تشهد مناطق ريف دير الزور الخاضع لسلطة “قسد” توترًا كبيرًا يتصاعد في الأيام الأخيرة، لتحتدم الاشتباكات والمعارك بين عناصر مجلس دير الزور العسكري وبعض القوى العشائرية من جهة، وقوات “قسد” متمثلة بقيادة حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى، في حدث يعدّ مفصليًّا للمنطقة إذا ما تطورت تبعاته.
الأحداث الجارية جاءت على خلفية تصعيد من “قسد” اعتبرته عشائر المنطقة يمسّ كيانها بشكل مباشر، وذلك عندما اعتقلت “قسد” مساء الأحد 27 أغسطس/ آب قيادات ومسؤولي مجلس دير الزور العسكري التابع لها، بعد استدراجهم إلى مدينة الحسكة بدعوى طلبهم لاجتماع مع مظلوم عبدي القائد العام لـ”قسد”، لمناقشة الأوضاع والتطورات الأخيرة، ولبحث مطالب المجلس في إدارة المناطق التي يتواجد فيها.
🔸#DeZ
يشهد الريف الشرقي توتراً كبيراً منذ أمس، بين قوات قسد SDF من جهة، وبين قوات مجلس ديرالزور العسكري DMC وبعض أبناء العشائر من جهة ثانية، والذين تمكنوا لحد اللحظة من طرد قسد SDF من غالبية بلدة ذيبان المتاخمة لقاعدة حقل العمر الأمريكية شرق ديرالزور، وقطعوا الطريق العام
1/ https://t.co/aazNjKgemB pic.twitter.com/coCdYjBtOn
— زين العابدين | Zain al-Abidin (@DeirEzzore) August 30, 2023
وبحسب شبكات ومواقع إخبارية محلية، فإن عناصر من الوحدات الخاصة التابعة للإدارة الذاتية ودوريات من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” قامت بمداهمة “استراحة الوزير” في مدينة الحسكة التي دُعيت قيادات المجلس إليها، ليتم أسر قائد المجلس أحمد الخبيل المعروف بـ”أبو خولة” مع عدد من الشخصيات العشائرية من دير الزور، بالتزامن مع قطع للطرق الرئيسية وإغلاق مداخل ومخارج مدينة الحسكة، مع فرض حظر كلي للتجوال في أحياء المدينة.
وداهمت “قسد” منازل قياديي المجلس في الحسكة، بما فيها منزل الخبيل في حي الخشمان، ومنزلا أبو الحارث الشعيطي قائد مجلس هجين العسكري وأبو جبر الشعيطي في حي العزيزية وسط مدينة الحسكة، مع محاصرة مجموعة مسلحة من مجلس دير الزور العسكري كانت ترافق قياداتها واستعصت في حي الخشمان لساعات.
ورغم عدم الرضا العشائري عن الشخصيات التي غدرت بها “قسد”، غير أن غاية الأخيرة -بحسب غالب سكان المنطقة- من التخلص من المجلس وإنهائه هي إزاحة إحدى العقبات أمام تطبيق خطتها بشأن مناطق دير الزور ذات الطابع والمكون العربيَّين، لا سيما أنها اشترطت حل أي تكتل عسكري عربي في منطقة دير الزور لإطلاق سراح المأسورين.
أحداث متسارعة وتصعيد
وتلخّص المشهد خلال اليومَين الماضيَين بالتحشيد، فمع استمرار “قسد” احتجازها لقيادات المجلس وعدم استجابتها للمطالب التي تدعو إلى التهدئة، ما زالت تقوم بإرسال تعزيزات عسكرية ضخمة من الرقة والحسكة نحو مناطق ريف دير الزور، وعززت نقاطها بمدرعات وعربات مصفحة، يقابلها استنفار كبير لعناصر مجلس دير الزور العسكري بمساندة عشائرية قد تتوسع، وربما يحظى عناصر المجلس بدعم وتأييد غالب عشائر المنطقة مع زيادة الاحتقان الشعبي ضد “قسد”.
وتشهد عدة مناطق في دير الزور اشتباكات واسعة، شملت سيطرة عناصر من المجلس وقوى عشائرية تساندهم على عدد من الحواجز والنقاط التابعة لـ”قسد”، في قرى وبلدات خط الخابور والصور ومحيميدة والعزبة والبصيرة والحصان وغرانيج والشنان وذيبان، فيما تمركزت قوات “قسد” في تلة البصيرة وعند مدخل بلدة الشحيل بريف دير الزور الشرقي، مع المزيد من التعزيزات باتجاه نقاطها في ريف دير الزور.
