تتجه الأحزاب التونسية الممثلة في البرلمان إلى منح العسكريين والأمنيين حق المشاركة في الانتخابات المحلية القادمة، بعد خلاف دام أشهر بخصوص هذه النقطة وتأخر بموجبها المصادقة على مشروع القانون الانتخابي الذي طال انتظره.
نية نواب البرلمان منح “حاملي السلاح” هذا الحق أثارت تساؤلات عدة عن جدوى هذه المشاركة ومدى تأثيرها في حياد المؤسسة العسكرية والأمنية وابتعادها عن التجاذبات السياسية والفكرية.
الاتجاه نحو منح العسكريين والأمنيين حق المشاركة
بناءً على اتفاق الكتل السياسية، سيتم، الثلاثاء القادم، عرض مشروع قانون الانتخابات المحلية على نواب البرلمان للمصادقة عليه، بعد حسم مسألة مشاركة العسكريين والأمنيين في الانتخابات القادمة لفائدة منحهم هذا الحق، وتأخر البرلمان التونسي في المصادقة على مشروع القانون الانتخابي ولم يلتزم بخارطة الطريق التي قدمتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بسبب خلافات بين الكتل النيابية، أبرزها حق القوات المسلحة بالتصويت.
إذا ما تم المصادقة فعلاً على مشروع القانون الثلاثاء القادم، فيمكن إنجاز الانتخابات المحلية نهاية هذه السنة حسب القائمين على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات
وفي البداية، عارضت حركة النهضة مبدأ مشاركة قوات الأمن والجيش في الانتخابات المحلية القادمة، في حين دعم شركاؤها في التحالف الحكومي حزب نداء تونس وآفاق تونس ومعارضوها اليساريون (الجبهة الشعبية)، الأمر الذي أخر المصادقة على مشروع القانون.
إلا أن نية نواب الحركة تتجه نحو المصادقة على المقترح الذي تقدم به وزير الشؤون المحلية والبيئة رياض الموخر الذي ينص على إمكانية تسجيل أفراد القوات المسلحة من أمنيين وعسكريين في سجل الناخبين في الانتخابات البلدية والجهوية دون سواها، وبالتالي منعهم من التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية.
تأخر المصادقة على مشروع القانون أخر موعد الانتخابات
وإذا ما تم المصادقة فعلاً على مشروع القانون الثلاثاء القادم، فيمكن إنجاز الانتخابات المحلية نهاية هذه السنة حسب القائمين على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وكان من المنتظر أن يتم إجراء الانتخابات البلدية في تونس في 26 من مارس 2017 إلا أنها تأجلت إلى موعد لاحق بسبب التأخير في المصادقة على مشروع قانون الانتخابات نتيجة الخلافات بين الكتل البرلمانية بخصوص مسألة إشراك الأمنيين والعسكريين في المسار الانتخابي من عدمه.
مشاركة حاملي السلاح ضرب للديمقراطية وتسيس للثكنات
إقرار مشاركة الأمنيين والعسكريين في الانتخابات يعتبره عديد من السياسيين في تونس، ضربًا للديمقراطية التونسية الوليدة وسعيًا من قبل بعض الأطراف لتسييس الثكنات الأمنية والعسكرية وجعلها محل تجاذبات وحشرها في الصراعات السياسية والفكرية والانتخابية وإسهامًا في إضعاف روح الانضباط فيها وانسجامها ووحدتها والتفافها حول قياداتها بما سيهدد مدنية الدولة المنصوص عليها في الدستور التونسي الجديد.
وفي تصريح صحفي سابق، اعتبر الخبير العسكري مختار بن نصر، مسألة مشاركة الأمنيين والعسكريين في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم أمر خطير سيورط البلاد في حرب أهلية، مشددًا على أن الصراع السياسي سيتحول إلى الثكنات، وقال بن نصر إن مشاركة العسكريين والآمنيين في الانتخابات قد يضرب في الصميم مبدأ الحياد والانضباط اللذين ينص عليهما الفصلين 18 و19 من الدستور التونسي.
نبهت مجموعة من مسؤولي جمعية قدماء معهد الدفاع الوطني ومنظمات المجتمع المدني، في بيان لهم، إلى المخاطر الجسيمة المتوقعة من الزج بالأسلاك المسلحة
ويؤكد الرافضون لمنح الأمنيين والعسكريين حق المشاركة في التصويت في الانتخابات، أن من المفروض على القوات الحاملة للسلاح الابتعاد عن السياسة من منطلق واجب الحفاظ على الولاء للوطن والمؤسسة التي ينتمون إليها.
