لا يمضي يوم في الجنوب السوري دون تطورات على مشهد الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل نظام الأسد، وسط مساعي الأخير للسيطرة على غضب الشارع بطرق غير مباشرة لوأد الحراك، عبر إصدار قرارات ليس لها أن تنتشل السوريين من واقعهم الاقتصادي والمعيشي المتردي، فضلًا عن أن تلبي المطالب ذات السقف المرتفع الذي وصل إليه المحتجون.
ويرسل نظام الأسد رسائل مبطنة إلى أهالي السويداء، تارة بصيغة التهديد والوعيد عبر أبواقه الإعلامية بشكل غير رسمي، وتارة أخرى عبر لغة الحوار من خلال وفود رسمية، تزداد فاعليتها في إضعاف وتقسيم الشارع وعامل الوقت الذي يراهن عليه الأسد لوقف الاحتجاجات الشعبية.
نظام الأسد يسعى إلى تفرقة المحتجين
بدأ نظام الأسد العمل على تحقيق انقسام الشارع في محافظة السويداء، الذي يعيش على وقع احتجاجات متواصلة لليوم الـ11 على التوالي، بعدما اكتسبت موقفًا من مشيخة العقل الثلاثية التي أبدت موقفها الداعم للاحتجاجات الشعبية، وأكدت وقوفها جانب المحتجين حتى تحقيق مطالبهم.
وتكررت زيارات مسؤولين من حزب البعث إلى الشيخ يوسف الجربوع، الذي أبدى موقفًا داعمًا لنظام الأسد في اللقاء الأخير، الذي جمعه الثلاثاء 29 أغسطس/ آب مع محافظ ريف دمشق صفوان أبو سعدة، الذي قدم من دمشق حاملًا رسائل عتاب من “القيادة” في نظام الأسد.
أهلي في #السويداء تذكروا وجوه الخونة اللي باعوا كرامتكن بثمن بخس ومناصب وهمية! من جربوع لحسون لليازجي. ولا توثقوا باللحى الملزقة وعمامات المخابرات!
أول وصية بعقيدة الدروز “سدق اللسان”! والجربوع كذب لما قال بيدعم الحراك بالسويدا. شيخنا هو حكمت #الهجري.pic.twitter.com/6Z1Z9ZBDYQ
— Rami Emad (@AstroRamiEmad) August 30, 2023
وتهدف زيارة أبو سعدة إلى إيضاح ما وصلت إليه الاحتجاجات، والحصول على موقف من أحد المشايخ، في ظل المزاعم عن وجود جهات تستغل الاحتجاجات لبث دعوات للانفصال، وتحريف المطالب الشعبية بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي في “إطار المؤامرة الكونية على سوريا”، بحسب ما نقلت شبكة “السويداء 24”.
وأكد جربوع موقفه إلى جانب نظام الأسد في مقطع فيديو مصور، إذ قال: “لدينا ثوابت القيادة السورية والجيش السوري والسيد الرئيس ولا نخرج عن الخط الوطني”، مضيفًا: “نحن جزء من دمشق وخيارنا الاستراتيجي والوطني، ولا نقبل الانفصال بأي حال من الأحوال”.
واعتبر الجربوع أنه خلال الحراك ظهرت أصوات “نشاز”، في إشارة إلى الهتافات التي تطالب برحيل نظام الأسد، و”هتافات خاطئة”، مؤكدًا أن العلم السوري يمثلهم ويعترفون به ويقدرونه، “ولا يمكن الخروج عن قرار قيادتنا ودولتنا التي تمثل كل الشعب السوري”.
من جهته، نقل محافظ ريف دمشق اهتمام قيادته بمطالب الناس المعيشية، وأنها تدرس المطالب التي أعلنها الشيخ يوسف جربوع، والتي تحرّف مسار المطالب الشعبية وتبقيها ضمن إطار الحكومة، بينما الشارع يؤكد مطالبه في رحيل نظام الأسد.
يسعى نظام الأسد منذ بداية الحراك إلى الحصول على تصريح مماثل من مشيخة العقل، ما يدعم سلطته ويقلل مدى الاحتقان الشعبي.
