الباحث المعلوماتي/ محمد حسني
مساعد باحث ومنسق الملف من جانب نون بوست/ أسامة الصياد
قبل أن ندخل في هذا القطاع والذي يمثل أوضح نموذج لتداخل البيروقراطية المصرية مع القوات المسلحة ومع شبكة رجال الأعمال، نعقب على الحلقة السابقة بأن قطاع الطاقة كما نوهنا يمثل أيضًا تنافسًا بين البيروقراطية المصرية وقطاع الدفاع والأمن، ويوضح أن البيروقراطية لا تخضع للأوامر فتطيع، فالواقع عكس هذا فكل مجلس إدارة لشركة من شركات قطاع الطاقة يمثل شبكة لها مصالح مرتبطة برأس مال خارجي تستورد منه مواد خام أو تصدر له دون غيره، بل أحيانًا قد يكون داخل كل شركة شبكة مصالح فرعية، بمعنى أن تكتل داخل مجلس إدارة شركة مرتبط مثلاً بشركة إيطالية، وآخر مرتبط بشركة خليجية، ويحدث تنافس بينهم في أيهم يتم الاستيراد منه للشركة وهكذا.
وعلى الرغم من هذا فإنه لم يمنع القيادة السياسية أن تبدل بعض المواقع في الجهاز البيروقراطي لصالح تحالفاتها الجديدة حتى بعض أكثر الأشخاص التصاقًا بالنظام السياسي والجيش.
فعلى سبيل المثال فإن أكثر الوزارات ارتباطًا بقطاع الطاقة هي وزارة الاستثمار نظرًا لأن إحصائيًا أعلى نسبة استثمار مباشر في مصر هي في قطاع الطاقة سواء نفط أو غاز يليه الأسمنت.
لهذا فإن منصب رئيس هيئة الاستثمار من أهم المناصب المرتبطة بقطاع الطاقة، وذكرنا في الحلقة السابقة كان رئيس هيئة الاستثمار وقت توقيع صفقة باسل الباز مع شركة ماري تكنومينت هو حسن فهمي.
ولنلق نظرة على المناصب التي كان يجمعها حسن فهمي:
كان بجانب رئاسته لهيئة الاستثمار عضو مجلس إدارة بالجهاز الوطني لاستخدامات الأراضي وهو الجهاز الشريك في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وكذلك عضو مجلس إدارة بالجهاز الوطني لتنمية سيناء المسيطر عليه تمامًا من قبل الجيش وعضو مجلس إدارة بالجمعية العمومية للشركة القابضة للبتروكيماويات وعضو مجلس إدارة ببنك الاستثمار القومي مما يجعله من أكثر البيروقراطيين التصاقًا بالجيش.
ومع هذا فقد تم إزاحته وحل محله بهيئة الاستثمار محمد خضير رئيس هيئة الاستثمار الحالي، ولكن من هو محمد خضير؟
هو محامي سابق بشركة التميمي الإماراتية وشريك بها وهو مكتب محاماة إماراتي اشتهر بتولي المسؤولية القانونية لعمليات استحواذ لصالح العديد من الشركات الإماراتية، لذا فالتحليل أنه أتى بهذا المنصب خصيصًا لكي يتولى تنسيق عملية دخول الشركات الإماراتية والخليجية المهتمة بدخول عمليات استحواذ في مصر!
وبنفس الوقت فإن حسن فهمي رشحته “إحدى الجهات السيادية” لكي يتولى منصب وزير الاستثمار، ولكن مع ذلك تم اختيار داليا خورشيد المنتمية والمحسوبة على مجموعة أوراسكوم عوضًا عنه، وهذا مدخل مناسب لكي نتناول ما أسميناه قطاع المشاريع القومية.
خريطة المشروعات القومية
إن أول ما يطالعنا هنا هو مشروع حفر تفريعة قناة السويس أو قناة السويس الجديدة.
بداية يجب أن نرجع إلى النموذج الذي اقترحناه لفهم تشابك الجيش مع الاقتصاد وأن جزءًا منه راجع إلى أنه جزء من أدوات السيطرة على المجتمع وجزء من أدوات تطبيق رؤيته “للأمن القومي” المصري.
ولهذا فإنه تبعًا لاتفاقية السلام التي تجعل حدود انتشار الجيش المصري غرب قناة السويس فقط وبما أن الثقل الرئيسي للقوات المسلحة حول قناة السويس سواء في الجيش الثاني الميداني في السويس أو الجيش الثالث جنوبًا في الإسماعيلية حتى العقبة وشرم الشيخ، فإنه تقرر منذ اتفاقية السلام وإعادة فتح المجرى الملاحي لقناة السويس أن تكون السيطرة عليها مجتمعيًا واقتصاديًا للجيش وأن تكون الإدارة بشكل رئيسي في سيناء للمخابرات العامة – طبعا ليست تقسيمة صافية فهناك أمثلة عديدة لتقاسم النفوذ مع المخابرات العامة بالسويس وكذلك مع المخابرات الحربية في سيناء.
ولهذا فإن مشاريع تنمية محور قناة السويس وتوسعة مجرى القناة وتطويره واستيعابه لمزيد من حركة السفن مثلما تتيح التفريعة الجديدة – نظريًا – تم بحثها والسعي بتنفيذها منذ عهد السادات مرورًا بمبارك وكان المصمم الرئيسي أو صاحب أفكار تلك المشاريع هو المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان الأسبق.
والملاحظ أن أول توسعة للمجرى الملاحي لقناة السويس تمت أول الألفية بعهد مبارك وكانت تهدف لمرور ناقلات النفط العملاقة التي تستعملها الإمارات في تصدير نفطها، ويمكن الرجوع إلى مزيد من التفاصيل بكتاب جيوبوليتيك النفط لفيليب لوبيز.
