يُطلق عليها البعض لقب “عروس البحر الأسود”، فرغم صغر مساحتها فإنها تتمتع بواحدة من أجمل المناظر الطبيعية بالبحر الأسود، فهي بلا شك من أجمل المدن الساحلية التي زُرتها خلال رحلتي بمنطقة البحر الأسود، مدينة أماسرا هي مدينة صغيرة تقع بمحافظة بارتن وعدد سكانها لا يتعدون العشرة آلاف، فهم ستة آلاف وخمسمئة نسمة على حسب تعداد عام 2010، وتعد السياحة من أهم مصادر دخل سُكانها حيث تتمتع تلك المدينة بطبيعة مميزة، فتُعد كلؤلؤة مكنونة تتكشف حينًا بعد حين مع وصولك إليها من محافظة بارتن، ولدى المدينة جزيرتان الأولى تُسمى بالجزيرة الكبيرة “بويوك أضا” والثانية تُسمى بجزيرة الأرنب” طَوشان أضا”.
قال عنها السلطان العظيم محمد الفاتح عندما وصل إليها إنها قُرة عين، لذا بعث برسالة إلى حاكمها قائلاً له: “لا أريد أن أضر تلك الجنة لذلك أريد منك تسليمها دون أي حرب”، واستسلم سُكانها للفاتح وسلموه المفتاح، وما زال أهل المدينة يتفاخرون بتلك الشهادة العظيمة من شخص عظيم كفاتح إسطنبول إلى يومنا هذا كما نرى في الصورة، حيث أُعد تمثال بأسفله الاقتباس المتحدث عن أماسرا.
وكالعديد من المدن التركية، تتمتع أماسرا بتاريخ يمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام، فكانت عبر التاريخ مقصدًا للحضارات، وهي التي تشبه الجزيرة المُحاطة بأسوار طبيعية لحمايتها بفضل جغرافيتها، وكان أول من سكن تلك المدينة طبقًا للمصارد التاريخية قبائل الأمازون، ثم جاء عقب ذلك الفينيقيون ثم الأيونيون والآخيون والخيريون والفرس وقبائل آماستريس، حتى ظهرت بعد ذلك دول وإمبراطوريات عدة منها الرومانية والبيزنطية مرورًا بالدولة العثمانية انتهاءً بالجمهورية التركية.
وأماسرا تعد من أولى المدن التركية جذبًا للسياحة الداخلية، وتضم المدينة مجموعة من التحف الأثرية النادرة بالإضافة لشوارعها الضيقة النوستاليجية التي قد يحلو لك السير فيها باقتراب غروب الشمس التى تضرب بأشعتها على موج البحر مكونة لوحة طبيعية تُصاغ ألوانها متناسقة تناسقًا يطيب له نظر الناظر.
تبعد مدينة أماسرا عن إسطنبول نحو الأربع ساعات ونصف بالباص، ومما يميزها سهولة المواصلات إليها وتوفرها بشكل دائم نظرًا لقدوم العديد من السياح الأتراك ومؤخرًا العرب إليها، ومن المُستحسن إذا كنت تود المكوث بها لأكثر من ليلة أن تقوم بالحجز المسبق لمكان إقامتك عن طريق الإنترنت نظرًا لكثرة الطلب، مما يزيد احتمال عدم وجود أماكن فارغة كافية لاستقبالك أنت وعائلتك أو أصدقائك، وأماسرا أيضًا تعد وجهة ممتازة لمن يريدون قضاء عطلة سريعة كنصف يوم أو يوم نظرًا لصغر حجمها، أما من يريدون الاسترخاء فقد يفضلون المكوث فيها لحين قبل استكمال جولتهم في البحر الأسود، فعلى الرغم من جمال أماسرا، لا أنصح أن تكون الوجهة الرئيسية برحلاتكم إلى البحر الأسود نظرًا لصغرها وعدم توفر الكثير من الأنشطة التي قد تمارسونها هناك.
كما ذكرنا، تتميز أماسرا بهدوء جذاب نظرًا لقلة عدد سكانها، وعلى الرغم من وجود العديد من الفنادق المتميزة المطلة على البحر أو الغابات الطبيعية، فإن أسعارها تتنوع مناسبة لجميع الفئات، وإذا نظرنا إلى أماكن الجذب الموجودة بها نجد أهمها:
ساحل أماسرا
الذي يمتد على ثلاث من جهاتها مما جعلها شبه جزيرة لا يربطها بمدينة بارتن إلا طريق بري واحد، ساحل أماسرا هادئ في الأغلب مقارنة بالعديد من المدن الساحلية الأخرى، وقد تجده جيدًا لممارسة السباحة أو الغوص أو التجديف.
شلال جوك دره
يقع على الجزء البري لأماسرا ويصب في بحرها، يتمتع بمياه ساخنة تستخدم للسياحة العلاجية، كما يمكنك تناول الشاي فى المقاهي القريبة منه.
بوز تبة
هي مكان مرتفع يُطل على الجزيرة من الأعلى وتستطيع من خلاله رؤية جمال المدينة عن بُعد، أحيانًا الرؤية عن بُعد تكشف لك جوانبًا أكثر من الجمال!
مسرح أماسرا التاريخي
مسرح بيزنطي كان من أجل تنظيم المهرجانات الاستعراضية والمبارزات بين الفرسان.
جامع الفاتح
أمر ببنائه الفاتح لإقامة الصلوات في المدينة المسلمة الجديدة.
السوق التاريخية
أُنشئت فى عهد البيزنطيين وتتميز بطابعها التاريخي، تستطيع شراء التذكارات من المتاجر التي تمتلئ بها السوق.
قبل رحيلك من أماسرا، لا تنس أن تستمتع بتناول السمك من المدينة التي توصف بكونها من أشهر أسواق الأسماك التركية، لا تنس أيضًا أن تلتقط صورة من بوز تبة لتلك اللوحة التي تُمثل أقصى درجات الانسجام بين اللونين الأخضر متمثلاً بالزرع والجبال والأزرق ممثلاً بالسماء والبحر، ولا تنس أيضًا زيارة البيوت القروية الملونة والشوارع الصغيرة المطلة على البحر والقلاع البيزنطية، فكر فيمن مر قبلك من هنا منذ مئات وآلاف السنين، استمتع بتجربة تأخذك إلى أحضان التاريخ، ثم استعد لمحطتنا القادمة في مقالنا القادم، فإلى أين تكون؟