ما لا تعرفه عن الممثل الأمريكي العبقري مارلون براندو

151105121411-listen-to-me-marlon-12-super-169

” بالنسبة لجيلي وللأجيال قادمة، يمثل براندو الحقيقة والصراحة كممثل وكشخصية عامة، كل شيء نعرفه عن ثورة التمثيل على الشاشة يعود بالفضل إليه: عندما تقارن أعماله من (رصيف الميناء) إلى (آخر تانجو في باريس)، فأنت تشاهد أصفى شعر ممكن، بطريقة متفجرة و مليئة بالأحاسيس. ” – (مارتن سكورسيزي)

بالرغم من أصوله الألمانية البريطانية، يعتبر مارلون براندو، الممثل الأقوى تأثيرا في تاريخ السينما الأمريكية، بل و”الأكثر إزعاجا” على حد قول الناقد  روجير إيبيرت، و “لا يوجد أحد من قبل أو منذ ظهوره كان مثل مارلون براندو، لقد كان هدية هائلة، وبدون عيوب لكل من يحب السينما، إنه مثل بابلو بيكاسو تماماً لكن في السينما، براندو كان عبقريا لدرجة أنه كان بداية ثورة، وبنهايته كانت نهاية ثورة خاصة في عالم التمثيل، إنه تحفة خالدة وهو الذي منحنا حريتنا” كما وصفه النجم جاك نيكلسون، وكأن براندو هو من حمل شعلة تحرير نجوم هوليوود من مثالية كاري جرانت، وهنري فوندا، و تبرع بتمهيد الطريق أمام نجوم من طراز روبيرتو دي نيرو و آل باتشينو، وداستن هوفمان، وجاك نيكلسون، ليحلقوا في فضاء أوسع بعيد عن النمطية والأداء الواضح، المتعارف عليه آنذاك.

 ولد مارلون براندو في ولاية نبراسكا في اليوم الثالث من شهر الغبار والأكاذيب “أبريل/نيسان” عام 1924، وترعرع في منطقة قروية، أثرت في طبيعة شخصيته ونقاؤه، مما أكسبه حضورا متميزا خلال مشواره الفني.

الممثل الأمريكي العبقري مارلون براندو

وبحسب المعهد الأمريكي للأفلام، فإن براندو يحتل المركز الرابع كواحد من أعظم الممثلين في تاريخ السينما العالمية، بين أعظم 100 نجم خلال 100 سنة. كما أدرجته مجلة التايمز مع ممثليَن محترفَين آخرين فقط؛ هما السير تشارلي تشابلن ومارلين مونرو، في قائمة أكثر الشخصيات تأثيرا في القرن العشرين.

وخلال مسيرته الفنية المتميزة، حصل براندو على جائزة الأوسكار كممثل رئيسي مرتين عامي (1955، 1973)، وحصل على جائزة الجولدن جلوب مرتين عامي (1955، 1973)، كما فاز بثلاث جوائز من الأكاديمية البريطانية أعوام (1953، 1954، 1955) وجائزة أفضل ممثل في مهرجان كان السينمائي عن فيلم فيفا زاباتا.

 ما لا قد تعرفه عن العرّاب..

مارلون مع والديه وأخته فرانسيز وابنة أخته في المنزل

لم يحقق براندو في حياته، نموذج عائلة “فيتو كورليوني” المترابطة التي قدمها في فيلم العرّاب/الأب الروحي، بل على العكس تماما؛ فقد أنجب تسعة أبناء وفشل في 3 زيجات، وفقد ابنه الأكبر بالسجن بسبب اقترافه جريمة قتل صديق أخته عام 1990، ثم انتحار ابنته عام 1995 .

مارلون براندو ومايكل جاكسون

قبل عام من وفاته،  أعد بنفسه ترتيبات جنازته وأبلغ الجميع بأنه مستعد للموت وأعرب عن أمله بأن يكون النجم جاك نيكلسون في مقدمة المعزين في جنازته، وأن يلقي المطرب الشهير مايكل جاكسون كلمة في تأبينه، كما أبدى رغبته في أن يحرق جثمانه وأن ينثر رماده بين أشجار النخيل في أحد جزر تاهيتي التي كان يملكها.

صورة تجمع مارلون براندو بالمناضل الشهير مارتن لوثر كينج

انضم للاتحاد الأمريكي لفلسطين الحرة عام 1947، وفي الستينات والسبعينات، قدم مساهمة لإنهاء التمييز العنصري والظلم الاجتماعي ضد السود، بالاشتراك مع حركة الحقوق المدنية، وجمعته علاقة وثيقة بالمناضل الحقوقي الشهير مارتن لوثر كينج.

