التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ظهر أمس الإثنين، رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ديسالين، على هامش المشاركة في أعمال القمة الإفريقية الـ28 المنعقدة حاليًا على مستوى القادة بمقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس ابابا، حيث بحثا سبل التعاون في العديد من المجالات.
اللقاء البروتوكولي الذي عقده رئيس وزراء إثيوبيا مع مختلف القادة المشاركين بالقمة، ألقى بظلاله الإيجابية على وسائل الإعلام المصرية، وسيطر الحديث عن التقارب المصري الإثيوبي، وحلحلة أزمة سد النهضة، وعودة مصر إلى الحضن الإفريقي، على العديد من عناوين الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية، ليبقى السؤال قائمًا: هل يأتي هذا اللقاء الذي جمع بين السيسي وديسالين في إطار الأنشطة الدبلوماسية البروتوكولية المألوفة في مثل هذه التجمعات القارية أم أنه بداية حقيقية لحل أزمة السد الذي يهدد أمن مصر المائي؟
بيان وخمس نقاط
أسفر هذا اللقاء عن عدد من القرارات التي تضمنها البيان الختامي المشترك لوزارتي خارجية البلدين، والتي تمحورت في خمس بنود: الأول أهمية العمل معًا لتطوير العلاقات، الثاني تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين البلدين، الثالث الاتفاق على تعزيز التعاون في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية، الرابع عدم السماح لأي جهة تسعى لعرقلة العلاقات الأخوية التاريخة بين البلدين ومواجهتها بصورة موحدة، الخامس تنفيذ ما تم التوصل إليه بخصوص سد النهضة، وتمكين اللجان الفنية من مواصلة العمل المشترك من أجل تحقيق مصلحة شعبي البلدين.
ووفق البيان فإن السيسي وديسالين يتابعان عن كثب المحادثات الفنية الثلاثية بشأن سد النهضة الإثيوبي، والالتزام بما تقتضيه المصالح العامة لكلا البلدين في هذا المجال، مؤكدين التزامهما بروح التعاون السائدة في هذا الصدد بحسب نص البيان.
شهدت العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا موجات المد والجذر إلى أن جاء الإعلان عن نية إثيوبيا في بناء ما أسمته “سد النهضة” في بدايات 2012، والذي يمثل تهديدًا واضحًا بإجماع العلماء للأمن المائي المصري، لتدخل الدبلوماسية المصرية الإثيوبية، بعد ما يقرب من 11 جولة مفاوضات عقدها الجانبان منذ 2012 وحتى نهاية 2016، في صدام مباشر، أسفر عن زيادة الهوة بين البلدين
سد النهضة.. 11 جولة مفاوضات فاشلة.
منذ محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في أديس أبابا في 1996م، والعلاقات بين مصر وإفريقيا بصورة عامة، وإثيوبيا بصفة خاصة، دخلت نفقًا مظلمًا، سلخ القاهرة تمامًا عن عمقها القاري، وهو ما دفعها للبحث عن عمق آخر، وحلفاء جدد، فتأرجحت بوصلة الخارجية المصرية ما بين أوروبا والخليج.
واستمرت العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا ما بين موجات المد والجذر إلى أن جاء الإعلان عن نية إثيوبيا في بناء ما أسمته “سد النهضة” في بدايات 2012، والذي يمثل تهديدًا واضحًا بإجماع العلماء للأمن المائي المصري، لتدخل الدبلوماسية المصرية الإثيوبية، بعد ما يقرب من 11 جولة مفاوضات عقدها الجانبان منذ 2012 وحتى نهاية 2016، في صدام مباشر، أسفر عن زيادة الهوة بين البلدين، ونستعرض هنا أبرز تلك الجولات.
مايو 2012 في أديس أبابا: الاجتماع الأول لدراسة ملف السد، وتقييم آثاره على مصر والسودان، وذلك بحضور ممثلي عن الدول الثلاث المتعلقة بالسد، القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، وقد انتهى الاجتماع الذي استمر قرابة يومين دون التوصل إلى حلول مرضية للأطراف الثلاث.
