أعلنت السلطات في ولاية كاليفورنيا الأمريكية أنها أجازت لحملة تطالب بإلغاء جزء من دستور الولاية ينص على تبعيتها للولايات المتحدة، للبدء بجمع التواقيع اللازمة لإجراء استفتاء يقرر فيه الناخبون ما إذا كانوا يريدون البقاء أو الانفصال، حيث يدعو التعديل المقترح بعنوان “كاليفورنيا وطنًا” الناخبين للتصويت على شطب النص في الدستور الذي يشير أن “الدستور الأمريكي هو القانون الأعلى في البلاد”.
“نعم لاستقلال كاليفورنيا”
على وزن “بريكست” الذي أشار إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تم إطلاق وسم كاليكسيت (calexit) والذي يشير إلى خروج كاليفورنيا من الولايات المتحدة، وبإعطاء الحملة التراخيص اللازمة لجمع التواقيع صار لزامًا عليها جمع ما يقرب من 600 ألف توقيع أي 8% من إجمالي عدد الناخبين المسجلين على قوائم الشطب في الولاية وذلك بحلول 25 يوليو/تموز القادم، لكي يتم إدراج هذا المطلب بشكل رسمي على التصويت العام خلال الانتخابات المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
فإذا صوت غالبية الناخبين لصالح الاستقلال يتعين عندها تعديل دستور الولاية الذي ينص حاليًا على أن “كاليفورنيا هي جزء لا يتجزأ من الولايات المتحدة وأن دستور الولايات المتحدة هو القانون الأعلى في البلاد”، وبعدها يجري استفتاء عام في 2019 يقرر خلاله الناخبون ما إذا كانوا يؤيدون استقلال كاليفورنيا أما لا.
يُذكر أن الولاية تعد قلعة الصمود بالنسبة للحزب الديمقراطي ومعقًلا مهمًا للحزب الذي خسرت مرشحته هيلاري كلينتون أمام دونالد ترامب، الذي تجرّع خسارة كبيرة في كاليفورنيا في انتخابات الرئاسة حيث تفوقت عليه هيلاري بأكثر من 4 ملايين صوت.
وقد شهدت الولاية في السابق محاولات عديدة هدفت لاستقلالها عن الولايات المتحدة، آخرها كان في العام 2015 إلا أنها فشلت في الحصول على رقم التواقيع المطلوبة والبالغ 400 ألف صوت، لإجراء استفتاء عام لأجل الانفصال. وبانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وانتشار المظاهرات ضده في عموم البلاد، أحيي مجددًا الرغبة في الانفصال، فدأبت المجموعة التي تطلق على نفسها اسم حملة “نعم لاستقلال كاليفورنيا” لاستغلال ظرف النقمة على ترامب الذي تشهده البلاد، لتحقيق الحلم بالانفصال.
الحركة الانفصالية لولاية كاليفورنيا تريد دعم ومساندة روسيا في هذه القضية
وبحسب سكرتير الولاية أليكس باديلا الذي تسلم مقترح تعديل الدستور من المجموعة، ومنح الحملة التصديق للبدء بجمع التواقيع، حذر من أن الاستقلال لن يكون طريقه سهلا، حيث تعترضه عقبات قانونية كثيرة إضافة إلى تكاليف مالية ضخمة لإجراء عملية الاستفتاء.
زعيم الحركة الانفصالية “لويس مارنيللي” أشار في مؤتمر للحركة في موسكو في سبتمبر/أيلول من العام 2015 أن القسم الأكبر من سكان الولاية يريدون الانفصال عن الولايات المتحدة بواسطة سيناريو “القرم” التي انفصلت عن أوكرانيا، كنتيجة للاستفتاء الذي أجري هناك، ويعولون على مساعدة روسيا في هذا الأمر، فعلى حد زعم مارنيللي الذي قال: “نرغب بالحصول على مساندة روسيا وكذلك من ممثلي البلاد الأخرى، ومستقبلًا عندما نقوم بإجراء استفتاء شعبي في كاليفورنيا، سوف نحتاج للاعتراف الدولي بنتائج الاستفتاء ونحن نأمل بأن تدعمنا السلطات الروسية في هذه القضية”.
شركة غوغل إحدى الشركات الكبرى المتواجدة في وادي السيليكون في كاليفورنيا
وفي مقابلة مع قناة روسيا اليوم ، قال مارينيللي، إن أكثر ما يغضب السكان في علاقات الولاية مع الحكومة الفيدرالية هو سياسة واشنطن الضريبية، حيث تسدد الولاية سنويًا ضرائب تبلغ 16 مليار دولار، وهي النسبة الأعلى من الضرائب بين جميع الولايات، بينما المبلغ الذي تحصله الولاية من المركزي الفيدرالي يعد أقل من هذا، وهو ما يؤثر سلبًا على تمويل الخدمات الطبية والتعليم وتطوير البنية التحتية، لذا فإن الحركة الانفصالية تسعى لأن تصرف كاليفورنيا بعوائدها الضريبية بنفسها.
