ترجمة وتحرير نون بوست
يُعدّ الشعب المصري منذ أسابيع للاحتفال بذكرى المظاهرات الأولى التي اندلعت منذ ست سنوات والتي كانت تدعو إلى تغيير النظام. في المقابل، اختار الرئيس المصري الحالي هذا التاريخ الذي من المفترض الاحتفال فيه بذكرى الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، للاحتفال فيه “بعيد الشرطة”، ويصبح هذا اليوم يوم عطلة.
وبالتالي، أصبح من الواضح أن عبد الفتاح السيسي يرغب في أن يشهد الشعب المصري “بامتنانه للجهود التي يبذلها رجال الشرطة المصرية في الحفاظ على النظام والتضحيات التي قدموها”. ومن جهتها، اغتنمت القوات المسلحة المصرية الفرصة لتحيّي الرئيس المصري.
وتعليقًا على هذا التحوير، قالت نادية، طالبة سابقة في كلية الصيدلة وواحدة من آلاف المصريين الذين قضوا أكثر من أسبوعين في ميدان التحرير في شتاء سنة 2011، إنه “لا يوجد رمز لمصادرة حرياتنا أفضل من تحويل الاحتفال بالانتفاضة ضد الاستبداد إلى احتفال بعيد الشرطة”. وتضيف الفتاة، التي فضلت عدم الكشف على اسمها الحقيقي أن “النظام الحالي أصبح أكثر قمعا من نظام مبارك”.
تجدر الإشارة أن نادية ليست الحالة الأولى التي لا ترغب في نشر هويتها الحقيقة عند الإدلاء بشهادات حول ظلم النظام الحالي؛ فإن العديد من المعارضين والمثقفين وحتى الباحثين الأجانب لا يدلون بشهاداتهم إلا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، خوفا من مراقبة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. وعلاوة على ذلك، فإنه في حال الرغبة في الحديث عن الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد داخل المقاهي المصرية، يجب على المتكلم أن يهمس في أذن الطرف المقابل، خوفا من فضح أمره على يد أحد عناصر الأمن.
على الرغم من تردي الوضع الاقتصادي في البلاد، يبدو أن غالبية الشعب قد اقتنع بهذه الحجة التي يدافع عنها النظام المصري، وقبل بمصيره الذي تفرضه ذريعة الأمن دون احتجاج
“حريات غير مكتملة”
لم تتوقف القيود المفروضة على الحقوق والحريات عن التوسع في أرض الفراعنة منذ اعتلاء عبد الفتاح السيسي سدة الحكم في صائفة سنة 2013. وكان تضييق الخناق يستهدف في بداية الأمر جماعة الإخوان المسلمين، بعد الإطاحة برئيسهم محمد مرسي في تموز/ يوليو سنة 2013، وفي مرحلة ثانية امتدت حركة القمع إلى جميع الأصوات المعارضة والديمقراطية. وفي كثير من الأحيان، يزج النظام المصري بعشرات النشطاء في السجن بسبب المشاركة في احتجاجات دون موافقة السلطة.
وكأبرز مثال لتقييد الحريات في مصر، يمكن الحديث عن حالة أحمد ماهر، مؤسس حركة 6 أبريل التي تأسست سنة 2011، وأيقونة انتفاضة سنة 2011، الذي قضى ثلاثة سنوات في السجن على خلفية اشتباكات عرفتها أحد المظاهرات في ذلك الوقت. وعلى الرغم من اطلاق سراحه، إلا أنه يبقى تحت المراقبة الشرطية؛ إذ يتعين عليه تسليم نفسه لقسم شرطة القاهرة الجديدة من السادسة صباحًا إلى السادسة مساء يوميًا.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبح الناشط أحمد ماهر مهددا بسحب الجنسية منه، إذ تقدم أحد النواب المصريين بطلب عاجل في الغرض يوم 9 كانون الثاني/ يناير الحالي. وفي هذا المطلب، اتُّهم النائب المصري أحمد ماهر بالعمل على “تدمير مصر” وذلك بسبب تغريداته التي ينشرها في موقع تويتر. ومن جهته، رد الناشط المصري على حسابه الشخصي أن “هذا المنهج هو انعكاس للطريق الخاطئ الذي تسلكه البلاد. وعمومًا، فإن الفاشية تتنامى شيئا فشيئا”.
من جهة أخرى، فإن تراشق التهم والمناوشات الكلامية ليست مجرد عدم توافق بين برلماني وفيّ لحزبه الحاكم ومعارض وفيّ للنضال خلال مرحلة ما بعد مبارك؛ وإنما هي مرآة لعقلية في طريقها للتطور داخل “قلعة” السيسي المحاصرة.
والأسوأ من ذلك، وبذريعة الأمن القومي ومكافحة الارهاب، تبنت الحكومة المصرية في الأسابيع الأخيرة قوانين تضاعف من تضييق الخناق على المصريين بما في ذلك وسائل الإعلام والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، أنشأت مصر هيئة جديدة لمراقبة أجهزة الصحافة في أواخر السنة الماضية.
وعمومًا، تتمثل مهمة هذه الهيئة في مراقبة تمويل وسائل الإعلام وتعليق حق البث أو إلغاء المواد الإعلامية التي تخل “بالأمن القومي”. وعلاوة على ذلك، يعين الرئيس المصري عناصر هذه الهيئة.
الابتزاز والمضايقة
أصدر البرلمان المصري في كانون الثاني/ نوفمبر قانونًا بشأن المنظمات غيرالحكومية، يمكن وصفه بأنه ليس سوى “مدمّر” لمنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. وفي الواقع، يفرض هذا القانون على المنظمات غير الحكومية أخذ إذن من السلطات المصرية قبل القيام ببحث أو نشره أو تلقي أي تمويل أجنبي. كما أنه بموجب هذا القانون، يتم تضييق الخناق على عشرات الجمعيات أو مراكز البحث المدعومة من قبل الولايات المتحدة أو المنظمات الأوروبية، ويضع قادتهم تحت تتبع القانون المصري.
أصبح من الواضح أن عبد الفتاح السيسي يرغب في أن يشهد الشعب المصري “بامتنانه للجهود التي يبذلها رجال الشرطة المصرية في الحفاظ على النظام والتضحيات التي قدموها”
وفي هذا السياق، تقول الناشطة نادية، إن “النظام يمارس القمع ويبتز السكان بذريعة الحفاظ على الأمن والاستقرار، ويوهمهم بأنه في حال عدم اتخاذ هذه الاجراءات فستدخل البلاد في حالة من الفوضى مثل التي تشهدها سوريا أو ليبيا”.
وعلى الرغم من تردي الوضع الاقتصادي في البلاد، يبدو أن غالبية الشعب قد اقتنع بهذه الحجة التي يدافع عنها النظام المصري، وقبل بمصيره الذي تفرضه ذريعة الأمن دون احتجاج. وعلى الرغم من أن الجميع يؤكد أن “ثورة يناير” سنة 2011 لا زالت سارية المفعول، إلا أن كلا من الأحزاب المعارضة والحركات الشبابية لا تجرؤ على الدعوة إلى الاحتجاج والتظاهر خوفا من القمع الذي سيفوق درجة حشد السكان.
المصدر: ليبيراسيون