يونيو 2012 في القاهرة: تم الاتفاق بين الدول الثلاثة حول مجموعة من المكاتب الاستشارية التي ستستكمل الدراسات الفنية والبيئية المطلوبة للمشروع، والتعهد بالالتزام بما ستفضي إليه من نتائج، في مقدمتها شركتي “بي أر ال” و”أرتيلا” الفرنسيتين.
سبتمبر2014 في أديس أبابا: الاتفاق على إتمام الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الدولية للخبراء بخصوص سد النهضة، وأبدى ممثلو الدول الثلاثة المرونة الكافية لإنهاء هذه الاجتماعات بشكل جيد
مارس 2015 في الخرطوم: توقيع وثيقة “سد النهضة” بين كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والسوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ديسالين، والتي بمقتضاها وافقت مصر على بناء السد بصورة رسمية.
يوليو 2015 في القاهرة: فشل اللجنة في تحديد موعد للتعاقد مع المكتب الاستشاري، بسبب التعنت الإثيوبي والخلاف بشأن مدة إجراء الدراسات، حيث أرادت مصر إجراءها في المدة المتفق عليها وتتراوح ما بين 8 إلى 11 شهرًا، بينما رغبت إثيوبيا في إطالة الفترة وعدم الالتزام بما جاء في خارطة الطريق الموقعة بين الدول الثلاثة.
ديسمبر 2016: اجتماع الأطراف الثلاث في الخرطوم لمحاولة تقريب وجهات النظر فيما يتعلق بالمكاتب الاستشارية ومدتها، إلا أن الاجتماع انتهى دون التوصل لأي حلول.
الاحتفال بتوقيع اتفاقية السد بين مصر وإثيوبيا والسودان في الخرطوم مارس 2015
الانتهاء من 60% من بناء السد
في ظل تلك الجولات المتواصلة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، والتي باءت جميعها بالفشل دون التوصل إلى حلول ترضي الجميع، وبينما الحديث دائر عن المكاتب الاستشارية وتقارير الخبراء، إذ بالحكومة الإثيوبية تعلن عزمها مواصلة بناء السد دون النظر إلى ما ستسفر عنه هذه المفاوضات، حسبما جاء على لسان موتوما ميكاسا وزير المياه والزراعة الإثيوبي.
ميكاسا في تصريحات له سبتمبر الماضي أشار إلى أن الدراسات التي تجرى الآن بخصوص السد وتقييم مخاطره البيئية والمائية لن تثني أديس أبابا عن بنائه، وأن الحكومة ملتزمة بالجدول الزمني المحدد سلفًا للانتهاء من بناء السد.
الدكتور علاء النهرى، نائب رئيس المركز الإقليمى لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، أشار في تصريحات صحفية له أن آخر صور التقطتها الأقمار الصناعية لسد النهضة الإثيوبى، رصدت انتهاء إثيوبيا من تنفيذ 60% من الأعمال الإنشائية للسد، حيث سيصل ارتفاع السد بعد الانتهاء منه إلى 175 مترًا بطول 1800 متر، فضلاً عن بدء عملية التخزين الجزئى للمياه، خاصة مع انتهاء إثيوبيا من إنشاء توربينين كاملين وتشغيلهما وإطلاق المياه فيهما لتوليد الكهرباء، مما يرفع منسوب المياه فوق 40 مترًا وراء السد وهو ما يعنى بدء عملية التخزين فعليًا.
النهري أشار إلى أن الصور الملتقطة تؤكد تحويل أديس أبابا لمجرى نهر النيل، بالإضافة إلى قرب الانتهاء من بناء السد حيث انتهت من بناء 16 بوابة كاملة، مشيرًا إلى أن البوابات من ماركة “francis ” الأمريكية الصنع تعمل عندما يكون عمود الماء فوقها بحد أدنى 40 مترًا.
