ترجمة وتحليل نون بوست
في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير، تلقت الحكومة الصينية أخبارًا مهمة عن سوريا، حيث قال المتحدث باسم البنتاغون الكابتن جيف ديفيس: “الطائرات الأمريكية شنت غارة جوية دقيقة بتاريخ 19 من كانون الثاني/ يناير ضد معسكر تدريب لتنظيم القاعدة في محافظة إدلب في سوريا، وقد قتل في هذه الغارة أكثر من 100 مقاتل من مقاتلي القاعدة”.
وكان العديد من القتلى من اليوغور التابعين للحزب الإسلامي التركستاني، والذين قاتلوا تحت جناح جبهة فتح الشام، ووفقًا لتوماس جوسيلين، وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فإنه خلال القصف الأمريكي لمعسكر تدريب لتنظيم القاعدة في سوريا، قُتل أبو عمر التركستاني الذي يُعدّ من المقاتلين اليوغور المعروفين.
وكان التركستاني أحد القادة الأربعة الأبرز في الحزب الإسلامي التركستاني التابع لتنظيم القاعدة، وأصدرت جبهة فتح الشام بيانًا بتاريخ 20 من كانون الثاني/ يناير ادعت فيه أن عددًا من مقاتلي قاعدة الجبهة قُتلوا خلال الغارة، بما في ذلك أبو أنس المصري وأبو عكرمة التونسي وقائد سوري للقاعدة عُرف باسم أبو معتصم الديري وأبو عمر التركستاني، وقد أدانت جبهة فتح الشام الغارة الجوية الأمريكية التي أودت بحياة أكثر من 100 مقاتل وأكدت أن هذه الغارة بينت أن الولايات الأمريكية المتحدة اختارت نظام بشار، عوضًا عن الشعب السوري.
وفي الواقع، فإن اليوغور الذين يعيشون في شمال غرب الصين هم مسلمون سنة، وقد تعزز نشاطهم ومطالبتهم بالاستقلال منذ أوائل التسعينيات، وما ألهمهم لهذه المطالب وسبّب صحوة في الهوية الثقافية لدى اليوغور هو استقلال بلدان آسيا الوسطى السابقة، بما في ذلك كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان.
على الرغم من التناقضات بين بكين وواشنطن فيما يتعلق بالتجارة والاقتصاد، فإن ثبات موقف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب على القضاء على التطرف الإسلامي يمكن أن يصبح أرضية مشتركة
وتجدر الإشارة إلى أن لبلدان آسيا الوسطى ومنطقة سنجان لغات وثقافة مشتركة، لذلك فإنهم كوّنوا منطقة “تركستان”، كما أصبح مصطلح “تركستان” غالبًا ما يستخدم في موجات التحرر الوطني والحركات الدينية لدى اليوغور، وعادة ما يستخدم أيضًا من قِبل الأحزاب والحركات في تركستان، بما في ذلك الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية وحزب معارضة تركستان الشرقية ومنظمة تحرير يوغور تركستان واللجنة الدولية لتركستان الشرقية والجبهة الثورية الوطنية المتحدة لتركستان الشرقية والرياضة الإسلامية لتركستان الشرقية وجبهة تحرير تركستان الشرقية.
وقد تم تصنيف كل هذه المنظمات ضمن الجماعات الإرهابية وتم حظر نشاطها في الصين، بما في ذلك المنظمة الأكبر والأكثر نفوذًا ماليًا وعسكريًا وأيديولوجيًا وهي الحزب الإسلامي التركستاني، الذي يعد نواة للجهاديين اليوغور في الخارج. ومن جهته، أصبح هذا الحزب أحد أهم المنظمات الإرهابية الإسلامية في أفغانستان وباكستان والشرق الأوسط، وأصبح شريكًا لمنظمات مثل القاعدة وحركة طالبان وجماعات سنية مسلحة في سوريا مثل جبهة فتح الشام.
وقد أشرْتُ في السابق إلى أنه من المتوقع أن يكون قد انضم أكثر من 2000 مقاتل من اليوغور التابعين للحزب الإسلامي التركستاني لجبهة فتح الشام للقيام بعمليات عسكرية في شمال غرب سوريا ضد نظام بشار الأسد، ووفقًا لقناة العربية الإخبارية، هناك بضعة آلاف من المقاتلين اليوغور في سوريا وقد اتجه بعض منهم إلى سوريا رفقة أسرهم بعد رحلة طويلة من الصين وآسيا الوسطى.
وفي الحقيقة، فإن الحرب الأهلية في سوريا وتزايد نفوذ الانفصاليين اليوغور في الحركات الجهادية العالمية أجبر بكين على إجراء تعديلات جادة لأهدافها ومهامها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط، ففي شهر آذار/ مارس من سنة 2016، وضع رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ وظيفة جديدة: مبعوث خاص لسوريا، واختار لهذه الوظيفة شيه شياو يان وهو ديبلوماسي متمرس، شغل في السابق منصب سفير في إيران وإثيوبيا والاتحاد الإفريقي.
