كان الغالبية يرون في الرئيس المنتخب عن حزب الجمهوريين دونالد ترامب رجلًا “غير متزن” يلقي كل ما يجول بخاطره دون التفكير فيه، يخرج يسب ويلعن في الأقليات المهاجرة، وفي الأعراق غير البيضاء، ممجدًا الأمريكي الأبيض كمواطن أصلي لتلك البلاد، وعلى رئيسها القادم حمايته ومنع وصول الإرهابيين إليه، كل ما سبق كان محض سخرية الكثير من منتقدي ترامب، إلا أنه وبعد فوز الأخير بالانتخابات الأمريكية لعام 2017، يتحول الآن إلى محض حقيقة وواقع سيتضرر منه العالم العربي والإسلامي على وجه التحديد.
بعد مرور بضعة أيام على تولي دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض كرئيس منتخب للولايات المتحدة الأمريكية، تخرج قرارته تلو الأخرى صادمة للعالم بعد أن توقع الأغلب أنها لمجرد فرض قبضته الحديدية في أثناء الانتخابات، فهنا يغرد رئيس أمريكا الجديد بأن اليوم هو من الأيام الحافلة بالنسبة للأمن القومي، فمن بين الكثير من المهمات التي سيتكلف بها، سيبني جدار المكسيك.
Big day planned on NATIONAL SECURITY tomorrow. Among many other things, we will build the wall!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) January 25, 2017
في خطاب دونالد ترامب صباح اليوم، أكد أن الولايات المتحدة هي دولة قانون، ومن الآن فصاعدًا ستطبق قوانينها بحزم وصرامة أكثر من ذي قبل، فسيتم رفع القيود التي كانت تحيد وتمنع الضباط والمخابرات العامة من قبل من أداء دورهم في حماية الحدود الأمريكية ومن داخلها من المواطنين الأمريكيين بشكل سليم، لذا فمع بداية حقبة ترامب، سيتم استعادة سيطرة القانون بشكل حازم داخل أراضي البلاد.
Beginning today, the United States of America gets back control of its borders. Full speech from today @DHSgov: https://t.co/CXn2u87Vv6 pic.twitter.com/48iZam5Fai
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) January 26, 2017
مؤخرًا نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مسودة ترامب المتعلقة بسياسة الولايات المتحدة الجديدة المتبعة مع المهاجرين واللاجئين، وكذلك مع المسافرين بشكل عام والمتقدمين بطلب تأشيرات عادية لدخول الولايات المتحدة لغرض السفر أو الدراسة أو العمل، بالإضافة إلى سياسة “استجواب الإرهابيين” الجديدة.
المسودة مكونة من ست صفحات تم تسريبها، إلا أنها لم تعتمد إمضاء ترامب بعد، فهي ما زلت قيد الاستشارة ولم تعتمدها وزارة العدل وكذلك مكتب المستشار القانوني للرئيس، إليك أهم ما جاءت به تلك المسودة المسربة.
بدأت المسودة بالتعريف بأنها أمر تنفيذي من الرئاسة الأمريكية لحماية المواطنين الأمريكيين من كل الإرهابيين الأجانب بحسب تعبير المسودة، واشتملت على محاور أساسية، ألا وهي سياسة استجواب الإرهابيين المشتبه في ارتباطهم بالجماعات الإرهابية خارج الولايات المتحدة، والفحص الدقيق للمتقدمين على طلب تأشيرة الدخول من البلاد التي تعاني من حرب أهلية أو مشاكل أمنية أو عدم استقرار نتيجة للاضطرابات والنزاعات الداخلية، ذلك اعتمادًا على جهاز المخابرات وكذلك على ضباط وزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة.
المسودة الخاصة بقانون الهجرة الجديد
المصدر: واشنطن بوست
وعلى الرغم من أن ترامب دعا خلال حملته الانتخابية إلى تشديد الرقابة الأمنية على الأشخاص الوافدين إلى الولايات المتحدة من الدول الإسلامية التي بها “إرهابيون”، فإن الوثيقة لم تحدد بلادًا بعينها حتى الآن وذلك لأن الوثيقة تتطلب الفقرات التالية التي لا بد من جهاز الأمن الداخلي القيام بها أولًا بالتعاون مع جهاز المخابرات قبل تحديد قائمة بالبلاد التي سيتم تشديد التعامل معها بالنحو الذي فصلته المسودة.