على كل يمكن بالتحليل الأخير أن نقول إن أحد أسباب الصدام بين حكومة الإخوان والجيش كان جزء أساسي منها محاولة الإخوان الدخول على خط مشاريع محور قناة السويس التي يعتبرها الجيش نفوذًا محضًا، ثم انتهت حكومة الإخوان وجاء السيسي ثم خاض صراعات متعددة منها تقليص نفوذ بقية أجهزة قطاع الدفاع والأمن منها تقليص نفوذ المخابرات العامة في سيناء كما تقدم بالحلقات السابقة، وبهذا الإطار أصبح الظرف مواتيًا لتنفيذ ما تعطل لفترة طويلة من مشاريع محور السويس وأولها تفريعة السويس الجديدة.
على كل فبالنظر لمن تولى تنفيذ حفر تفريعة قناة السويس نجد طيف واسع من الشركات منها المحلية والعالمية بل وحتى الأفراد، فبالنسبة للشركات العالمية نجد أنها عبارة عن تحالف كونته الإمارات باسم تحالف التحدي وتشارك فيها عدة شركات ما بين أمريكية وبلجيكية وهولندية، وهنا قائمة بتلك الشركات التي جمعتها الشركة الوطنية الإماراتية للجرافات.
بجانب هذا نجد الشركات الحكومية الكبرى أي المقاولون العرب ومختار إبراهيم وبجانب هذا نجد من القطاع الخاص شركة أسيك للتعدين – أسكوم – وهي شركة مملوكة لمجموعة القلعة بشكل جزئي وجزء من مجموعة أسيك للأسمنت المملوكة أيضًا للقلعة بمساهمة مستثمرين سعوديين وخليجيين.
يجب ونحن نقرأ مشاركة مجموعة القلعة بهذا المشروع أن نستوعب مجددًا التعامل المزدوج الذي يحدثه الجيش مع رأس المال الضخم مثل أحمد هيكل وأخوه حسن هيكل وخالهم علوي تيمور.
فبينما كان متزامنًا مع هذا – مشاركة مجموعة القلعة بحفر تفريعة السويس – على سبيل المثال أو قبله بقليل جرى إزاحة مجموعة الخرافي من مشروع قرية مرسى علم ودخول مجموعة أبراج كابيتال بالمشروع بديل للخرافي وهي شريك لهيرميس بنك الاستثمار التابع لآل هيكل وتيمور، كان يتم تعطيل المشروع الأضخم لمجموعة القلعة وهو ربط دول حوض النيل بأسطول نهري وسكك حديدية وما زالت تلك العرقلة من قبل السلطة السياسية مستمرة على الرغم من تصاعد الاحتياج له مع أزمة سد النهضة.
وكذلك كان من الغريب مشاركة شركة كشركة كونكورد واطلاعها بجزء كبير من العمل بالحفر وهي شركة متوسطة الحجم أو حتى أقل من متوسطة وسابقة أعمالها كانت في بعض أعمال البنية التحتية والري المحلية بعدة محافظات ومالكها هو أحمد العبد، وهو أحد من نحللهم بقولنا إنه من الصاعدين الجدد أو نخبة رجال الأعمال الجديدة التي يصنعها الجيش، فهو بلا سابقة تاريخ ضخم وفجأة اضطلع بدور رئيسي بمشروع بضخامة حفر تفريعة السويس، وبالأساس نشاط مجموعته بالأجهزة الكهربائية وكان مدير بشركة يونيفيرسال للأجهزة الكهربائية وطرد منها وما يتم تداوله الآن أنه سيتحوذ على توكيل إل جي في مصر.
وغير هذا كما قلنا كان هناك مشاركة ضخمة شملت جميع محاسيب الجيش أي الضباط السابقين أصحاب شركات المقاولات وغيرهم وصولاً لمشاركة أفراد من شمال سيناء وخاصة العريش مثلاً بجراراتهم في أعمال الحفر، وكل هذا تحت إشراف الهيئة الهندسية وبهذا تحقق للجيش ما أراد أي مشاريع جامعة يعمل بها الجميع تحت إدارته وتنسيقه، وشارك بالتمويل شرائح واسعة من المجتمع المصري بشرائهم شهادات تمويل حفر التفريعة وأمام هذا لا يهم الجدوى الاقتصادية التي يشكك بها الكثير.
وتلك قائمة بالشركات المحلية المشاركة بأعمال الحفر – لا تشمل مقاولي الباطن – على الرغم من نفي اللواء كامل الوزير ما أوردناه أعلاه نقلاً عن موقع العربية من مشاركة شركات عالمية!
خريطة الاقتصاد الكلي
ثانيًا مشروع تنمية محور قناة السويس
ينقسم هذا المشروع إلى عدة مشاريع فرعية وهي مشروع توسعة ميناء بورسعيد ومشروع شرق التفريعة والمرحلة الحالية حفر 3 أنفاق بين ضفتي القناة، وإدارة المشروع ترجع للدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية السابق بعهد مبارك وهو يملك صلاحيات رئيس وزراء بالمشروع أي يستطيع اتخاذ قرارات تنفيذية دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، كذلك يملك صلاحية الفصل في النزاعات القانونية مع المستثمرين والعاملين بالمشروع والمفترض أن هذا يهدف لطمأنة المستثمرين بالمشروع وسهولة الإجراءات وعدم العرقلة في دولاب البيروقراطية.
ونائبة هو اللواء عبد القادر درويش وهو لواء بحري وكان سابقًا مدير هيئة ميناء الإسكندرية والدخيلة وهو محسوب أو ولاؤه للفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، وهنا يجب الالتفات إلى ما تداول أن الفريق مميش كان يطمح إلى منصب مدير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أي المنصب الذي يشغله الدكتور أحمد درويش أو إلى صلاحياته دون المنصب الرسمي، لهذا هو من تدخل لتعيين اللواء عبد القادر درويش نائب لأحمد درويش حتى تكون وظيفته الحقيقية الحد من صلاحيات أحمد درويش.
