بدأ الصراع يحتدم بين الولايات المتحدة والمكسيك على خلفية إصدار الرئيس الأمريكي ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي ببناء جدار عازل يصل طوله إلى 3200 كيلو متر على الحدود بين البلدين وبتكلفة تصل إلى 8 مليارات دولار وتوظيف 5000 موظف على الحدود لمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين، حيث سيتم إنشاء مزيد من مراكز الاحتجاز على طول الحدود لجعل احتجاز وإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية أكثر سهولة وأقل كلفة.
فيما لم يكن بوسع الرئيس المكسيكي سوى أن يقول في رسالة مقتصبة بثها التلفزيون: “يؤسفني وأدين قرار الولايات المتحدة بمواصلة بناء الجدار الذي قسمنها لسنوات بدل أن يجمعنا” وطلب من 50 قنصلية مكسيكية في الولايات المتحدة بالتحول إلى مدافعين حقيقيين عن حقوق المهاجرين المكسيكيين.
ترامب يصر على بناء الجدار وعلى حساب المكسيك
وقّع ترامب الأربعاء الماضي مرسومين، أحدهما لتشييد جدار على الحدود مع المكسيك، والآخر لمكافحة الهجرة غير الشرعية في الولايات المتحدة، حيث ورد في المرسوم الأول أمر تنفيذي بـ “تشييد جدار فعلي فورًا على الحدود الجنوبية، بإشراف طاقم مؤهل، من أجل منع الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات والناس والأعمال الإرهابية”.
وطالب ترامب وزير الأمن الداخلي الجنرال المتقاعد جون كيلي بالبدء “فورًا” في تخطيط الجدار وتشييده، وأمهله 180 يومًا لإعداد دراسة حول وضع الحدود الجنوبية والاستراتيجية الضرورية من أجل ذلك.
هناك 6 ملايين وظيفة داخل الولايات المتحدة تعتمد على التجارة مع المكسيك
تزامن إعلان الرئيس ترامب وتوقيعه على المرسومين مع وصول وفد مكسيكي برئاسة وزير الخارجية إلى البيت الأبيض لإجراء محادثات والتحضير لزيارة رئيس المكسيك نيتو، إلا أن ترامب غرد على حسابه في تويتر مطالبًا نظيره المكسيكي أنه إذا لم يكن على استعداد لدفع تكلفة الجدار فلا داع للاجتماع يوم الثلاثاء 31 من الشهر الجاري في واشنطن، وبعد عودة الوفد إلى المكسيك قرر الرئيس المكسيكي إلغاء اللقاء بترامب على إثر هذا الحادث علمًا أن الزيارة نفسها لاقت مطالبات من معارضين مكسيكيين لإلغاءها.
الرئيس المكسيكي إنريكي نيتو
وزير الخارجية المكسيكي “لويس فيديغاراي” ذكر أمس الخميس إن دفع ثمن جدار حدودي كما يطلب ترامب “غير قابل للتفاوض” بينما أعلن البيت الأبيض أنه قد يحصل على التمويل عبر فرض ضريبة على السلع المكسيكية.
رفض الرئيس المكسيكي لدفع فاتورة بناء الجدار وصفه ترامب بأنه “مجبر على قول ذلك ولكن في نهاية المطاف ستموله المكسيك” وفي حال رفضت فإن الولايات المتحدة ستسترد مستحقاتها من خلال التعاملات التجارية مع المكسيك كما اشار ترامب لذلك.
ففي لقاء مع الصحفيين أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر للصحفيين إنه يمكن تمويل بناء الجدار عبر فرض ضريبة بقيمة 20% على كل السلع المستوردة من المكسيك. ويذكر أن الولايات المتحدة لديها عجز تجاري مع المكسيك بقيمة 60 مليار دولار وذكر ترامب في إحدى تغريداته إنها “اتفاقية لمصلحة طرف واحد منذ البداية” في إشارة منه لاتفاقية “نافتا”.
40% من مكونات المنتجات المكسيكية المصدرة إلى الولايات المتحدة تأتي من الولايات المتحدة
لذا من المتوقع، أو يمكن القول أنه من المؤكد بعد رفض المكسيك دفع فاتورة بناء الجدار، سيكون تمويله من خلال فرض ضريبة بقيمة معينة على السلع القادمة من المكسيك، علمًا أن هذا الإجراء سيؤذي المكسيك بالقدر الذي سيؤذي الشركات الأمريكية أيضًا.
حيث تمثل المكسيك ثاني أهم وجهة في العالم للصادرات الأمريكية بعد كندا، تبيعها سلعًا وخدمات بقيمة أكثر من 230 مليون دولار سنويًا، لذا فإن إجراء ترامب بفرض ضريبة ورسوم على السلع المستوردة من المكسيك سيقابله إجراء نفسه من المكسيك بفرض ضرائب ورسوم جمركية على الواردات الأمريكية، وبهذا تضعف تنافسية المنتجات الأمريكية في المكسيك لصالح سلع دول أخرى قد تكون من الصين أو من ألمانيا أو أي بلد آخر لديه اتفاقيات وعلاقات تجارية جيدة م المكسيك.
