تشهد العلاقات الروسية القطرية بعد مرور 25 عامًا منذ تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مرحلة جديدة في الجانب الاستثماري منها، بالرغم من الخلافات السياسية الكبيرة في بعض الملفات وأبرزها الملف السوري، فقطر من خلال ذراعها الاستثماري أبرمت صفقات مع روسيا بمليارات الدولارات في شراء حصص مهمة جدًا في الشركات الروسية في قطاعات متعددة في البنية التحتية والطاقة والقطاع المصرفي.
تعاون استثماري كبير بين قطر وروسيا
بدأ التعاون الاستثماري بين روسيا وقطر يتطور منذ العام 2013 عندما اشترى صندوق الثروة السيادي القطري أسهمًا بقيمة 500 مليون دولار في بنك “في تي بي” ثاني أكبر مصرف في روسيا.
وفي نهاية العام الماضي 2016 توج التعاون بين البلدين بمشاركة قطر في خصخصة أسهم شركة “روس نفط” المملوكة للدولة مقابل 10.5 مليار يورو وتعد هذه الصفقة التي ستدرّ نحو 11.4 مليار دولار للميزانية الروسية، الأكبر في تاريخ روسيا وفي سوق الطاقة العالمية خلال 2016.
وعلى هامش اجتماع مع المساهمين الجدد للشركة حضره الرئيس الروسي بوتين أكد فيه أن قطر ستشارك في مشاريع إنتاج الهيدروكربونات في روسيا، وحسب خبراء فإن قطر التي كانت منافسًا كبيرًا في سوق الطاقة لروسيا وخصوصًا في مجال الغاز انتقلت إلى شريك مهم بامتلاكها حصص في شركات عديدة في قطاع الطاقة الروسي.
ستبدأ قطر في التأثير على القرارات الاقتصادية والسياسية في البلدان التي تملك فيها استثمارات كبيرة
وستتمكن روسيا، من خلال صفقة روس نفط مع قطر، من تحقيق بضعة أهداف في وقت واحد، تتمثل في كسر حصار العقوبات الغربية، وخصوصًا بعد خيبة الأمريكان من وجود خرق في العقوبات المفروضة على روسيا في الصفقة، فضلاً عن دعم ميزانية الدولة، مع بقاء سيطرة الحكومة على الشركة التي حافظت على نسبة 50% فيها.
وستحصل شركة “غلينكور” المتخصصة في الطاقة التي تملك قطر حصة مهمة فيها على عقود طويلة الأجل، حيث استفادت من عقد مغرٍ سيتم بموجبه توريد النفط الروسي لمدة خمس سنوات لدول حول العالم.
قطر تمتلك 19.5% من شركة روس نفط الروسية
وأعلن رئيس جهاز قطر للاستثمار “عبد الله آل ثاني” أن الجهاز والصندوق الروسي للاستثمار المباشر أبرما صفقة جديدة بقيمة ملياري دولار مشيرًا إلى أنه قد تم استثمار 500 مليون دولار أخرى وأنه يجري الاستثمار في مطار “بولكوفو” في مدينة سانت بطرسبورغ.
كما وافقت اللجنة الحكومية للاستثمار الأجنبي على بيع حصة تبلغ نحو 25% من أسهم شركة “بولكوفو” المشغلة لمطار بولكوفو في سان بطرسبورغ مقابل 239 مليون يورو، وبحسب صحيفة “فيدوموستي” الروسية المتخصصة في الشأن الاقتصادي أشارت في عددها الصادر أمس أن هناك اسثمارات جديدة بين روسيا وقطر من بينها صفقة قد تصل إلى 49% من أسهم شركة “يارغيو” صاحبة ترخيص استكشاف وإنتاج الهيدروكروبونات بحقل ياروديسكي في دائرة “يامالو نينتس” ذات الحكم الذاتي حتى العام 2029.
والمعروف أن احتياطات هذا الحقل تقدر بنحو 4 ملايين طن من النفط و28 مليار متر مكعب من الغاز، بدأ الإنتاج في نهاية العام 2015 حيث بلغ إنتاج الأشهر التسع الأولى من العام 2016 نحو 228 مليون متر مكعب من الغاز.
ستتمكن روسيا من خلال صفقة روس نفط مع قطر من كسر حصار العقوبات الغربية على روسيا ودعم ميزانية الدولة مع بقاء سيطرة الحكومة على الشركة
ويذكر أن أصول صندوق قطر للاستثمار تقدر بنحو 304 مليارات دولار حيث يصنف الجهاز في المركز التاسع من بين صناديق الثروة العالمية التي يتقدمها صندوق التقاعد النرويجي، وفي المرتبة الرابعة على مستوى الصناديق السيادية في منطقة الشرق الأوسط بحسب مجلة فوربس الشرق الأوسط، ويعد الصندوق الذراع الاستثمارية للحكومة القطرية وهو صندوق سيادي يختص بالاستثمار المحلي والخارجي تم تأسيسه في العام 2005 لإدارة فوائض النفط والغاز الطبيعي.