على كلٍ إذا تناولنا المشاريع الفرعية التي تنفذ حتى الآن نجد أن في حفر الأنفاق الحالية تعمل أوراسكوم للإنشاءات ورئيسها التنفيذي هو ناصيف ساويرس ومع أوراسكوم شريك لها ألماني دوره بالمساعدة بالتقنيات، والمعدات جميعها تأتي من كاتربيلير ووكيلها في مصر عائلة منصور أو تحديدًا محمد منصور، كذلك تشارك عدة شركات سنغافورية من استطاع جلبها لتشارك بالمشروع كانت المخابرات العامة، وكل هذا مجددًا تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
وهنا نتوقف لنسجل ملاحظتين الأولى هي تكرار النمط الذي وجدناه بغيره من القطاعات وهي أنه عندما يعجز الجيش عن مهمة “جلب الاستثمار” فإنه يعتمد على المخابرات العامة وتلك هي الروابط التي تحدثنا عنها أنها تكون المصالح المشتركة العليا بين أجهزة الدفاع والأمن والتي تكبح أن يخرج التنافس الذاتي خارج حدود السيطرة.
والملاحظة الثانية أنه رغم تداول الأخبار عن توتر بين نظام السيسي وعائلة ساويرس وخاصة ناصيف، وبنفس الوقت الذي اضطر نجيب ساويرس أن يخرج من أدواته الإعلامية مثل أون تي في، يعتمد الجيش على أوراسكوم في أكبر مشاريعه التي يعتبرها نفوذًا محضًا له وكان متزامنًا مع هذا تعيين داليا خورشيد كما تقدم وزيرة للاستثمار وهي الآتية من أوراسكوم.
ولعل هذا يمكن فهمه بأطر أخرى سابقة على البدء بمشروع تنمية محور قناة السويس، وهو سيجعلنا نمر على قطاع الإنشاءات سريعًا.
قطاع الإنشاءات ومواد البناء قبل أن يستحوذ الجيش من خلال جهاز الخدمة الوطنية على مجموعة صلب مصر كان أقل القطاعات التي يشارك بها الجيش وما زالت حتى الآن حصص شركاته للأسمنت مثل أسمنت العريش قليلة مقابل مثلاً أسمنت السويس التي يملكها عمر مهنا وهو كما تقدم رئيس الجانب المصري من مجلس الأعمال المصري الأمريكي والرئيس الحالي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، ولكن حاول نظام السيسي أن يبيع عدة رخص للأسمنت في السنتين الأولتين من حكمه لشركات عالمية وأخفق بهذا حتى الآن.
فهنا نرجع إلى أن أنجح صفقة لبيع رخصة أسمنت حدثت خلال العقد الأخير كانت بيع أوراسكوم لجزء من حصتها بقطاع الأسمنت إلى شركة لافراج الفرنسية التي تعد من أكبر الشركات بالقطاع الآن.
ويجب كذلك هنا أن نتذكر أنه في السنة الأولى لحكم السيسي أي سنة الرئيس المؤقت عدلي منصور وفي الأشهر الأولى من حكم السيسي في إطار حل أزمة الطاقة التي تراكمت وورثها السيسي بعد إزاحة مرسي حدث تحالف لاستيراد الفحم لتشغيل مصانع الأسمنت كبديل للغاز وكان المحرك الأساسي لهذا التحالف هي لافراج والذي تصدر وأدار هذا التحالف هو عمر مهنا مجددًا، وضم هذا التحالف شركة أسمنت سيناء التي يملكها حسن راتب صاحب أكبر استثمارات بالشراكة مع الجيش في شمال سيناء.
وبعد عدة ضغوط تمت موافقة وزارة البيئة على استيراد الفحم ويجب الانتباه أن تصريح الاستيراد لتشغيل المصانع بالفحم مجددًا يأخذ موافقة من الجيش كما وزارة البيئة.
ويتنافس على استقبال هذا الفحم عدة مواني ما بين ميناء العريش إلى ميناء العين السخنة إلى ميناء الإسكندرية وكلها يديرها لواءات.
ونجد هنا مثلاً خبر موافقة القوات المسلحة على تطوير ميناء العريش لاستقبال الفحم المستورد وهذا أيضًا ضمن إطار مشروع تنمية محور السويس وتحت إشراف الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية للسويس.
وإن كان التركيز في استيراد الفحم سيكون عبر ميناء العين السخنة وحاليًا الشركة الوحيدة التي أتمت التحول للتشغيل بالفحم هي شركة لافراج مرة أخرى.
الشاهد من هذا الاستعراض أن تعامل الجيش مع قطاع الإنشاءات بما أنه لا يشارك فيه بتوسع هو التشبيك مع هذا القطاع بأن يدير مصالحه ويأخذ حصة منها، فإذا أراد القطاع استيراد الفحم يسمح له بهذا وييسر كل التسهيلات الإدارية واللوجستية لهذا الأمر مقابل أن يكون الجيش شريكًا ولديه مصلحة مباشرة من ريع المواني التي تستقبل الفحم كذلك في جلب المستثمرين لشراء رخص مصانع الأسمنت التي تطرحها الدولة من خلال هيئة التنمية الصناعية وهذا أيضًا بإطار خطة التحول الاقتصادي التي من المفترض أن تضع قيودًا على الاستيراد والتوسع بالصادرات والتي على رأسها صادرات مصر من الأسمنت التي يعد المنافس لها بهذا المجال الرئيسي هي تركيا.