علاوة على ذلك، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية الصينية بيانا خاصًا جاء فيه:
“يهدف تعيين الصين لمبعوث خاص لسوريا للتشجيع على محادثات السلام، وتقديم مقترحات الصين وتعزيز الاتصالات والتنسيق مع جميع الأطراف ذات الصلة، وهذا التعيين هو أيضًا تجسيد ملموس لبذل مزيد من الجهود لدفع عملية السلام في المجتمع الدولي في ظل الوضع الحالي، والتي من شأنها أن تضخ الطاقة الإيجابية لتسوية سياسية للقضية السورية”.
وقد عينت الحكومة الصينية ممثلها الخاص الجديد في مهمة “سرية” متعلقة بضمان الأمن الداخلي للصين وبالتنسيق مع الجيش الإيراني والروسي والسوري بغاية تدمير الحزب الإسلامي التركستاني الذي يقاتل في الأراضي السورية.
ومن جهة أخرى يدعو الجهاديون اليوغور للانفصال عن الصين وإقامة دولة مستقلة في تركستان الشرقية، ولذلك، فإن بكين تعتبرهم عدوًا داخليًا خطيرًا، حيث ارتكب الانفصاليون اليوغور سلسلة هجمات جريئة في المناطق الوسطى من البلاد سنة 2013، ففي تشرين الأول/ أكتوبر من نفس السنة، أعلن الحزب الاسلامي التركستاني مسؤوليته عن هجمات إرهابية في ساحة تيانانمين في بكين، والتي تسببت بإصابات في صفوف المدنيين.
أما في سوريا، فإن الصين تعتمد مبدأ “عدو عدوي هو صديقي”، وبذلك تدعم بكين بشار الأسد وحلفائه روسيا وإيران، ففي 16 من آب/ أغسطس، زار وفد عسكري صيني دمشق وناقش مسألة القضاء على مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني وآفاق التعاون الثنائي.
ووفقًا لوزارة الدفاع الوطني، فإن الأميرال غوان يوفاي مدير مكتب التعاون العسكري الدولي التابع للجنة المركزية العسكرية الصينية، التقى مع وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج في دمشق.
وخلال اللقاء، تمت الإشارة إلى أن الصين تعرب عن مخاوفها بشأن تأثير الإرهابيين المتطرفين في منطقة سنجان الويغورية ذاتية الحكم، وفي هذا الصدد، أكد غوان أن “الصين تؤيد بثبات موقف دمشق بشأن مكافحة الإرهاب الدولي، وترى أنه يجب حماية سيادة واستقلالية سوريا”، واتفقت دمشق وبكين على استمرار تدريب العسكريين السوريين من قبل المستشارين الصينيين الذين اتجهوا إلى سوريا في شباط/ فبراير من سنة 2015 على إثر دعوة من بشار الأسد.
ومن جهته، قال سونغ زهونغبينغ وهو خبير عسكري وجندي سابق في سلاح المدفعية الثانية لجيش التحرير الشعبي الصيني إنه يوجد مستشارون عسكريون صينيون في سوريا يركزون على تدريب العاملين في مجال الأسلحة، خاصة أن قوات النظام عادة ما تشتري أسلحة صينية، بما في ذلك بنادق قنص وقاذفات صواريخ ومدافع رشاشة.
وفي هذا السياق، قيل أيضًا إن غوان التقى بسيرجي شفاركوف رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتصارعة في سوريا، ومن خلال هذا اللقاء، تبين أن المستشارين الصينيين لن يعملوا فقط في مجال التدريب بل سيكثّفون أيضًا تعاونهم مع موسكو ودمشق بهدف تدمير الحزب الإسلامي التركستاني.
إن اليوغور الذين يعيشون في شمال غرب الصين هم مسلمون سنة، وقد تعزز نشاطهم ومطالبتهم بالاستقلال منذ أوائل التسعينيات، وما ألهمهم لهذه المطالب وسبّب صحوة في الهوية الثقافية لدى اليوغور هو استقلال بلدان آسيا الوسطى السابقة
وفي الحقيقة، دفع ظهور مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا الحكومة الصينية للتحالف مع نظام بشار الأسد وكذلك مع “أسياده” الدوليين على غرار روسيا وإيران، في المقابل، دعمت دمشق موقف الصين فيما يتعلّق بالسيادة على أراضيها وبالمصالح البحرية في بحر الصين الجنوبي.
وقال أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية تشاو مينغ، إن تدخل الولايات المتحدة عسكريًا في بحر الصين الجنوبي جعل الصين تتدخل أيضًا في الشرق الأوسط، وهي منطقة لطالما كانت ضمن نفوذ الولايات المتحدة العسكري.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التناقضات بين بكين وواشنطن فيما يتعلق بالتجارة والاقتصاد، فإن ثبات موقف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب على القضاء على التطرف الإسلامي يمكن أن يصبح أرضية مشتركة، وقد تساند الصين عمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة تلك الموجهة ضد مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، لكن فيما يتعلّق بقضايا أخرى، سوف تستمر بكين في لعب لعبتها الخاصة.
المصدر: ديبلومات