والواقع أن قطر تشتري في روسيا وفي دول عديدة حول العالم ضمن استرتيجية وخطة متبعة لديها تهدف لتنويع اقتصادها واستثماراتها لتفادي أي صدمة قد تحصل لاقتصادها جراء هبوط أسعار الطاقة العالمية حيث لا تزال الميزانية تعتمد على إيرادات الطاقة بشكل كبير.
تأثير استثمارات قطر على روسيا
توقعت مجلة “أمريكان ثينكر” الأمريكية أن تبدأ قطر في التأثير على القرارات الاقتصادية والسياسية في البلدان التي تملك بها استثمارات كبيرة، وبحكم أن استثمارات قطر في روسيا تحتل حيزًا كبيرًا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستسمح روسيا بتدخل قطر للتأثير على سياساتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة!
الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” محمد باركيندو وصف استثمارات قطر النفطية في روسيا بالمعززة للعلاقات بين المنظمة ومنتجي النفط غير الأعضاء فيها أو من يطلق عليهم بـ”المستقلين”، وأشار باركيندو أن مشروع استثمار قطر في روس نفط يعد استراتيجيًا بالنسبة لكل الأطراف المشاركة و سيقوي العلاقات بين “أوبك” وغير الأعضاء أكثر.
وخصوصًا بعد اتفاق تخفيض الإنتاج التاريخي الذي حصل أواخر العام الماضي ودخل حيز التنفيذ مطلع العام الحالي بين أوبك والمستقلين لامتصاص الفائض من الإنتاج العالمي ورفع الأسعار، ووفق الاتفاق سينخفض إنتاج روسيا 100 ألف برميل يوميًا الشهر الحاليّ في إطار الاتفاق، ومن المتوقع أن يكون تأثير قطر في رسم سياسة روسيا المستقبلية للطاقة إيجابيًا ومتوائمًا أكثر مع سياسة منظمة أوبك.
ومن حيث تأثير تلك الاستثمارات على الاقتصاد الروسي، فهي كأي استثمار أجنبي مباشر في بلد ما، وقد لمست روسيا نتيجة مباشرة من خلال كسر حاجز العقوبات الغربية، ومن المتوقع أن تؤثر تأثيرًا إيجابيًا على حساب رأس المال بميزان المدفوعات الذي تسجل فيه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتأثير سيطال الميزان التجاري لروسيا من خلال التوسع في التبادل التجاري مع دول العالم.
ناهيك أن تلك الاستثمارات ستلقي بظلالها على سوق العمل من خلال خلق فرص عمل ورفع الكفاءة الإنتاجية للعمالة وزيادة الأجور، وستؤثر على معدلات النمو الاقتصادية في روسيا بشكل إيجابي في المرحلة المقبلة، مع التأكيد أن هذا التحسن يتعلق بظروف كثيرة داخلية وخارجية.
أما سياسيًا فإن عامل الاقتصاد سيلعب دورًا هامًا في السياسة إلى حد ما، فتغلغل قطر من خلال استثمارات في قطاعات مهمة كقطاع الطاقة في روسيا – حيث يشكل النفط والغاز نسبة كبيرة من تمويل الميزانية الروسية – سيكون له دور نسبي في التأثير على سياسة روسيا الخارجية في المنطقة – وبالأخص في سوريا ومصر حيث أنظمة البلدين على خلاف مع قطر – فتعمل بدور ضاغط على سياسات روسيا في المنطقة لتقريب وجهة النظر الروسية من سياسة قطر، ومن جهة أخرى سيكون اهتمام روسيا بقطر أكبر في دعوتها للمباحثات التي تتعلق بالمنطقة والتي تكون روسيا طرفًا فيها، كما يقول محللون ومراقبون.
ويقول مراقبون إن قطر قد تستخدم هذه الاستثمارات كورقة ضغط كبيرة على موسكو في ملفات المنطقة، إذ لا يمكن الاستهانة بانسحاب قطر وأموالها من السوق الروسية، فهذه الاستثمارات الكبيرة هناك، سيؤثر فقدانها بشكل كبير على الاقتصاد الروسي وستتسبب في تأزمه، وحينها، سيكون أمام روسيا في ذلك الوقت خيارين، إما أن ترضخ أمام هذا الضغط الاقتصادي خشية من أزمة كبيرة متوقعة لديها، أو ربما ستعتبر أن هذا خطر يهدد أمنها القومي وتحجز على تلك الاستثمارات بحيث تمنع قطر من القيام بأي شيء يهدد اقتصادها.