أثار تقرير فرنسي سرّي، عرض نهاية الأسبوع الماضي، على أنظار نوّاب برلمان فرنسا، يتحدّث عن مخاوف بشأن الاستقرار في دول المغرب العربي بسبب ما اعتبره التقرير هشاشة الوضع الناجمة عن الوضع الصّحي للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والملك المغربي محمد السادس، جدلا كبيرا داخل هذه الدول الثلاثة خاصة من حيث الغاية من عرض هذا التقرير السرّي ومدى صحّته والدّور الفرنسي في هذه الدّول.
الوضع في المغرب العربي هشّ لأن صحة حكامه هشّة
استأثر موضوع الوضع الصحي لزعماء كل من تونس والجزائر والمغرب، باهتمام النواب الفرنسيين في جلستهم الخاصة حول علاقة بلادهم بدول المغرب، بعد أن أكّد نائبان من الحركة من أجل الجمهورية (يمين) ومن الحزب الاشتراكي (يسار) أن الوضع في المغرب العربي هشّ لأن صحة حكامه هشّة. وبين النائبان أن كلّ شيء في الدول الثلاث مرتبط بشكل أساسي بهؤلاء الزعماء الذين يعانون من متاعب صحية.
أضاف التقرير أن كل شيء في الدول الثلاث مرتبط بشكل أساسي بهؤلاء الزعماء الذين يعانون من متاعب صحية
وعرض النائبان غيي تييسي من الحركة من أجل الجمهورية وجان كالفاني من الحزب الاشتراكي تقريرا سرّيا تضمن معلومات حسّاسة حول حكام تونس والجزائر والمغرب. وجاء في التقرير الذي أكّد وجود “استقرار شكلي في المغرب العربي “، أنّ “الوضع الصحي للزعماء الثلاث مقلق، فالباجي قايد السبسي يبلغ من العمر 89 سنة وسيصل الى 90 سنة في ظرف شهور، وبدوره يعاني الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من مرض معروف، الجلطة الدماغية، التي أقعدته، وفي المغرب، هناك ملك شجاع، وملك حداثي وله رؤية متقدمة في بعض القضايا، ولكن هذا الملك مصاب بمرض يتفاقم ببطء، ويعالج بمهدئات، وأن وضعه الصحي لا يدفع إلى الاطمئنان، وهو بدوره يمثل بعد السبسي وبوتفليقة سلطة متجسّدة في الحكم الفردي، كرّس نظام الشخص الواحد، وأنّ أي طارئ صحي قد يحدث له قد يؤثر على استقرار المغرب، وكل هذا يطرح علامات استفهام حول المستقبل.”
وأضاف التقرير أن كل شيء في الدول الثلاث مرتبط بشكل أساسي بهؤلاء الزعماء الذين يعانون من متاعب صحية، مشيرا إلى أن المعلومات بخصوص تطور الوضع الصحي للمسؤولين الثلاثة تكاد تكون منعدمة. وقال: “هناك حركات داخلية عديدة في الدوائر العسكرية والإدارية لإعداد خليفة لبوتفليقة”، مؤكدا أن “الجيش يحتل مركزا مهما جدا بالجزائر خصوصا قائد الأركان الذي ينظر إليه من الآن كخليفة لبوتفليقة”.
تقدّم سن السبسي يقلق فرنسا
أشار التقرير البرلماني الفرنسي إلى الوضع الصحي للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي البالغ من العمر 90 عاما، والذي كان السبب في عدم ظهوره في عيد الفطر السنة الماضية، وكان غياب السبسي المتكرر قد أدّى إلى انتشار شائعات كثيرة عن وضعه الصحي. وأوضح التقرير أن الرئيس التونسي يحاول السخرية من الآلام التي يشعر بها قائلا إن طبيبه أخبره أن شخصا في مثل سنّه إذا استفاق ولم يشعر بآلام في ساقيه ويديه وفي مفاصله فإن ذلك يعني أنه ميت.
يصر الرئيس التونسي على سلامة صحته رغم كبر سنه
وشهدت تونس، في عيد الفطر الماضي، جدلا كبيرا على خلفيّة تسجيل غياب الرّئيس، الباجي قائد السبسي، عن موكب أداء صلاة العيد، الذي جرت العادة أن يجمع رموز الدّولة في جامع الإمام مالك بن أنس بضاحية قرطاج، وعدم القائه كلمة تهنئة للشّعب التونسي عبر كلمة مُسجّلة تُذاع على القناة الحكومية، كما جرت العادة سنويّا منذ عقود.
ووعد الرئيس التونسي خلال حملته الانتخابية بنشر تقريره الطبي، إلاّ أنّه لم يفعل ذلك، وكثيرا ما يغيب على الأنظار بسبب حالته الصحيّة التي توصف بالمتدهورة لكبر سنه.
الوضع الصحّي لبوتفليقة محطّ أنظار فرنسا
إلى جانب الوضع الصحّي للرئيس التونسي، أشار التقرير البرلماني الفرنسي، أيضا، إلى الوضع الصحي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (80 عاما) الذي يتابع ملفه الصحي في باريس، حيث يتردّد بين الفينة والأخرى على مستشفى “فال دو غراس”، لإجراء فحوصاته الطبية، وأحيانًا عند اشتداد المرض، يُنقل إلى مؤسسة “زانفاليد الوطنية” المتخصصة في الاهتمام بالحالات الصعبة.
