ترجمة حفصة جودة
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في بداية 2022، شهدت الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا الكثير من الاضطرابات، ومؤخرًا، تقدمت فلسطين للانضمام إلى مجموعة بريكس – التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا – بالإضافة إلى 7 دول عربية أخرى هي: الجزائر ومصر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت والمغرب.
وفي أثناء قمة المجموعة في جوهانسبرج هذا الشهر، أُعلن رسميًا قبول انضمام السعودية والإمارات ومصر بالإضافة إلى إيران وإثيوبيا والأرجنتين.
ورغم أن فلسطين لم تكن مدعوة للقمة وليست من ضمن الدول التي قد تنضم قريبًا للمجموعة، فإن تحالف بريكس قد يساعد في عرض قضية الدولة الفلسطينية على الساحة المركزية الدولية، فبعد سنوات من التوقف نتيجة تخلي أمريكا و”إسرائيل” عن عملية السلام، واهتمام واشنطن بدلًا من ذلك بالتوسط في صفقات التطبيع بين “إسرائيل” والدول العربية، سيكون الأمر مُرحبًا به، فدعم بريكس لفلسطين ليس حديثًا لكنه السياق الحالي.
انتهت قمة جوهانسبرج ببيان تطالب فيه بمفاوضات مباشرة بين فلسطين و”إسرائيل” مبنية على القانون الدولي ومبادرة السلام العربية، نحو حل الدولتين، ما يعني تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة.
هذا البيان يكرر ما قيل في نص الشراكة الصينية الفلسطينية الموقع في يونيو/حزيران، وقبل أيام من القمة، أكد رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا على دعمه تحرير فلسطين.
أعربت القيادة الفلسطينية عن دعمها بدعوة بريكس ببدء مفاوضات مباشر مع “إسرائيل” دون تدخل أمريكا، لتصل بذلك رسالة إلى أمريكا تقول: عصر الأحادية الأمريكية يتراجع.
خفضت الولايات المتحدة المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية بشكل كبير، واستمرت “إسرائيل” في منع عائدات الضرائب وفرضت عقوبات أخرى أثرت سلبًا على قدرة السلطة الفلسطينية في إنفاق ميزانيتها
ولإحياء القضية من خلال مباردة السلام العربية ودعم خطوات بريكس، عينت السعودية أول سفير غير مقيم لها في فلسطين وقنصل عام في القدس دون التشاور مع “إسرائيل”.
بالنسبة للجانب الإسرائيلي، فمن المتوقع زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للصين في الأشهر القليلة المقبلة، لمناقشة عملية التفاوض الصينية بقيادة روسية مع الفلسطينيين، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد زار الصين في شهر يونيو/حزيران والتقى بالرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي أكد التزام الصين بدعمها للدولة الفلسطينية.
في الحقيقة، ترفض دول بريكس موقف أمريكا من فلسطين والمدفوع باتفاقية أبراهام، هذا لا يعني أنهم لا يدعمون الاتفاقية، لكنهم يعتقدون أن غياب موقف واضح ومستدام لحل القضية الفلسطينية، سينهي احتمالية حل الدولتين.
ثانيًا، تأتي العلاقات الدافئة بين فلسطين وبريكس وسط تنامي أزمة محلية تبتلع وجود السلطة الفلسطينية، فقرار الفلسطينيين بالتخلص من أمريكا كوسيط دليل على سوء العلاقات مع واشنطن و”إسرائيل”.
وهو يكشف عن اعتقاد السلطة الفلسطينية بأن واشنطن والحكومة الإسرائيلية المنتخبة حديثًا، قد قررا إضعاف وإبعاد السلطة الفلسطينية وإهمال عملية السلام والسعي نحو ضم الضفة الغربية.
خلال السنوات القليلة الماضية، خفضت الولايات المتحدة المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية بشكل كبير، واستمرت “إسرائيل” في منع عائدات الضرائب وفرضت عقوبات أخرى أثرت سلبًا على قدرة السلطة الفلسطينية في إنفاق ميزانيتها، ما أدى إلى تأخر دفع الرواتب وخفض رواتب موظفي الدولة، وتراجع الخدمات العامة، أدى ذلك إلى تراجع الدعم العام للسلطة الفلسطينية وتزايد السخط من الوضع الراهن.
