ترجمة حفصة جودة
منذ عام 1988 كان خزان صافر العائم الضخم “FSO Safer” يطفو على سطح مياه البحر الأحمر، مستقبلًا النفط الخام من حقول مأرب الوفيرة في اليمن، ولمدة 30 عامًا؛ كانت السفينة قطعة أساسية في البنية التحتية لصناعة النفط المزدهرة في اليمن، التي شكلت في إحدى المرات 63% من عائدات الحكومة.
لكن الحرب الأهلية اندلعت في 2014 وأُجبر معظم طاقم “صافر” على التخلي عن السفينة، ليتركوا وراءهم حمولتها البالغة 1.1 مليون برميل من النفط، ومع زيادة التكاليف والمخاطر الأمنية أصبح من المستحيل صيانة السفينة.
عندما بدأ تسريب غرفة المحرك عام 2020 مهددًا بغرق السفينة، أثار ذلك مخاوف بما قد يحدث لبضاعة السفينة – التي تزيد 4 مرات على كمية النفط التي كانت تحملها سفينة “Exxon Valdez” التي غرقت قبالة سواحل ألاسكا عام 1989 عند تسربها للمحيط -.
لذا في مواجهة تلك القنبلة الموقوتة وفي محاولة بائسة لمنع كارثة بيئية وإنسانية، لجأت الأمم المتحدة إلى مصدر غير مسبوق للحصول على الدعم وهو: التمويل الجماعي.
انتهت هذه القصة الرائعة الأسبوع الماضي عندما تمكن فريق إنقاذ من إنهاء عملية كلفت ملايين الدولارات لإزالة النفط من السفينة وبالتالي تفادي كارثة كانت لتصبح أسوأ كارثة تسريب في عصرنا هذا.
لم يكن مقدرًا للأمر أن ينتهي نهاية سعيدة، فقد كان معلقًا على خيط رفيع من الاتفاق بين طرفي الحرب في اليمن، يقول ديفيد جريسلي – منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن الذي ترأس عملية الإنقاذ بجانب الحكومات والمنظمات غير الحكومية ورجال الأعمال اليمنيين – “يمكنني أن أصف صافر بأنها وحش، فلا أحد يبني خزانات النفط بهذا الحجم الآن”.
بُنيت صافر كناقلة بترول ضخمة عام 1976 ثم تحولت لاحقًا إلى منصة تخزين وتفريغ عائمة، تخزن النفط الخام في خزانات بضائع ضخمة ثم توزعها على السفن المارة، تمتلك السفينة شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج، وهي أول شركة وطنية يمنية للنفط والغاز.
بعد بداية الحرب، لم يبق سوى جزء صغير من القوة العاملة في السفينة لصيانتها، لكن الأوضاع كانت ضدهم تمامًا، فخزان صافر الممتلئ ببضاعة قابلة للتفجر يقع في منطقة حرب، ليصبح الوصول إليه مرهونًا بمن يسيطر على الساحل، وبعد عام 2015 انهار نظام الأمان في السفينة – الذي يمنع انفجار الغاز والحرائق – كما ضعفت البنية الهيكلية للسفينة.
تقول غوى النكت المدير التنفيذي لمنظمة “Greenpeace” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “لقد كانت صافر معلقة فوق رؤوسنا كقنبلة موقوتة منذ 2015”.
يكشف النموذج عن أن غرق أو انفجار صافر كان سيتسبب في تشبع شواطئ اليمن والسعودية وشمال إفريقيا بالنفط، واختناق أشجار المنغروف والشعاب المرجانية والقضاء على صناعة الصيد التي يعتمد عليها 1.7 مليون شخص، وتسميم محطات التحلية التي توفر المياه العذبة لـ10 ملايين شخص، كما كان سيتسبب أيضًا في إعاقة مينائي الحديدة والصليف اللذين يشكلان نقطة دخول أساسية للمساعدات الإنسانية.
تقول النكت: “كان التفكير في تسرب النفط بالبحر الأحمر بما يعيق توزيع المساعدات الغذائية الأساسية لملايين المحتاجين، كابوسًا مخيفًا”.
كانت خطورة الوضع على المتمردين الحوثيين في اليمن والسعودية – التي تدعم الحكومة المعترف بها دوليًا – قد دفعت طرفي الصراع إلى الاتفاق على السماح لجريسلي بلقاء المجموعات بشكل منفصل عام 2021 لمناقشة كيفية إنقاذ السفينة.
كانت المفاوضات التي توسطت فيها الأمم المتحدة في وضع خطير: ففي ذلك الوقت، كانت صافر تقع على بعد أميال فقط من الخطوط الأمامية قرب الحديدة، وقد أدى تدفق المفاوضين الأجانب إلى المنطقة بإثارة الشكوك.
كانت المناقشات أيضًا بطيئة ومترددة، يقول جريسلي: “بعد حل القضايا السياسية والأمنية أولًا يمكننا أن نبدأ بالحديث عن تطبيق الحل التقني”.
في مايو/أيار 2022، أطلقت الأمم المتحدة حملة طموح لجمع الأموال من الدول الأعضاء، وهي طريقة تستخدمها عادة للاستجابة للكوارث الإنسانية
في سبتمبر/أيلول 2022، اتفق كلا الطرفين على خطة لإزالة النفط، لكنها كانت مرتبطة بمطلب رئيسي: يجب شراء سفينة جديدة لنقل النفط إليها، حيث ما زال هناك نزاع على ملكيته، فرغم أن معظمه يعود للدولة، فإن الحرب عقدت الموقف، فكل من الحكومة والحوثيين يدّعيان أحقيتهما بالبضاعة.