#عاجل | مصادر محلية لـ #تلفزيون_سوريا: نحو 70 قتيلا من قسد منذ بدء قواتها العملية العسكرية في #دير_الزور
📌 11 قتيلا من أبناء العشائر تم توثيقهم منذ بدء المواجهات مع قسد📌العشائر العربية أسرت نحو 35 عنصرا من قسد منذ بدء المواجهات في دير الزور#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/85laGYIMYk
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 30, 2023
وبحسب الأخبار المتداولة، فإن قيادة عمليات “قسد” الأخيرة تخضع بشكل مباشر لمسؤولين أكراد أجانب من الجنسية الإيرانية في تنظيم PKK الإرهابي، حيث تردد في الحملة الأخيرة اسم “تيمور” على أنه القائد العام لعمليات فرض إنهاء مجلس دير الزور العسكري، بعد فشل المحاولة الأولى قبل أسابيع.
https://twitter.com/Rak_N23/status/1696801859409732069
وتداولت شبكات إخبارية محلية مقاطع مصورة تظهر حجم التعزيزات والأرتال المستقدمة، وقالت إن معظم الأرتال العسكرية لـ”قسد” قدمت من قواعد التحالف الدولي في حقل كونيكو وحقل العمر النفطي، في إشارة إلى تأييد التحالف لعملية إنهاء المجلس العسكري لدير الزور، كما أفادت مصادر بأن أحد قيادات المجلس الملقب بـ”خليل الوحش” جرى اعتقاله من حقل العمر بعد توجهه إلى قاعدة التحالف، على خلفية الاعتقالات التي طالت قيادات المجلس في الحسكة قبل أن يجري إطلاق سراحه.
بدورها، استنفرت قوات الأسد والميليشيات المتحالفة معها على ضفة نهر الفرات المقابلة لمناطق سيطرة “قسد” في دير الزور، وعززت نقاطها في محاولة لخلط الأوراق، ويرى ناشطون من أبناء المنطقة أن هذه التحركات تشير إلى التنسيق والتناغم بين “قسد” ونظام الأسد.
خطة لإنهاء المجلس
يقول وسام أحمد، المحرر في شبكة “الشرقية 24″، إن “قسد” اتخذت قرارها بحل مجلس دير الزور العسكري قبل أشهر، لما يشكله من عائق في فرض سياستها على مناطق دير الزور ذات الطابع العربي، لكن ما أبداه أبناء “بعض” عشائر المنطقة من رفض، وهنا نشير إلى ما أطلق عليه اسم “العمليات” لدى الإدارة الذاتية، عندما استقدمت أرتالًا مشتركة جُلّها من جبال قنديل أواخر يوليو/ تموز المنصرم إلى مناطق ريف دير الزور، وقامت بنشر قوات الكوماندس والأسايش والشرطة العسكرية وHAT ومجموعات من ميليشيات YPG وPKK، لإحلالها محل عناصر مجلس دير الزور العسكري، مع إبلاغ قادة المجلس بتسليم نقاطهم لصالح عمليات “قسد”.
ويضيف الأحمد: “بعد أن فشلت الحملة الأولى نتيجة تدخل بعض القوى العشائرية، ما عزز موقف المجلس وصعّب على ميليشيات الإدارة الذاتية مهمتها، وهي تعلم تبعات الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع العشائر، لجأت “قسد” إلى استدراج قيادات المجلس لاعتقالهم، وذلك أتى بعد محاولات اغتيال تعرض لها الخبيل دون جدوى، ويبدو أن المخطط لا يقتصر على أسر القياديين، بل يأتي مع شن حملة أمنية وعسكرية على مناطق دير الزور بالتوازي، وذلك للحد من ردود الفعل”.
وقال الأحمد: “إن “قسد” وميليشيات الإدارة الذاتية لا تختلف عن نظام الأسد في سياستها وهي ذات المنهج الانفصالي، إذ طلبت من الموظفين والعاملين في مؤسساتها الخروج في مسيرة تؤيد حملتها، كما أنها تستمر بذكر شماعة “داعش” والإرهاب في تعزيز قراراتها، واصفة أية مناهضة لما تفرضه بـ”الدعشنة”، وهذه الشماعة التي أصبحت لا تنطلي على الشعب السوري برمّته لا تزال الميليشيات الكردية ترددها، وتصف عمليتها الأخيرة في إنهاء مجلس دير الزور العسكري بـ”تعزيز الأمن لملاحقة خلايا “داعش” استباقًا””.