حرس الحدود الأمريكية بين الولايات المتحدة والمكسيك
وإذا علمنا أن 40% من المواد الأولية للمنتجات المكسيكية التي تصدر إلى الولايات المتحدة في النهاية كمنتج، تأتي من أمريكا، وأن هناك 6 ملايين وظيفة داخل الولايات المتحدة تعتمد على التجارة مع المكسيك، فإنه من شأن نزاع ترامب مع المكسيك أن يثير بلبلة لدى الشركات الأمريكية داخل الولايات المتحدة التي تسعى دائمًا لإيجاد أسواق تصديرية جديدة، في الوقت الذي يقوم ترامب بإغلاق أسواق رئيسية لها في المنقطة، بدون تعويض.
وقد يقود هذا النزاع إلى أزمة حقيقية فالشركات التي تصدر مواد أولية ومنتجات للمكسيك لن تكون قادرة على تصديرها مرة أخرى إلى هناك، لذا ستضطر بسبب انخفاض مبيعاتها إلى خفض تكاليف التشغيل لديها بتسريح العمال وخفض للرواتب وإجراءات أخرى وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع في معدل البطالة في الولايات المتحدة وأمور أخرى ليس أقلها انخفاض النمو، لذا فالجدار لن يكون لصالح الشركات الأمريكية مطلقًا.
وعليه فإن موقف المكسيك ليس ضعيفًا بشكل مطلق، بل لديها هامش حركة قوي في التخلي عن الولايات المتحدة لصالح دول أخرى لعل أبرزها، عدو أمريكا اللدود وهي الصين التي تربطها بالمكسيك علاقات جيدة وتتطلع للتوسع في دول أمريكا اللاتينية التي يخرج منها ترامب بمليء إرادته.
يُذكر أن أولى الخطوات التي عاقب فيها ترامب المكسيك عندما وعد بمعاقبة الشركات الأمريكية التي تقيم مصانعها في المكسيك وتصدر منتجاتها إلى الولايات المتحدة، وقد استجابت شركة فورد لصناعة السيارات وألغت عقد بناء مصنع في المكسيك كان من المقرر أن يوفر نحو 2800 فرصة عمل.
الجدارالعازل يشكل 3 أضعاف أكبر سد في أمريكا
إصرار الرئيس ترامب على بناء الجدار دون غيره يظهر مدى رجعية الطرح في ظل شكوك أبداها خبراء حول فاعلية الجدار في وقف الهجرة غير الشرعية أو ما إذا كان المشروع أصلا يستحق عناء استثمار مليارات الدولارات بينما هناك وسائل أخرى أقل كلفة لتحقيق نفس النتائج.
حيث أجرت مؤسسات مستقلة دراسات حول تكاليف بناء الجدار وأظهرت دراسة “معهد سياسات الهجرة المحايدة” في واشنطن أن كلفة الجدار يتراوح بين 15 – 25 مليار دولار وستصل مصاريف صيانتها السنوية إلى 700 مليون دولار. وبحسب تقديرات شركة “توون سترنفيلد” للإنشاءات فإن كلفة بناء الجداء ستصل إلى 26 مليار دولار وأن عمليات الإنشاء تتطلب 10 مليون طن من الإسمنت وهي تعادل 3 أضعاف أكبر سد في الولايات المتحدة وهو سد هووفر.
هذه التكلفة العالية لبناء الجدار ستصطدم بعدة إجراءات يجب اتخاذها مسبقًا، فالكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون يجب أن يؤمن أموالاً جديدة عند اقتراب المشروع من التنفيذ في الأشهر المقبلة كما هو مقرر، في الوقت الذي سعى الحزب الجمهوري نفسه لضبط الميزانية منذ سنوات طويلة، ومن جهة أخرى، يجب عدم إغفال أن معظم الجمهوريون يخالفون ترامب وسياساته لذا من غير المستبعد أن يواجه مشروع القانون انتكاسات قد تؤدي لإلغائه أو تأخيره على أقل تقدير.
عمليات إنشاء الجدار العازل تتطلب 10 مليون طن من الإسمنت وهي تعادل 3 أضعاف أكبر سد في الولايات المتحدة وهو سد هووفر
والجدير بالذكر أن المهاجرين غير شرعيين الذي يسعى ترامب لطردهم بحسب تقرير لشركة (PEW) الأمريكية للأبحاث، هناك 8 مليون منهم من المكسيكيين، يعملون حالياً داخل الأسواق الأمريكية، ويشكلون 5% من إجمالي اليد العاملة الامريكية، علمًا أن معظمهم يعمل في أعمال لا تتطلب كفاءات وخبرات، فهم يعملون في تنظيف الأواني في المطاعم، وفي قطاع الإنشاءات، وفي توزيع الطرود والحوالات.