كما دأب على مهاجمة اليهود، وصرّح لـ لاري كينج في حوارهما التلفزيوني الشهير، أن اليهود يسيطرون على صناعة السينما في هوليوود من أجل الترويج لوجهة نظرهم، مما جعل اللوبي الصهيوني، يتهمه في كل وسائل الإعلام أنه معادٍ للسامية.

(أنا أقاوم ليس من أجل السود، أنا أقاوم من أجل العرق البشري. كل البشر خُلقوا سواسية)

ساشن ليتلفيزر، التي حضرت حفل الأوسكار في ملابس السكان الأصليين -الهنود الحمر- لتتسلم الجائزة نيابة عن مارلون براندو

في الليلة السابقة لحفل توزيع جوائز الأوسكار الـ45 قام مارلون براندو بإعلان مقاطعته للحفل، واعتقد أغلب الناس أن هذا الخبر مجرد شائعة لا أساس لها من الصحة، لكن  في اليوم التالي فوجئ الجميع بعدم ظهور براندو في حفل الأوسكار، وحين أعلن مُقدما الحفل فوزه بجائزة أفضل ممثل، صعدت إلى المسرح فتاة في ملابس السكان الأصليين لأمريكا “الهنود الحمر”، تدعى ساشن ليتلفيزر، حضرت نيابة عن مارلون براندو، معلنة عن امتنان مارلون براندو لحصوله على هذه الجائزة الرفيعة، إلا أنه يمتنع عن استلامها، احتجاجًا على تشويه هوليود للهنود الحمر من خلال الأفلام والمسلسلات.

 وقد تزامن توقيت إقامة الحفل وامتناع مارلون براندو عن استلام الجائزة، مع حملة شرسة كانت تشنها القوات الأمريكية ضد الهنود الحمر، ومحاصرة النشطاء الهنود  الحمر، بإحدى البلاد الواقعة في جنوب ولاية داكوتا.

دون فيتو كوريليوني أو العرّاب

رفض المنتجون ترشيح مارلون براندو للقيام بدورDon. Vito Corleone ، كبير عائلة كوريليوني في فيلم العرّاب ، بسبب تجاربه الفاشلة في السنوات الأخيرة، ورشحوا “لورنس أوليفير” و “إدوارد روبينسون” للقيام بالدور، لكن المخرج “فرانسيس فورد كوبولا” أصر عليه ليلعب واحدًا من أهم أدوار السينما الأمريكية عبقرية.

أصر براندو على عدم حفظ الدور في فيلم العرّاب، واتبع تقنية أخرى، جعلت أداؤه أكثر عفوية، حيث كان يكتب حوار المشهد على ورقة ويضعها بجانب الكاميرا، ليقرأه أثناء التصوير، في طريقة أقرب إلى “الأوتوكيو” المستخدم الآن في التلفزيون، وبرر براندو ذلك في إحدى حواراته، بأن هذه الطريقة تعطي للمشاهد شعورًا بأن الممثل لا يردد كلاما محفوظا.

مارلون براندو أثناء تركيب الفك الصناعي ووضع المكياج للعب دور دون فيتو كوريليوني

أثناء التدريب على القيام بدور دون فيتو كوريليوني، قام براندو بوضع قطن في فمه ليمكنه من طريقة الكلام التي ميّزت الشخصية خلال الفيلم، ولكن أثناء التصوير، استعان بطبيب أسنان ليُركّب له فك صناعي، يسمح له بتأدية الدور بوجه صارم وصوت أجش كما رآه.

مارلون براندو مع لاري كينج في اللقاء التلفزيوني الشهير

برغم عبقريته وأدواره المميزة، كان ينظر إلى التمثيل نظرة دونية، وأعلن مرارًا أن التمثيل مهنة من لا مهنة له، وأن التوقف عن التمثيل هو دليل وإشارة على تمام النضج، كما كان يُطلق على التمثيل “مهنة الهراء”.

(هل سيهتف لي الجمهور لو كنت أعمل سباكًا؟!. التمثيل بالنسبة لي طريقة لتأمين العيش، الكذب لكسب الرزق، هذا هو التمثيل. كلكم ممثلون، وكلكم بارعون، لأنكم جميعا كاذبون.. عندما تقول شيئا لا تعيه أو تُحجم عن قول ما تعيه، ذلك هو التمثيل.. إذن جميعا نُمثّل؛ لكن بعض الناس يُدفع لهم مقابل ذلك مال. – مارلون براندو)

عانى كثيرا في حياته طفولته من العنف المنزلي، مما أورثه لاحقا طبقة جليدية من البرود وعدم الاكتراث

هاجمه النقاد وصنّاع السينما كثيرًا، بسبب لا مبالاته ولباس الغرور الذي كان يرتديه، وتعامله بطريقة يغلب عليها الغباء والاستهتار، سواء في حياته الشخصية أو أثناء تأدية أدواره، كما كان يعلن مرارًا، أنه لا يفكّر فيما سيضيفه الدور الذي يلعبه إلى تاريخه الفني، ولم يتورع على أن يعلن صراحةً، أنه يقبل الأدوار فقط من أجل المال.