وقدّم جربوع في 24 أغسطس/ آب الجاري عدة مطالب، من بينها تشكيل حكومة جديدة، والتراجع عن القرارات الاقتصادية الصادرة مؤخرًا، وتحقيق الحياة الكريمة للإنسان، ومحاربة الفساد والمفسدين، وممارسة المؤسسة الأمنية دورها في بسط الأمن، والمحافظة على وحدة الأراضي السورية، وفتح معبر مع الأردن لإنعاش المحافظة اقتصاديًّا.
وقال الصحفي نورس عزيز في حديثه لـ”نون بوست”: “إن زيارة محافظ ريف دمشق تندرج ضمن مساعي نظام الأسد إلى إحداث انقسام في محافظة السويداء، في وقت ما زال الشيخ حكمت الهجري وحمود الحناوي يدعمان الحراك السلمي حتى تحقيق المطالب”.
وأضاف: “إن المحتجين يؤكدون أن الشيخ يوسف الجربوع لا يمثل سوى نفسه خلال تصريحاته، كونه يحرّف مسار الحراك ويبقيه ضمن حدوده الدنيا في المطالب التي تحدّث عنها، في حين مطالب الشارع تؤكد رحيل نظام الأسد وتطبيق القرار 2254”.
وتكرر حكومة نظام الأسد اهتمامها المزعوم في مطالب الأهالي خلال الاحتجاجات السابقة، وسط استمرار تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، في حين يبقى ذلك الاهتمام عادةً في إطار محدود دون المساس برأس النظام بشار الأسد.
ويسعى نظام الأسد منذ بداية الحراك إلى الحصول على تصريح مماثل من مشيخة العقل، ما يدعم سلطته ويقلل مدى الاحتقان الشعبي، لكن ما تظهره المحاولات الأخيرة هدفها إحداث انقسام في الشارع الذي يرفع شعارات تطالب برحيل نظام الأسد كأول المطالب.
إصرار على رحيل نظام الأسد
لا تزال الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل نظام الأسد عن السلطة مستمرة في محافظة السويداء جنوبي البلاد، وسط احتقان شعبي من محاولات نظام الأسد في زعزعة وحدة الصف، وإحداث انقسام بين أبناء الجبل وتحريف مطالبهم.
وتجمّع المئات من المتظاهرين في ساحة الاعتصام، ساحة السير/ الكرامة، وسط محافظة السويداء، صباح الأربعاء 30 أغسطس/ آب الجاري، وسط مشاركة نسائية، فضلًا عن مشاركة أهالي القرى والبلدات المجاورة لمركز المدينة في التظاهرة المركزية، وخروج مظاهرات مماثلة في صلخد وشهبا.
ويطالب المحتجون برحيل نظام الأسد عن السلطة، وخروج إيران وروسيا من البلاد، وتطبيق القرار 2254 الذي ينص على الحل السلمي والتغيير السياسي للسلطة، كما رددوا عبارات مثل “يا بشار ويا جبان الشعب السوري ما ينهان” و”الشعب يريد إسقاط النظام”، ورفعوا لافتات تطالب بحرية المعتقلين في سجون نظام الأسد، وعدم الاعتراف بالمعارضة السورية السياسية.
#شاهد: “ارحل يا بشار مع إيران وروسيا”.. ابتكار أغنية شعبية جديدة في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء اليوم الأربعاء.#إضراب_السويداء pic.twitter.com/7rccVKDZpm
— السويداء 24 (@suwayda24) August 30, 2023
ويواصل المحتجون إضرابهم لليوم الـ 11 على التوالي، وفي إطار العصيان المدني قطعوا عددًا من الطرقات الرئيسية، وأغلقوا مقار حزب البعث وعددًا من المؤسسات الحكومية، كما أزالوا صور رأس نظام الأسد المنتشرة في الساحات والمباني الحكومية.
ويؤكد المتظاهرون في ساحة الاعتصام ضمن محافظة السويداء إصرارهم في استمرار الاحتجاجات الشعبية حتى إسقاط نظام الأسد، كما دعوا المحافظات السورية الأخرى إلى الانضمام إلى الحراك الشعبي، حتى رحيل نظام الأسد عن السلطة.
في حين أشار منظمو الحراك السلمي إلى أنهم ليسوا مسؤولين عن إغلاق بعض المؤسسات الخدمية، مشيرين إلى أن المؤسسات يجب أن تعمل بطاقة كاملة، وأن بعضها قد أغلق أبوابه تلقائيًّا تخوفًا من أي ردود أفعال للمتظاهرين، خاصة الدوائر والمؤسسات القريبة من ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء.