القسم الأول
يختص القسم الأول بتوضيح غرض المسودة، ألا وهو حماية الشعب الأمريكي بقرارات من الرئيس المنتخب الشرعي بحسب الدستور والقانون الأمريكي، وذلك عن طريق مزيد من التشديد الأمني على تأشيرات الدخول الممنوحة لمواطني الدول التي يوجد بها منظمات إرهابية أو يشتبه في وجود علاقة بين مواطني تلك الدول وجماعات إرهابية خارج حدودها.
يشير القسم الأول من المسودة أن تعرض البلاد لعدم استقرار أمني أو تزعزع الديموقراطية ونظام الحكم والنزاعات الداخلية والاضطهادات العرقية يزيد من احتمالية وجود الجماعات الإرهابية في تلك البيئات، وهو ما يرفع من نسب احتمالية كون المتقدم لطلب تأشيرة الدخول للولايات المتحدة واحدًا منهم أو على الأقل له أو لفرد من أفراد عائلته علاقة بتلك الجماعات، وهو ما يفرض على الولايات المتحدة فرض سياسات التشديد الصارمة على طلبات التأشيرات القادمة من تلك الدول التي لم تحددها المسودة بعد.
يجب علينا التأكد التام من أن كل فرد يدخل أراضي الولايات المتحدة، لا يحمل شعورًا عدائيًا تجاها أو تجاه مواطنيها وليس له أي علاقة بالجماعات الإرهابية
القسم الثاني
في القسم الثاني توضح المسودة السياسة المتبعة وهي منع كل من له علاقة بالإرهابيين من الدخول إلى البلاد، ورفض كل مهاجر يحقد على قوانين الهجرة الأمريكية ويريد بها الخراب والانتهاء، كما سترفض الولايات المتحدة كل مهاجر لا تتوافق أفكاره مع أفكار الحلم الأمريكي، وكل من يرفض المبادئ التي ينص عليها الدستور الأمريكي، وكل من لا يقبل الثقافة الأمريكية ثقافة للولايات المتحدة، ويجب على كل من يعيش بها احترامها وعدم المساس بها.
ترامب بعد توقيعه قانون الهجرة الجديد الذي يتضمن بناء الجدار
القسم الثالث
يعد القسم الثالث هو القسم الأكثر توضيحًا لما سبق والأكثر عنصرية تجاه المسلمين، وهو بعنوان:
“توقيف عمل تأشيرات الدخول وطلبات الهجرة المقدمة من مواطني بلاد بعينها بعد مرور 30 يومًا من اعتماد المسودة رسميًا”
يجب على كل من جهاز الأمن الداخلي وجهاز المخابرات بالتعاون مع إدارة الجنسيات والهجرة تحديد تقرير يعبر عن معايير المعلومات التي ستتطلبها تلك الجهات بخصوص كل فرد يطلب الحصول على تأشيرة دخول أو مقدم على طلب هجرة للولايات المتحدة من قائمة الدول التي تحتوي علي جماعات إرهابية أو مشتبه بها لوجود علاقة بينها وبين تلك الجماعات، ذلك لبيان أن الفرد المتقدم لا يشكل أي خطر على الأمن القومي وليست له علاقة بالجماعات الإرهابية ولا ينوي القيام بعمل حاقد على الولايات المتحدة لإيذاء مواطنيها.
على الرغم من عدم اعتماد المسودة بعد من وزارة العدل وكذلك من مكتب المستشار القانوني لمكتب رئيس الولايات المتحدة، إلا أن ما يوقعه ترامب من اتفاقيات حديثة، لا يبعد كثيرًا عما تتضمنه المسودة من بنود خاصة بالحرب على الإرهاب، ومنع هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة، وكذلك سياسة التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين ببنائه لجدار العزل بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهو ما وقعه وأقر بالبدء في تنفيذه مؤخرًا.