(لقد عانيت كثيرًا من البؤس في حياتي، بأن أكون مشهورًا وثريا إلى حد الجنون. – مارلون براندو)

بعض أدوار مارلون براندو الأكثر عبقرية..

بالرغم من اللامبالاة التي كان يتعامل بها براندو، وكأنه لا يأبه بترك بصمة في تاريخ السينما الأمريكية، وعناده وعدم التزامه بأوامر المخرجين وزيادة وزنه بصورة ملحوظة أثناء التصوير، ورفضه الدائم لحفظ الأدوار والتدرب عليها، وتلعثمه أثناء مشاهد التصوير، واستخدام يديه للتعبير عن الجمل الحوارية الناقصة التي لا يتمكن من تذكرها أثناء التصوير، إلا أنا براندو و رُغمًا عنه، يُعد واحدا من عمالقة الفن، وأسطورة فنية خالدة، بالرغم من كل ما تكلفه من عناء كي يُنسى وكأنه لم يكن ولم يمر عبر هوليوود.

ومن أهم أدواره التي تجلّت فيها فطرته التمثيلية العبقرية، دون بذل أي مجهود يّذكر منه..

عربة اسمها الرغبة – 1951 A Streetcar Named Desire

ستانلي كوالسكي في فيلم عربة اسمها الرغبة

عندما ظهر براندو في هذا الفيلم، أحدث ضجة كبرى بطريقة تمثيله وأداؤه الذي اختلف كليةً عما كانت عليه هوليود سابقا. حتى أن بعض النقاد علقوا على أداؤه الصاخب الجريْ الواقعي في هذا الفيلم وبأنه جعل ممثلة بحجم فيفيان لي -بطلة الفيلم- تبدو بجواره وكأنها تُمثل في مسرحية لا فيلما سينمائيا. و ذهب بعضهم إلى أن دور “ستانلي” أفضل ما قدمه براندو في مسيرته الفنية على الإطلاق.

حيث بزغ نجمه في هذا الفيلم وصعد به من قاع هوليوود إلى قمته، ليصبح بعده واحدا من أهم ممثلي هوليوود وأكثرهم جاذبية بسبب طريقته الواقعية البعيدة كل البعد عن التأنق في الأداء الذي كان سائدا آنذاك، ليقال عنه أنه ابتدع طريقة خاصة في التمثيل غيرت وجه هوليوود إلى الأبد، وربما هذا ما قصده النجم جاك نيكلسون حين قال عنه أنه حررنا جميعا.

وبالرغم من أنه لم يحصل على جائزة الأوسكار عن هذا الفيلم، بعكس أبطاله الأخرين، إلا أن الجمهور، أعلن أن ذلك “إجحافا” بحق براندو الذي كان متمكنا جدًا، لدرجة جعلت الجمهور يقول صراحةً أنهم كانوا يخشون من أن يخرج عليهم من الشاشة.

على الواجهة البحرية – On the waterfront 1954

النجم مارلون براندو في دور تيري مالوي

حصد مارلون براندو عن دوره المميز في هذا الفيلم على جوائز عدة، من أهمها؛ جائزة الأوسكار لأحسن ممثل، وجائزة الجولدن جلوب، وجائزة مهرجان كان السينمائي، وجائزة الأكاديمية السينمائية البريطانية.

تدور قصة الفيلم حول زعيم نقابة عمَّال فاسد في أحد الموانئ، يتمكَّن من الهيمنة على الواجهة البحرية، إلى جانب أن الشرطة لديها علم بأن “فريندلي” يقف وراء عدد من الجرائم، إلا أنها تقف عاجزة عن فعل شيء، بسبب صمت العمال خوفا من فقدان وظائفهم.

 لعب براندو دور تيري مالوي، الملاكم السابق مفتول العضلات الذي يعمل كعامل ميناء يتبع فريندلي. تتصاعد أحداث القصة في الفيلم بعد رؤية تيري أتباع فريندلي وهم يقتلون أحد العمَّال، ومنها يبدأ تصاعد الدراما في العمل، وصولًا إلى محاولة إقناع تيري بتقديم معلومات إلى المحكمة تتعلَّق بعملية القتل.

