جاءت زيارة النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح أمس الأربعاء للعاصمة الإيرانية طهران، للمرة هي الأولى منذ عامين تقريبًا، ولقائه بالرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته لتلقي بظلالها على مستقبل العلاقات الخليجية الإيرانية في ظل ما تشهده من توتر بسبب تباين وجهات النظر حيال عدد من الملفات الإقليمية.
الزيارة التي جاءت بعد أيام معدودة من تصريح روحاني بأن دولاً منها الكويت عرضت الوساطة في الخلافات المتصاعدة بين طهران والرياض، تدفع إلى التساؤل عن فحوى الرسالة التي حملها الصباح سواء من أمير الكويت أو حكومات الدول الخليجية الستة، وما تحمله من دلالات، لا سيما مع المستجدات الإقليمية والدولية الراهنة.
تقريب وجهات النظر
تأتي هذه الزيارة في إطار مساعي الكويت لتقريب وجهات النظر بين إيران ودول الخليج، حيث نقل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي، رسالة من أمير بلاده الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني بشأن العلاقات الخليجية الإيرانية، وبحث سبل تعزيزها وإزالة الخلافات بين الجانبين.
وخلال لقائه بنظيره الإيراني، أكد الصباح على ضرورة تسوية الخلافات وإزالة سوء الفهم بين دول المنطقة في أجواء هادئة ومن خلال حوار صريح، منوهًا إلى تاريخ العلاقات بين البلدين، ووجود مشتركات تاريخية وثقافية ودينية كثيرة بين إيران ودول المنطقة، ومن ثم يتعين أن تكون العلاقات والحوار المشترك نقطة الانطلاق نحو المستقبل، حسبما نقلت وكالة فارس الإيرانية.
حسن روحاني: سياسة إيران الخارجية تقوم على تعزيز العلاقات الودية والأخوية مع الدول الإسلامية ودول الجوار، على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار
الوزير الكويتي خلال اللقاء أشار أيضًا إلى أن المخاطر المشتركة وفي مقدمتها الإرهاب في مختلف دول المنطقة، يدفع الجانبين إلى توحيد الرؤى فيما يتعلق بالتعاون لدحض تلك المخاطر التي تهدد أمن واستقرار الجميع، ملفتًا أن دول المنطقة أعرف بمصالحها من الآخرين، وعليه يجب أن تكون هناك رؤية مستقبلية تنطلق من هذه القاعدة.
وفي المقابل أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن سياسة بلاده الخارجية تقوم على تعزيز العلاقات الودية والأخوية مع الدول الإسلامية ودول الجوار، على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار، مشيرًا خلال لقائه الصباح أن إرادة الشعوب هي المقوم الأول لحكم وإدارة أي دولة.
روحاني أشار أيضًا إلى أن استقرار وأمن الشرق الأوسط لا يتحقق إلا عبر الحوار والصداقة والتعاون بين دول المنطقة، لا سيما بين دول الجوار، مضيفًا لا شك في أن تطور وتنمية دول وشعوب المنطقة يخدم استقرار وأمن الجميع.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على أهمية العلاقات مع دول الجوار، كونها على قائمة أولويات السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، واصفًا الكويت بأنها إحدى دول الجوار الجيدة والمهمة بالنسبة لإيران، مضيفًا أن دور أمير الكويت في تعزيز علاقات حسن الجوار في المنطقة، جدير بالثناء، ويبقى السؤال: لماذا تم اختيار الكويت للقيام بدور الوسيط بين طهران ودول الخليج؟
أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح والرئيس الإيراني حسن روحاني
لماذا الكويت؟
تأتي العلاقات الكويتية مع إيران في المرتبة الثانية من حيث القوة بعد العلاقات مع سلطنة عمان والتي تغرد بعيدًا عن السرب الخليجي في علاقته بطهران، حيث شهدت الدبلوماسية الكويتية الإيرانية موجات من الإيجابية لا سيما في الآونة الأخيرة، مع بداية الألفية الثالثة، ففي 2002 زار وزير الدفاع الإيراني الكويت، تلتها زيارة المُتحدِّث باسم مجلس الأمة الكويتي إلى طهران في نفس العام، ثم وزير الخارجية الكويتي، وتوقيع أول ثلاث اتفاقيَّات تجارية مع إيران، لتختتم هذه الزيارات الرسمية باستقبال الرئيس الإيراني حسن روحاني، للأمير صباح الأحمد الصباح داخل العاصمة الإيرانية طهران في 2014، قبل زيارة الأمس والتي تعد الأولى منذ عامين.
