جيل ثورة 25 يناير 2011 من أشجع الأجيال في تاريخ مصر، جيل مقدام مقارنة بجيل الثمانينات، ويكفي لإثبات هذا، تجمع أكثر من مائة ألف مصلٍ في مسجد النور (قبل تأميمه) يوم الجمعة في شتاء عام 1986، حيث دعا الشيخ حافظ سلامة إلى التجمع بعد صلاة الجمعة للذهاب في مسيرة حاشدة إلى مقر رئاسة الجمهورية لمطالبة الرئيس مبارك بتطبيق الشريعة الإسلامية، وبعد الصلاة فوجئنا بإغلاق قوات الأمن المركزي لميدان العباسية، ولم يصنع الأكثر من مائة ألف مصلٍ –وكثير منهم من الشباب المتحمس بالتيار الإسلامي في ذلك الوقت- شيئا، أما الشيخ حافظ سلامة فقد ألغى المسيرة، ودعا المصلين إلى الانصراف في هدوء، وطبعا، انصرف المصلون في هدوء تام!
ويحمد لجيل الثمانينات أنه جيل الانتفاضة في فلسطين.
أما جيل الشباب في ثورة 25 يناير، فقد حطم حاجز الخوف ونفخ من روحه العظيمة في نار الثورة على الطاغية مبارك ونظامه الفاسد، وأضحت الثورة المصرية نبراسا لكل السالكين في طريق الحرية والكرامة الإنسانية والثورة على كل طاغية وديكتاتور وظلم وفساد.
لكن الثورة لم يخطط لها جيدا، وليس لها زعامة وقيادة سوى دعوات على الفيس بوك؛ وبالتالي لم يكن لها أي برنامج واضح الملامح والخطوات لتطبيقه بعد خلع مبارك.
وهذه بعض أخطاء الثوار:
1- عدم وجود رؤية واضحة لإدارة البلاد
بعد نجاح الثورة، لم يكن هناك أي رؤية للثوار لإدارة شئون البلاد منذ اليوم التالي بعد سقوط مبارك. وحتى أحزاب المعارضة التي ركبت موجة الثورة بعد أيام من قيامها، ليس لها أي خطة عمل بعد خلع الطاغية.
2- الثقة البالغة في المجلس العسكري
لقد ترك الثوار الميدان يوم 11/2/2011 بعد خلع مبارك الذي فوض المجلس العسكري الأعلى لإدارة شئون البلاد!
فكيف يفوض مبارك المجلس العسكري وهو قد خُلع وليس له صفة رسمية في الدولة؟! كيف يُترك المجلس العسكري ليحكم البلاد وهو يمثل نظام عسكري يحكم البلاد منذ انقلاب 23 يوليو 1952؟!
وكان يجب على الثوار ألا تركوا الميدان حتى يتم تشكيل (مجلس مدني) ليحكم البلاد لفترة انتقالية، والتي يقوم فيها الثوار باجتثاث النظام السابق من جذوره؛ حتى يتجنبوا الثورة المضادة من ذلك النظام الفاسد، والثورة ذاتها عبارة عن (بركان أو زلزال) يجتث النظام السابق من جذوره ويؤسس لنظام جديد.
3- الانخداع في الرئيس الأمريكي أوباما وإدارته
لقد أعجب الرئيس باراك أوباما بالثورة المصرية وهتف “إن الثورة المصرية يجب أن تدرس للشباب الأمريكي”، وهذا خداع لنا؛ لأن الولايات المتحدة تحكم مصر منذ انقلاب البكباشي جمال عبد الناصر في 23 يوليو 1952، ولما بدأ الأخير بالتمرد على سيدته أمريكا التي عينته، هزموه شر هزيمة في حرب 5 يونيه 1967.
والثورة المضادة للثورة المصرية، بدأت من الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأن الأخيرة لا تريد لمصرنا الحبيبة إلا كل تبعية وتخلف في كل المجالات، وهذا كله يصب في صالح ربيب عينيها الكيان الصهيوني، وما موافقة أمريكا لتحكم جماعة الإخوان المسلمين مصر، إلا لتدمير الأخيرة حتى لا تقم لها ولا للثورة المصرية قائمة بعد ذلك؛ وهذا ما قام به السيسي في انقلابه الدموي في 3/7/2013!