وهذا الخبر عن الشركات التي سحبت تراخيص تصنيع الأسمنت الجديدة خلال عام 2016 نموذج على هذا حيث نجد شبكة من أسمنت سيناء والقوات المسلحة ولافراج.
في هذا تحديدًا تحتاج الدولة إلى فاعل مثل أوراسكوم، فرغم كل هذا فإن الدولة لم تستطع التوسع في بيع رخص تصنيع الأسمنت كما كانت تطمح، ولعل خروج شريك عمر مهنا في أسمنت السويس وهي الشركة الإيطالية ايطالشامنتي نموذج لهذا.
بالعودة لحسن راتب وأسمنت سيناء فإن شراكته مع الجيش تعتبر نموذجًا مثاليًا لفهم كيف يدير الجيش شراكاته بقطاع البناء والإنشاءات ويعيننا لفهم التعامل المركب مع فاعل ضخم بحجم أوراسكوم.
فكمثال فمن الذي حصل عليه الباحث من مصادر خاصة فإن الجيش من خلال شركة أسمنت العريش يصدر أسمنت لإسرائيل وهذا الأسمنت يساهم في بناء المستوطنات على الرغم من تدني جودته نظرًا لوجود حظر على تصدير أسمنت لإسرائيل يستخدم في بناء المستوطنات دوليًا، وإجمالاً فإن تصدير أي مواد بناء لإسرئيل هو قطاع احتكاري للجيش، ولكن الجيش لا يصدر مباشرة وإنما من خلال وسيط وهو أسمنت سيناء المملوكة لحسن راتب وهو بدوره لا يقوم بهذا مباشرة وإنما عن طريق عدة شركات وسيطة ويتداول أن منها شركة استيراد وتصدير مملوكة للواء سامح سيف اليزل المتوفى مؤخرًا والذي بدوره يقوم بهذا التصدير عبر شراكة مع شركة أمريكية.
هذا النموذج بتشبيكاته وتعقيداته ربما يلقي الضوء على التصرف الغريب الذي قامت به الدولة المصرية مؤخرًا حيال مشروع قرار مجلس الأمن ضد بناء المستوطنات وإن كان بالطبع الأمر يخضع لاعتبارات سياسية أعلى من المصلحة الريعية المباشرة التي يحصل عليها الجيش من عملية التصدير تلك، وعمومًا للموضوعية فإن الجيش كذلك من خلال أسمنت العريش كان يصدر أسمنت إعادة إعمار غزة بعد حرب 2009 وحتى وقت قريب بعد حرب غزة الأخيرة وهذا رغم أنه من منظور قومي بحت يمكن اعتباره “خيانة”، فإن الجيش لا ينظر إليها من هذا المنظور وإنما هذا اقتصاد سياسي أي كون الدولة المصرية شريكة لإسرائيل وشريكة كذلك لخصمها الحالي حكومة حماس بغزة وشريكة لحكومة رام الله فهذا يجعل لها يد نافذة في تقرير ما يحدث على حدودها الفلسطينية الإسرائيلية مهما كان الظرف.
الشاهد أن الجيش يعمم هذا النموذج في علاقته برأس المال الكبير وخاصة بقطاع الإنشاءات أي أنه كما قلنا عندما يعجز عن الوصول لأسواق يستهدفها أو عمليات استثمار يريد جلبها لمصر فإنه يلجأ أولاً للمخابرات العامة ثم إلى رأس المال الكبير مثل أوراسكوم أو القلعة أو منصور أو حسن علام، إلخ، بشرط أن يعملوا تحت إدارته وإشرافه ولهذا تحديدًا يحتاج ما يسمى بالمشاريع القومية.
أما المشروعان الأخيران بإطار تنمية محور السويس فهما مشروعا شرق التفريعة وتوسعة ميناء بورسعيد، وهما مرتبطان ببعضهما، فمشروع شرق التفريعة هو عبارة عن إقامة ظهير صناعي للسويس وتوصيل البضائع من ميناء العين السخنة إلى بورسعيد بشكل بري مع أعمال توسعة بميناء بورسعيد لاستيعاب حجم أعمال أكبر.
ولميناء العين السخنة قصة طريفة من أحد أوجهها هي أيضًا نموذج لكيف يدير الجيش تشاباكاته مع الاقتصاد، فامتياز إدارة وتشغيل ميناء العين السخنة كان مملوكًا بعهد مبارك لرجل أعمال أردني يدعى أسامة الشريف وهذا عبر شركته أميرال مانجمنت.
وشركة أميرال مانجمنت لها العديد من العملاء والشراكات منها مع اتحاد المواني العربية التابع للشركة القابضة للنقل البحري وسيأتي ذكره لاحقًا ومنها شراكات تعدت قطاع المواني والشحن والتفريغ والنقل البحري، فمثلاً لديه شراكة مع شركة الإنترنت القومية تي إي داتا وجريدة المساء المصرية وبنك الإسكندرية ومستشفيات دار الفؤاد، وهذا موقع الشركة.
الشاهد أن أسامة الشريف خدع حكومة نظيف بعهد مبارك وباع امتياز الميناء كله لشركة مواني دبي العالمية بعام 2008 وكان المفترض أن ما يحق له بيعه هو محطة الحاويات بميناء العين السخنة فقط ولكنه باع محطة تموين السفن والوقود وتداول الحيوانات الحية ومحطة البضائع العامة، إذ إنه لم يكن هناك بالعقد ما يلزمه ببيع محطة الحاويات فقط، ومنذ تلك اللحظة دخلت الحكومة المصرية في نزاع قضائي ضد أسامة الشريف تحول إلى قضية دولية ونزاع آخر مع شركة مواني دبي الدولية التي أنشأت شركة لإدارة وتشغيل الميناء أسمتها مواني دبي السخنة.
