كرر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي يتولى بلده الرئاسة الحالية لمجموعة العشرين، الدعوة إلى ضم الاتحاد الإفريقي للمجموعة الاقتصادية العملاقة التي تشكل نحو 85% من الناتج المحلي العالمي، لافتًا خلال كلمته على هامش المنتدى التمهيدي للأعمال المنعقد حاليًا في نيودلهي إلى أن انضمام الاتحاد للمجموعة أمر مهم “بالنظر إلى الدور المتزايد للدول الإفريقية في المجتمع الدولي”، تبعته في ذلك وزيرة الخارجية الفرنسية التي نادت بالمطلب ذاته.
لم تكن تلك الدعوة هي الأولى من نوعها للمطالبة بضم الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين، ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن رغبته في أن ينضم التكتل الإفريقي لهذا الكيان الاقتصادي العالمي، مضيفًا أن تلك الخطوة “تأخرت كثيرًا لكنها ستحدث”.
#الشرق_عاجل وزيرة الخارجية الفرنسية: نطالب بتمثيل قارة إفريقيا ضمن مجموعة العشرين #عاجل https://t.co/N0Z1pHFy60
— الشرق عاجل Asharq Breaking (@AsharqNewsBrk) August 29, 2023
بدأت الدعوة لضم الاتحاد الإفريقي للمجموعة منذ القمة التي عقدت في أغسطس/آب 2020، وخلال رئاسته لدورة 2022 للاتحاد الإفريقي، وفي أثناء مشاركته في قمة العشرين بمدينة بالي الإندونيسية، أعاد الرئيس السنغالي ماكي سال التأكيد على مطلب الانضمام إلى المنتدى العالمي، ثم طُرح هذا الملف مرة أخرى خلال القمة الإفريقية الروسية التي عقدت مؤخرًا، ليعاد الطلب مرة أخرى في القمة المفترض أن تستضيفها العاصمة الهندية خلال يومي 9 و10 سبتمبر/أيلول المقبل.
أكثر من نصف أعضاء مجموعة العشرين وعلى مستوى رؤساء الدول أعلنوا تأييدهم لتلك الدعوة، وسط تزايد معدلات احتمالية أن يصبح الاتحاد الإفريقي عضوًا جديدًا في مجموعة العشرين (التي سيتغير اسمها بطبيعة الحال إلى قمة الحادي والعشرين) خلال قمة نيودلهي، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات عن دوافع هذا الإصرار من القوى الاقتصادية الكبرى لضم القارة السمراء لخريطة الكبار، وما تعنيه تلك الدعوات المتكررة، ثم السؤال الأبرز: هل إفريقيا مؤهلة فعليًا للانخراط في هذا الكيان القوي اقتصاديًا؟
ضرورة إستراتيجية ملحة.. ما دوافع تلك الدعوات؟
رغم الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها مجموعة العشرين (G20) التي تعتبر المنتدى الأول للتعاون الاقتصادي الدولي، وتشكل نحو 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75% من التجارة العالمية، وما يقارب ثلثي سكان العالم، فإنها باتت على يقين أنها بمفردها لا يمكنها أن توفر الضمانات اللازمة لمستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا.
فالتكتل (الذي يتكون من 19 دولة: الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان وجمهورية كوريا الجنوبية والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي كالعضو رقم 20) الذي تشكل عام 1999 وظهرت هويته الاقتصادية كقوة لا يستهان بها في أعقاب الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية لعام 2007 وما تلاها من أزمات لاحقة، ها هو اليوم يواجه تحديات كبيرة تقوض مساره.
التطورات الجيوسياسية والعسكرية التي تشهدها الخريطة العالمية، لا سيما بين القوى الكبرى ممثلة في المعسكرين الشرقي والغربي، دفعت الجميع نحو إعادة تموضع وفق آليات مختلفة، تضع في الاعتبار القيمة الاقتصادية واللوجستية لبقية القوى الأخرى في العالم، حتى لو لم تكن على المستوى المأمول اقتصاديًا في الوقت الراهن.
ينطبق هذا الأمر بشكل كبير على القارة الإفريقية، فرغم تواضع الناتج المحلي للاتحاد الإفريقي (يضم 55 دولة عضوًا) الذي لا يتجاوز 3 تريليونات دولار خلال عام 2022 مقارنة بدول المجموعة (يبلغ الناتج المحلي للصين وحدها 17.82 تريليون دولار عام 2021) فإن الأعوام الماضية فرضته كقبلة اقتصادية واعدة.
كما أن التحديات الاقتصادية القاسية التي تعرض لها العالم منذ عام 2019 وحتى اليوم وعلى رأسها جائحة كورونا والتغيرات المناخية وتعاظم الديون والتضخم المرتفع، جعلت من التعاون مع المناطق التي تمتلك ثروات وإمكانات اقتصادية جيدة مسألة لوجستية حيوية، ومن ثم كان هذا الإجماع أو شبه الإجماع على انضمام الاتحاد الإفريقي كعضو داخل مجموعة العشرين الكبرى.
