في العشرين من مارس 2017، وهو أول يوم يتسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وعقب أدائه اليمين الدستورية، وجه كلمة إلى الأمة الأمريكية والعالم أجمع، لخص فيها سياسته التي سيكرسها خلال حكمه لأكبر دولة في العالم..
لم يختلف حديثه أو كلماته تلك التي كان ينتقيها أثناء خطاباته في حملته الانتخابية التي قادته إلى البيت الأبيض، وهي أمريكا أولًا ونزعته العنصرية تجاه المسلمين والهجرة إلى بلاده.
دونالد ترامب الرجل الذي وصل إلى السلطة وسط مخاوف عالمية من تهوره وجنونه نتيجة لتصريحاته التي كان يدليها عن الإسلام والمسلمين والمملكة العربية السعودية وحربها على اليمن”موضوع حديثنا في هذا والذي سوف نخصصه للحديث عن سياسياته المستقبلية تجاه الخليج العربي والأزمة اليمنية بشكل خاص”.
تحقيق جزء من الوعود
أثناء حملته الانتخابية تعهد دونالد ترامب بحماية إسرائيل ونقل سفارة بلاده إلى القدس الشريف وبناء جدار عازل مع المكسيك ومنع المهاجرين، فضلا عن انتقاده للمملكة العربية السعودية بسبب قيادتها تحالف عربي في حربها على اليمن، ودعوته المتكررة في إقامة منطقة عازلة في سوريا لحماية الفارين من القتال هناك، وهو ما كان ينظر العالم إلى أن تصريحاته قد تكون جزء من الدعاية الانتخابية..
بدأت مثل هذه الأمور تتسرب في وسائل إعلام عالمية، على أنها تحولت إلى واقع، ولم تعد أوراق دعائية، من خلال المسودات التي يسعى “ترامب” إلى تشريعها لتصبح قوانين فاعلة تساهم في حماية بلاده أمنيًا، واقتصاديًا.
الخميس 27 يناير، قال دونالد ترامب، إن الولايات المتحدة هي دولة قانون، ومن الآن فصاعدًا ستطبق قوانينها بحزم وصرامة أكثر من ذي قبل، فسيتم رفع القيود التي كانت تحيد وتمنع الضباط والمخابرات العامة من قبل من أداء دورهم في حماية الحدود الأمريكية ومن داخلها من المواطنين الأمريكيين بشكل سليم.
ستتعامل إدارة ترامب الجديدة مع السعودية وفقًا لمبدأ المصالح المشتركة، ولا يمكن لأمريكا أن تغفل دور المملكة في إثارة الصراع الطائفي من أجل إشغال العالم العربي بخلافاتهم الطائفية وترك المساحة لإسرائيل لأن تبني نفسها وتستعد للقادم
ويصادق ترامب على إيقاف الهجرة إلى بلاده من سبعة دول، إضافة إلى وقف إصدار تأشيرات للمواطنين من سورية والعراق وإيران وليبيا والصومال والسودان واليمن.
يلاحظ أن ترامب أدرج كل من سوريا والعراق واليمن والصومال والسودان وإيران ضمن القائمة السوداء الممنوعين من الدخول إلى بلاده نتيجة؛ إلا أنه تناسى موطن منفذو تفجير برجي التجارة في الحادي عشر من سبتمبر الذين كانت جذورهم سعودية ولبنانية ومصرية، إذا لماذا اختار تلك البلاد.
اختار ترامب الدول التي ترمض من الحروب الطاحنة التي تجري فيها كسوريا واليمن والعراق وليبيا والصومال، هو أسلوب روتيني اتخذته من قبله دول عديدة، كإجراء احترازي.
اختيار الصومال التي تعيش هدوءً نسبيًا على غير الدول التي صنفها ترامب على أنها مهددة للأمن القومي لبلاده يبدوا أنه يمارس معها ثارًا قديما نتيجة لما تعرض له الجيش الأمريكي فظلا عن أن مناطق فيها تعد معقل لأهم قيادات أو موالون لتنظيم القاعدة.
أما اختياره للسودان بعد رفع الحظر عنها من قبل الإدارة السابقة، يشير إلى عدم اعترافه بذلك، وأنها دولة تدعم الإرهاب، وهول سيعمل على بقاء العقوبات عليها، وربما قد يشن عليها حربًا في حال أن تم تنصيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية!
الشيء المثير للدهشة هو إدراج إيران في هذه القائمة، ربما نتيجة لأنها تدعم حزب الله اللبناني، وكذلك حركة المقاومة الإسلامية حماس، -و(وحزب الله المدعوم إيرانيا، وحماس المدعومة إيرانيا وعربيًا تصنفهما إسرائيل حركات إرهابية/ إضافة لدول الخليج العربي التي تعتبر حزب الله منظمة إرهابية)- وهو ما يؤكد أنه قد يلعب خلال الفترة القادمة على توازنات جديدة بينها أمنية وبعضها اقتصادية، وأخرى عسكرية، ولا يستبعد أن يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بمهاجمة المنشآن النووية الإيرانية على غرار مهاجمتها للمفاعلات النووية العراقية 1981، وكل همه تنفيذ برنامج (أمريكا أولا.. إسرائيل ثانيًا).
