لقد مثل يوم الخامس عشر من تموز الماضي لحظة فارقة في التاريخ التركي تصدى فيها الشعب لانقلاب فاشل تزعمه الكيان الموازي. وكانت دماء الشهداء الذين ارتقوا تأكيدا على ضرورة إحداث تجديد في الحياة السياسية التركية ما يضفي عليها قدرا من الاستقرار لتحقيق هدف تركيا 2073.
بالعودة إلى فترة ما قبل حكم العدالة والتنمية كان النظام السياسي يعاني من عدم الاستقرار نتيجة عدم صمود الحكومات الائتلافية .
لكن حصول العدالة والتنمية على الأغلبية المريحة منذ تصدره الحكم مكنه من تسيير الدولة بكفاءة واقتدار رغم الهزات والابتزازات المفتعلة و المتكررة. وهو ما أدى بالضرورة إلى رفع مردودية الاقتصاد التركي وارتفاع الدخل الفردي بشكل هام وتطور البنية التحتية. كل ذلك يجعل التفكير بجدية بإرساء منظومة حكم تمكن السلطة من القيام بدورها بأريحية و تمكين المعارضة من حقها الديمقراطي في التعبير عن مواقفها أمرا مستعجلا.
ارتفع نسق المحادثات بين زعامات الأحزاب الكبرى الثلاث؛ العدالة والتنمية و الحركة القومية و الشعب الجمهوري حول التعديلات الدستورية. ما أفضى إلى تقارب بين العدالة والتنمية والحركة القومية
بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة ارتفع نسق المحادثات بين زعامات الأحزاب الكبرى الثلاث؛ العدالة والتنمية و الحركة القومية و الشعب الجمهوري حول التعديلات الدستورية. ما أفضى إلى تقارب بين العدالة والتنمية والحركة القومية، حيث عبر دولت بهجلي زعيم الحركة القومية عن دعمه لهاته التعديلات وهو ما سمح بتسهيل التصويت عليها تحت قبة البرلمان رغم بعض الشوشرة التي أحدثها بعض نواب الشعب الجمهوري.
خلفيات التقارب بين العدالة والتنمية و الحركة القومية
يرى بعض المحللين أن الاختلاف بين العدالة والتنمية و الحركة القومية يعود بالأساس الى اختلاف وجهات النظر حول المسألة الكردية والتعامل مع الانفصاليين الأكراد نظرا لأن العدالة والتنمية اعتمد في البداية سياسة حذرة حماية للمدنيين إلا أن تعنت الميليشيات الانفصالية واعتمادها أسلوب التصعيد جعل الدولة التركية تحسم أمرها في حتمية اعتماد الحل الأمني لمواجهة هاته التهديدات. وقد سرع ذلك مسار التقارب بين الحزبين.
ماذا لو أقر الاستفتاء الشعبي للتعديلات الدستورية؟
إن المتأمل في التعديلات الحاصلة على صلاحيات البرلمان ورئاسة الجمهورية و علاقة المؤسستين بالجهاز القضائي، يرى خبراء أن الدولة بصدد التجدد كليا ما يضع الأحزاب الثلاث الكبرى أمام امتحانات جدية؛
إن حزب العدالة والتنمية مطالب أكثر من غيره بالحفاظ على نجاحاته نظرا للتحديات التي يواجهها.
داخليا: أصبح الحزب مطالبا أكثر من أي وقت مضى بتجديد متواصل لكوادره. وتفصيل تصورات أكثر عمقا لحل الملف الكردي لمنع توظيفه من القوى الخارجية.
خارجيا: يبدو المحيط الجيو سياسي لتركيا شبيها بالرمال المتحركة ولا يمكن التنبؤ بما يخفيه في قادم الأيام لذلك صار ضروريا أن تبحث الجمهورية التركية عن ايجاد صيغة دبلوماسية تحقق لها التوازن في علاقتها مع كل من روسيا و أمريكا وبالتالي تحييد الحرس الثوري الايراني والحيلولة دون تمكينه من تعقيد الوضع السوري و العمل على محاصرة تنظيم الدولة والتقليل من عرقلته للفصائل المعارضة للنظام البعثي.
أما حزب الحركة القومية فهو قادر على أن يزاحم حزب الشعب الجمهوري في تأثيره في المشهد السياسي التركي أكثر مما هو عليه الآن اذا ما احسن تقييم الوضع الإقليمي لأنقرة.
أن إقرار التعديلات الدستورية سيضع قيادة حزب الشعب الجمهوري في اختبار أمام أعضاء الحزب و أنصاره. إذ أن التحول إلى نظام رئاسي سيفرض على هذا الأخير التخلي نهائيا على التباكي على أمجاد الحزب في سنوات انبعاثه الأولى و التعريف بنفسه كنقيض للعدالة والتنمية
كما يعتبر بعض المراقبين أن إقرار التعديلات الدستورية سيضع قيادة حزب الشعب الجمهوري في اختبار أمام أعضاء الحزب و أنصاره. إذ أن التحول إلى نظام رئاسي سيفرض على هذا الأخير التخلي نهائيا على التباكي على أمجاد الحزب في سنوات انبعاثه الأولى و التعريف بنفسه كنقيض للعدالة والتنمية وناطق رسمي ووحيد باسم قيم الجمهورية و أن ينكب على صياغة برامج اقتصادية جادة أو مواجهة مصير شبيه بمصير حزب السعادة.
استراتيجيا يطرح سؤال قد يبدو سابقا لأوانه ربما. فهل يمكن أن نشهد تحالفا انتخابيا بين الحركة القومية و العدالة والتنمية في التشريعيات المقبلة لمنافسة تحالف مقابل يجمع الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي؟