الشمال السوري بين “تحرير الشام” و”أحرار الشام” والثورة تنتظر من ينصرها!

أصبح الشمال السوري بين قطبين عسكريين كبيرين هما هيئة تحرير الشام المشكلة مساء أمس السبت، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وبين انضمام الفصائل والدعاة لهذا أو ذاك انقسم الشمال السوري عسكريًا ووضع الثورة السورية وأهدافها وحاضنتها على مفترق طرق في ظل انتظار ما ستقرره إدارة الرئيس ترامب الجديدة بالتنسيق مع موسكو التي ترعى اتفاق وقف إطلاق النار بالتعاون مع تركيا وإيران.
الجبهة تحل نفسها وتندمج مع فصائل أخرى
في مفاجئة للساحة الثورية وضمن سخونة الموقف وانتظار ماذا سيحدث بعد اقتتال الفصائل مع جبهة فتح الشام، أعلنت خمسة فصائل عسكرية عاملة في الشمال السوري مساء أمس السبت حل نفسها واندماجها تحت مسمى “هيئة تحرير الشام” وكان أبرز تلك الفصائل “جبهة فتح الشام” وضم أيضًا حركة” نور الدين الزنكي” و”جيش السنة” و”لواء الحق” و”جبهة أنصاء الدين” وتولى قيادة التشكيل الجديد المهندس أبو جابر الشيخ، وبمباركة من الداعية السعودي عبد الله المحيسني الذي أعلن إلى جانب عدد من الشيوخ ودعاة السلفية الجهادية أبرزهم عبد الرزاق المهدي، وأبو الحارث المصري، وأبو يوسف الحموي، وأبوالطاهر الحموي، ومصلح العلياني انضمامهم إلى “هيئة تحرير الشام” وأصدروا بيان قالوا فيه إن انضمامهم إلى الهيئة، جاء “لنبدأ مرحلة جديدة من مراحل هذه الثورة المباركة، تطوى فيها صفحة الخلافات، وتعود فيها الانتصارات”
وجاء التشكيل بإعلان عبر بيان أصدرته الأطراف المشتركة جاء فيه أنه “نظراً لما تمر به الثورة السورية اليوم من مؤامرات تعصف بها واحتراب داخلي، فنحن الفصائل الموقّعة نعلن حلّ كل الفصائل التالية واندماجها اندماجاً كاملاً ضمن كيان جديد تحت مسمى هيئة تحرير الشام بقيادة المهندس أبو جابر الشيخ”.
أبرز الفصائل المنضوية في التشكيل هي حركة “نور الدين زنكي”، العاملة في محافظة حلب، وهي ذات طابع متشدد ومقربة من “فتح الشام” ترفض الخط المعتدل والمفاوضات السياسية
وأضاف البيان دعوة الهيئة لجميع الفصائل العاملة في الساحة لإتمام هذا العقد، والالتحاق بهذا الكيان، جمعاً للكلمة وحفاظاً لمكتسبات الثورة والجهاد، ليكون هذا المشروع نواة تجمع مقدرات الثورة، وتحفظ خط سيرها، وتحقق أهدافها المنشودة بإسقاط النظام المجرم، وليعيش أهل الشام بعزة وكرامة في ظل شريعة الرحمن”.
تأتي هذه الخطوة بعد عشرة أيام من الاقتتال بين الجبهة والفصائل السورية المعارضة ورفض الجبهة لكل دعوات وقف الاقتتال والاحتكام لهيئة شرعية قضائية، وانضمام الفصائل المتقاتلة مع الجبهة تحت راية أحرار الشام حماية لها ولمقراتها من هجمهات الجبهة، تعد من كبرى فصائل الفصال العاملة في الشمال، هي “ألوية صقور الشام”، و”جيش الإسلام – قطاع إدلب”، و”جيش المجاهدين”، و”تجمع فاستقم كما أمرت”، و”الجبهة الشامية – قطاع ريف حلب الغربي”.
وبالرغم من تهديد حركة أحرار الشام للجبهة من أي أعتداء يطال أيًا من الفصائل التي انضمت إليه حديثًا باستخدام القوة، إلا أن الاقتتال لم يتوقف، ومن ثم دعت الحركة إلى اجتماع بين قائد فتح الشام أبو محمد الجولاني وعدد من قادة الفصائل والدعاة في الشمال السوري، إلا أن الاجتماع فشل في التوصل لصيغة توافقية بين الجميع ووقف الاقتتال المندلع بين الطرفين. فجاء تشكيل هيئة تحرير الشام، ليعلن قائدها أبو جابر الشيخ بعد ساعة من إعلان التشكيل، عن وقف الاقتتال بين فتح الشام والفصائل الأخرى.
