يواصل أهالي محافظة السويداء ودرعا جنوبي سوريا احتجاجاتهم الشعبية، وسط تطورات تصعيدية يشهدها الحراك ودعوات للحفاظ على طابعه السلمي، حتى تحقيق المطالب الأساسية التي تهدف إلى تطبيق القرار الأممي 2254، تمهيدًا للحل السياسي والتغيير السلمي للسلطة وإزاحة الأسد.
بينما تشهد المحافظات السورية الأخرى وسط وشمال وشرق وغرب البلاد حراكًا سلميًّا مختلفًا عمّا يحصل في السويداء، في ظل قبضة أمنية وحملات اعتقالات تطال كل من يشرع في الانضمام إلى جانب الاحتجاجات الشعبية في الجنوب.
احتجاجات مستمرة في الجنوب السوري
تشهد ساحة السير/ الكرامة في محافظة السويداء جنوبي البلاد، منذ ساعات صباح يوم الثلاثاء، تظاهرة مركزية لليوم العاشر على التوالي، في إطار الاحتجاجات الشعبية التي تطالب برحيل نظام الأسد عن السلطة.
ويشارك في التظاهرة المركزية أهالي عدد من القرى والبلدات من بينها قرى عتيل ومردك، التي تتوجّه بشكل يومي إلى ساحة الاعتصام ضمن وفود احتجاجية، فضلًا عن التظاهرات والوقفات الاحتجاجية في قرى وبلدات متفرقة، مثل مدينة صلخد التي شهدت وقفة احتجاجية مع ساعات الصباح الأولى.
#شاهد: قسم الأحرار في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء اليوم الثلاثاء.#إضراب_السويداء pic.twitter.com/qfcesevmIv
— السويداء 24 (@suwayda24) August 29, 2023
وطالب المتظاهرون بإسقاط النظام ورحيل بشار الأسد عن السلطة، وتطبيق القرار الأممي 2254، والانتقال السياسي، كما رددوا شعارات “عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد”، و”واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”، و”الله سوريا الشعب وبس”، و”يا حلب ثوري ثوري هزي القصر الجمهوري”، في محاولة لتحريك الشارع ضمن المحافظات الأخرى للانضمام إلى الاحتجاجات الشعبية.
ومزّق المحتجون في عموم محافظة السويداء صور رأس النظام بشار الأسد، المعلقة في الساحات وعلى المباني الحكومية والمباني التابعة لحزب البعث، فضلًا عن إغلاق الدوائر الرسمية وترك بعضها مفتوحًا بشكل جزئي بهدف تيسير معاملات الأهالي، كما قطعوا عددًا من الطرقات الرئيسية بالإطارات.
مراسل السويداء 24: إطلاق نار بالهواء من قوى الأمن المتواجدة على حاجز شهبا، شمالي السويداء، في أثناء محاولة بعض الشباب إزالة صورة الأسد في مدخل المدينة، الواقعة بالقرب من الحاجز. pic.twitter.com/74R4s0ZaM6
وسجّل موقع “الراصد” المحلي نحو 25 نقطة احتجاجية في محافظة السويداء الاثنين 28 أغسطس/ آب، بعضها جمعت عدة قرى في مظاهرات مركزية، مثلما حصل في بلدة عريقة التي ضمّت قرى داما ومجادل وقم والخرسا وصميد وأم الزيتون ونجران.
كما شهدت عدة نقاط وقفات احتجاجية منفصلة عن الاعتصام مساء الاثنين، في قرى وبلدات أم ضبيب والمجدل وغيضة نمرة وعتيل وسليم والصورة الصغيرة والمزرعة والعانات وملح وامتان ونمرة شهبا ومدينة صلخد وعريقة، كما حضر فيها مشاركون من قرى القريا والدور وذيبين والهويا ولاهثة والسويداء ومردك وبهم ومدينة شهبا والثعلة وريمة حازم وبكا.
إلى ذلك، أطلق عناصر من قوات نظام الأسد على حاجز مدينة شهبا شمال السويداء النار في الهواء، بهدف تفريق المتظاهرين أثناء محاولتهم إزالة صورة بشار الأسد على مدخل المدينة، ولم يسجّل إطلاق النار إصابات في صفوف المدنيين حسب شبكة “السويداء 24”.