تشير التسريبات المختلفة إلى اختيار ترامب للبلاد الخطأ ووضعها على لائحة البلاد التي سيمنع مواطنيها من دخول الولايات المتحدة، حيث تشير التسريبات إلى كون سوريا والعراق واليمن من ضمن تلك القائمة السوداء، إلا أن ما تشير إليه جرائم الكراهية التي شهدتها الولايات المتحدة منذ أحداث 11/9 كانت على يد مواطنين أمريكيين من جذور أفغانية وباكستانية، كما كان منفذو تفجير برجي التجارة في الحادي عشر من سبتمبر من جذور سعودية ولبنانية ومصرية، إلا أن التسريبات تشير إلى عدم وجود تلك البلاد ضمن اللائحة، ولكن في النهاية، لا توجد قائمة نهائية معتمدة بالبلاد وقعها ترامب حتى الآن.
كما أشار تقرير صحيفة “فوكس” إلى أن الأمر لن يتوقف فحسب على البلاد التي تعاني من وجود الجماعات الإرهابية، بل على البلاد التي تؤيدها مثل إيران وسوريا والسودان، بالإضافة إلى التقليل من حرية المواطنين الأوروبيين ممن كانوا يتمتعون بدخول سهل للولايات المتحدة الأمريكية، فإن كان أي مواطن من هؤلاء قد زار كسائح بلدًا من بلاد الشرق الأوسط التي ستحددها القائمة كبلاد راعية للإرهاب، فسيعاني من نفس الاستجوابات قبل حصوله على تأشيرة دخول للولايات المتحدة.
سيطلب مركز الأمن الداخلي بالتعاون مع المخابرات معلومات عن خلايا الإرهاب الموجودة في تلك البلاد وعن الجهة التي تمولها وترعاها
ستمنح تلك الجهات المختصة مهلة 60 يومًا لكل بلد، وإن لم توفر تلك البلاد المعلومات المطلوبة الكافية، ستكون هي أيضًا ضمن لائحة البلاد التي يمنع مواطنوها من زيارة الولايات المتحدة.
يمنع هذا القرار العمل في طلب الهجرة أيضًا لمواطني تلك البلاد المغضوب عليها من قبل رئاسة ترامب، حيث سيكون الطلب تحت الفحص الدقيق من الجهات المعنية السابقة لمدة 120 يومًا، ويستثنى من ذلك الأقليات الدينية (المسيحيين في الشرق الأوسط)، وسيتم غلق باب اللجوء أمام اللاجئين السوريين لحين يوافق عليه ترامب بنفسه، وسيتم خفض سعة الولايات المتحدة لاستقبال اللاجئين في 2017 من 110.000 إلى 50.000 وسيتم تفضيل الأقليات الدينية من بين اللاجئين “اللاجئين المسيحيين” واستثنائهم من تلك القوانين.
الحد من الهجرة الشرعية من أجل حماية مصالح الأمريكيين
لا تعد حرب ترامب على الهجرة غير الشرعية فحسب، أو على لجوء المسلمين للولايات المتحدة فقط، بل على الهجرة الشرعية كذلك لغرض العمل، فستعمل المسودة الجديدة على الحد من نسب الهجرة الشرعية لحماية مصالح الأمريكيين وحماية أماكن شاغرة لهم في سوق العمل، وحماية نصيبهم من المرتبات والمعاشات، وهو ما يخالف سياسة أوباما في منح تأشيرات دخول للمتدربين في سوق العمل الأمريكي.
يظل السؤال قائمًا بخصوص منح الرئاسة الأمريكية أجهزة الاستخبارات والأمن الداخلي مزيدًا من الصلاحيات لتنفيذ بنود المسودة السابقة، وهو ما يتضمن مزيدًا من سلطات التجسس عبر الأصعدة المختلفة على مسلمي أمريكا، وعلى الدول الإسلامية بشكل عام، ينتظر ترامب اختبار فعالية المسودة السابقة خلال الأربعة شهور الأولى منذ بداية تطبيقها، فكيف سيكون مصير المسلمين بالنسبة للولايات المتحدة بعدها؟