إذا نجحت الثورة، فكان من المتوقع أن تتقدم مصرنا الحبيبة في أبواب الحريات والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وفي كل مجالات الحضارة، وهذا سينعكس (إيجابيا) على كل دول المنطقة والعالم الإسلامي، وهذا لا تريده الولايات المتحدة الأمريكية ولا يريده الكيان الصهيوني ولا يريده الغرب.
4- عصام شرف
ومن سذاجة الثوار، موافقتهم على تعيين عصام شرف ليدير أول حكومة بعد الثورة، وهو لا يمت للثورة ولا للثوار بأي صلة، بل ينتمي لنظام مبارك السابق، حتى وإن كانت له (ثمة معارضة) لمبارك فيما مضى، وحتى وإن خطب في الثوار بميدان التحرير وهو متحمس.
ومن المتوقع، ألا تتحقق مطالب الثوار وأهداف الثورة على يديه ولا على حكومته؛ لأن أهداف الثورة لن تتحقق إلا على نظام ثوري جديد نظيف يجتث كل مظاهر فساد وعفونة النظام السابق.
5- أحداث محمد محمود
تُرك الثوار بمفردهم في أحداث محمد محمود الأولى في نوفمبر 2011 ليواجهوا آلة الجيش العسكرية وهي تحصد أرواحهم، وكان على الجميع مساندتهم لتمكين مجلس مدني يدير البلاد بدلا من المجلس العسكري. ولكن الجميع وخاصة التيار الإسلامي كانوا يلهثون وراء الاستحقاقات الانتخابية؛ ثقة منهم في المجلس العسكري الذي يشرف عليها وهو يبيت بليل للثورة وللثوار في إزالة الثورة ومحوها تماما ومحو مطالبها من الوجود.
وهذه بعض الأمثلة:
– الانقلاب على معركة الصناديق في 9 مارس 2011 وإزالة نتائجها ماعدا الفرقة والتمزق.
– حل مجلس الشعب المنتخب في عام 2012.
– عدم تمكين الرئيس المنتخب محمد مرسي بعد الثورة من حكم البلاد، وكانت الهيئات السيادية تتعمد عدم التعاون معه، بل تعمدت تسليمه تقارير كاذبة وبعيدة عن الواقع، وحتى ضباط الشرطة كانوا يعلنون صراحة أنهم في أجازة مفتوحة لمدة أربع سنوات.
– تعمد شح المحروقات وما نتج عنه من تلال طوابير السيارات أمام محطات المحروقات. وشح المحروقات أدى أيضا إلى أزمات في محطات الكهرباء وما نتج عنها من قطع الكهرباء كثيرا في اليوم الواحد.
– السخرية من الرئيس محمد مرسي ومن حزب الحرية والعدالة ومن جماعة الإخوان ومرشدهم طوال فترة حكمهم في وسائل الإعلام المختلفة حتى في إعلام الدولة ذاته.
– قيام وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بانقلابه الدموي في 3/7/2013 بعد مظاهرات 30/6/2013، وحله لدستور الثورة والذي وافق عليه حوالي 75% من الناخبين في 2012، وحله لمجلس الشورى، واعتقاله للرئيس محمد مرسي، وقيامه بمجازر في أحداث الحرس الجمهوري وفي رابعة والنهضة وفي أحداث ميدان رمسيس في مرتين وفي مجزرة الدفاع الجوي وحتى الآن حيث وصل عدد المعتقلين إلى أكثر من سبعين ألف غير الاغتصاب والتعذيب والتصفية الجسدية مباشرة.
6- عدم إقامة محكمة الثورة
لتقتص ممنْ قتل الثوار، وعدد الشهداء يوم جمعة الغضب فقط فاق الثمانمائة! وإذا كانت ثورة يناير قامت على شعار “كلنا خالد سعيد”، فكم ألف من نوعية (خالد سعيد) قد قتل منذ ثورة يناير 2011 ومرورا بأحداث ماسبيرو وأحداث ميدان العباسية وأحداث مجزرة بور سعيد وانقلاب السيسي الدموي ومجزرة إستاد الدفاع الجوي وحتى الآن؟!
حتى في فترة حكم الرئيس محمد مرسي لم يقم نظامه بإنشاء محكمة الثورة لتقتص ممنْ قتل الثوار!