على أنه قد تم حل تلك الإشكاليات مع مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي بحيث تم الاتفاق على أن تزيد المساحة المخصصة للمحطات كمحطة الحاويات والصب السائل وتموين السفن بالسخنة إلى مساحة 400 ألف فدان وأن تحصل مواني دبي على أرباحها بالجنيه ويتم تنفيذ التطويرات العالقة خلال عام 2017، وكذلك وهو الشاهد هنا تم الاتفاق أن شركة سونكر وهي إحدى الشركات التابعة لأسامة الشريف تتولى التشغيل فقط وليس المشاركة بحق الانتفاع وأن يدخل بإدارتها بنك الاستثمار القومي وشركة مصر للبترول التابعة لقطاع البترول الحكومي المصري، ودفعت سونكر مبالغ مالية للدخول كمشغل غالبًا ستذهب للجيش وليس للخزانة العامة، فإذًا هو منطق الجباية مرة أخرى!
ووفقًا لبيانات وزارة النقل، فإن المشروع يشمل امتداد محطة الصب السائل الحالية، وإنشاء خزانات ومستودعات على مساحة 400 ألف متر مربع بهدف تخزين وتداول المواد البتروكيميائية.
وهنا نذكر مجددًا بما تحدثنا عنه بالحلقة السابقة عن شراكات باسل الباز مع كيانات إماراتية عديدة لإقامة مجمع التحرير للبتروكيماويات بالعين السخنة، حيث سيكون هو وشركة النصر التابعة لجهاز الخدمة الوطنية أول المستفيدين من إنشاء تلك الخزانات.
وكذلك تقرر في التسوية مع مواني دبي العالمية أن يتم تشكيل هيئة مستقلة لإدارة المواني التابعة لمشروع تنمية محور السويس عن الهيئة الاقتصادية المشرفة على المشروع والسبب الراجح هو أن تكون نفوذًا خالصًا للجيش أو لضباطه الذين يهيمنون على القطاع البحري، ويمكن مراجعة مزيد من التفاصيل هنا.
كذلك من الرابط أعلاه فإن من الشركات التي أعلنت استعدادها للدخول في تطوير مواني شرق التفريعة وبورسعيد، شركة دمياط للمواني الدولية والإسكندرية للحاويات.
بالنسبة لدمياط للمواني الدولية وهي مشغل ميناء دمياط فإنها شراكة بين مجموعة الخرافي مرة أخرى وشركة سي إم سي جي إم الفرنسية وشركتين من هونج كونج هما شركة كوسكو باسفيك وهوتسيشوان وشركة الملاحة العربية المتحدة والتي بدورها شراكة بين الشركة القابضة للنقل البحري والحكومة الكويتية.
أما بالنسبة لشركة الإسكندرية للحاويات فهي كذلك تابعة للقابضة للنقل البحري بشراكة مع هوتسيشوان وصندوق الملكية الخاص الإماراتي.
والشركة القابضة للنقل البحري يتحكم بها الجيش وهذا عن طريق أن المشرفين عليها الاتحاد العربي للمواني والذي أمينه العام أيضًا لواء وهو اللواء بحري عصام الدين بدوي.
وهذا موقع الاتحاد مع ملاحظة أن مطور موقع الاتحاد أيضًا شركة أميرال مانجمنت المملوكة لأسامة الشريف.
والاتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية والذي يرؤسه لواء أيضًا وهو اللواء بحري حاتم القاضي وأمين عام الاتحاد لواء أيضًا وهو اللواء بحري محسن المصري وكلاهما كما عبد القادر درويش مرتبط بمهاب مميش وهذا موقع الاتحاد.
يمكن الرجوع لمزيد من التفاصيل لدراسة شانا مارشال التي نوهنا لها من قبل.
ونكمل أن نجل اللواء حاتم القاضي هو مدحت القاضي رئيس شعبة خدمات النقل الدولي وهو من خلال موقعه يحتكر تراخيص الأياتا والفياتا وهي التراخيص المطلوبة لمن يعمل بمجال النقل البحري والجوي.
الشاهد هنا من خلال هذا الاستعراض السريع أن نفوذ بل وتحكم الجيش بالقطاع البحري وما يرافقه من شحن وغيره هو نفوذ محض لا يوجد فيه منازعة أو تنافس بشكل يلاحظ وهذا في تحليلنا راجع لما أوردنا بالمقدمة أن داعمي نظام السيسي رؤيتهم أنه مهما اتخذ السيسي من إجراءات فهي ليست كافية لأن المشكلة في تنافس الجيش على الاقتصاد ومطلبهم الأساسي هو رجوع الجيش لصيغة يسيطر ولا يحكم، فوجوده بالقطاع البحري هو تمظهر لهذا، فكون هذا القطاع نفوذ محض له يجعله يتحكم بكل ما يدخل مصر ويخرج منها أكثر من كونه ينافس في الاقتصاد.
على كلٍ بالرجوع لسياق الكلام الأصلي فإن الشق الآخر من مشروع شرق التفريعة هو إقامة ظهير صناعي لقناة السويس والذي كان من المفترض أن تقوم به شركة السويس للحاويات وهي شركة مشتركة بين شركة مولير ميرسك الدنماركية وهيئة قناة السويس بنسبة 12% وإبراهيم كامل، وتعطل المشروع بعيد ثورة يناير.
ولكن قبل أن نناقش أسباب التعطل علينا أن نتوقف قليلاً مع إبراهيم كامل، فهو أحد رجال أعمال جمال مبارك وكان من المروجين لمشروع توريث جمال مبارك بدوائر صنع السياسة الأمريكية، وهو كذلك كان عضوًا بالمجلس الرئاسي المصري الأمريكي ومجلس الأعمال المصري الأمريكي بل هو من مؤسسي هذا المجلس وعند تأسيسيه كان يتنافس على رئاسته مع فريد خميس صاحب مجموعة النساجون الشرقيون ووالد زوجة باسل الباز كما تقدم.