قرارات حكومية لا تسعف الشارع
وأصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد، الاثنين 28 أغسطس/ آب الجاري، مرسومًا تشريعيًّا يقضي بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل، وذلك بعد أسبوعَين من إصداره مرسومًا يقضي بزيادة الرواتب بنسبة 100%، التي قابلها برفع أسعار المحروقات مرتَين خلال أسبوعَين فقط.
وهلّلت وسائل إعلام نظام الأسد بالمرسوم التشريعي 30 لعام 2023، الذي يقضي بتعديل مواد وإضافة بنود إلى قانون ضريبة الدخل رقم 24 الصادر عام 2003 وتعديلاته، على أن تدخل التعديلات الجديدة حيز التنفيذ مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل.
ونصت التعديلات على تخفيض الضريبة على الدفعة المقطوعة، ورفع الحد الأدنى المعفى منها، وربطها مباشرة مع الحد الأدنى للأجور المحدد للعاملين بالقطاع العام، وتخفيض نسبة الضريبة على الدخل لمكلفي ضريبة المهن والحرف التجارية وغير التجارية، بما فيها المهن العلمية، ورفع الحد الأدنى المعفى ليصبح 3 ملايين ليرة سورية سنويًّا بدلًا من 50 ألف ليرة سورية.
وأيضًا تخفيض الضريبة على الدخل بالنسبة إلى المنشآت السياحية إلى 2% بدلًا من 2.5%، وإعفاء كامل لأرباح منشآت المباقر والمداجن من الضريبة على الدخل اعتبارًا من العام 2022، وقبول تخفيض نفقات المسؤولية الاجتماعية والتبرعات المدفوعة من قبل المكلفين بما لا يتجاوز 4% من الأرباح الصافية الخاضعة للضريبة.
تأتي الاحتجاجات على خلفية زيادة الأجور للعاملين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين في منتصف أغسطس/ آب الحالي
وسبق ذلك قرار أصدره نظام الأسد الأحد 27 أغسطس/ آب، يقضي بمنح تعويض طبيعة عمل بنسبة 50% لعدد من الفئات، منها مهندسو المعلوماتية، والمهندسون العاملون في صيانة الأجهزة الطبية العامة، والمهندسون العاملون في الحقل الفني، والمهندسون العاملون في محطات المياه والمعالجة، والمهندسون العاملون في مصافي النفط والغاز، والمهندسون العاملون في الحفارات، والمهندسون العاملون في خطوط نقل الغاز.
إضافة إلى المهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين، وفنيي الأشعة وفنيي التخدير وفنيي الأطراف الصناعية، كما شملت التعويضات طاقم الطيران التي تراوحت بين 130% و110%، بدءًا من رئيس الطيارين وصولًا إلى المساعدين في إطار المرسوم رقم 29، الذي يقضي بتعديل المادة 106 من نظام العاملين في مؤسسة الخطوط الجوية السورية.
ووعد رئيس حكومة نظام الأسد، حسين عرنوس، الثلاثاء 29 أغسطس/ آب الجاري، خلال الاجتماع الحكومي الأسبوعي، بتحسين أوضاع العاملين في القطاع العام وزيادة الإنتاج المحلي لتوفي المنتجات بأسعار منخفضة، وزيادة التعويضات للعاملين وفق الأولويات والإمكانات المتوفرة، إضافة إلى العمل على مستوى الخدمات الصحية والتدريس في الجامعات.
ولفت مراقبون إلى أن التشريعات والقرارات الرئاسية لا تجدي نفعًا في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، التي تشهد انعدام استقرار دائمًا على كافة الأصعدة، في حين يمكن التعويل عليها كونها مشجّعة ومهمة في الدول التي لا تعاني من أوضاع اقتصادية مربكة كما في سوريا.
ويأتي ذلك على خلفية زيادة الأجور للعاملين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين في منتصف أغسطس/ آب الحالي، والتي أعقبها رفع أسعار المحروقات والمواد الأساسية مرتين خلال أسبوعَين فقط، ما ساهم في زيادة احتقان الشارع ضد نظام الأسد، وتظاهر مدن السويداء ودرعا واستياء شعبي في عموم المحافظات السورية، ما دفع حكومة نظام الأسد إلى دراسة زيادة جديدة على الرواتب بنسبة 50%.