورو نيوزويك” فإن هناك ما لا يقل عن ٢٠٠ ألف جندي أمريكي مصابون بأمراض مزمنة وإصابات عجز كلي والزهايمر وأنواع مختلفة من السرطان وعدم التحكم في وظائف الجسم وترفض الحكومة الأمريكية علاجهم أو حتى الاعتراف بإصاباتهم في العراق وقاموا بتدمير الوثائق التي تثبت تواجدهم في العراق في تسعينات القرن الماضي.
ترفض الحكومة الأمريكية علاجهم لأن الحكومة الأمريكية لا تستطيع أن تعترف أن إصاباتهم جاءت بسبب قصف هؤلاء الجنود لمخازن أسلحة كيماوية كانت الولايات المتحدة قد سلمتها لصدام حسين بطريقة غير شرعية وغير معلنة وغير قانونية، على أن يقوم صدام حسين باستخدامها ضد إيران ولكنه لم يستخدمها وجاء الجنود الأمريكيون لتنفجر بهم ويكون السبب الرئيسي في كل ما حدث لهم هو حكومتهم نفسها وأن اعتراف الحكومة الأمريكية بهم وبعلاجهم هو اعتراف منهم بوجود أسلحة كيماوية مما سيضع الحكومة الأمريكية في ورطة أمام محاكم الحرب الدولية.
وقد تناول الكاتب “آلان فريدمان” كل هذه الأحداث وأسرار تسليح البيت الأبيض لصدام حسين بأسلحة كيماوية ثم تخليهم عن المصابين الأمريكيين في كتابه “شبكة النكبوت:التاريخ السري في كيفية تسليح البيت الأبيض لصدام بطريقة غير شرعية”
كل هذه المعلومات الصادمة تجعلك تفكر في قوة السلاح الإعلامي الدرامي الذي يتم استخدامه من قبل الحكومات لتغييب وعي شعوبها أولاً ثم للترويج للبطولات الزائفة وأسطورة الشجاعة والبطولة الخارقة للجنود الأمريكيين وولاء حكومتهم لهم.. بالنسبة للحكومة الأمريكية فإن هؤلاء الجنود مجرد مرتزقة ومجرمين إما هاربون من عقوبات قانونية أو باحثون عن الأموال ليس لهم قيمة – وهو عكس ما تظهره لك السينما الأمريكية تماماً– وفي تقرير مصور نشرته شبكة RT الإخبارية في سبتمبر ٢٠١٦، قاموا بلقاء مجموعة كبيرة من مصابي حرب العراق وأفغانستان معظمهم مقعدون أو مرضى نفسيون والكثير منهم تحولوا لمتسولين وفي دور رعاية مسنين مجانية للفقراء.. جميعهم تم التخلي عنهم وجميعهم حاولوا الانتحار وجميعهم نادمون على المشاركة بالحرب التي تتزعمها حكومتهم والتي تنصلت منهم وتركتهم إما للموت أو للتسول.
هل عرفت الأن أين هو الجندي رايان الذي لم تتركه أمريكا للموت وضحت بكل ما تملك لتنتج فيلما ضخما يجعلك تعتقد إنهم لا يتركون جنودهم للموت؟ هل عرفت أن الجندي رايان هو مجرد مرتزق أو مجرم هارب من العقوبة قاتل يبحث عن سرقة ونهب أموال المدنيين؟!
هل عرفت مصير الجنود الأمريكيين المصابين؟!
لو أردت أن تعرف أكثر وتبحث بنفسك عن الجندي رايان يمكنك تصفح هذه ال ٩٠٠ صورة للمتسولين من الجنود الأمريكيون في شوارع الولايات المتحدة العظيمة اضغط هنا.
ولتتذكر هذه الوجوه كلما شاهدت فيلما أمريكيا بطوليا وتحمست للحلم الأمريكي الزائف، مشاهدة ممتعة.