ترجمة وتحرير نون بوست
ورث الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تركة ثقيلة، تتمثل في ستة حروب كاملة، في ست مناطق مختلفة، في الشرق الأوسط وإفريقيا.
عُرف عن دونالد ترامب لجوئه للحلول السهلة، لكن هناك مخاوف من أن يغير استراتيجيته، إذا تعلق الأمر بسياسته الخارجية، وتحديدًا التعامل مع الحروب التي تعاني منها – منذ فترة طويلة – دول العراق وأفغانستان واليمن والصومال وسوريا وليبيا، كذلك يجب ألا ننسى أن هذه الدول تحولت لبؤر توتر نتيجة السياسة الخارجية لإدارة الرئيسين الأمريكيين السابقين جورج بوش وباراك أوباما، ويجب على ترامب إما احتواء هذه الحروب أو المضي قدمًا فيما تعتبره الولايات المتحدة “حربًا مفتوحة ضد المجاهدين السنّة”.
يعتمد ترامب في سياسته الخارجية على نظام “الانعزالية”، وهذا ليس بغريب عن الولايات المتحدة التي كثيرًا ما انفردت برأيها، بعيدًا عن أي دولة أخرى
ربما يعتمد ترامب في سياسته الخارجية على نظام “الانعزالية”، وهذا ليس بغريب عن الولايات المتحدة التي كثيرًا ما انفردت برأيها، بعيدًا عن أي دولة أخرى، ومنذ أن رفع الأمريكيون شعار “الحرب على الإرهاب”، قدمت واشنطن يد المساعدة لدول تعجز عن مقاومة هذه الظاهرة وحدها، في المقابل، تسببت الولايات المتحدة في دخول هذه الدول في متاهة من الأزمات الداخلية، عوضًا عن وضع حد لهذه الأزمات، ورغم ذلك، واصلت الولايات المتحدة قتالها بشراسة واحترافية، لملاحقة من أسمتهم “بالمتطرفين”.
أفغانستان
مرّ تقريبا على حرب أفغانستان 15 سنة كاملة، وهي تُعتبر أولى معارك الولايات المتحدة بعد أحداث 11 من أيلول/ سبتمبر سنة 2001، وقد تدخل الأمريكيون خلال هذه الحرب لوضع حد لتقدم تنظيم القاعدة المتعاطف مع حركة طالبان، وفي هذا الصدد، عمل الأمريكيون على تغيير الملامح السياسية الأفغانية، وثبّتوا مؤسسات جديدة، أعطت بصيصًا من الأمل لشعب عانى من ويلات الحروب لعشرين سنة متتالية، لكن الوضعية ازدادت، عندما برزت حركة طالبان بقوة داخل أفغانستان، مما أكد فيما بعد فشل إدارة أوباما واتخاذ قرار الانسحاب من أفغانستان، كما انسحبت قبله كل من بريطانيا والاتحاد السوفييتي.
ألغى أوباما فكرة الانسحاب الكلي من أفغانستان في أواخر سنة 2016، لتحافظ قوات المارينز على 8400 جندي من قواتها داخل التراب الأفغاني
وفي نفس السياق، ألغى أوباما فكرة الانسحاب الكلي من أفغانستان في أواخر سنة 2016، لتحافظ قوات المارينز على 8400 جندي من قواتها داخل التراب الأفغاني، قبل أن ينسحب قرابة 300 جندي أمريكي من هلمند مطلع سنة 2017، مع العلم أن المنطقة نفسها تمثل أحد أهم معاقل حركة طالبان.
ومن جانب آخر، تمتد حركة طالبان في دول الجوار، تحديدًا باكستان، التي تمثل حليفًا وعدوًا في نفس الوقت لواشنطن، ولا يجب أن ننسى أن باكستان التي تُعتبر الدولة الإسلامية الوحيدة المالكة لسلاح نووي، تعيش بين مطرقة طالبان وسندان واشنطن، فهي تعمل من جهة على طرد المسلحين المتطرفين بعيدًا عن حدودها بمساعدة أمريكية، ومن جهة أخرى تريد أن تتخلص شيئا فشيء من التدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية.
ويرى مراقبون أن الحلول التي يمكن أن يتخذها ترامب للخروج من المستنقع الأفغاني، تبدو محدودة، في المقابل، تحوم مخاوف من إمكانية سحب ترامب لكل القوات الأمريكية الموجودة هناك، مما يسهل سقوط كابول كليًا بيد حركة طالبان.