— السويداء 24 (@suwayda24) August 28, 2023
وعلى خلفية إطلاق النار، احتقن الشارع في المدينة وسط مطالبات في التصعيد، إلا أن وجهاء شهبا حاولوا تهدئة أبنائهم بعد الحركة الاستفزازية التي تعمّدها العناصر، حيث فضّل الأهالي الحفاظ على سلمية احتجاجاتهم وعدم الانجرار وراء أي استفزازات تقوم بها الأجهزة الأمنية، في حين طالب وجهاء المدينة بضرورة عدم صدور استفزازات من الجانبَين سواء من القوى الأمنية أو من الأهالي.
وفي محافظة درعا، شهدت مدينة جاسم في الريف الشمالي تظاهرة ليل الاثنين/ الثلاثاء، وطالب المحتجون بإسقاط نظام الأسد، ومحاسبة رئيس فرع الأمن العسكري لؤي العلي، بسبب دوره الإجرامي في الإشراف على ملف الاغتيالات.
ويأتي ذلك خلفية الاغتيالات المتواصلة التي تشهدها المحافظة، التي كان آخرها استهداف منزل محمد بديوي الزعبي في مدينة طفس عبر طائرة مسيّرة ليل الاثنين/ الثلاثاء، والعثور على جثة مختار قرية كحيل، عايش أحمد سعودي، في بلدة المسيفرة شرقي درعا في 26 أغسطس/ آب الجاري، بعد اختطافه من أمام مسجد مصعب بن عمير في بلدة كحيل.
ونشر الأهالي الاثنين 28 أغسطس/ آب لافتات ورقية على مبنى المجلس البلدي في بلدة معربة شرقي درعا، تضمّنت عبارات “تسقط الجماعات التابعة لأجهزة نظام الأسد”، و”الثورة حق والحق لا يموت”، في حين تشهد المدن والبلدات غضبًا شعبيًّا وسط تظاهرات دورية.
حراك شعبي محفوف بالمخاطر
إلى محافظة دمشق، نشر ناشطون صورًا تظهر عبارات مكتوبة على الأوراق في بعض الشوارع والساحات المعروفة منها في عرطوز البلد، فيها “أيها الساجدون على عتبات الجوع ثوروا فإن الخبز لا يأتي بالركوع”، وعبارة “هاي الثورة مالها حل غير النصر”.
كما نشر ناشطون صورًا من رنكوس والقلمون الغربي والسومرية لعبارات “ارحل عنا”، و”يسقط النظام الإجرامي”، و”الأسد لا مستقبل له في بلادنا”، وعلى جسر الرئيس أيضًا عبارة “حراك لأجل الجميع معًا نحو التغيير”، و”يسقط الأسد”، وفي البرامكة “ارحل عنا بدنا نعيش”.
من جهته، عزز الحرس الجمهوري التابع لنظام الأسد مواقعه في محيط بلدات وادي بردى في العاصمة السورية دمشق خلال يومَي 27 و28 أغسطس/ آب، حيث تضمّنت التعزيزات التي وصلت إلى نبع الفيجة نحو 40 عنصرًا، إضافة إلى مركبات دفع رباعي مزودة برشاشات متوسطة وثقيلة.
وبحسب “صوت العاصمة”، فإن نظام الأسد أرسل تعزيزات إلى التلال المطلة على بلدة دير قانون وأنشأت نقاطًا عسكرية صغيرة، كما نشر الحرس الجمهوري نقاطًا على معظم المرتفعات الجبلية المحيطة ببلدات كفير الزيت ودير قانون ودير مقرن وعين الفيجة وبسيمة.
وأكد الموقع أن التعزيزات تزامنت مع إجراءات أمنية مكثفة على كافة حواجز المنطقة التي تفتش سيارات وحقائب المارّة، وتدقيق في الأوراق الثبوتية ودفاتر الخدمة العسكرية، مشيرًا إلى أن الهدف من التعزيزات قمع أي احتجاجات من المتوقع حدوثها، بعدما شهدت المنطقة دعوات لحراك سلمي وعصيان مدني بشكل مشابه لاحتجاجات السويداء.