وإذا كانت حجة الثوار وجماعة الإخوان أن محاكمة مبارك وأزلام نظامه لو تمت أمام محكمة ثورية، فلن نستطيع أن نعيد أموالهم المهربة في الخارج، فقد حوكم مبارك وأزلامه أمام محاكم عادية ولم تعد تلك الأموال؟! بل خرجت رؤوس نظامه من السجون بعد الحكم ببراءتهم، وأطلوا علينا الآن بوجوههم الكالحة!
دماء المصريين في أحداث محمد محمود
7- الثوار شو
بدأت الثورة المضادة تعمل آلتها منذ خلع مبارك. والمجلس العسكري يمثل هذه الثورة المضادة خير تمثيل. وقد طفق المجلس العسكري على العمل على ظهور بعض رموز الثورة في الإعلام مع تلميعهم وإغداق الأموال عليهم؛ فأنى لهم أن يستمروا (ثوارا) كما كانوا؟!
غير ما قام به المجلس العسكري من مساعدة قيام كيانات متعددة للثوار حتى يطبق نظرية (فرق تسد) بقوة.
8- فقدان روح الديمقراطية التنافسية
حينما اكتسح التيار الإسلامي الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، لم يجد أنصار تيارات الثورة وكياناتها المتعددة وحتى أحزاب المعارضة إلا التعاون مع الفاشية العسكرية لإفشال نتائج الانتخابات والانقلاب عليها ولتذهب مبادئ الليبرالية والديمقراطية إلى الجحيم!
9- اتجاه جماعة الإخوان الإصلاحي
جماعة الإخوان المسلمين ليست جماعة ثورية، إنما هي جماعة دعوية إصلاحية، وكان يجب عليهم حينما تولوا مقاليد البلاد بعد ثورة شعبية، أن يغيروا عقيدتهم الإصلاحية إلى (العقيدة الثورية) وخاصة مع الدولة العميقة والثورة المضادة الناتجة عنها، وهذه العقيدة الثورية هي الوحيدة القادرة على استكمال أهداف الثورة.
10- ترك الإخوان للتظاهر بمفردهم
بعد انقلاب 3/7/2013، ترك الثوار أعضاء وأنصار الشرعية للتظاهر بمفردهم، وحينما اشتركت إحدى كيانات الثورة مثل حركة 6 إبريل، فإنما تظاهروا على استحياء! وأنصار الشرعية هم الوحيدون المستمرون في التظاهر للتعبير عن رفضهم للحكم العسكري الفاشي.
إن الثورة المصرية سرقت مرتان، مرة في أواخر عصر الملك فاروق حينما كان عرشه يترنح، وكانت الثورة الشعبية تغلي وتغلي وكانت على وشك الفوران والبركان، وإذا بالولايات المتحدة تسرق ثورة الشعب لتعطيها للبكباشي جمال عبد الناصر
إن الثورة المصرية سرقت مرتان، مرة في أواخر عصر الملك فاروق حينما كان عرشه يترنح، وكانت الثورة الشعبية تغلي وتغلي وكانت على وشك الفوران والبركان، وإذا بالولايات المتحدة تسرق ثورة الشعب لتعطيها للبكباشي جمال عبد الناصر ليقوم بانقلابه المشئوم في 23 يوليو 1952، أما السرقة الثانية فكانت للثورة الشعبية المصرية في 25 يناير 2011 على يد الثورة المضادة ويمثلها خير تمثيل المجلس العسكري الأعلى الذي أجهض الثورة مع الوقت، وأجهض ما أثمرته الثورة من استحقاقات انتخابية متعددة ودستور 2012، و حُكم أول رئيس مصري مدني منتخب، وانقلاب السيسي في 3/7/2013 ما هو إلا أعلى صورة للثورة المضادة، وما غضت أمريكا الطرف عن (مجازره المقصودة)، إلا لكي لا يقوم الشعب المصري بثورة أخرى لعدة قرون مقبلة.
إن دراسة الشعوب لأخطاء ثوراتها من أنجح العوامل لتجنبها بعد ذلك؛ هذا إن قامت تلك الشعوب بثورة أخرى، ويبدو هذا بعيد في الأفق في بلدنا المكلوم بحكامه العسكريين الدمويين؛ بسبب المجازر التي قامت بها الثورة المضادة منذ انقلاب 3/7/2013 وحتى الآن، وحكمهم بالحديد والنار، وتشييدهم للسجون ويكفي أن اسم أحدهم في مدينة الإسماعيلية هو (سجن المستقبل)!…
صدق منْ قال: “ويل لشعب لم يكمل ثورته”.