استضافة روسيا للمؤتمر آنذاك من جهة، والاتهامات التي وجهت لها بالتلاعب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لمساندة ترامب، والتي على أثرها تم فرض عقوبات من قبل إدارة أوباما قبل خروجه من جهة أخرى، يتماهى مع أهداف روسيا البعيدة في نشر الفوضى في الولايات المتحدة بغرض إضعافها وحرفها عن زعامة العالم، لإفساح المجال لعودة أمجاد روسيا القيصرية.
سادس أكبر اقتصاد في العالم
موارد الولاية واقتصادها يمكنها أن تعيش لوحدها بل وتطور نفسها أكثر وتنافس دول العالم بمنتجاتها وخدماتها التي تقدمها، ومما لا شك فيه أنها ستكون ضربة كبيرة لاقتصاد الولايات المتحدة، فهي تحتل وزن كبير في اقتصاد البلاد، حيث ستمتد تأثيرات الانفصال السلبية على الأسواق المالية ومؤشرات الأسهم كـ “داو جونز” و”ناسداك” وعلى الدولار بحد ذاته.
كما يصنف اقتصاد كاليفورنيا في المرتبة الأولى أمريكيًا حيث تساهم بنسبة 13.2% من الناتج المحلي الأمريكي والسادسة عالميًا، وتعد مدينتي سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس أشهر مدينتين حضريتين في البلاد.
يعتمد اقتصاد الولاية التي يبلغ عدد سكانها قرابة 40 مليون نسمة على صناعات تكنولوجيا المعلومات في وادي السيليكون الموجود في خليج سان فرانسيسكو والذي يضم مئات شركات التقنية المشهورة عالميًا، ويصنف الوادي في المرتبة الأولى في مجال التطوير والاختراعات الجديدة في مجال التكنولوجيا المتطورة ويساهم في ثلث العائدات الاستثمارية في مجال المشاريع الجديدة في الولايات المتحدة. ومن بين الشركات العملاقة العاملة هناك؛ غوغل، وآبل، وإيباي، وإنتل، وفيس بوك، وأوراكل، وأمازون، ومايكروسوفت، وسوني بالإضافة إلى عشرات الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم.
يصنف اقتصاد كاليفورنيا في المرتبة الأولى أمريكيًا حيث يساهم بنسبة 13.2% من الناتج المحلي الأمريكي والسادسة على مستى العالم
وتشتهر الولاية أيضًا بصناعة الأفلام السينمائية والترفيه في منطقة هوليوود في لوس أنجلوس حيث تعد المركز التاريخي للسينما والممثلين الأمريكيين، إذ تحقق صناعة الأفلام إيرادات كبيرة تساهم في نمو الاقتصاد الأمريكي وترفع من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وتهيمن شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي على السوق العالمية في صناعة الأفلام بإنتاج مئات الأفلام سنويًا والتي تدر أرباحًا كبيرة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، ومن بين الشركات الضخمة في هذا المجال: فوكس للقرن العشرين، والإخوة وارنر، ويونيفرسال، وكولومبيا، وبارامونت.
كما تمتلك الولاية ثروات بحرية كالأسماك وثروات معدنية أهمها الذهب والنفط والغاز الطبيعي يتركز في جنوبي وادي سان جواكوين، وعلى امتداد الساحل بالقرب من لونغ بيتش، ولوس أنجلوس، وسانتا بربارا.
وتشتهر الولاية أيضًا بصناعة الخدمات التي تمثل ثلاثة أرباع إنتاج الولاية سنويًا خصوصًا في مجال الصيرفة والتأمين وبيع العقارات بالإضافة إلى النقل والتجارة والتعليم ففيها جامعات مرموقة مشهورة على مستوى العالم مثل جامعة شمال كاليفورنيا.
وبالرغم من قوة اقتصاد الولاية إلا أنها تأثرت بشكل كبير في الأزمة المالية العالمية التي ضربت الولايات المتحدة في العام 2008 وواجهت خطر الإفلاس حيث أعلن حاكم الولاية آنذاك “أرنولد شوارزنيغر” تخفيضات في الميزانية بلغت قيمتها 24 مليار دولار أي ما نسبته 25% من إجمالي الميزانية لمواجهة الأزمة.