وتجدر الإشارة إلى أن براندو في أثناء تصوير هذا الفيلم، أقنع المخرج كازان بأداء المشهد الأخير ارتجاليًا وخارج نطاق النص، ليصبح ذلك سمة من سماته المميزة في مشواره الفني اللاحق.

القيامة الآن – Apocalypse Now 1979

لقطة لمارلون براندو أو الكولونيل “كورتز” من فيلم “القيامة الآن”

(أبتاه هل رأيت الجنة؟. صمت الأب لبرهة من الزمن وقال: لست موقنا أني رأيت الجنة ولكن شاهدت الجحيم عدة مرات هنا على الأرض!)

لعب براندو في هذا الفيلم دور الكولونيل الأمريكي والتر كورتز الذي انفصل بجيشه عن القيادة الأميركية خلال حرب فيتنام، ونصّب نفسه إلها، على بعض الأتباع الفيتناميين، الذين أصبحوا يقدسونه ويُنفذون له كل رغباته و أوامره دون أدنى تفكير.

وبالرغم من قِصر الدور الذي أداه براندو، إلا أن حضوره كان طاغيًا جدا، مما جعله يطلب  ويتقاضى 3.5 مليون دولار أمريكي عن هذا الفيلم، وهو مبلغ لم يسبق أن تقاضاه أي ممثل عن فيلم آنذاك.

وبرغم ردود الأفعال الأولى التي هاجمت الفيلم ونهايته المتخبطة المبهمة، إلا أنه وبعد مرور ما يقرب من 30 عاما على صدور هذا الفيلم، اتفق غالبية النقاد على اعتباره تحفة فنية، وفي استفتاء لمجلة صوت وصورة الشهيرة بتخصصها السينمائي عام 2002، جاء فيلم “القيامة الآن” متصدراً الجميع ومحتلًا المرتبة الأولى كأهم فيلم ظهر خلال الخمس والعشرين السنة الأخيرة.

The Godfather 1972 –  العرّاب –

دون فيتو كوريليوني

لا يمكن أن نذكر أكثر أدوار براندو عبقرية دون أن نتطرق إلى فيلم العرّاب، هذا الفيلم الذي أعاد براندو إلى الواجهة من جديد بعدما أفل نجمه لسنوات كثيرة بسبب افتعاله للمشاكل وعدم التزامه في مواقع التصوير، واهتمامه الذي انصب على المشاركة في الأحداث السياسية، واجه الفيلم مشكلات ضخمة لم تكن لتسمح له بالخروج لعالم السينما، فالشركة المنتجة لم تكن متحمسة لإنتاجه؛ وكان لديها اعتراضات على إسناد الدور إلى “مارلون براندو” الذى كان فى طور أفول فنى نتيجة تحاشى الشركات المنتجة العمل معه.

لكن براندو أدى دور  زعيم المافيا، رجل العائلة المتفاني، دون فيتو كويليوني، باقتدار عظيم ومبهر، جعلت نقاد السينما يعلنون بعدها، أنه أعظم ممثل مرّ على هوليوود وأنه عرّاب الفن السابع. حيث ابتدع براندو سمات شخصية ساحرة خاصة به، ألبسها للفيتو كوريليوني، جعلته يستحق جائزة الأوسكار عن كل جدارة.

اصغِ إليَّ يا مارلون Listen to me Marlon

وجدير بالذكر أنه وبعد رحيله بإحدى عشر عام، وتحديدا في 23 أكتوبر 2015، قدم المخرج ستيفن ريلي، فيلما وثائقيا بعنوان “اصغ إلي يا مارلون”، يبدأ بصوت براندو وهو يقول في ارتجال: “اصْغِ إليَّ مارلون… أنت إزاء جزء منك يتحدَّث إلى جزء آخر منك. اصْغِ إلى صوتي”.

مستخدما فيه الأرشيف الشخصي السري للممثل مارلون براندو، وما يحتويه من مئات ساعات التسجيلات الصوتية التي يسرد فيها براندو تاريخ حياته كلها. إضافة إلى استعراض مهنة براندو الفنية كممثل وحياته بأطوارها الغريبة بعيدا عن شاشة السينما وخشبة المسرح، حيث يستكشف الفيلم أيضاً الجوانب المعقدة في حياته من منظوره الشخصي وبصوت براندو من دون مداخلات الإعلاميين أو غيرهم، حيث ينفرد براندو بسرد قصة حياته بصوته فقط.