بعد نجاح مساعيه في سوريا، ونجاحه في الإبقاء على رأس الرئيس بشار الأسد بعيدًا عن مقصلة المعارضة، يتوقع الخبراء السياسيون أن تكون ليبيا هي الملعب الجديد للدب الروسي، وهي الخطوة التي ربما يلقى فيها فلاديمير بوتين بعض الدعم الدولي بحجة محاربة تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، ومنعها من استغلال السواحل الليبية للتمدد لأوروبا، مع صمت أمريكي متوقع من ساكن البيت الأبيض الجديد ترامب، الذي يرى أن أولوية السياسة الأمريكية في الفترة المقبلة هي محاربة الإرهاب تحت أي مسمى، وليس دعم الشعوب الثائرة على حكامها وأوضاعها الداخلية، مثلما هي الحالة في سوريا والآن في ليبيا.
عملية البرق الخاطف سمحت لقوات حفتر بالسيطرة على الهلال النفطي بالبلاد
مكاسب حفتر
المشهد الليبي لن يختلف إذًا عن نظيره السوري، خصوصًا مع وجود قائد ما يسمى بمعركة الكرامة، اللواء خليفة حفتر، الذي يسعى بكل الطرق للوصول إلى رأس الحكم في ليبيا، وبدئها بالسيطرة على الهلال النفطي، منذ عدة أشهر، ثم إعلانه الحرب على الفصائل المسلحة، وسعيه لإقناع المجتمع الدولي لفك حظر التسليح عن الجيش الليبي الذي يقوده.
ما يدعم تصور الخبراء عن الدور الروسي المتوقع في ليبيا، وإمكانية تدخلها عسكريًا، هو الزيارة الأخيرة لحفتر إلى حاملة الطائرات الروسية “الأدميرال كوزنيتسوف”، خلال عبورها المياه الإقليمية الليبية في طريق عودتها من سوريا إلى روسيا، الأربعاء الماضي
ما يدعم تصور الخبراء عن الدور الروسي المتوقع في ليبيا، وإمكانية تدخلها عسكريًا، هو الزيارة الأخيرة لحفتر إلى حاملة الطائرات الروسية “الأدميرال كوزنيتسوف”، خلال عبورها المياه الإقليمية الليبية في طريق عودتها من سوريا إلى روسيا، الأربعاء الماضي، وهي ليست الزيارة الأولى والتعاون الأوحد بين حفتر وبوتين، حيث سبقتها زيارات أخرى كثيرة لقائد عملية الكرامة لموسكو، والتي كانت أسبابها المعلنة إقناع بوتين بالمساعدة في فك الحظر عن تسليح الجيش الليبي الذي يقوده حفتر، بينما باطنها كما يدرك المتابعون لتحركات حفتر هو الاتفاق على دعم روسيا للواء المتقاعد، للهيمنة على الوضع في ليبيا مقابل مكاسب عسكرية واقتصادية ليبية، كما حدث في سوريا، وسط أنباء غير مؤكدة تتردد عن وصول رئيس الأركان العامة في روسيا فاليري جيراسيموف إلى طبرق، على رأس وفد عسكري روسي للاجتماع بحفتر، وبرئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
براجماتية ذكية
ظهور موسكو في المشهد الليبي ليس الأول، حيث سبق وأشاد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بدور حفتر وقواته في التصدي لما أسماه الإرهاب، وصيانة استقلال ليبيا.
حفتر يزور حاملة الطائرات الروسية “أدميرال كوزنيستوف” بدعوة من وزير الدفاع الروسي
مساعي روسيا وقتها لكسب ود حفتر، دفعت البعض إلى عقد مقارنات بين الدور الذي قد تلعبه موسكو في ليبيا، وتدخلها في سوريا قبل عام لدعم نظام بشار الأسد هناك، والتقت مصالح الطرفين على الهدف ذاته.
بعض المرحبين بإمكانية التدخل الروسي في ليبيا، وبينهم مصر والإمارات، يسعون عبر تسريبات وأوامر مباشرة للإعلام الحكومي في البلدين، إلى ربط الأمر بالأمن القومي العربي والمصري ثم الخليجي، وهو ما أكدته التصريحات الأخيرة لأحد الخبراء الأمنيين المصريين في مداخلة تليفزيونية الجمعة الماضية، والتي أكد خلالها أن التدخل الروسي في ليبيا لدعم قوات حفتر، يمثل حلاً للأزمة الحدودية الغربية لمصر، ومخاوف انتشار الجهاديين المسلحين بها والسيطرة عليها، بالإضافة لكونه ضمانة للحدود الجنوبية الأوروبية لمنع تسلل المتطرفين من السواحل الليبية لها.