المملكة العربية السعودية
هذه الخطوة ترسم ملامح الإدارة الأمريكية القادمة في تعاملاتها مع الشرق الأوسط، وخاصة الدول التي أدرجتها الإدارة الجديدة في القائمة السوداء..
وبالرغم أن الإسلام الراديكالي (المتطرف) الذي تحدث وما زال يتحدث عنه، وعزمه القضاء عليه، منبعه هو المملكة العربية السعودية؛ إلا أنه لم يدرجها في تلك القائمة، وهو ما يشير إلى أنه ماض في تعهداته أو برنامجه الانتخابي في استنزافها ماليًا.
وهذا الموضوع يقودنا لتشخيص الطريقة التي سيتعامل بها الرئيس الأمريكي الجديد مع الأزمة اليمنية، ومحاربة ما اسماه “الإسلام الراديكالي”.
وبمفهومه، فإن الإسلام الراديكالي هي كل حركات اﻻسلام السياسي والأفكار المغذية له، وقد يركز على دول بعينها، وخصوصًا المملكة العربية السعودية، لكونها تعرض “المذهب الوهابي” لانتقادات حادة من “ترامب”، معتبرًا أنه سسببًا تغذية الإرهاب، وذلك ربما قد ينال المملكة بطرق مختلفة.
محاربة الإسلام الراديكالي بمفهوم “ترامب” هو كل حركات اﻻسلام السياسي والأفكار المغذية له، وهذا قد ينال المملكة، لكنها قد تفضل الدخول معه في صفقات كبيرة وفق منهجه لامتصاص حماسه
ربما تفادي ذلك المملكة وهو الدخول معه في صفقات اقتصادية وعسكرية كبيرة وفق منهجه، كما فعلت قطر بتبرعها اﻻولي بعشرة مليار للبنية التحتية لتفادي شر قادم أو ﻻستقطابه وامتصاص حماسه ضد القوى التي تدعمها قطر كالإخوان التي يجري الحديث عنها حول سعي أمريكي في إدراجها ضمن الجماعات الإرهابية.
ووفقًا لذلك، ستتعامل إدارة ترامب الجديدة مع السعودية وفقًا لمبدأ المصالح المشتركة، ولا يمكن لأمريكا أن تغفل دور المملكة في إثارة الصراع الطائفي من أجل إشغال العالم العربي بخلافاتهم الطائفية وترك المساحة لإسرائيل لأن تبني نفسها وتستعد للقادم.
المملكة العربية السعودية ستتنازل عن الكثير من أجل إرضاء دونالد ترامب في سبيل الإبقاء على الحماية الأمريكية لدول الخليج العربي من العدو التقليدي إيران.
قانون جاستا الذي أقره الكونجرس الأمريكي في الأشهر الأخيرة من العام 2016 والحرب على الإسلام المتطرف وفقًا لتصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية وتأكيده في كلمته عقب أدائه اليمين الدستورية كرئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية، تحمل العناوين الرئيسية لتفاصيل سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية، وعلاقتها مع المملكة العربية السعودية التي ستكون على عدة محاور.
المحور الاقتصادي، وهو محور سيعمل ترامب على ابتزاز السعودية على الدفع السنوي مقابل الحماية الأمنية التي توفرها لها الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الصفقات الأسلحة التي تدر على المال على واشنطن.
لا يجب أن نغفل قانون جاستا، وهو سيكون السوط الحديدي المسلط على ظهر الدول العربية وخصوصًا المملكة العربية السعودية، وابتزازها ماليًا وربما قد يساومها في قضايا دولية عدة، كدعم إسرائيل في غزو لبنان بهدف القضاء على حزب الله، وقصف المفاعلات الإيرانية، وضمها للمستوطنات ثم للضفة.
المحور الديني، قد يسعى ترامب إلى الاستعانة بالمملكة العربية السعودية بافتعال المزيد من الحروب الطائفية من خلال شن الحروب على منظمات أو جماعات شيعية يعتبرها دونالد ترامب يد إيران في المنطقة ( حزب الله أو الحشد الشعبي العراقي) بهدف إثارة النزعة الطائفية في المنطقة، وإشغال الشارع العربي تحت هذا البند والعمل في نفس الوقت على تجميل صورة إسرائيل لدى الشارع العربي من خلال شيطنة “بع بع” إيران أكثر، الهدف من ذلك إفساح المجال لدولة الاحتلال بتنفيذ أجندتها الاستيطانية والتوسعية في المنطقة العربية.
