ترجمة وتحرير نون بوست
يقال إن التاريخ يكرر نفسه في أول مرة كمأساة، وفي الثانية كمهزلة. ويبدو أن هذا تحديدا ما يفعله المؤتمر الثاني لجنيف، الذي يظهر كمهزلة لن تستطيع وضع حد للحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات في سوريا.
المهزلة بدأت عندما دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إيران لحضور المؤتمر، ثم اشترطت المعارضة السورية المرتعبة أن تقبل كل الأطراف بخارطة الطريق التي تم إقرارها في محادثات جنيف الأولى، وهو ما فهم بان كي مون أن إيران قد وافقت عليه (في إطار محادثات غير معلنه خاضها برعاية أمريكية مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف) لكن الأمر تغير لاحقا وسحبت إيران موافقتها على ذلك الشرط، أو أكدت عدم موافقتها، ورفضت المعارضة السورية حضور إيران بالتبعية ما حدا ببان كي مون أن يعلن سحب دعوة إيران لحضور المؤتمر.
وفي الحقيقة إنه لا النظام السوري ولا حليفته روسيا المشاركان بوفود عالية المستوى في المؤتمر لديها أدنى اهتمام بالغرض المعلن للمؤتمر والمتمثل في إقامة حكومة انتقالية وإدارة يغيب عنها بشار الأسد. فقد أعلن وليد المعلم، وزير الخارجية السوري ورئيس وفد النظام في جنيف أنه “لا أحد يستطيع سحب الشرعية من الرئيس”.
قبل يومين من ذلك التصريح قال الأسد لوكالة الأنباء الفرنسية أن المؤتمر ينبغي أن يكون حول مكافحة الإرهاب في سوريا، كما أنه سيكون سعيدا بالترشح “مرة أخرى” للانتخابات الرئاسية إذا دعم الرأي العام السوري ترشيحه. ورغم أن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي قال إن روسيا ليست مهتمة بالأسد بشكل خاص إلا أن الأداء الروسي يؤكد أن الروس متمسكون بالأسد على رأس السلطة.
فوفقا لتقرير لرويترز، فإن روسيا صعدت من مساعداتها العسكرية للأسد، العشرات من المدرعات والرادارات وأنظمة الحرب الإلكترونية وقطع غيار الطائرات الهليكوبتر والقنابل الموجهة بل والمستشارين وخبراء الاستخبارات ومسؤولي تشغيل الطائرات بدون طيار، كل ذلك أرسلته روسيا لنظام الأسد مؤخرا!
يلعب الأسد بالأوراق السياسية بمهارة شديدة، فالصفقة التي توسطت فيها روسيا لإزالة ترسانة الأسلحة الكيميائية للأسد قدمته فيها كشريك في مشروع ما وبالتالي أعطته الكثير من الشرعية، كما أنه يحاول تقديم نفسه الآن على أنه المعتدل حامي المنطقة من الإرهابيين الجهاديين وأنه حصن الغرب ضد القاعدة.
جون كيري لا يزال يصر على أن الأسد يجب أن يرحل، لكن الأسد بالفعل استطاع أن ينتصر في هذه الخطوة: لقد سيطر الجهاديون على المعارضة وقد ساعدهم منذ بدء الانتفاضة على ذلك. وكانت أولى خطواته هي الإفراج عن أكثر من ١٠٠٠ من الجهاديين وأعضاء القاعدة من السجون السورية في إطار ما يسمى بالعفو، ومؤخرا علمنا أن جبهة النصرة وداعش لديهما علاقات وثيقة بالنظام حيث يبيعانه الغاز والنفط من المناطق التي يسيطرون عليها وبالتالي يساهم بشار الأسد في تمويل الجهاديين بشكل كبير!
كما أن قوات الأسد تهاجم المجموعات الأكثر اعتدالا من المعارضة، فيما يقول متابعون أن النظام يعطي يد العون للقاعدة والجهاديين!!
وعندما يتحرك المؤتمر من مونترو (السويسرية) إلى جنيف (اليوم) فإن المعارضة والنظام سيلتقون بالأخضر الإبراهيمي وربما تكون هناك مساحات للتفاوض حول إمكانية فتح ممرات آمنة للإغاثة الإنسانية في بعض المناطق الأكثر بؤسا مثل ريف دمشق ومخيم اليرموك والغوطة الشرقية.
تلك المساحات قد تم تصميمها لتقديم الأسد نفسه كشريك أساسي، وبموجب القانون الدولي لا يمكن لعمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة أو الصليب الأحمر أن يتحركوا دون موافقة حكومة معترف بها، وإذا رفضت المعارضة التفاوض حول تلك النقاط فإنهم سيبدون كما لو أنهم قُساة للغاية تجاه معاناة مواطنيهم، كما أن الغرب لا يمكنه رفض ذلك النوع من الدعم الإنساني!
ورغم التذكير الأخير بموقف نظام الأسد الأخلاقي، والذي ظهر في عشرات الآلاف من الصور الفوتوغرافية التي تثبت قتل النظام السوري أكثر من ١١ ألف معتقل عبر التعذيب والتجويع، إلا أن الأسد ما زال لديه القدرة على الاعتقاد أنه بإمكانه الاشتراك مع الغرب في شيء ما!