وبنفس الوقت فهو كان وما زال على علاقة وثيقة برأس المال الروسي وكان يوازن علاقته بأمريكا وروسيا عندما كانت الاتحاد السوفيتي، بل وعندما انهار الاتحاد السوفيتي كان من أول من ارتبط تجاريًا بروسيا من خلال تأسيس شركة كاتو أيروماتيك وهي مجموعة متنوعة النشاطات ما بين الاستثمار العقاري والزراعي ولكن كان عمادها الأساسي صناعة الطائرات، وكان هذا عبر حصوله على محرك طائرات عسكرية روسية خرجت من الخدمة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في الزمن الذي تفككت به الترسانة العسكرية الروسية بعيد الانهيار وبيعت قطعة قطعة فهو حصل على عقود توريد محركات طائرة عسكرية ودمجها بهياكل طائرات مدنية وتتم عملية التجميع بمصر.
وبناءً على هذا وسع نشاطاته بالارتباط والتعاون مع المخابرات العامة المصرية ومن أمثلة هذا الارتباط توسعه بشراء أراضي الضبعة حول محيط مشروع المفاعل النووي المفترض تنفيذه منذ عهد مبارك، وكان متزامنًا مع هذا أنه بشراكته مع مولر ميرسك المناط به تنفيذ مشروع الظهير الصناعي للسويس في نسخته المباركية وبالفعل تم تنفيذ عدة أرصفة بحرية بالعين السخنة قبيل توقفه بعد الثورة، وهو كذلك تربطه عدة مصالح مع حسين سالم في شراكاته مع إسرائيل وإن لم يقف الباحث على تحديد مصالح بعينها.
على كل اتهم إبراهيم كامل بأنه كان المدبر والممول لأحداث موقعة الجمل في خضم الثورة المصرية وبعد تنحي مبارك بفترة وجيزة أصدر المجلس العسكري بيانًا أنه لن يتهاون أمام ما أسماه الثورة المضادة وكان الاسم الوحيد الذي ذكر بهذا البيان أنه من أركان الثورة المضادة إبراهيم كامل.
ومما روي للباحث من مصادر خاصة أن إبراهيم كامل قابل الفريق عنان بعد هذا البيان ليسأله عما اجترحه ليذكر اسمه خصيصًا، فكان رد الفريق عنان أن عليه رفع يده عن أراضي الضبعة ويتنازل عنها وهو ما كان!
على كلٍ في نفس هذا التوقيت أو متزامن معه تم تقديم بلاغ للنائب العام في وقائع فساد في عقد شركة السويس للحاويات لتنفيذ الظهير الصناعي وبالفعل توقف المشروع من حينه وللطرافة كذلك فإن مقدم البلاغ كان مجددًا مصطفى بكري – قدم مصطفى بكري بلاغه للنائب العام ببداية شهر أبريل لعام 2011 أي بعد شهرين فقط من تنحي مبارك – وتحليلنا هنا أن هذا كان الوقت الذي بدأ به مصطفى بكري ومثله كثيرون من تحويل ولاءهم وارتبطاهم ليكون مع الجيش بدلاً من المخابرات العامة! فهو التقط الخيط ببيان المجلس العسكري لكي يقدم أوراق اعتماده في ولائه الجديدة.
تصالحت الدولة في عهد السيسي مجددًا مع السويس للحاويات واستأنفت عملها في تطوير الظهير الصناعي مقابل تنازلها عن أرض رصيف بحري بالعين السخنة لصالح الدولة أو تحديدًا لصالح الجيش الثالث الميداني وأن تدخل في عمليات التطوير بربع التكلفة وهو مجددًا يطبق هنا مبدأ الجباية.
وكما حللنا في حالة حسين سالم أن الأمر راجع في التصالح معه لتوظيفه في العلاقة مع أمريكا فنفس الشيء مرجح أن يكون مع إبراهيم كامل في توظيفه مع العلاقة بروسيا، فحتمًا وظفته دولة السيسي في مشروع قومي آخر وهو التعاقد مع الشركة الروسية المنفذة للمفاعل النووي بالضبعة بعد أن خرج من امتلاك أي أراضي هناك، لا سيما أن علاقاته كما تقدم تأسيسها كانت مع القطاع العسكري، وحتمًا وظفته الدولة عندما تدهورت العلاقة مع روسيا بعد حادث تفجير الطائرة الروسية ويرجح تلك الفرضية أن استئناف عمل السويس للحاويات بشرق التفريعة كان بالفعل عقب حادث تفجير الطائرة الروسية بفترة وجيزة.
وهذا تقرير صحفي يتحدث بنفس الفرضية مع ملاحظة أن المعلومات الواردة بهذا التقرير عن علاقة إبراهيم كامل بإسرائيل لم يتسن لنا التأكد منها وبعضها معلومات غير صحيحة حيث كما تقدم شركة كاتو أيروماتيك هي شراكة بين إبراهيم كامل وأطراف روسية وليست إسرائيلية.