العراق
تعلمنا من الأزمة العراقية بأن الانسحاب يمكن أن يكون في حد ذاته أخطر من الحرب نفسها، فانسحاب الولايات المتحدة من بلاد الرافدين سنة 2001، شكّل فرصة مهمة لبروز تنظيم الدولة، الذي توسع على ما يقارب ثلث البلاد، قبل أن تتفطن واشنطن لخطورة هذا التنظيم، وتشن ضده ضربات جوية، بعد أن أصبح قاب قوسين أو أدنى من اقتحام كل من بغداد وإربيل، وفي هذا الصدد، لم يوافق أوباما على فكرة إعادة القوات الأمريكية مرة أخرى إلى العراق، ورأى أن الحل يكمن أساسًا في دعم القوات العراقية والكردية عسكريًا، دون التدخل المباشر، وتبدو سياسة أوباما ناجحة إلى الآن، فقد أحرز الجيش العراقي، بين سنتي 2015 و2016، تقدمًا ملحوظًا على حساب أراضٍ خاضعة للتنظيم، وصولاً إلى مطاردته على مشارف مدينة الموصل.
يشكل ملف العراق صعوبة بالنسبة لترامب، كما شكّل سابقًا إحراجًا لسلفه أوباما، فالشرق الأوسط ما زال يتخبط في أزمات وحروب، أعطت إدارة بوش الضوء الأخضر لانطلاقها منذ سنة 2002
وفي هذا الشأن، يشكل ملف العراق صعوبة بالنسبة لترامب، كما شكّل سابقًا إحراجًا لسلفه أوباما، فالشرق الأوسط ما زال يتخبط في أزمات وحروب، أعطت إدارة بوش الضوء الأخضر لانطلاقها منذ سنة 2002.
وبالحديث عن العراق، فقد تحول إلى “بلد منقسم” وضعيف وخاضع لإملاءات إيران، بينما لا زالت حربه ضد تنظيم الدولة متواصلة، ويرفض ترامب أن يتخذ إيران حليفًا له، خلال حربه ضد تنظيم الدولة في بلاد الرافدين.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة حاضرة في العراق حاليًا، بوجود قرابة 500 من أفراد جيشها، بين مستشار عسكري وجندي، أما عدد القوات المسلحة الأمريكية المشاركة في معركة الموصل، فهو قرابة 450 جنديًا.
سوريا
عملت إدارة أوباما على عدم التورط في حرب شرق أوسطية أخرى، لذلك قرر أوباما عدم التدخل مباشرة في الأزمة السورية، كي لا يتكرر خطأ العراق وأفغانستان، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فالأزمة السورية تحولت إلى معضلة، وبرنامج أوباما المتمثل في ضرب كل من تنظيم الدولة وبشار الأسد في نفس الوقت، يبدو مجرد حبر على ورق، في الوقت الذي دخلت فيه سوريا وسط دوامة حرب أهلية فوضوية.
وقد ساهم تردد واشنطن في عودة قوية لموسكو على الساحة الشرق أوسطية، كذلك دعم الأمريكيين للأكراد، استفز تركيا كثيرًا التي تتقاسم مع باكستان العدائية نفسها للولايات المتحدة.
ومن جهة أخرى، وجهت واشنطن ضربات جوية قاسية ضد معاقل تنظيم الدولة، كان آخرها توجيه ضربات جوية ضد مقاتلين من التنظيم، في إقليم إدلب السوري، وبالنسبة لترامب، فإن بناء تقارب مع روسيا، وتوحيد الجهود في محاربة تنظيم الدولة، يمكن أن يعزز من مكانة موسكو وحليفها الإيراني، عالميًا على حساب واشنطن.
ليبيا
يمكن اعتبار التدخل العسكري الفرنسي والبريطاني ضد نظام القذافي سنة 2011، كأكثر التدخلات العسكرية إنسانية منذ عقود، لكن النتائج كانت وخيمة إلى حد ما، فقد طوت ليبيا صفحة “ديكتاتورية القذافي” لتفتح صفحة جديدة أكثر قتامة، حيث دخلت البلاد في حرب أهلية بين عدة فصائل متناحرة، وقسمت إلى ثلاثة أقاليم كبرى، وهي كل من إقليم طرابس، وبرقة والفزان، وساهمت هذه الأزمة الداخلية في جعل ليبيا فريسة سهلة تحت براثن تنظيم الدولة، فليبيا دولة مطلة على أوروبا وصحراؤها شاسعة، ومكان خصب لتنظيم الدولة الذي يرغب في نشر استراتيجيته.