ينظر إلى الكويت كونها الدولة صاحبة التوازن النسبي في العلاقات الخليجية الإيرانية، فهي تنتمي – قرارًا ورؤية- للبعد الخليجي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، لكنها في نفس الوقت تتمتع بفتح قنوات اتصال مع طهران بما لا يخل بالتزاماتها الخليجية
كما كانت الكويت من أوائل الدول التي هنأت طهران عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني، في يوليو من العام الماضي، حيث هنَّأ أمير الكويت المرشد الأعلى للثورة الإسلاميَّة علي خامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني بالاتفاق، معربًا عن تطلعاته لإسهام الاتفاق في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ونهضة دول المنطقة، إضافة إلى أن الشيخ الصباح كان من أوائل الدول الخليجية التي قدم واجب العزاء في وفاة الرئيس الأسبق علي هاشمي رفسنجاني في الثامن من هذا الشهر.
ومن ثم ينظر إلى الكويت كونها الدولة صاحبة التوازن النسبي في العلاقات الخليجية الإيرانية، فهي تنتمي قيادة وشعبًا، سياسة واقتصادًا، قرارًا ورؤية، للبعد الخليجي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، لكنها في نفس الوقت تتمتع بفتح قنوات اتصال مع طهران بما لا يخل بالتزاماتها الخليجية، على عكس سلطنة عمان، والتي تنحاز لإيران بشكل أقلق دول الخليج بصورة دفعتهم لإخراجها من حساباتهم السياسية، ومن هذا المنطق كان اختيار الكويت للقيام بدور الوساطة بين العواصم الخليجية وطهران، خاصة بعد زيادة وتيرة التوتر في العلاقات بين الجانبين في الآونة الأخيرة.
توتر العلاقات الخليجية الإيرانية
منذ إعلان الدولة الإسلامية في إيران 1979، والعلاقات بينها وبين دول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية في نفق مظلم معظم الوقت، إلا أنها في الأعوام الست الأخيرة، ومنذ انطلاق قطار الربيع العربي تصاعدت حدة التوتر بين الجانبين بصورة غير مسبوقة، بسبب تباين وجهات النظر حيال العديد من الملفات الإقليمية.
الملف السوري واليمني هما السبب الرئيسي في اتساع هوة العلاقات بين طهران والرياض، حيث تسعى كل دولة إلى الانتصار لمصالحها على حساب الطرف الآخر، دون إبداء أي رغبة من الطرفين – حتى الآن – في التراجع قليلاً عن حزمة الشروط المقدمة لتقريب وجهات النظر، وهو ما زاد من وتيرة الحرب الباردة بينهما، وصلت إلى العنف أحيانًا، كما حدث من حرق للسفارة السعودية في طهران ردًا على أحكام الإعدام بحق بعض رجال الدين الشيعة في الرياض.
ثم جاءت موقعة “الأوبك” لتلقي بظلالها على المشهد المتوتر بين الجانبين، حيث عرقلت السعودية مساعي تخفيض سقف الإنتاج من النفط إلى 1.5 مليون برميل يوميًا، وهو ما اعتبرته طهران محاولة لإحداث شلل في الاقتصاديين الإيراني والروسي، الداعمين لنظام بشار الأسد في دمشق، ومع ذلك وبعد مرور 3 أعوام على المفاوضات ها هي الرياض تستجيب لنداءات الدول الأعضاء في المنظمة وتخفض سقف الإنتاج، ومن هنا نتساءل: أليس هناك من مستجدات تدفع كلا الطرفين إلى تخفيف حدة هذا التوتر؟
مؤتمر أستانة لبحث الأزمة السورية
تطورات إقليمية ودولية هامة
ما وصلت إليه الأزمة السورية من مساعي الحلحلة بعد المليارات التي تكبدتها كل من طهران والرياض والتي تسببت بشكل كبير في إرهاق اقتصادي البلدين، فضلاً عن المخاطر المشتركة والتي تهدد المنطقة جميعها، وفي مقدمتها الإرهاب، جديرة بأن تدفع كلا الطرفين إلى العودة خطوة للوراء قليلاً، ومحاولة رؤية المشهد بصورة أكثر شمولية، والتخلي عن التعنت والعناد الواضح في خطاب كل طرف للآخر.