من الاستعمار إلى الشراكة.. العالم يغير نظرته لإفريقيا
الرسالة الأكثر وضوحًا التي تبعث بها الدعوات المتكررة الصادرة عن زعماء وقادة معسكري الشرق والغرب، تؤكد هذا التغير الكبير في نظرة العالم للقارة السمراء، تلك النظرة التي كانت تسيطر عليها الابتزاز والعبودية وحلب موارد القارة ووأدها على أسنة الاستعمار المسنونة لعقود طويلة.
تغيرت تلك الرؤية العنصرية السوداء إلى التشاركية والإيمان بقدرات الأفارقة على أن يكونوا شركاء حقيقيين في بناء مستقبل العالم، وقد بدأت تلك النظرة الجديدة في التكوين مع الدور المتزايد للدول الإفريقية في المجتمع الدولي الذي استطاع أن يخطو خطوات واسعة وسريعة نحو الانخراط في المنظومة الدولية بشكل دفع الجميع لإعادة تقييم النظرة الدونية السابقة.
لم تعد إفريقيا – رغم ما يمزقها من صراعات ونزاعات وهيمنة لحكم العسكر على الكثير من دولها – تلك الضحية المستأنسة، سهلة الاحتواء والاستقطاب كما كانت على مدار عقود طويلة من الاستعمار والاحتلال بشقيه، العسكري والاقتصادي، وهو ما تترجمه حركات التمرد الأخيرة على الوجود الغربي في القارة.
تلقت القوى الاستعمارية القديمة خلال السنوات الماضية ضربات شديدة الألم في بعض مستعمراتها التقليدية، وصلت إلى حد طرد قواتها ومنح سفرائها مهلة لمغادرة البلاد، فيما خرجت الشعوب من كهوف التغييب والتضليل نحو نور الوعي والفهم، فأعلنت هي الأخرى رفضها لهذا الوجود الذي أفرغ بلادها من خيراتها وثرواتها.
أمام هذا التحول الكبير في الوعي الذي بات من الصعب معه الارتكان إلى ذات الإستراتيجيات الاستعمارية القديمة، اضطر العالم إلى فتح المجال أمام إفريقيا للمشاركة مع كيانات العالم الاقتصادية بشكل علني ومباشر، وهو ما حدث في تجمع بريكس الذي منح مصر وإثيوبيا عضويته بدءًا من العام القادم، وها هو الاتحاد الإفريقي على مشارف عضوية مجموعة العشرين الكبرى.
ثروات إفريقيا وتغير البوصلة
ظلت إفريقيا لسنوات طويلة ساحة صراع نفوذ كبيرة للقوى الاستعمارية الكبرى، وذلك لما تمتلكه من ثروات وموارد اقتصادية هائلة، بل إن بعض المؤرخين أشاروا إلى أن كبريات الحروب والنزاعات التي شهدها العالم على مدار قرنين ونصف كانت إفريقيا السبب الرئيسي وراء اندلاعها بما فيها الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918).
بعيدًا عن الإنتاج المحلي المتواضع ومؤشرات النمو الاقتصادي المتدنية التي ترجع في معظمها إلى فشل إدارة الموارد وتفشي الفساد ومخططات الاستعمار والأجندات الخارجية، فإن إفريقيا تمثل ركنًا أصيلًا في الاقتصاد العالمي لما تحتضنه من موارد طبيعية وثروات معدنية أسالت لعاب القوى الاقتصادية على مدار سنوات طويلة.
البنك الدولي في مبادرة له قبل سنوات تحت عنوان “خريطة المليار دولار” حاول رسم خريطة حديثة للموارد التعدينية في إفريقيا، وكشفت تلك المبادرة عن امتلاك القارة السمراء احتياطي ضخم لـ17 معدنًا من أصل أكثر 50 معدنًا إستراتيجيًا مهمًا في العالم، من بين تلك المعادن الكولتان والكوبالت والليثيوم والبوكسيت التي تمثل عصب الصناعات المستقبلية، هذا بخلاف الذهب.
المبادرة أشارت إلى أن إفريقيا تملك احتياطيًا من البوكسيت يبلغ 30% والبلاتين 85% والكروم 80% والكوبالت 60% والألماس 75%، التي تعتبر عصب إنتاج عقاقير علاج السرطان وعناصر الهواتف الذكية وتقنيات الطاقة المتجددة، وصناعة الأسلحة الدقيقة وعدسات التليسكوب، وفي صناعات الليزر والصواريخ.
اللافت في تلك المبادرة أنها كشفت أن القوى الاقتصادية الكبرى تلبي ما بين 60 – 70% من احتياجاتها من المعادن الإستراتيجية والنادرة الداخلة في صناعة التكنولوجيا من القارة الإفريقية، ما حول دول القارة إلى قبلة الكثير من الدول ذات الطموح الاقتصادي الكبير كالصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة واليابان وغيرها من بلدان العالم.