الأزمة اليمنية
فيديو ترامب يتهم السعودية بمحاولة نهب نفط اليمن
أثناء حملته الانتخابية، كان دونالد ترامب يهاجم المملكة العربية السعودية، وأتهمها بالجري واللهث خلف اليمن من أجل نفطه، حديث يحتاج للوقف عنده للتفسير، وما إن كان سيعمل ترامب على مساعدة اليمنيين من القصف العشوائي لطيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وهل يمكن أن يحمي المدنيين على غرار ما يسعى لتنفيذه في سوريا لإقامة منطقة آمنة هناك؟
قد يكون محقًا ترامب في حديثه أثناء حملته الانتخابية أن للسعودية مطامع في اليمن، يتمثل في الاستيلاء على النفط، إضافة إلى المطامع الأخرى التي يعرفها النخبة من الساسة وهو تجزئة اليمن لإبقائه ضعيفًا وشعب متصارع من أجل استغلال ثرواته النفطية والسمكية إضافة إلى شقه نصفين لتنفيذ مشروع قناة سلمان المائية التي تصل المملكة بالبحر العربي بعيدًا عن مضيق هرمز الذي تتحكم به إيران، لكنه لن يقدم على مساعدة اليمنيين لسببين رئيسين.
أولًا: إن الحجة التي تتحدث بها المملكة العربية السعودية لمحاربتها في اليمن، إعادة الشرعية إلى الحكم بعد انقلاب الحوثيين عليه، والحوثيين تقول الرياض إنها جماعة تابعة ويد إيران في المنطقة، والأخيرة عدو لدود لإسرائيل التي يخشى عليها ترامب، ويعتبر أن طهران تهدد أمن ووجود إسرائيل في المنطقة..
ومن الطبيعي جدًا أن يضاعف دونالد ترامب جهوده في دعم المملكة العربية السعودية لمحاربة الحوثيين في اليمن، مع العمل على الشق السياسي لحلحلة الأزمة اليمنية بما يضمن عدم تفوق الحوثيين سياسيًا كونهم جماعة دينية لا تختلف عن جماعات الإسلام السياسي الأخرى والتي يعتبرها ترامب مفرخة أو داعمة للإرهاب.
أثناء حملته الانتخابية تعهد دونالد ترامب بحماية إسرائيل ونقل سفارة بلاده إلى القدس الشريف وبناء جدار عازل مع المكسيك ومنع المهاجرين، فضلا عن انتقاده للمملكة العربية السعودية بسبب قيادتها تحالف عربي في حربها على اليمن
وبما أن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، إضافة إلى الجماعات الجهادية الأخرى (السلفيين والقاعدة وداعش) منطوية تحت التحالف العربي في حربها على الحوثيين والجيش اليمني الموالي للرئيس السابق علي عبدالله صالح، قد يجبر ترامب الرياض، بالبحث عن أحزاب أو حزب معتدل يضمن سيطرته على اليمن ويساعده على محاربة تلك الجماعات ومن بينها تنظيم القاعدة.
لا يوجد في اليمن أحزاب معتدلة وقوية كحزب المؤتمر الشعبي العام، إلا أن الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، هما الحزبان اللذان قد يكونا البديلان عن تلك الأحزاب، غير أنهما يفتقدان إلى المؤسسية الكاملة والقاعدة الجماهيرية العريضة، إضافة إلى الخلافات الداخلية المستمرة فيهما لا تجعلهما حزبان رائدان يحملان مشروع الدولة، وبالتالي قد ينهاران أمام حزب الإصلاح (إخوان اليمن) ثاني أكبر الأحزاب اليمنية بعد حزب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وهنا قد تلجأ السعودية إلى التعامل مجددًا مع حزب صالح لكن بطرق مختلفة أخرى.
ثانيًا: ترامب رجل أعمال ماهر، يعرف كيف يدير الصفقات التجارية، فانتهاء الحرب في اليمن، قد تتوقف المملكة العربية السعودية من شراء الأسلحة، وبالتالي تتوقف مليارات الدولارات عائد الأسلحة التي تبيعها واشنطن للرياض، ولن يسعى لتوقيف الحرب إلا بعد أن يجد مكان آخر يمكن للمملكة أن تجرب الأسلحة الأمريكية فيها.
الخلاصة
ستتعامل إدارة ترامب الجديدة مع السعودية وفقًا لمبدأ المصالح المشتركة، ولا يمكن لأمريكا أن تغفل دور المملكة في إثارة الصراع الطائفي من أجل إشغال العالم العربي بخلافاتهم الطائفية وترك المساحة لإسرائيل لأن تبني نفسها وتستعد للقادم.
ومحاربة الإسلام الراديكالي بمفهوم “ترامب” هو كل حركات اﻻسلام السياسي والأفكار المغذية له، وهذا قد ينال المملكة، لكنها قد تفضل الدخول معه في صفقات كبيرة وفق منهجه لامتصاص حماسه، وفي اليمن سيكثف عمليات ضرب القاعدة جويا وسيساوم على الموقف الأمريكي الذي لن يتغير كثيرًا خلال الفترة المقبلة.