لا تشاهد الجماهير عادة بوتفليقة إلا في مقاطع فيديو قصيرة يبثها التلفزيون الرسمي خلال استقباله مسؤولين أجانب يزورون البلاد في مقره الرئاسي
وأصيب بوتفليقة سنة 2005 بقرحة معدية استدعت عملية جراحية في مستشفى فال دوغراس، قبل أن يصاب في 2013 بجلطة دماغيّة أثّرت على بعض وظائفه وأقعدته على الكرسي المتنقل، وغيّبته عن مخاطبة شعبه وممارسة مهامه أمام كاميرات الإعلام إلا في الضرورة القصوى، ولا تشاهده الجماهير عادة إلا في مقاطع فيديو قصيرة يبثها التلفزيون الرسمي خلال استقباله مسؤولين أجانب يزورون البلاد في مقره الرئاسي.
الوضع الصحّي لبوتفليقة محطّ اهتمام الداخل والخارج
ويسافر بوتفليقة دوريا إلى مستشفيات فرنسية، خاصة مجمع غرونوبل الصحّي لمتابعة فحوصاته الطبية، حتّى أن طبيبه المباشر جاك مونسيغو المتخصص في القلب والذي كان يعمل سابقا في المستشفى العسكري في فال دو غراس بباريس بات يعمل في مجمع غرونوبل الذي أقام فيه بوتفليقة ويرجح أن يكون بوتفليقة لفترة قصيرة في نوفمبر 2014 وكذلك في ديسمبر 2015.
ومنذ إصابته بالجلطة دماغية سنة2013، خفض بوتفليقة الذي وصل إلى الحكم عام 1999، وانتخب لولاية رابعة من خمس سنوات في 17 أبريل 2014 بنسبة أصوات فاقت %82، كثيرا من نشاطه العام، وهو ما دفع المعارضة الجزائرية للتشكيك في قدرته على حكم البلد وتسبب في استمرار التكهنات بشأن صحته، حتّى أن بعض معارضي بوتفليقة دعوا لإجراء انتخابات مبكرة لسوء حالته الصحية.
محمد الخامس: ملك شجاع إلاّ أنّه مريض
ملك شجاع وحداثي وله رؤية متقدمة في بعض القضايا إلاّ أنّه مريض هكذا يصف التقرير الفرنسي، العاهل المغربي محمد السادس. ويعاني عاهل المغرب من أزمات صحيّة متكرّرة، وكانت أول مرّة يعلن فيها عن مرض الملك سنة 2009، حين أعلن القصر الملكي أنّ الملك محمد السادس تعرّض لالتهاب واضطرابات في الجهاز الهضمي.
عجز الملك المغربي خلال القمة العالمية للمناخ المنعقدة في باريس سنة 2015 على القاء كلمة المغرب بسبب فقدانه صوته
وذكر بيان، أصدره الطبيب الخاص للملك حينها، أنّ الالتهاب الذي تعرّض له العاهل المغربي فيروسي ويعرف باسم “روتا فيروس”. وفي نوفمبر 2014، أجلت الزيارة التي كان سيقوم بها الملك محمد السادس إلى جمهورية الصين الشعبية، لأسباب صحية، وفق ما أكده بلاغ لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة.
يعاني عاهل المغرب من أمراض صدرية
وفي وقت سابق تمّ تعليق زيارة الملك التاريخية لمحافظة العيون المغربية بمناسبة الذكرى الأربعين لحدث المسيرة الخضراء (جنوب) وكل الأنشطة الملكية، بعد إصابة الملك بانفلونزا حادة خلال الزيارة التي قام بها إلى الهند، أثّرت بشكل واضح على الحبال الصوتية وفقدان الملك لصوته، حسب طبيب الملك.
وعجز الملك المغربي خلال القمة العالمية للمناخ المنعقدة في باريس سنة 2015 على القاء كلمة المغرب بسبب فقدانه صوته وهو ما دفعه لتكليف شقيقه الأمير رشيد بإلقاء الخطاب عوضا عنه.
اضطراب الوضع في دول المغرب العربي يهدد أمن أوروبا
تخشى باريس من اضطرابات سياسية في شمال إفريقيا قد تهدد أمن أوروبا، لذلك ما فتئ قصر الإليزيه يتابع باستمرار الوضع الصحي لحكّام المغرب العربي، حسب عديد الخبراء، نظرًا للمصالح الكبيرة التي تربط فرنسا مع المنطقة المغاربية والإفريقية، ونتيجة لهذا تحولت مستشفيات العاصمة الفرنسية إلى مستودع للأسرار الطبية لهؤلاء المسؤولين، حتى أصبح ملفهم الصحي موكلًا بشكل خاص لأطباء مستشفيات باريس، التي تحتفظ بسجلاتهم الصحية، وأصبحت بذلك باريس على علم مفصّل بالأوضاع الصحّية لزعماء المغرب العربي وعلى اطّلاع دقيق على خريطة السياسة، ومستقبلها في تلك المناطق.
اهتمام فرنسا بصحة رؤساء دول شمال إفريقيا ناتج عن خوفها على مصالحها الاقتصادية والجيوستراتيجية
في مقابل ذلك يرى سكّان المغرب العربي أنّ الحديث عن الحالة الصحية لزعمائهم شأن سيادي بالنسبة لهم، فلم يسبق أن ناقش أي برلمان في أية دولة، الحالة الصحية لرئيس بلد آخر مهما كان الارتباط بين المصالح أو علاقات التبعية المتبادلة. وتكرّس فرنسا بمناقشة هذا التقرير، مبدأ تبعيّة هذه الدول لها.
من جهة أخرى، يؤكّد متابعون، أنّ اهتمام فرنسا بصحة رؤساء دول شمال إفريقيا ناتج عن خوفها على مصالحها الاقتصادية والجيوستراتيجية، وامكانية فقدانها مكانتها التاريخية في هذه الدول وتقلّص نفوذها فيها لصالح دول أخرى.