البداية: الثورة
“عيش .. حرية .. عدالة إجتماعية ” شعار ثورة الخامس والعشرين من يناير الذي تحلّ اليوم ذكراها الثالثة في ظل عدم تحقق أي من مكاسب هذا الشعار الذي يكشف بوضوح عن الجوهر الإقتصادي الذي كانت تحمله ثورة الحرية لجميع المصريين.
الإقتصاد المصريّ الذي عصفت – وما زالت تعصف – به العديد من الأزمات الإقتصادية منذ يناير 2011 حتى اليوم وُضعت العديد من الخطط والآليات لمواجهتها، إلا أن تأزم الوضع والتعقيد الحاصل في المشهد السياسي منع كثيراً من هذه الخطط أن تؤتي أكلها.
انتكاسات متتالية منذ يناير 2011 يشهده الاقتصاد المصري، فعلى سبيل المثال تراجع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لـ 1.4 ٪ ، وتراجع مستوى الاحتياطي من النقد الأجنبي ليغطي ثلاثة أشهر فقط من الواردات ، وارتفاع العجز المالي من الناتج المحلي الإجمالي إلى 14٪ ، وارتفاع معدّل البطالة إلى 13.3٪ حسب الأرقام المصرية الرسمية والتي تؤكد مصادر أخرى بأنه يزيد عن ذلك بأكثر من الضعف، بالاضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأسياسية .. وغيرها من مشكلات اقتصادية ما زال الشارع المصريّ يعاني منها.
تقرير اقتصادي بعنوان “مصر تبحث عن مصادر الدعم الاقتصادي” صدر عن المركز الإقليمي للدراسات التابع للمعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاثام هاوس” ومقره بريطانيا قال أن الآليات والبرامج التي اتبعت خلال الفترات الانتقالية، لتحقيق المطالب الاقتصادية للثورة لم تكن على نفس القدر من الوضوح، إذ أظهرت بعض المؤسسات الدولية استعدادها لتوفير الدعم المالي، على أن يكون في إطار برنامج السياسة المعتمدة من خلال صندوق النقد الدولي.
وأضاف التقرير أن وجود محمد مرسي كرئيس منتخب للبلاد والموافقة على دستور 2012 كان قد فتح المجال لحكومة هشام قنديل للبدء بجولة أخرى من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الأخرى مثل البنك مثل البنك الدولي، وبنك التنمية الإفريقي وذلك سداً للحاجة وإنعاش الاقتصاد، وتعويض انخفاض مستوى الاحتياطيات من النقد الأجنبي التي أصبحت ملحة بشكل متزايد.
وبعد الإنقلاب العسكري الذي أطاح بحكم مرسي لم يتحسن الوضع، بل ازداد سواءاً، الأمر الذي دفع السلطات إلى سد الحاجة من خلال مساعدات دول الخليج المساندة للانقلاب وهي السعودية والإمارات والكويت التي قدمت 12 مليار دولار كقروض لمصر بالإضافة لمنتجات نفطية مما ساهم في سد الحاجة بعض الشيء، إلا هذا الدعم يشكل خطراً على اقتصاد البلاد كما يقول التقرير ، لأن المساعدات النقدية من دول الخليج العربي لن توفر سوى تأثير مؤقت على استقرار ميزان المدفوعات، ولم يستند هذا الاستقرار على العوائد من الاستثمار المباشر، مشيرًا إلى أن خطورة الاعتماد على المساعدات الخليجية وزيادة التحويلات ترجع إلى إمكانية توقفها فجأة، لأسباب يمكن إرجاعها إلى تذبذب أسعار النفط، أو إذا كان المزاج السياسي في مصر أو دول الخليج قابلًا للتغيير، ومن ثم تنسحب آثار تلك الاضطرابات على التحويلات المالية.
اقتصاد الإنقلاب
بعد الإنقلاب العسكري كان واضحاً أن الدولة تعاني أزمة سيولة لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر الإقتصادي، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تنفيذ خطة اقتراض 200 مليار جنيه من البنوك المحلية لسداد عجز الموازنة، الأمر الذي شكل خطراً مباشراً على البنوك المحلية وقدرتها على الوفاء بأموال المودعين وطلبات السحوبات المتكررة.
خبير اقتصادي مصريّ أضاف بأن كلفة انتشار الجيش المصري منذ أواخر يونيو 2012 في الشوارع وحتى اليوم فاقت 12 مليار دولار، ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم أكثر مع فعاليات ذكرى الثورة التي تبدأ اليوم.
الحكومة الحالية ومع تأزم الوضع الداخلي تحاول بذل جهود إضافية لفتح قنوات مع الغرب وشرح الوضع للمسؤولين في مختلف الدول، وعرض ما تحقق من خارطة الطريق والبرنامج الحكومة الاقتصادي الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار والنمو، وتشجيع الاستثمار العام والخاص في إطار من العدالة الاجتماعية، الأمر الذي لم ينجح حتى الآن بحكم عدم اعتراف كثير من الدول بحكومة الانقلاب.
اقتصاد المواطن
وفي ظل ذلك كله لا تزال عيون المواطن المصريّ تتطلع إلى التحسن الإقتصادي الموعود من السلطات الانتقالية بدءاً من المجلس العسكري بعد الإطاحة بحسني مبارك إلى محمد مرسي وعودة المجلس العسكري من جديد، تتعلق العيون بغلاء الاسعار، وتراجع قيمة الجنيه وتداعياته على الوضع الاقتصادي، واسعار الوقود والنقص في السلع.
في الوقت ذاته، لا يشجع الوضع الحالي على الاستثمار سواء على مستوى المشاريع الكبرى أو المشاريع الصغيرة أو حتى متناهية الصغر، خصوصاً في بيئة الاعتقالات العشوائية والتفجيرات والوضع الأمني الذي يزداد سوءاً ، فضلاً عن الاستثمارات الخارجية التي أُوقفت خصوصاً القطرية والتركية – لمعارضتهما للانقلاب – وردّ الودائع البنكيّة القطرية بالإضافة إلى إحجام المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في مصر.
وفي الأفق، ليس ثمة من حلّ يلوح .. فلا وعود أمريكية أو غربية بقروض إضافية في ظل هذا المشهد السياسي والدول الخليجية أعلنت أنها لن تستمر بهذا الشكل مما جعل مذيعي “التوك الشو” يصرّحون علانية بأنه يجب على هذه الدول الاستمرار في هذا الدعم، الأمر الذي من شأنه أن يخدّر الاقتصاد والمواطن معاً ، لكن إلى متى ؟