ما زال دعم بريكس لفلسطين خطابيًا، فلم تعلن دول بريكس بشكل فردي أو جماعي أي زيادة في المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية
تسبب غياب الأفق السياسي والضغوط الاقتصادية وأزمة الشرعية المحلية، في تزايد التوترات الداخلية للسلطة الفلسطينية، وأصبح المقاتلون الفلسطينيون الشباب يواجهون بأنفسهم عنف المستوطنين المتزايد وعدوانهم على المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
أدى ذلك إلى مواجهات بين المقاتلين والسلطة الفلسطينية التي تقوم بالتنسيق الأمني مع “إسرائيل” بموجب اتفاقية أوسلو، بما في ذلك منع الهجمات المسلحة، هذا كله يدفع السلطة الفلسطينية نحو بريكس كأداة للتفاوض تساعدها على استعادة الدعم المحلي المفقود.
ونظرًا لاستمرار النفوذ الروسي في سوريا ودور الصين الرئيسي في الوساطة بين إيران والسعودية، فإن فلسطين تسعى أيضًا نحو الاستفادة من المنافسة المتزايدة بين القوى الكبرى لبدء عملية سلام جديدة غير متحيزة، لكن القول أسهل من الفعل بالطبع.
حتى الآن، ما زال دعم بريكس لفلسطين خطابيًا، فلم تعلن دول بريكس بشكل فردي أو جماعي أي زيادة في المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية، ولم تقدم حتى أي حافز مالي يحث “إسرائيل” على الانضمام للمفاوضات.
يبدو أن دول بريكس – على الأغلب – لا ترغب في معالجة السبب الرئيسي للأزمة الفلسطينية، وهو احتلال “إسرائيل” غير الشرعي لفلسطين والسياسات التي وصفتها جماعات حقوق الإنسان بالفصل العنصري.
على الكتلة أن تكون مستعدة لاستخدام أدوات القوة الناعمة والصارمة، إذا أرادت حقًا أن تظهر كلاعب قادر على دفع “إسرائيل” نحو المفاوضات المباشرة
نظرًا لتلك الخلفية، فمن الطبيعي أن نتساءل، هل يستمر هذا الدعم لفلسطين من دول بريكس رمزيًا وعلى الورق فقط.
إن قوة “إسرائيل” الاقتصادية والعسكرية الساحقة، إضافة إلى دعم أمريكا غير المشروط، يعني أنها لن تخضع لأي ضغوط حقيقية للمشاركة في أي مفاوضات مباشرة، ترتبط “إسرائيل” أيضًا بعلاقات فردية مع دول بريكس خاصة الصين والهند وروسيا، وليس هناك أي دليل على احتمالية مخاطرتهم بتلك العلاقة لدفع “إسرائيل” نحو المحادثات.
كما أن الانقسام الوطني للفلسطينيين سيعيق نجاح أي محاولة للتفاوض حال حدوثها، ومع ذلك، فمن الضروري أن نتذكر أن التزام بريكس بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ما زال في مرحلته الأولى.
والآن، على الكتلة أن تكون مستعدة لاستخدام أدوات القوة الناعمة والصارمة، إذا أرادت حقًا أن تظهر كلاعب قادر على دفع “إسرائيل” نحو المفاوضات المباشرة، من دون ذلك لن تستطيع الكتلة منع “إسرائيل” من ضم الضفة الغربية والتخلي عن رؤية حل الدولتين.
هناك اختبار قادم قريبًا، فحماس و”إسرائيل” تستعدان لحرب متعددة الجبهات تزعم فيها كلتاهما أنها ستغير التوازن الإقليمي للقوى، في مثل هذا السيناريو يمكن لكتلة بريكس أن تلعب دورًا جادًا وأكبر لإنهاء الصراع، ويبقى السؤال: هل ترغب الكتلة في ذلك حقًا؟
المصدر: الجزيرة الإنجليزية