خلال مؤتمر حوار بغداد الذي عقد في 14 من يناير/ كانون الثاني من هذه السنة، قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن العراق ملتزم بعلاقات حسن الجوار مع دول المنطقة، ودعا الكتل السياسية العراقية إلى عدم سحب الصراعات إلى تلك الدول، ثمَّ أعاد التأكيد بأن العراق بقيادته الحالية، لا يمثل تهديدًا لأي دولة، وبالأخص دول الخليج العربي التي قال إن العراق يحميها من خلال محاربته للإرهاب.
وفي أثناء ذلك، تم تداول مقطع فيديو نشره ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أظهر جانبًا من مكالمة أجراها زعيم مليشيا أبي الفضل العباس، أوس الخفاجي، مع النائب الكويتي السابق والمطلوب للسلطات الكويتية عبد الحميد دشتي.
العبادي في تناقض صريح بين تصريحاته وأفعاله على أرض الواقع، وهو تناقض طالما وقع به حيدر العبادي، فهو يغرد بوادٍ غير الوادي الذي تغرد به المليشيات الموجودة في العراق
قال فيها أوس الخفاجي لدشتي: “السعودية بكبرها وقفت أمامك، وتريد أن يكون مصيرك كمصير نمر النمر، ونحن كحشد شعبي، نقف أمام الدواعش السعوديين، سحقنا رؤوسهم في المعارك والميدان، ويجب أن نسحق رؤوسهم ونمنعهم من الوصول إليك يا دكتور”، هذا الكلام صدر من شخص يفترض أنه محسوب على جهاز أمني تابع للحكومة العراقية، بعد أن ضمَّت تلك الحكومة الحشد الشعبي إلى أجهزتها الأمنية الرسمية، مما يعتبر تدخلاً سافرًا من حكومة العراق بشؤون دولتين من دول الجوار العراقي هي الكويت والسعودية، الأمر الذي يجعل العبادي في تناقض صريح بين تصريحاته وأفعاله على أرض الواقع، وهو تناقض طالما وقع به حيدر العبادي، فهو يغرد بوادٍ غير الوادي الذي تغرد به المليشيات الموجودة في العراق.
وفي نقلة نوعية لهذا التدخل العراقي بشؤون الدول العربية المجاورة منها وغير المجاورة، ونقلًا من مصادر عراقية مطلعة، ذكرت أنَّ الحكومة العراقية قامت بدعم مليشيا الحوثي التي تقاتل قوات الشرعية في اليمن، بمبلغ قدره 150 مليون دولار، بالإضافة إلى إرسال 180 مقاتلاً من الحشد الشيعي العراقي للقتال إلى جانبهم في اليمن، وعلى ما يبدو أنه تمهيد لتدخل عراقي كبير ذي توجهات إيرانية، يتم التحضير له، للتغلب على العجز الذي يعاني منه الحوثيون في عدد المقاتلين.
مصداق ذلك، التصريحات المتعددة الصادرة من وزراء الحكومة العراقية، إضافة إلى العديد من قادة المليشيات الشيعية العراقية، والذين أبدوا فيها استعدادهم لدعم الحوثيين، خلال زيارة الوفد الحوثي إلى بغداد في 29 من أغسطس/ أب 2016، حينما استقبلهم وزير الخارجية العراقي بشكل رسمي وأعلن دعمه لهم ضد الاعتداء السعودي على اليمن حسب وصفه، أعقب تلك الزيارة، زيارة أخرى كانت سرية في 1 من ديسمبر/ كانون الأول 2016 برئاسة محمد عبد السلام، عقد خلالها لقاءات مع قيادات وزعامات من مليشيا الحشد الشعبي، بالإضافة إلى لقاء مع موظفين بالسفارة الإيرانية في بغداد يعتقد أنهم من جهاز المخابرات الإيراني (إطلاعات)، وكل ذلك بمعزل عن الحكومة العراقية، حسب ما أفاد بهذا الموقع الإخباري التابع لمليشيا قيس الخزعلي.
إن النظام الإيراني وصل بتعامله مع الحكومة العراقية، أن جعلها عبارة عن مجرد تمثيل حكومي شكلي، ليس لتلك الحكومة أي علاقة بتصريف الأمور الخارجية والداخلية للبلاد، أو بمعنى آخر هي أشبه ما تكون بالمظلة الشرعية التي تحتمي تحتها المليشيات كافة، ويوفر لها الغطاء الكافي للقيام بعملياتها المشبوهة الهادفة لدعم الإرهاب في المنطقة، وإلا فما معنى أن تكون هناك حكومة ودولة بينما تصول وتجول المليشيات في العراق، وتعتقل من تشاء وتقتل من تشاء؟
إيران استطاعت تحويل كل مقدرات الشعب العراقي إلى خدمة أجندتها من خلال هذه الطبقة السياسية الموجودة في بغداد
بل إنها تعمل خارج حدود الدولة العراقية، فتراها منتشرة في سوريا ضمن حلف يضم إيران والنظام السوري، وهي تجند من أبناء الشعب العراقي وترسلهم إلى إيران لغرض التدريب ثم ترسلهم بعد ذلك إلى محرقة الموت في سوريا والآن إلى اليمن، وربما غدًا يرسلوهم إلى البحرين أو السعودية، لقد أسرت المقاومة اليمينة بوقت سابق عناصر عراقية كانت تعمل مع الحوثي في حربه ضد الشرعية.