على كلٍ بالرجوع للسياق الأصلي فإن من أهم المتنافسين على تنفيذ الظهير الصناعي بشرق التفريعة هو تحالف عدة شركات مصرية وسعودية وإماراتية ولبنانية باسم تحالف أسيك كابيتال وهو تحالف جمعته بالأساس مجموعة القلعة مرة أخرى كما توارد للباحث، وقد شهد توقيع التعاقد بين هيئة منطقة السويس الاقتصادية وهذا التحالف ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز في آخر زيارة له لمصر والتي تم بها توقيع اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ثم مع توتر العلاقة بين مصر والسعودية راجعت الهيئة تعاقدها مع تحالف أسيك كابيتال وأعادت التفاوض عليه، ثم مؤخرًا تم الاستقرار على هذا التحالف مرة أخرى بعد أن تم تقليل حصته من المشروع، وكذلك يبدو أن النظام الحاليّ تعلم من تجربته مع مواني دبي الدولية فتفادى بهذا العقد أن يمتلك هذا التحالف الأراضي التي سيطور عليها الظهير الصناعي وهو سينجز الشق الأكبر من المشروع الذي يشمل عدة مناطق لوجيستية وتصنيع أو تجميع سيارات وغيره.
وهذا يقودنا إلى سؤال ما الذي يمكن أن نستفيده من خلال بحث هذا القطاع في نقطة ماهية الخلاف أو التوتر السعودي المصري وتقاطعه كذلك مع علاقة النظام المصري الحالي بإيران؟
فكما قدمنا فإن ميناء العين السخنة والأدبية يخضعان لنفوذ وهيمنة الجيش الثالث الميداني وعمومًا تقليديًا فإن مواني شمال السويس أي بورسعيد والعريش وحتى دمياط تخضع لنفوذ الجيش الثاني الميداني ومواني جنوب السويس وصولاً لشرم الشيخ ونويبع تخضع للجيش الثالث وبعد تكوين القيادة الموحدة لشرق القناة لمكافحة الإرهاب بقيادة أسامة عسكر أصبحت كل تلك المواني تخضع لتلك القيادة الموحدة.
وبهذا الإطار علم الباحث من مصادر خاصة أن هناك خط للنقل التجاري ما بين ميناء بندر عباس الإيراني وميناء العين السخنة يخضع للجيش الثالث الميداني مباشرة وهناك قول آخر أنه يخضع لأسامة عسكر بشخصه أي أن ريع النقل يذهب له مباشرة وإن لم يتوثق الباحث أي من الروايتين أدق، على كلٍ فإن هذا الخط كان ينقل البضائع الإيرانية قبل إلغاء العقوبات لميناء السخنة، بحيث يعاد تصديرها مرة أخرى على أنها مصرية واستمر العمل بهذا الخط حتى بعد إلغاء العقوبات الدولية على إيران.
يجب وضع تلك المعلومة بإطار أن مشغل ميناء السخنة هي مواني دبي الدولية وربطها بعلاقة الإمارات أو تحديدًا إمارة دبي بإيران المتميزة على الصعيد التجاري وأنها أكبر شريك تجاري لإيران في دول الخليج العربي ومن ثم يمكننا بناء فرضية أن الوسيط بتلك العلاقة عند تكوينها كان إمارة دبي.
وكذلك يجب أن نربط تلك المعلومة بسياق آخر وهو توقف شركة أرامكو للنفط والغاز السعودية عن تزويد مصر باحتياجاتها من الوقود وهو القرار الذي كان مثيرًا للاستغراب، حيث إنه كان بعد اتفاقية تيران وصنافير بفترة وجيزة وما لازمها من توقيع اتفاق لتقاسم اكتشافات الغاز بين السعودية ومصر بمضيق تيران.
فبعيدًا عن السياق السياسي في موقف النظام المصري من الثورة السورية حيث لا يوجد دلالة مباشرة للربط بين هذا الموقف والتوتر على مستوى العلاقات الاقتصادية وأي ربط من هذا النوع تعسف بالاستنتاج، فالتحليل المنطقي هو بالرجوع للاتفاقات التي أبرمت في زيارة الملك سلمان لمصر بالتزامن مع تسليم تيران وصنافير للسعودية.
ما يهمنا هنا هو ما تم إبرامه بأن تكون السعودية شبه محتكر لتشغيل خط سوميد لنقل إمدادتها من الوقود لأوروبا، وخط سوميد يبدأ من العين السخنة إلى سيدي كرير بالإسكندرية وهو ما يعني أنه سيتعارض مع مصالح الشبكة التي تعمل على الخط التجاري بين بندر عباس والعين السخنة ومن ثم تنقل أيضًا إمدادات الوقود الإيرانية إلى أوروبا.
ولعل هذا أيضًا يفسر لماذا دعمت أطراف من الدولة – المرجح هنا الجيش – بشكل خفي الاحتجاجات ضد اتفاقية تيران وصنافير بل سربت بنودها للصحافة!
ولهذا عندما حدثت أزمة وقف أرامكو إمدادتها لمصر على الرغم من أن المتحدث باسم وزارة البترول حمدي عبد العزيز نفى استعانة مصر بإيران في سد احتياجتها.
بعد أسبوعين فقط تواردت أنباء أن مصر تتجه لتوقيع عقد مع العراق لسد النقص باحتياجاتها نتيجة قرار أرامكو وهو بالغالب ما سيكون تكرارًا لما حاولت حكومة مرسي تحقيقه وهو استيراد نفط إيراني تحت غطاء أنه عراقي.
على كلٍ فالعامل الثالث الذي يكون منطقيًا ربط توقف إمدادات النفط السعودي به هو أنه كان متزامنًا مع تراجع النظام المصري عن تفعيل قرار تعويم الجنيه كما نشرته بيلتون وهو ما رجعت وطبقته بعدها بشهر ولكن وفق شروط النظام المصري كما تحدثنا بالمقدمة.
فيجب الانتباه هنا كما قدمنا أن خطة الإصلاح الاقتصادي هي بكاملها خطة خليجية وقدمنا بحلقات سابقة أن سلطان الجابر وزير الدولة الإماراتي هو من أوصل مجموعة لازارد بعباس كامل وهي المجموعة المشرفة على تلك الخطة بجميع بنودها.