ودفعت قوات نظام الأسد بتعزيزات عسكرية على بلدات زاكية وكناكر وجرمانا في محافظة ريف دمشق، بعدما شهدت حراكًا شعبيًّا مناهضًا لنظام الأسد خلال الأسبوع الماضي، حيث يحاول نظام الأسد السيطرة على وضع الشارع.
وفي سياق آخر، يشهد مبنى الهجرة والجوازات في الزبلطاني في دمشق ازدحامًا شديدًا بهدف استخراج جوازات السفر، حيث نُشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر مئات الناس ينتظرون لاستخراج جواز السفر بهدف الهجرة من البلاد إن أتيحت الفرصة أمامهم، في ظل الاحتجاجات والواقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
وفي محافظة حمص وسط البلاد، كتب ناشطون عبارات مناهضة لنظام الأسد على الجدران ضمن الأحياء السكنية في مدينة القريتَين بريف حمص الشرقي الاثنين 28 أغسطس/ آب، ما دعا قوات الأمن العسكري التابع لنظام الأسد إلى الاستنفار وتعزيز مواقعه.
وأكدت شبكات محلية على وجود توترات أمنية وانتشار مكثف على الحواجز المنتشرة بين المدن والبلدات، وسط تشديدات أمنية وتوجيه إهانات للمارّة، ما دفع أحد الأهالي في مدينة تلبيسة إلى استهداف حاجز المدينة بقنبلة يدوية، أوقعت جرحى في صفوف قوات نظام الأسد.
بينما في محافظة حماة كثّفت الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد من دورياتها في المدينة والبلدات التابعة لها، تزامنًا مع الحراك الشعبي في الجنوب السوري، كما اعتقلت الأجهزة الأمنية عددًا من الشباب على خلفية قطع شارع العلمين خلال اليومَين الماضيَين، وسط انتشار كتابات مناهضة لنظام الأسد، ما دفع الأجهزة الأمنية إلى التلويح بفرض حظر تجول للدراجات النارية من الساعة السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا.
وفي محافظة حلب، شهد حي المشهد ليل الاثنين/ الثلاثاء مظاهرة احتجاجية نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يواجهها الأهالي، وسط محاولة نظام الأسد فرض قبضته الأمنية في أحياء المدينة، وإخراج المجرمين من السجون لقمع الاحتجاجات الشعبية.
وأكّد الناشط معتز ناصر، في حديث مع “نون بوست”، خروج أهالي حي المشهد في تظاهرة ليلية، حسب مصادر محلية في المدينة، مشيرًا إلى أن نظام الأسد عزز تواجده في أحياء حلب بهدف منع الاحتجاجات والتظاهرات، كما قام بحملات اعتقالات طالت عددًا من الشبان خلال الأسبوع الماضي، وأوضح أن مخاوف الأهالي في المحافظة تمنعهم من التواصل والتصوير بسبب الحواجز المنتشرة.
ويبدو الحراك الشعبي في المحافظات السورية محفوفًا بالمخاطر في ظل فرض نظام الأسد لقبضته الأمنية في المدن ونشرها بين الأحياء، مع منع التحركات والتجمعات البشرية وتنفيذ حملات اعتقال مباشرة لكل من يشرع في رفع صوته، ما منع معظمها من الانضمام إلى الاحتجاجات.
ويأتي ذلك في ظل غضب واستياء شعبيَّين تعيشهما عموم المحافظات السورية التي يسيطر عليها نظام الأسد، نتيجة القرارات الاقتصادية التعسفية التي تتعلق بزيادة الرواتب، وتحرير أسعار السلع الأساسية كالخبز والمحروقات، في وقت وصلت فيه الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها أمام الدولار، ما تسبّب في ضيق الأحوال المعيشية والاقتصادية لدى كافة السوريين الذين بدأوا يحتجون على واقع البلاد المتردي، وسط تجاهل حكومة نظام الأسد لمطالبهم.