من جهتها نبهت مجموعة من مسؤولي جمعية قدماء معهد الدفاع الوطني ومنظمات المجتمع المدني، في بيان لهم، إلى المخاطر الجسيمة المتوقعة من الزج بالأسلاك المسلحة، عبر ذلك الإجراء، في المجال السياسي وإلى تداعياته السلبية المؤكدة لا على الأسلاك المعنية فقط بل وعلى مستقبل البلاد عامة، حسب نص البيان.
وفي رسالة وجهها لرئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب، حذر أمير اللواء المتقاعد محمد المؤدب، من خطورة إقحام المؤسستين الأمنية والعسكرية في الصراع السياسي.
مخاوف من دخول قوات الأمن والجيش في الصراعات السياسية
وأشار المؤدب إلى أن الدستور التونسي نص في فصليه 18 و19 على ضرورة أن تؤدي كل من المؤسستين العسكرية والأمنية “مهامها في حياد تام”، مؤكدًا أن “ممارسة عملية الانتخاب تفترض من الناخب، العسكري والأمني في هذه الحالة، أن يولي اهتمامًا بالشأن السياسي، من أحزاب ومرشحين وبرامج وخيارات سياسية، حتى تتبلور لديه مواقف وقناعات شخصية يصوت من خلالها للجهات السياسية التي تتبناها”.
معتبرًا أن الحديث عن منح القوات الحاملة للسلاح حق الانتخاب لا ينسجم وروح الفصول 18 و19 و49 من الدستور، ولا يأخذ في الاعتبار خصوصيات تلك الأسلاك ولا واقع البلاد، فضلاً على أنه لا يخدم بالمرة، لا مصلحة تلك الأسلاك، ولا مستقبل البلاد، وأضاف أن أي شخص بممارسته التصويت يعبر عن قناعات سياسية يمكن أن تتطور إلى ميولات، ومن ثم إلى ولاءات، ومن المستحيل ضمان عدم تأثيرها على كيفية أداء أصحابها لمهامهم، وعلى التزامهم بالحياد التام.
الأمنيين والعسكريين: مواطنون يحق لهم الانتخاب
في مقابل ذلك، يدافع عديد من النواب داخل البرلمان التونسي على رأسهم نواب حركة نداء تونس على مبدأ إشراك القوات العسكرية والأمنية في الانتخابات المحلية القادمة وفي الحياة السياسية تكريسًا للمساواة التامة بين المواطنين وإقرارًا لحقوقهم المدنية والسياسية.
وفي هذا الشأن قالت النائبة عن حركة نداء تونس هالة عمران لنون بوست: “قوات الأمن والجيش مواطنون مثلنا ولا يجب إقصاؤهم، ولهم أن يتمتعوا بحق المواطنة ومن حقهم اختيار ممثليهم في المجالس المحلية كباقي فئات الشعب”، وأكدت عمران في حديثها لنون أن المسائل التي تعني بها البلديات من نظافة وتهيئة طرقات تهم جميع المواطنين التونسيين دون استثناء.
السماح لحاملي السلاح بالتصويت في الانتخابات لا يعني قيام المرشحين بالدعاية الانتخابية وسط الثكنات العسكرية
ويؤكد المدافعون عن هذا القرار أن تصويت العسكريين والأمنيين في الانتخابات البلدية يعزز حس المواطنة ويقوي ارتباط الأمنيين والعسكريين بالحياة المدنية، وعن إمكانية تسييس المؤسسة الأمنية والعسكرية يقول المدافعون: “الأمنيون والعسكريون مطالبون بالحياد التام لدى أداء مهماتهم وعند حملهم السلاح، وما عدا ذلك، فإنهم مواطنون يمارسون حقوقهم كغيرهم من التونسيين”.
وفي هذا السياق تقول هالة: “جميع المبررات التي تدعو إلى حياد القوى الأمنية والعسكرية غير منطقية”، وتؤكد أن السماح لحاملي السلاح بالتصويت في الانتخابات لا يعني قيام المرشحين بالدعاية الانتخابية وسط الثكنات العسكرية.
وسبق للنائب ووزير الشؤون المحلية رياض المؤخر أن قال في تصريحات صحفية: “ليس هناك مبررًا لمنع الأمنيين والعسكريين من المشاركة في التصويت بتعلة أن الأمن يجب أن يكون جمهوريًا ومحايدًا وهو أمر لا يستقيم لأن منعهم من التصويت لا يمنعهم من التفكير”، حسب قوله.
مشاركة حاملي السلاح في الانتخابات تأكيد لمواطنتهم
ويعتبر اتحاد نقابات قوات الأمن التونسي أن تمكين الأمنيين من الانتخاب هو “حق”، وفي وقت سابق قال الناطق باسم اتحاد نقابات قوات الأمن التونسي عماد بلحاج خليفة: “الاتحاد لن يتنازل عن هذا الحق وسيستخدم كل الوسائل القانونية المتاحة وأشكال النضال النقابية لتحقيق هدف الأمنيين في ممارسة المواطنة”.