والسبب واضح وبديهي وهو أن الدول الخليجية التي دعمت نظام السيسي بأحداث الثلاثين من يونيو وما بعده تنظر لهذا الدعم على أنه استثمار وتريد الحصول على نتائجه، ونتائجه ببساطة هو تحول مصر لسوق للخليج وهذا يتطلب أن تشرف دول الخليج على الإصلاح الهيكلي لهذا السوق، فبتحليلنا أن التوتر كان بسبب التلكؤ من النظام المصري باتخاذ إجراءات أكثر حسمًا بهذا الإصلاح وهو ما كان يهدد به السيسي مرات عدة بأنه سيتخذ إجراءات أكثر صعوبة في قادم الأيام وإزاء أي اعتراض فهو قادر على نشر الجيش في ست ساعات!
خريطة صندوق تحيا مصر
وهذا يقودنا إلى خاتمة تلك السلسلة من الحلقات بالحديث عما تم بالفعل لصالح دعم تلك الإجراءات الهيكلية الخاصة ببنية الاقتصاد المصري.
فتناولنا سابقًا المجموعة الاقتصادية التي استعان بها السيسي من المركز المصري للدراسات الاقتصادية وتناولنا أيضًا استعانته بمجموعة دولية وهي لازارد وتناولنا كذلك التغييرات التي أجراها بقطاع الاستثمار، فبقي ما اتخذه من تعديلات بوزارة المالية لتواكب تلك التغييرات.
فبالتغيير الوزاري السابق عين السيسي وزير للمالية هو عمر الجارحي وأربعة نواب له بصلاحيات وزير، ولأول مرة يحلف نواب وزير اليمين أمام رئيس الجمهورية.
ما يهمنا ذكره هنا هو أن اثنين من هؤلاء النواب أحمد كوجك وهو القادم من البنك الدولي مباشرة لوزارة المالية حيث كان الخبير الاقتصادي الأول للبنك الدولي بالقاهرة منذ يونيو 2013 متزامنًا مع أحداث الثلاثين من يونيو.
فإذًا التحليل أنه انتقل من البنك الدولي لوزارة المالية ليكون مشرفًا على تنفيذ وزارة المالية لخطة الإصلاح الاقتصادي من قبل صندوق النقد نظير القرض.
ويجدر هنا تذكر ما أشرنا إليه بالحلقات السابقة عن أن جون كريستمان المدير الإقليمي لشركة أباتشي للبترول في مصر هو من كون لوبي ضغط من كبريات الشركات الأمريكية لإقناع صندوق النقد لحصول مصر على القرض المتفاوض عليه، وما اتضح لاحقًا بعد إعلان صندوق النقد موافقته أن هذا كان نظير أن يتم سداد مديونيات ومستحقات شركات البترول الأجنبية العاملة في مصر من الدفعة الأولى من القرض.
فلهذا كان من الطبيعي أن يأتي نائب لوزير المالية من البنك الدولي، حيث إن وزارة المالية في أحد اختصاصتها هي المناط بها حاليًا إدارة مديونيات المؤسسات الحكومية، فأتى أحمد كوجك ليشرف على تنفيذ أين ستذهب كل دفعة من القرض.
والثاني هو عمرو منير وهو شريك بشركة برايس ووتر هاوس بالقاهرة عن السياسات الضريبية وهي شركة الاستشارات المالية التي أشرفت على جميع برامج الخصخصة مع حكومة عاطف عبيد بالتسعينيات، والشركة عمومًا لها سمعة سيئة حيث إنها تتهم بضلوعها في نهب بترول العراق من الشركات الأمريكية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وهي ما زالت حتى الآن المدقق المالي لمؤسسات النفط العراقية وعدد من المؤسسات المالية والمصارف العراقية وما زالت توجه لها اتهامات أنها تيسر غسيل أموال من خلال المؤسسات المالية العراقية.
أما وزير المالية نفسه عمرو الجارحي فيأتي من بنك الاستثمار القومي ويجب الالتفات في قرار تعيينه لعاملين الأول أنه بعهد تولي بطرس غالي لوزارة المالية بعهد مبارك حدث تهميش لأدوار بنك الاستثمار القومي وهو الذي كان مناط به تقليديًا إدارة سندات الديون المصرية وكذلك إدارة عوائد أموال التأمينات والمعاشات إلى أن نزع منه بطرس غالي تلك المهمة والراجح أن يعود بنك الاستثمار القومي بعد هذا الربط إلى إدارة سندات الدين القومي.
والعامل الثاني أنه بعد تولي عمرو الجارحي مباشرة لوزارة المالية بدأت شركة إن أي كابيتال التابعة لبنك الاستثمار القومي في طرح الأصول المملوكة للدولة للتداول بالبورصة المصرية والبورصات الدولية، وبالتدقيق فإن هذا الطرح تم في بورصة دبي، بمعنى لاستكمال استحواذ دول الخليج على السوق المصري ستكون الخطوة القادمة هي امتلاكها لأصول الدولة بالبنية التحتية وقطاعي الكهرباء والنفط إما مباشرة وإما عبر شركاتهم.
وهنا علينا تذكر مجددًا أن من أعلنوا استعدادتهم لدخول قطاع الطاقة حال تم خصخصته أو طرحه للتداول كانت مجموعة القلعة وهي من قبل كذلك عندما كانت حكومة مرسي تسعى لسد احتياجتها من الغاز من قطر أعلنت استعدادها وقدراتها إقامة مصفاة للغاز القطري أمام السواحل المصرية، والشركة الأخرى التي أعلنت استعدادها للدخول بالقطاع وتحديدًا قطاع الكهرباء للمنازل كانت أوراسكوم وبهذا يكتمل لدينا صورة تشابكات الجيش مع رأس المال.
لقراءة موضوعات ملف جنرالات الذهب كاملة اضغط هنا.