بحسب الوكالة الدولية للطاقة، فإن الطلب على المعادن الحيوية النادرة سيتزايد بحلول 2040 بنسبة تتجاوز 400% إذا التزم العالم بمبادئ وبنود اتفاق باريس للمناخ وتقليل الانبعاثات الكربونية الملوثة للبيئة، فيما ذهب معهد علوم الأرض بفرنسا في تقديراته إلى أن العالم بحاجة إلى إنتاج معادن بحلول 2050 أكثر مما أنتجته البشرية على مدار تاريخها.
ثم جاءت حرب الرقائق الأخيرة بين الصين والولايات المتحدة وما تلاها من تداعيات للحرب الروسية الأوكرانية، لتضع العالم أمام تحديات جسام فيما يتعلق بمستقبله الصناعي والتكنولوجي في ظل ما يعاني منه احتياطي القوى الكبرى من تراجع، وهو ما دفع الجميع بلا استثناء إلى طرق أبواب القارة الإفريقية العائمة على بحر من الثروات الإستراتيجية التي لا يمكن العبور نحو المستقبل دونها.
السؤال هنا: هل إفريقيا مستعدة لتلك الخطوة؟
المخاوف التي فرضت نفسها مع الإعلان عن قبول عضوية مصر وإثيوبيا لتكتل “بريكس” هي ذاتها التي تفرض نفسها اليوم مع دعوات انضمام الاتحاد الإفريقي إلى “مجموعة العشرين” الكبرى، فمزاحمة أباطرة الاقتصاد في العالم تتطلب حدود دنيا من الإمكانات والمؤهلات لا تتوافر في الوقت الراهن لدى الاتحاد الإفريقي.
الباحث الكاميروني في الشؤون الاقتصادية، تشام إتيان، يرى أن الاتحاد الإفريقي بظروفه الحالية غير مستعد للانضمام لمجموعة العشرين في الوقت الراهن، مبررًا ذلك بوجود العديد من التحديات الداخلية التي يجب أن يتعاطى معها هذا التكتل الإفريقي مع دول القارة أولًا قبل التفكير في الانخراط في كيان بهذه القوة.
إتيان في مداخلة متلفزة له، أشار إلى أن مستوى التكامل الاقتصادي داخل إفريقيا ضعيف للغاية، وهناك فوارق كبيرة بين دول القارة، فضلًا عن النزاعات الكبيرة بينها، وتراجع منسوب الشراكة البينية إلى مستويات متدنية، على عكس الاتحاد الأوروبي الذي يتمتع بمنسوب كبير من التكامل بين أعضائه.
بناءً على ذلك، يرى الباحث الكاميروني أن الاتحاد الإفريقي عليه أولًا أن يركز على تحدياته الداخلية وأن يعمل جاهدًا لتعزيز التعاون والشراكات البينية، ثم بعد ذلك يفكر في الانضمام إلى كيانات اقتصادية كبرى، وعليه يعتبر أن القيمة الأبرز وربما الوحيدة من عضوية العشرين هو توصيل أصوات الأفارقة للعالم وفقط، على حد قوله.
في سياق المخاوف ذاتها يتصاعد القلق بشأن تحول إفريقيا – في ظل الابتعاد عن المنافسة نظرًا للفوارق الكبيرة بينها وبقية أعضاء المجموعة والتحديات سالفة الذكر – إلى سوق كبير لتلك الدول، دون المشاركة الفعالة في دفع عجلة الاقتصاد بما يعود على بلدان القارة بالنفع، وهو ما يزيد من أعباء الأفارقة مع مرور الوقت.
كما أن انضمام دول القارة إلى تكتل كهذا، قد يفتح الباب نحو تعزيز وجود وحضور بعض القوى الاستعمارية القديمة لنهب ثروات إفريقيا بشكل رسمي، حتى لو كان ذلك عبر اتفاقيات اقتصادية مبرمة، تفتقد بطبيعة الحال للتنافسية، وهو ما يسمح لتلك القوى بالسيطرة على موارد القارة الإفريقية بشكل قانوني.
يعد هذا تخوف آخر تعززه بعض الشواهد الحالية الخاصة بمنح بعض الشركات متعددة الجنسيات حق التنقيب عن النفط والذهب والعديد من الثروات المعدنية في بعض الدول الإفريقية وفق اتفاقيات غير عادلة، تفرغ موارد الأفارقة وتمنحها على طبق من ذهب وبسعر بخس للقوى الكبرى.
يمكن القول، إن ثمة إيجابيات لتلك الدعوات المتكررة لانضمام الاتحاد الإفريقي لكتلة العشرين، على رأسها تغير النظرة العالمية للقارة من أرض طاردة للحياة إلى قبلة ثرية للاستثمارات، ومقوم بناء حقيقي في جدار المستقبل، ومن فريسة استعمارية إلى شريك حقيقي في النمو الاقتصادي، غير أن ذلك يعتمد على قدرة القارة على التعاطي مع التحديات التي تواجهها لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من الانخراط في هذا الكيان الضخم، وحتى لا تتحول التشاركية مع مرور الوقت إلى استعمار ناعم من نوع آخر، لكنه هذه المرة سيكون محميًا بسياج شرعي من الاتفاقيات المبرمة التي يصعب معها التخلص منه بسهولة.