ورغم فساد قيادات مجلس دير الزور العسكري -يضيف الأحمد- وممارسات عناصره، غير أن المكون العربي الذي يسيطر على بنية المنطقة الممتدة من الباغوز أقصى الجنوب الشرقي لدير الزور إلى جنوب الحسكة، يرى بأن تمثيلهم انحصر بهذا الفرع، ووجوده يشكّل عائقًا أمام تمرير منهج الإدارة الذاتية، وأن إنهاءه يأتي بمثابة لجم صوت العرب وليّ ذراعهم، الأمر الذي يفسّر وقوف العديد من أبناء العشائر ومشاركتها في ردع “قسد”، وهذا ليس حبًّا بالمجلس بالضرورة بل رفضًا لسياسة “قسد” التي تسعى لفرض هيمنة كلية على تنفيذ قراراتها، ومنها ما هو منافٍ لبيئة المنطقة وبنيتها المجتمعية.
الدور العشائري في الأحداث الأخيرة
لا يزال موقف عشائر دير الزور من مجلس دير الزور العسكري يجمع على رفض ممارسات وتجاوزات قيادات المجلس وحتى عناصره، لكنهم متفقون على مصلحتهم من وجوده وإعادة هيكلته في ظل عجز تسعى “قسد” لإطباقه في تحجيم الدور العشائري، وذلك تخفيفًا للضرر.
إذ يرون المستهدَف من ذلك هو المكون العربي وليس إحدى أذرعها المسماة “مجلس دير الزور العسكري”، الذي قامت “قسد” بإنشائه وتصديره وتسليطه قبل أن يؤثر على سلطتها، وذلك لعدة أسباب أبرزها بحسب مصادر عشائرية من دير الزور:
- مجلس دير الزور العسكري يحدّ من عمليات التجنيد الإجبارية التي تفرضها “قسد” في مناطق نفوذها، بالتالي الحفاظ على أبناء العشائر وعدم رميهم في مواجهات ليس لهم منها بناقة أو جمل، ولا هي من شأنهم.
- يعدّ المجلس رغم “مساوئه” ورقة لصالح المكون العربي، من حيث اعتباره شرعيًّا لدى “قسد” في ظل التهمة الجاهزة دومًا بوجه العرب في انتمائهم إلى تنظيم “داعش”، لا سيما بعد تجريد العشائر من السلاح.
- يعدّ وسيطًا بين العشائر وقوات التحالف الدولي في الكثير من الحوادث.
- يشكّل وجود المجلس الذي اختار خلفية عشائرية له عائقًا أمام الكثير من القرارات التي تفرضها “قسد”، ومنها المناهج الدراسية “المشوّهة”، والتي تدعم أمورًا لا أخلاقية وتنافي العادات والتقاليد والتعاليم الدينية لمكون المنطقة، وذلك من خلال اعتباره ورقة العشائر للضغط على “قسد”.
ورغم تعويل المجلس على الدور العشائري لحماية وجوده -وهذا ما برز من الأحداث السابقة قبل أسابيع-، غير أن “قسد” وعبر معرّفاتها والمواقع الموالية لها ركّزت على أن اعتقال الخبيل جاء بمطلب عشائري، وهو ما لم يؤكَّد سوى برواية “قسد” التي تقول إن عملية “تعزيز الأمن التي أطلقتها” يدعمها وجهاء العشائر في دير الزور.
ووفق الأخبار المتداولة، لا تزال اجتماعات عشائرية تجري في ريف دير الزور للتوصل إلى حل يناسب المنطقة، ولتدارك الأحداث التي تعدّ مفصلية أمام العشائر، ومنها ما جرى صباح يوم الأربعاء 29 أغسطس/ آب في قرية الحريجية بريف دير الزور الشمالي، قبل أن يصدر بيان قيل إنه يمثل عشائر دير الزور كافة، أعطى مهلة 12 ساعة لـ”قسد” لإطلاق سراح قيادات المجلس وفكّ الحصار عن العائلات في الحسكة، وإلا الإعلان عن النفير العام للعشائر.