وهي تقريبًا نفس التبريرات التي ساقها أحد المحللين الإماراتيين بتغريدة له على تويتر، مع حقيقة تولى الفريق محمود حجازي رئيس الأركان المصري مسؤولية الملف الليبي، كدليل على إفساح المجال للبعد العسكري قبل السياسي.
هل يكون حفتر بوابة عبور روسيا إلى الداخل الليبي؟
حرب الوكالة
هذه المبررات ترى أن ليبيا الآن مسرحًا للتدخلات الإقليمية والعالمية، وكل أجهزة المخابرات الدولية توجد فوق أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، وما نشاهده من انتشار للميليشيات المتطرفة ذات العقائد الأيديولوجية والبعد الأممي، أو ذات الولاء القبلي أو المناطقي، ليس كله نتيجة صراعات محلية على السلطة والنفوذ والأيديولوجيا، كما يظهر في الأفق السياسي، وإنما هو نتيجة صراعات بين قوى إقليمية وعالمية، وهو ما يعني أنه لا مجال لأي احتجاج على التدخل الروسي في ليبيا، كما فعل حلف الأطلسي والدول التي تسير في فلكه في العام 2011 حينما تدخلت لإسقاط القذافي، أو كما الوضع في سوريا والعراق وأفغانستان.
القواعد العسكرية
السؤال هنا: إذا كانت حفتر يسعى من خلال دعوته للدب الروسي ليطئ الأراضي الليبية للوصول إلى الحكم والهيمنة على البلاد، ما استفادة روسيا المباشرة، غير تلك بالطبع التي تتعلق بالفوائد الاقتصادية والنفطية التي يغريها بها حفتر؟
الرد على هذا التساؤل جاء في سياق تقرير مطول لموقع “ديبكا” الإسرائيلي قريب الصلة بالموساد، الذي يرى أنه إذا نجحت المحاولات الروسية، فإنها ستقوم بإنشاء القاعدة الجوية الثانية في البحر المتوسط، على بعد 700 كم من الشواطئ الليبية، قبالة سواحل بنغازي، على غرار قاعدة حميميم القريبة من اللاذقية، في مقابل تقديم دعم بحري وجوي لحفتر، وإمداده بطائرات مقاتلة ومدرعات وصواريخ، عبر قاعدة حميميم في سوريا، أو عن طريق حاملة الطائرات الروسية أدميرال “كوزنيتسوف” المتمركزة الآن شرق البحر المتوسط، والتي زارها حفتر بالفعل، مما يعني أن هناك اتفاق ضمني إقليمي ودولي على حسم الصراع الليبي لصالح حفتر، خاصة بعد نجاحه في السيطرة على الهلال النفطي الذي يهم كل المتشدقين بالدفاع عن الحرية والديمقراطية سواء إقليميًا أو دوليًا.
ثالوث الأزمة
الواقع إذًا يقول إن الأيديولوجية السياسية وحدها لم تعد مقياس التحالف بين الدول والكيانات العسكرية، خاصة مع ظهور ثلاثية الإرهاب والنفط والغاز، التي باتت تتحكم في تحركات الدول الاستعمارية القديمة بمجالها الجغرافي السابق، مثل سوريا والعراق وليبيا، وبالتالي ووفق هذا التصور الجديد للأيديولوجية فإن ليبيا تمثل الآن أهمية تفوق أهمية سوريا، على الرغم من قرب الأخيرة من مخزون النفط في الخليج والعراق وإيران، مما يعني أن رؤية الطائرات والمعدات العسكرية والجنود الروس في ليبيا، إلى جانب قوات حفتر باتت قريبة، في حال لم يتم التوصل إلى حل مع الغرب، لتقاسم النفوذ ومكافحة الإرهاب، وهي عملية ستكون أقل خطورة وتكلفة لروسيا، وأعلى مردودًا من سوريا، لوجود العديد من القبائل االليبية الداعمة لهذا التدخل، للخلاص من سيطرة الميليشيات المسلحة، وكابوس داعش، الذي حول البلاد إلى دولة فاشلة سياسيا واجتماعيا، ودخلت خانة الإفلاس الاقتصادي.