كما أن وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض يشكل أحد العوامل الرئيسية التي قد تدفع الرياض وطهران إلى التنازل قليلاً من أجل تقريب وجهات النظر، فتصريحات الرئيس الأمريكي الجديد العدائية ضد الدولتين – السعودية وإيران – ربما تجبرهما على التمسك بمبدأ “عدو عدوي صديقي” إن ارتضينا أن نسمي السعودية أو إيران أعداء للإدارة الأمريكية الجديدة.
يذكر أن ترامب خلال حملته الانتخابية الرئاسية هدد بنسف الاتفاق النووي الموقع بين إيران والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى عام 2015، وفي نفس الوقت طالب السعودية بدفع ثلاث أرباع ثروتها مقابل حمايتها، فضلاً عن وصفه لها بأوصاف وصفها البعض بـ”القبيحة”، ما أثار حفيظة كلا من طهران والرياض حينها، كذلك مساعيه المناهضة للقضية الفلسطينية لأجل عيون الكيان الصهيوني، وهو ما تمثل في التعهد بنقل السفارة الصهيونية للقدس، مما يدفع الجميع إلى التوحد في مواجهة العنصرية الأمريكية الجديدة ضد دول الشرق الأوسط.
وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض يشكل أحد العوامل الرئيسية التي قد تدفع الرياض وطهران إلى التنازل قليلاً من أجل تقريب وجهات النظر، فتصريحات الرئيس الأمريكي الجديد العدائية ضد الدولتين – السعودية وإيران – ربما تجبرهما على التمسك بمبدأ “عدو عدوي صديقي” إن ارتضينا أن نسمي السعودية أو إيران أعداء للإدارة الأمريكية الجديدة
ماذا عن المصالحة؟
تحت عنوان “هل إيران والسعودية على وشك المصالحة؟” نشر موقع “المونيتور” تقريرًا عن احتمالية الوصول إلى مصالحة حقيقية بين البلدين، ومحاولة إحياء الدور الذي كان يقوم به الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني لتقريب وجهات النظر بين الجانبين.
التقرير تناول بعض المؤشرات التي ترجح أن تكون هناك مساعي لتخفيف حدة التوتر، ومن ثم السير نحو المصالحة، منها تقديم العاهل السعودي واجب العزاء في رفسنجاني، وذلك من خلال رسالة قدمها لعائلته، نعى فيها الرجل الذي وصفه بـ”الشريف” متمنيًا لأهله الصبر والسلوان.
كما اعتبر التقرير زيارة وزير الخارجية الكويتي لطهران أمس للمرة الأولى منذ عامين بأنها تكليف موجه من دول مجلس التعاون الخليجي إلى المسؤولين الإيرانيين، يحمل في مضمونه رغبة خليجية في تخفيف حدة التوتر، والترحيب بفتح قنوات اتصال لمواجهة المخاطر المشتركة.
الموقع تطرق إلى بعض التقارير المنشورة في عدد من وكالات الأنباء الإيرانية والتي تشير إلى رغبة الرياض في الوقوف وراء ما أسمته بـ”الأبواب الدبلوماسية السرية” في علاقتها بطهران، حيث تفوض دولا مثل الكويت وعمان لفتح قنوات اتصال بعيدا عن اللقاءات المباشرة في الوقت الحالي.
اعتبر التقرير زيارة وزير الخارجية الكويتي لطهران أمس للمرة الأولى منذ عامين بأنها تكليف موجه من دول مجلس التعاون الخليجي إلى المسؤولين الإيرانيين، يحمل في مضمونه رغبة خليجية في تخفيف حدة التوتر، والترحيب بفتح قنوات اتصال لمواجهة المخاطر المشتركة
ومن المؤشرات التي تعزز مساعي المصالحة الخليجية الإيرانية، التصريحات المتبادلة بين بعض مسؤولي البلدين مؤخرًا بشأن ضرورة إزالة وتخفيف الاحتقان، والعمل على مواجهة التحديات الإقليمية المشتركة، كذلك زيارة الرئيس اللبناني ميشيل عون للرياض بداية الشهر الحالي، والذي خصّ الرياض لتكون محطته الخارجية الأولى منذ توليه مقاليد الأمور في لبنان، وهو المعروف عنه قربه الشديد من حزب الله والقيادات الإيرانية بطهران، مما دفع البعض إلى القول بأن تلك الزيارة كانت كرسالة إيرانية عبر وساطة لبنانية لمحاولة فتح قنوات اتصال جديدة بين طهران والرياض، وأن عون سيكون “رفسنجاني” العلاقات الخليجية الإيرانية.