هل هذا ما قصده العبادي حينما قال إنه يحمي دول الخليج العربي؟ وحين قال إن العراق لا يشكل تهديدًا لدول الجوار؟ هل إيواء حزب العمال الكردستاني التركي في الأراضي العراقية ودعمه بالمال والسلاح هو التعبير الصحيح عن أن العراق لا يشكل تهديدًا لدول الجوار؟
إنَّ إيران استطاعت تحويل كل مقدرات الشعب العراقي إلى خدمة أجندتها من خلال هذه الطبقة السياسية الموجودة في بغداد، واستثمار إيران في هؤلاء الذين يحكمون العراق، كان مبكرًا حينما فتحت لهم حوزاتها لحشو أفكار الحقد الطائفي في رؤوسهم، ليعودوا إلينا بالشكل الذي نراه كمسوخ طائفية، لغرض إحداث هذه الفتنة الطائفية التي زرعوها في العراق، هذا البلد الذي لم يكن يعرف للطائفية من معنى قبل 2003.
إن إيران تريد إعادة الكرة مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع البلد المسالم اليمن، فقد كشف وزير التربية والتعليم في حكومة اليمن الشرعية عبد الله لملس، أن أكثر من سبعة آلاف طالب يمني موجودون في مدينة “قم” الإيرانية حاليًا يتشربون الطائفية في حوزاتها، وبنفس الوقت تمارس حكومة الانقلابين الحوثيين وبتوجيه إيراني، ضغوطها على المدرسين اليمنيين بضرورة التحاقهم بالجبهات لقتال جيش الحكومة الشرعية والمقاومة اليمنية الشريفة، وإلا فلا رواتب لهم.
فقد توعد مدير مكتب التربية والتعليم بمحافظة ذمار عبد الكريم الحبسي والمحسوب على الحوثيين، مدرسي التربية في المحافظة بعدم تسليم مرتباتهم، إلا لمن توجه إلى جبهات القتال، مخاطبًا المدرسين في المديرية قائلًا: “من أراد راتبه فليتوجه إلى مكتب التربية بسلاحه ليأخذ راتبه ويتوجه إلى الجبهة، ومن لا يمتلك سلاح نحن نتكفل بتسليحه وبدفع راتبه شرط توجهه إلى جبهات القتال”.
في ظل حالة التشرذم التي تعاني منها الأمة العربية والإسلامية، سوف تستمر الأطراف التي تقودها إيران في دعم بعضها بعضًا، وسوف تستمر محاولات إيران لتقويض أمن الدول العربية والإسلامية بالمنطقة
وعلى ما يبدو وفي ظل حالة التشرذم التي تعاني منها الأمة العربية والإسلامية، سوف تستمر الأطراف التي تقودها إيران في دعم بعضها بعضًا، وسوف تستمر محاولات إيران لتقويض أمن الدول العربية والإسلامية بالمنطقة، وبنفس الوقت سوف تستمر الدول المستهدفة من قبل هذا المشروع الإيراني، في حالة الانقسام التي تعيشها الآن، وعدم توحيد صفوفهم تجاه التحديات الخطيرة التي تواجههم، فكل دولة تغني على ليلاها، وكل دولة لديها أجندة مختلفة لمواجهة تلك التحديات، كما وسوف يبقى حكّامهم يعيشون حالة الرعب من شعوبهم التي تتوق إلى الحرية، إلى الحد الذي سيجعلهم لقمة سائغة بحلق إيران، مثلما حصل في العراق وسوريا، وقريبًا ستلحق بهم اليمن.
ففي الوقت الذي يجتمع أنصار ولاية الفقيه الإيراني من شتى دول العالم، لدعم بعضهم بعضًا، تجد الحكومات التي تدعي أنها ضد المشروع الإيراني، تترك شعوب المنطقة لمصيرها أمام هذا المد الصفوي الجارف بالمنطقة، فتجد المليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية والبنغالية، تقاتل الشعب السوري وتقاتل الشعب العراقي وبعضها يقاتل في اليمن لجانب الحوثيين تأكيدًا لوحدة توجههم ونصرة بعضهم لبعض، بينما بالمقابل، عانى الشعب العراقي من تخلي العرب والمسلمين عنهم، وهم يواجهون الاحتلال الأمريكي والإيراني، واليوم يتركون الشعب السوري لمصيره أمام الاحتلال الروسي والإيراني، ونخشى أن يُترك الشعب اليمني لمصيره أمام الحوثي مستقبلًا.