النسبة للأمريكيين، فإنهم لم يظهروا على الساحة الليبية منذ مقتل سفيرهم بطرابلس سنة 2012
بالنسبة للأمريكيين، فإنهم لم يظهروا على الساحة الليبية منذ مقتل سفيرهم بطرابلس سنة 2012، علاوة على ذلك، أجبر تقدم تنظيم الدولة في ليبيا الولايات المتحدة على التدخل عسكريًا، وهذا ما قامت به واشنطن فعلاً، إذ وجهت ضربات جوية طالت معاقل التنظيم في مدينة سرت سنة 2016، بعد ذلك، قادت واشنطن حربًا خلف الكواليس ضد التنظيم، من خلال اعتمادها على الطائرات دون طيار، قبل أن تجبر على استعمال طائرة الشبح “ب2″، لتقتل عددًا كبيرًا من مقاتلي التنظيم في مدينة سرت.
بالنسبة لترامب، ربما يترك الأوروبيين وحدهم أمام خطر وصول تنظيم الدولة لأراضي القارة العجوز منطلقًا من ليبيا، التي تعجز بدورها عن مواجهة هذا التنظيم وحدها، لكن مع تدخل روسي محتمل إلى جانب المارشال خليفة حفتر، يمكن لترامب أن يعيد النظر في الأزمة الليبية ويسبق الروس إلى هناك.
اليمن
تبدو وضعية الولايات المتحدة في اليمن معقدة للغاية، فالحرب الأهلية، التي تعصف بأفقر الدول العربية، هي نتيجة ثورة بدأت سنة 2011 ضد نظام علي عبد الله صالح الذي قاد البلاد بالحديد والنار لمدة 33 سنة كاملة.
الثورة اليمنية هيجت النزاعات القبلية وشهدت تحالفًا غير مسبوق بين كل من الرئيس المخلوع والحوثيين الشيعة، المدعومين أساسًا من قبل ولاية الفقيه في إيران
فالثورة اليمنية هيجت النزاعات القبلية وشهدت تحالفًا غير مسبوق بين كل من الرئيس المخلوع والحوثيين الشيعة، المدعومين أساسًا من قبل ولاية الفقيه في إيران، ونجح هذا التحالف في التغلغل سنة 2014 داخل مدن الشمال اليمني، مثل عدن، أحد أهم المدن المطلة على البحر الأحمر، بالإضافة إلى العاصمة صنعاء.
وفي ردة فعل لاحتواء التقدم الشيعي، دقت السعودية طبول الحرب ضد الحوثيين في اليمن خلال شهر آذار/ مارس من سنة 2015، حيث قادت المملكة تحالفًا سنيًا ضم عشرة بلدان عربية، مع دعم أمريكي وفرنسي وبريطاني، لمطاردة كتائب الحوثي في ربوع اليمن.
بالنسبة للولايات المتحدة، فيتمثل شغلها الشاغل في القضاء أولا على التنظيمات الجهادية في اليمن، وعلى رأسها تنظيم القاعدة.
الصومال
منذ أن انسحبت الولايات المتحدة من الصومال سنة 1993، بعد أن انهزم “النسر الأسود” أمام ضربات الميليشيات المحلية، والأمريكيون يعملون خلف الكواليس لمحاربة هذه الميليشيات الإسلامية، علاوة على ذلك، مثلت الصومال “حقل تجارب” استعملت فيه واشنطن أسلوب حربها الجديد، وهو حرب الطائرات دون طيار.
من جانب آخر، شارك ما يقارب 300 من قوات المغاوير الأمريكية، مع قوات خاصة كينية، وأخرى أوغندية وصومالية، في 13 هجومًا ضد حركة الشباب، واستعملت فيها الولايات المتحدة سربًا كاملاً من الطائرات دون طيار، بعد ذلك، قادت واشنطن عمليات تدريب لمقاتلين صوماليين من أجل وضع حد لحركة الشباب في هذا البلد، الذي عانى كثيرًا من الحروب، في نفس الوقت، لا يمكن للأمريكيين الانسحاب كليًا من الصومال، لأنها بذلك ستصبح لقمة سائغة بيد تنظيم القاعدة الموجود في الجانب الآخر من البحر الأحمر، تحديدًا اليمن، ويصبح بذلك أحد أنشط طرق التجارة البحرية بيد زعماء القاعدة.
المصدر: لوفيغارو