وغاب عن قيادة التشكيل الجديد أبو محمد الجولاني ولكنه لم يُغيّب، فإعلان وقف إطلاق النار والاقتتال مع الفصائل كان ورائه الجولاني كما يرى مراقبون، ولعل الجبهة وجدت ما كانت تصبو إليه، حيث تكتلت إلى جانب فصائل أخرى كبيرة وقويت شوكتها ضد الطرف الآخر وهو أحرار الشام.
الداعية عبد الله المحيسني ودعاة آخرين أعلنوا انضمامهم إلى هيئة تحرير الشام
حيث تدعي الجبهة وتبرر هجومها على الفصائل بأنه جاء كخطوة استباقية “لإفشال المؤامرات والتصدي لها قبل وقوعها” في إشارة للمؤتمر الذي حضرته المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري في أستانة والذي تمخض عنه موافقة المعارضة إقصاء الجبهة ومحاربتها، وهو ما يفسر بإعلان حرب على الفصائل، فالمعارضة لم تتحفظ على إدراج فتح الشام كتنظيم إرهابي في مباحثات أستانة، ويجب محاربته كما هو مدرج بقرار من مجلس الأمن.
ويُذكر أن الجبهة أصدرت بيانًا رفضت فيه مباحثات أستانة واعتبرته أنه جزء من المؤامرة ضد الثورة السورية واعتبرت أن رعاية روسيا لمحادثات أستانة تعد إذلالاً لتضحيات المجاهدين، فروسيا برأيها تحتل سوريا وقصفت العديد من مدنها ودمرتها، كما تعد المباحثات حسب بيانها نوعًا من القبول المباشر ببقاء رأس النظام السوري بشار الأسد على رأس السلطة، وأن التفاوض في أستانا حق لا يملكه أحد بعينه.
لذا فبعد خطوة تشكيل “هيئة تحرير الشام” لم تعد الجبهة وحدها ولا سياستها وأدلجتها وحيدة في الساحة التي اعتبرت من قبل 22 داعية داخل وخارج سوريا بأنها “مشروع خطير تقوده القاعدة في سوريا وأن البغي على الفصائل التي تقاتل النظام يخدم الأسد وحلفاءه فقط”.
فصائل المعارضة في الشمال السوري ستتجه للاندماج في “حركة أحرار الشام” الإسلامية خوفًا من غارات هيئة تحرير الشام الذي يرى في كل من شارك في مفاوضات أستانة عدوًا لها.
ولا علاقة لأبو محمد الجولاني باتخاذ القرارات فهو يهندس إلى جانب قيادات الفصائل الأخرى القرار، وأبو جابر الشيخ الرجل الأقرب لتفكير الجبهة وتوجهاتها يقرر، فأي قرار سيصدر باسم الهيئة سيحمل ختم أو توقيع أبو جابر وليس أبو محمد الجولاني، وبهذا أبعد نفسه عن الأنظار.
ومن خلال هاتين الخطوتين تكون الجبهة أبعدت عن نفسها كما يرى مراقبون خطر كان يحدق بها، فمن جهة تشكل مسار دولي برعاية دولية قبلت به الفصائل في أستانة يهدف للقضاء عليها ومن جهة أخرى تعرضها لخسائر كبيرة خلال الأشهر الماضية قتل فيها العديد من قيادييها، بالإضافة إلى توقعات في حصول اختلال في صفوف الجبهة وحدوث انقاسامات وصراع مع التيار المعتدل الرافض لنهج التشدد داخل الجبهة وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف لإضعافها وحل نفسها لذا كانت خطوة انضمام فصائل كبرى لها تشاركها نفس التفكير والسياسة تقوية لها وحماية ضد أي هجمات مستقبلية.
أبو محمد الجولاني قائد جبهة فتح الشام
وكان القائد السابق لحركة “أحرار الشام” هاشم الشيخ، وفي خطوة مفاجئة، قد أعلن قبل نحو أسبوع، عن حل “جيش الأحرار” الذي أسسه من 16 لواء وكتيبة في صفوف “أحرار الشام”، في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2016، وعدّه البعض انشقاقاً عن “أحرار الشام”.
وقال في تعميم للفصائل، نشره الشيخ على حسابه في “تويتر”، إن على الفصائل المكونة لـ”جيش الأحرار” العودة إلى وضعها السابق قبل تشكيل الجيش، و”السمع والطاعة” لقائد “أحرار الشام” علي العمر، مؤكداً أنه اتفق مع الأخير على طي صفحات الخلافات والابتعاد “عن الانتقام ومحاسبة الفاسدين والعابثين”.
