لا زلت أتذكر جيدًا ليلة 3 من يوليو عام 2007 ومباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس مصر، كنت حينها طفلاً صغيرًا عمره عشرة أعوام، أشاهد المباراة في التلفاز بمنزل عمتي برفقة أخوتي والعائلة، وعلى الرغم من كوني مجرد طفل صغير حينها، لكن في الواقع كنت أتحول إلى شاب غاضب يصرخ ويصيح هنا وهناك عند مشاهدة أي مباراة للزمالك، بل وكان يصل بي الحال في كثير من الأوقات إلى البكاء والعزلة لأيام عند تعرض الزمالك لأي خسارة!
مرت 85 دقيقة من المبارة والنتيجة 1/2 لصالح الزمالك، حينها بدوت كالمجنون من شدة السعادة والمنتظر بكل لهفة انتهاء الخمس دقائق المتبقية من المباراة وإعلان الزمالك بطلاً للكأس، إلى أن أتى أبو تريكة وسجل هدف التعادل للأهلي في الدقيقة 87 ثم فوز الأهلي في الأشواط الإضافية وإعلانه بطلاً للكاس، ومن بعدها بدأت مرحلة كرهي الشديد لأبو تريكة الذي أفسد فرحتي وتعادل للأهلي قبل انتهاء اللقاء بثوانٍ معدودة، بالطبع عندما أتذكر هذه الأشياء الآن ربما أضحك وأسخر من نفسي ولكني كنت حينها طفلاً صغيرًا يكره الأهلي ولاعبيه ويحب فريقه الزمالك لدرجة الجنون وفقط يريده أن يفوز!
أبو تريكة والسلطة الحاكمة في مصر
أبو تريكة قبل اعتزاله كان كابوسًا لي ولأغلب مشجعي للزمالك، فوحده أحرز 13 هدفًا في الزمالك ليصبح الهداف التاريخي لمباراة القمة، ولكن كون أبو تريكة كابوسًا لمشجع زملكاوي فهذا يعد شيئًا طبيعيًا وله أسبابه، لكن الغريب هو كره السلطة والإعلام في مصر له ومحاربته إعلاميًا بشتى الطرق.
هل لهذه الدرجة يُعد أبو تريكة مصدر قلق وخوف للسلطة الحاكمة في مصر وكأنه سيخطف كرسي الحكم من العسكر مثلما يفعل مع الزمالك؟!
ولكن ما لا استطيع فهمه حقًا، هل السلطة في مصر تريد التخلص من مراكز القوى والمتمثلة في أبو تريكة رياضيًا وكأنها تخشى منه سياسيًا في المستقبل وتخشى أن يستغل شعبيته ضدها؟! أم تريد فقط الانتقام منه لعدم إيضاح موقفه من 6/30 كما يشاع في الاعلام؟!
أعتقد أن السلطة الحاكمة في مصر الآن، أرادت وما زالت تريد أن تفعل مع أبو تريكة مثلما فعلت مع جميع المشاهير والنجوم في مجالي الرياضة والفن وآخرهم محمد صلاح لاعب روما، وهو أن تستغل شعبية كل هؤلاء النجوم في دعم السلطة الحاكمة وبالتالي زيادة شعبية الرئيس المتمثلة في السيسي، وما أعتقده حقًا أن أبو تريكة قابلهم بالرفض، فربما يحاولون الانتقام منه بأي طريقة أو ربما إجباره، حيث إن السلطة في مصر الآن تتعرض لأكبر تساقط في شعبيتها منذ 2013 وتحتاج لأي نوع من أنواع الدعم المعنوي لها قبل الانتخابات الرئاسية التي اقتربت.
أغلب نجوم مصر في مجال الرياضة والفن والإعلام خرجوا في إعلانات تليفزيونية ولقاءات داعمة للسلطة ومطالبة الشعب بالتبرع لصندوق “تحيا مصر”، بمعنى آخر الدولة استفادت سياسيًا من كل شخصية عامة في مصر سواء رياضي أو فنان مشهور، ولكن كيف لشخص مثل أبو تريكة يملك كل هذه الشعبية الجارفة في مصر والوطن العربي ولم تستفد السلطة منه بأي شيء؟!