كانت تكلفة السفينة الجديدة أكثر من 50 مليون دولار، وهو مبلغ يتكفل به عادة أصحاب السفينة وشركات التأمين، ومع ذلك فظروف الحرب تعني أن القواعد الطبيعية لا يمكن تطبيقها، وكان لزامًا على الأمم المتحدة أن تعثر على 144 مليون دولار لتغطية التكلفة الإجمالية التي تتضمن شراء سفينة جديدة واستئجار شركة إنقاذ لنقل النفط.
في مايو/أيار 2022، أطلقت الأمم المتحدة حملة طموح لجمع الأموال من الدول الأعضاء، وهي طريقة تستخدمها عادة للاستجابة للكوارث الإنسانية.
ورغم التمويل الكبير، فإن التقدم كان بطيئًا، يقول جريسلي: “لو كانت مشكلة تسرب النفط هنا في الغرب، لتمكننا غالبًا من جمع مليار دولار خلال شهر، لأن الحكومات هنا تمتلك آليات تمكنها من القيام بذلك”.
لكن تأمين الأموال لمنع تسرب النفط قصة مختلفة تمامًا، وكل حكومة تعاني من ذلك، لكنها لا تملك مالًا كافيًا في ميزانيتها، فمن أين نحصل على المال إذًا؟
للحفاظ على الزخم الصعب الذي تمكنت من تحقيقه في المفاوضات، بدأت الأمم المتحدة بجمع الأموال من القطاع الخاص، بعد ذلك وفي يونيو/حزيران 2022 وبشكل غير متوقع تمامًا، بدأت الأمم المتحدة بالتوسع في حملتها لتشمل العامة، فقد أطلق جريسلي بنفسه حملة تمويل جماعية نجحت في جمع 300 ألف دولار.
بحلول سبتمبر/أيلول 2022، تمكنت الحملة من جمع 75 مليون دولار من المبلغ المطلوب وقدره 144 مليون دولار، هذه الأموال جمعتها من 17 دولة مختلفة، وشركة يمنية متعددة الجنسيات ومدرسة ابتدائية أمريكية.
عندما وصلت الحملة إلى 121 مليون دولار في يوليو/تموز هذا العام، قدم صندوق الطوارئ الإنسانية في الأمم المتحدة قرضًا لتغطية المبلغ المتبقي وقدره 20 مليون دولار.
تمكنت الأمم المتحدة أخيرًا من شراء السفينة الجديدة وأطلقت عليها اسم “اليمن” ومن هنا بدأ التحرك سريعًا، في يوم 2 يوليو/تموز صعدت شركة الإنقاذ “Smit Salvage” على متن صافر لتقييم هيكل السفينة ومخاطر انفجار الغاز، التي تعد أول عملية فحص منذ 2015، كانت الخطوة خطيرة للغاية، فمجرد إرساء السفينة الجديدة بجانب هيكل صافر الضعيف قد يكون كافيًا لتحطيمه.
كانت هناك طائرة طوارئ على أهبة الاستعداد في جيبوتي، مستعدة لإسقاط حمولتها من مشتتات النفط الميكروبية في حالة تسرب النفط.
بعد شهر من ذلك، أعلنت شركة الإنقاذ أن الوضع آمن في صافر، وفي يوم 25 يوليو/تموز رست سفينة “اليمن” بجوار صافر لتتلقى حمولتها، كان نقل مليون برميل من النفط عبر المضخات الهيدروليكية عملية شاقة ودقيقة، لكن مع نقل آخر برميل يوم 11 أغسطس/آب، كان هناك شعور غامر بالراحة لانتهاء الخطر.
أما سفينة “اليمن” الجديدة فستربط في قاع البحر مؤقتًا بمرساة خاصة حتى العثور على مكان آمن لها، بعد ذلك سيتم التشاور بشأن كيفية توزيع أرباح النفط عند بيعه في النهاية.
يقول جريسلي: “لا أحد يرغب في أن تذهب هذه الأموال لتعزيز القدرات العسكرية مثلًا”، والآن لم يبق إلا سحب صافر إلى الشاطئ حيث تتحول جوانبها المعدنية إلى خردة ويعاد تدويرها، ووفقًا للنكت فستراقب منظمة “Greenpeace” العملية لضمان ألا ينتهي بها الأمر في إحدى ساحات خردة السفن سيئة السمعة في جنوب شرق آسيا.
تساءلت النكت عن مدى رضا شركات النفط عن دورها في تجنب تلك الكارثة، مشيرة إلى أن تحقيقات المنظمة كشفت أن شركتي “TotalEnergies” و”Exxon” تمتلكان غالبًا حصة في نفط هذه السفينة.
قال جريسلي إن منظمة شاملة لصناعة النفط قدمت 500 ألف دولار للحملة، لكن هذا المبلغ صغير جدًا بالنسبة للمبلغ المطلوب، تقول النكت: “لقد شارك المجتمع الدولي وأعضاء الأمم المتحدة والعامة من جميع أنحاء العالم لجمع 121 مليون دولار، ومن ناحية أخرى فشركات النفط العملاقة التي يجب أن تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية تجاهلت واجباتها”.
يتساءل جريسلي إذا ما كان هناك آليات أفضل لتجنب كوراث مستقبلية من هذا النوع، ويقول: “عادة لا تتم عمليات الوقاية بهذا الشكل الجماعي، لكن لحسن الحظ، كانت هذه المرة استثنائية”.
المصدر: الغارديان