(من قرية العزبة بريف دير الزور الشمالي للتحالف الدولي في الدخول كوسيط لحل الخلاف الحاصل بين “قسد” ومجلسها العسكري في سبيل عدم إراقة الدماء).
بينما تداول نشطاء تسجيلًا مصورًا لمجموعة تعلن عن تشكيلها باسم أبناء عشائر دير الزور، لقتال ما أسمته بالاحتلال الكردي، وهو ما قيل إنه يمثل حركة مستقلة خارج إطار الرد العشائري.
أما ما تشهده مناطق ريف دير الزور من قطع للطرقات ومظاهر احتجاج “شعبي”، وحوادث التمرد والعصيان لعناصر مجلس دير الزور العسكري، فذلك قد يشير إلى موقف العشائر الرافض لسياسة “قسد” التي تسعى لفرض هيمنة كردية تامة في سلطة الأمر الواقع المفروضة على مناطقها، ويدل على حالة الاحتقان والتذمر التي يكنّها الأهالي نتيجة ممارسات “قسد” وانتهاكاتها المستمرة بحقهم.
3 سيناريوهات
يقول الباحث في مركز عمران للدراسات، سامر الأحمد، لـ”نون بوست”، إن الأحداث الجارية هي نتيجة حتمية، وما جرى من اعتقالات لقيادات مجلس دير الزور العسكري كان متوقعًا، إذ إن سياسة “قسد” المتمثلة بقياداتها من حزب العمال الكردستاني لا تقبل وجود أي منافس لها قد يكون له حاضنة اجتماعية، وأن بروز أبو خولة مؤخرًا شكّل تهديدًا لـ”قسد”.
وبالتالي، بحسب الأحمد، ستقوم بإنهائه كما قامت سابقًا باعتقال قائد فصيل لواء ثوار الرقة المعروف بـ”أبو عيسى”، وكذلك تفكيك قوات النخبة بعد معركة الرقة وغيرها من الأمثلة، وكل ذلك يصبّ في إعادة المركزية في “قسد” لقيادة قنديل، وسدّ الطريق أمام بروز شخصيات قيادية من أبناء المنطقة قد تحظى بقبول عشائري ولو بشكل بسيط.
وحدد الباحث في مركز عمران للدراسات، أن تضعنا هذه الأحداث رغم عدم وضوح المشهد بشكل كامل مع عدم اتخاذ العشائر قرارًا صريحًا، أمام 3 سيناريوهات:
- الأول: تصعيد وحدوث اشتباكات وصدّ لأرتال “قسد”، بالتالي الضغط على التحالف الدولي لإطلاق سراح أبو خولة وإعادته لمنصبه، ما يعزز موقف المجلس ويرفع رصيده بين أبناء المنطقة، وذلك قد يكون مستبعدًا.
- الثاني: في حال استجابة التحالف و”قسد” لمطالب العشائر التي ربما تحصل على مكاسب -فيما إن توحّد قرارها-، فيكون استبدال أبو خولة وإعادة هيكلة مجلس دير الزور العسكري وتعيين قادة مقبولين لما يخدم المنطقة ويحسّن من وضعها الأمني، هو الأكثر قبولًا من أبناء المنطقة.
- الثالث: فرض “قسد” كلمتها وسيطرتها على مقرات ونقاط مجلس دير الزور العسكري، بالتالي فرض هيمنتها المركزية كما في الرقة والحسكة والقامشلي وغيرها، ما يعني فرض منهجها واستمرار انتهاكاتها وسياستها في التضييق الأمني والاقتصادي على مناطق دير الزور. وهذا إن حدث، سيتسبّب في خلق بيئة أكثر عداءً لـ”قسد”، وبالتالي محاولة استغلال إيران وميليشيات النظام في اختراق العشائر وكسب ودّ البعض، ونشاط أكبر لخلايا “داعش” في المنطقة، وهجرة للشباب نتيجة حملات التجنيد وغير ذلك، ما يجعل من هذا السيناريو الأكثر عبثية على المنطقة ويهددها بالفوضى.
وبحسب الباحث في مركز عمران للدراسات، فإن شكل المنطقة والسيناريوهات المحتملة تحددهما الساعات والأيام القادمة، ومرهونة بردة فعل العشائر التي باتت كلمتها هي الفصل.