وهذا ما دفعها إلى انتقام صغير في البداية من أبو تريكة عندما تم إعلان تجميد أمواله، فقابلهم أبو تريكة بذكاء وعقلانية يحسد عليها بعدم مهاجمته للسلطة أو الغضب بل فضل الصمت وأعلن اتخاذه الإجراءات القانونية، وبالطبع هذا ما دفع السلطة الآن إلى الانتقام بعقاب أكبر لأبو تريكة بقرار من المحكمة وليس حكمًا، بإعلانه كداعم للإرهاب دون إعلامه حتى بوجود قضية تُناقش بشأنه، على حسب قول محامي أبو تريكة الشخصي.
وبالتالي أصبح أبو تريكة إرهابي رسمي في نظر الدولة وبالتالي منعه من التصرف في أمواله ووضع اسمه على قائمة ترقب الوصول، وهذا ما فعلوه بالمثل مع رجل الأعمال صفوان ثابت الرئيس التنفيذي لشركة جهينة، الذي اعتقد أنه أيضًا رفض الترويج للسلطة أو ربما رفض التبرع لصندوق تحيا مصر، الذي يعتبره الكثيرون أكذوبة إعلامية، حيث لا تذهب أمواله إلى فئات الشعب الحقيقي.
السلطة الحاكمة في مصر تريد فرض طاعة وولاء من كل شخصية عامة مصرية سواء كان دعمًا ماليًا أو دعمًا سياسيًا، كل هذا أو الانتقام منه وإعلانه إرهابي وبالتالي ملاحقته والتحفظ على أمواله!
أبو تريكة الذي بإمكانه اللجوء أو الإقامة في أي دولة عربية والابتعاد عن ضوضاء مصر في الوقت الحالي وبالتالي الراحة لنفسه وعائلته، ولكنه دائمًا ما يعلن أنه ملتزم بالقانون وسيتخذ الإجراءات القانونية وسيظل بمصر.
أبو تريكة الذي عندما يمثل مصر في أي دولة في العالم يلقى كل ترحاب وحفاوة، كزيارته الأخيرة للجزائر والكويت حيث جلس معه أمير الكويت شخصيًا عندما علم برفض أبو تريكة الحصول على 50 ألف دولار مقابل مباراة ودية، وحرص على أخذ صورة تذكارية معه وكأنه وزير أو سفير مصري.
أبوتريكة الذي يتعرض لإهانة آخر ثلاث سنوات من كل كبير وصغير في الإعلام المصري باتهامات زائفة دون وجه حق ورغم كل هذا لا يخرج أبدًا للإعلام ليدافع عن نفسه، ويفضل دائمًا أن يدع الحكم للمشاهد.
لا أعتقد أنه يوجد شخص يستطيع أن يتحمل كل ما يتحمله أبو تريكة وعائلته من تمجيد خارج مصر وتخوين داخلها، منذ الصغر وأبو تريكة يمثل مصدر قلق وخوف لي في أثناء وجوده في الأهلي، فلم أكن أعلم أين سيضع الكرة بالتحديد أو أين سيضع الكرة لزميله ليهز شباك الزمالك والآن أيضًا لا أستطيع فهم عقل أبو تريكة، فكيف بشخص يتعرض لكل هذا من وطنه من اتهامات وتخوين له ولأسرته ورغم ذلك يرفض ترك مصر ولو لفترة بسيطة للهدوء والراحة!
كل ما أستطيع قوله إن أبو تريكة شخص نادر الوجود في زمننا الحالي وبمرور الوقت سيعلم الجميع أنه أكثر وطنية ممن يدّعون الوطنية الزائفة ليلاً ونهارًا في الإعلام المصري.
أبوتريكة يدفع ثمن عدم وقوفه بجانب السيسي حتى الآن في صورة تذكارية!