إلا أن هذه الحركة تعتبر بشكل ما بحسب مراقبين في الشأن السوري، بمثابة انشقاق عن “أحرار الشام” كون الألوية والكتائب التي يقودها أبو جابر الشيخ، ستلتحق معه في التشكيل الجديد.
مآلات التشكيلات العسكرية في الشمال السوري
التشكيل الجديد لهيئة فح الشام لم يذهب بعيدًا عن فكر وتشدد جبهة فتح الشام، وجميعها بات يخشى في الآونة الأخيرة شنّ هجمات على الفصائل التي تحمل فركًا متطرفًا ولم تنضوي في مباحثات أستانة والمفاوضات السياسية حيث رفضت خط المفاوضات من جنيف إلى أستانة.
وحسب مراقبون فإن “التشكيل الجديد يحاول اختزال الثورة في نفسه فقط، وتمثل هذا في دعوة باقي الفصائل الأخرى للانضمام إليه، كما يحاول إظهار خوفه على الثورة السورية، التي حاربت “جبهة فتح الشام” إحدى أهم مكوناته، معظم فصائل الجيش الحر- مثل جبهة ثوار سورية وحركة حزم..ثمّ جيش المجاهدين حديثًا- التي تشكل عصب الثورة وعمودها الفقري”.
أهم مكونات هيئة تحرير الشام هي جبهة فتح الشام التي قاتلت فصائل الجيش الحر خلال العشر أيام الماضية بدون مبرر، وكما قاتلت فصائل أخرى في السابق وأنهتها، وبالرغم من فك ارتباطها بالقاعدة فإن بقيت على قوائم المنظمات الإرهابية دوليًا.
ترامب وبوتين اتفقا على تنسيق حقيقي للإجراءات الروسية والأمريكية بهدف تدمير تنظيم الدولة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى في سوريا
وثاني أبرز الفصائل المنضوية في التشكيل هي حركة “نور الدين زنكي”، العاملة في محافظة حلب، وهي ذات طابع متشدد ومقربة من “فتح الشام” ترفض الخط المعتدل والمفاوضات السياسية، وبعدما ضعفت حركة أحرار الشام بعد انشقاق أبو جابر بجيش الأحرار منها ومن ثم إعلان “فتح الشام” قتالها كل من شارك في مفاوضات أستانة، جعل الفصيل يقبل الاندماج في التشكيل الجديد.
أما فصائل “لواء الحق” و”جيش السنة” و”جبهة أنصار الدين” فهي تشكيلات صغيرة لا يتجاوز تعداد مقاتليها خمسة آلاف، وهي عاملة في ريفي حلب وإدلب، لم تشارك في المعارك الداخلية قط، وتعد من الفصائل المقربة من “فتح الشام” كثيرًا.
ويرى محللون أن “فصائل المعارضة في الشمال السوري المتبقية والتي لم تقرر بعد إلى أي الطرفين تنحاز، ستتجه للاندماج في “حركة أحرار الشام” الإسلامية خوفًا من غارات التشكيل الجديد عليها، الذي يرى في كل من شارك في مفاوضات أستانة عدوًا لها.
أبو جابر الشيخ قائد هيئة تحرير الشام والمستقيل من حركة أحرار الشام
ومن جانب الولايات المتحدة فإن ترامب وبوتين اتفقا خلال اتصال هاتفي في الأمس دام ساعة بينهما على تنسيق حقيقي للإجراءات الروسية والأمريكية بهدف تدمير تنظيم الدولة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى في سوريا. وهو ما قد يؤدي إلى هجمات منسقة ضد كل من يرفض الحل السياسي الذي تفرضه روسيا والدول الراعية له، وستكون “هيئة تحرير الشام” أولى أهداف تلك الهجمات بحكم قربها من فكر القاعدة ورفضها لسلك المفاوضات السياسية.
بينما يرى ميشيل كيلو في مقال له نظرة أخرى قد تكون خطرة على الثورة وأهدافها، ففي الوقت الذي اتفقت القوى الدولية من خلال خطة تسير إلى الآن كما هو مقرر لها بتجميع الفصائل العسكرية في إدلب، فإن الحل سيتمثل من خلال عسكر الفصائل وعسكر الجيش السوري بحيث يتم تشكيل مؤسسة عسكرية أمنية متداخلة يرحل فيها بشار الأسد ترضية للشعب ويسقط الخيار الديمقراطي ترضية للنظام، فيكون المشهد الأخير متمثل بأحد النظم الإنقلابية التي أفشلت الثورة في اليمن وليبيا ومصر، بحيث تضمن روسيا والدول الأخرى مصالحها في سوريا بشكل دائم.