آخر صور التقطتها الأقمار الصناعية لسد النهضة الإثيوبى، رصدت انتهاء إثيوبيا من تنفيذ 60% من الأعمال الإنشائية للسد، وبدء عملية تحويل أديس أبابا لمجرى نهر النيل
فشل الرؤية المصرية
في الوقت الذي انشغلت فيه القاهرة بالحديث عن الجوانب الفنية لبناء السد، وتقييم عملية المخاطر، ها هي أديس أبابا تقترب من الانتهاء من بنائه بكل مشتملاته، مما يثبت فشل الرؤية المصرية في التعامل مع هذا الملف، حيث توهمت القاهرة في بداية الأمر عدم قدرة إثيوبيا على امتلاك الاستثمارات الكافية لإتمام هذا المشروع، لكن ما حدث تباعًا يكشف فشل المعتقد المصري غير المدورس، والذي يعكس تخبطًا واضحًا في الرؤية.
الاتفاق الثلاثي المبرم بين مصر وإثيوبيا والسودان مارس 2015 أعطى الشرعية الكاملة لأديس أبابا للحصول على التمويل الدولي اللازم لبناء السد، حيث اشترطت الدول المانحة موافقة الدول الثلاثة المعنية بهذا المشروع قبيل التمويل، وهو ما تم بالفعل في الوثيقة الموقعة في الخرطوم، والتي خرج بعدها الإعلام المصري ليعزف على وتر الانتصار للإرادة السياسية، على اعتبار أن هذا الاتفاق يحفظ للمصريين حصتهم ويدافع عن أمنهم المائي، وهو ما ثبت نقيضه تمامًا بعد ذلك.
وبعد تيقن القاهرة من عزم أديس أبابا على مواصلة بناء السد دون اعتبار للجدل الفني الذي يتشبث به المفاوض المصري طيلة السنوات الثلاثة الماضية، انخفض سقف المطالب من وقف بناء السد تمامًا، إلى مناشدة الجانب الإثيوبي الحفاظ على حصة مصر من المياه، والاكتفاء ببناء السد الأمامي فقط وليس الخلفي، كما جاء على لسان الدكتور أيمن عبد الوهاب، خبير الشؤون الإفريقية ومياه النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذي قال: “التحدى الأكبر هو بناء السد الخلفي والذي يحجز 74 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يمثل خطورة على مصر وأمنها”، ملفتًا أن الطموح الإثيوبي استغل الظرف السياسي الذي شهدته مصر في السنوات الأخيرة، وانعكس ذلك في استفادتها من الاستثمارات الدولية والمتغيرات الإقليمية وممارسة دور أساسي في منطقة حوض النيل.
الانتهاء من 60% من بناء سد النهضة، وبدء عملية تخزين المياه
لقاء دبلوماسي أم حل للأزمة؟
تاريخ التفاوض المصري مع الجانب الإثيوبي بشأن سد النهضة، والمستجدات الإقليمية والدولية الراهنة، التي فرضها غياب العمق الإفريقي للقاهرة، والمساندة الدولية لأديس أبابا سواء ماديًا عبر تمويل بناء السد، أو سياسيًا من خلال مساعي القيام بدور القاهرة كقوة قارية مؤثرة في الخارطة السياسية، وهو ما تجسد في التوسط لحلحة الأزمة السودانية، يشير إلى أن مسألة توقف إثيوبيا عن بناء السد بعيدة جدًا.
العزف الإعلامي المصري على نتائج لقاء السيسي – ديسالين، يعكس آمال وأماني المصريين في أن يقود اللقاء إلى نتائج عملية تضمن لهم الحفاظ على حصتهم المائية، وعدم الاقتراب من شريان الحياة الوحيد لهم، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك، حيث أن مثل هذه اللقاءات تأتي في إطار بروتوكولي على هامش القمة، كما التقى أيضًا بقية زعماء وقادة الدول الإفريقية المشاركين في القمة، كونه رئيس حكومة الدولة المضيفة، وعليه تقديم واجب الضيافة وعقد بعض اللقاءات مع الحضور.