في 27 يناير 2017، أعلنت القوات الموالية للرئيس اليمني المدعوم دوليًا سيطرتهم على ميناء المخا الاستراتيجي الهام الواقع إداريًا ضمن محافظة تعز اليمنية (وسط اليمن)، بإسناد البارجات الحربية الدولية الجاثية على البحر الأحمر بالقرب من باب المندب، وبغطاء جوي من قبل طيران التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
يأتي إعلان القوات الموالية للرئيس اليمني سيطرتها على ميناء المخا بعد 20 يومًا بالتمام من إعلان سيطرتها على منطقة ذوباب والقريبة أيضًا من الممر الملاحي الدولي، وهو تطور لافت في إشعال معركة في هذا التوقيت، وذلك المكان الحساس.
إذ أن إشعال الحرب في هذه المنطقة يشكل تهديدًا حقيقًا وخطيرًا لحركة السفن التجارية العملاقة التي تمر من باب المندب، وهو ما يعني تأثيرًا مباشرًا على قناة السويس المصرية، سيما بعد التهديدات التي أطلقتها وزارة الدفاع الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء لأي سفينة تمر من باب المندب على اعتبار أن ذلك يشكل تهديدًا حقيقًا عليهم لما قالت إن المنطقة مكان عمليات عسكرية. وما يؤكد ذلك إعلان الحوثيين أنفسهم تدمير بارجتين حربيتين للتحالف العربي منذ تاريخ 27 يناير حتى لحظة كتابة هذا الموضوع، وهو ما يعني أن الحرب ما زالت هناك مستمرة ومستعرة.
ميناء ومدينة “المخاء” إحدى مدن تعز، وتقع غرب المحافظة على بعد حوالي (94 كيلو مترا)، وتطل على ساحل البحر الأحمر، وتبعد عن باب المندب الإستراتيجي 60 كيلو مترا، وهي نقطة وصل جغرافية بمحافظة الحديدة الساحلية
ويربط ميناء “المخاء” اليمن بأفريقيا، وهو قناة تصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، وبين أوروبا وشرقي إفريقيا وجنوبي آسيا والشرق الأوسط، وهو ما ضاعف من أهميته الإستراتيجية.
ومع ظهور أسلحة مضادة للدروع، وصواريخ موجهة قادرة على استهداف السفن والبوارج الحربية التابعة للتحالف من الجبال المطلة على الساحل الغربي وسفوحها، فإن المعركة في هذه المنطقة قد تصبح مصيدة وقاسية ومستنقعًا لاستنزاف قوات التحالف، وضرب بوارجهم والسفن التجارية الدولية.
والسيطرة على هذه المنطقة ستحرم تحالف الحوثيين وصالح من الامتياز الاستراتيجي الذي توفره سيطرتهم عليه، وإطلالهم على الممر البحري لحركة السفن التجارية الدولية التي تعبر مضيق باب المندب، وهو أمر كان وما زال يمنحهم ميزة تفاوضية أساسية ستصبح أوراقهم السياسية أقل قيمة بالتأكيد من دون هذه المنطقة.
ولأنها كذلك، وعقب إعلان التحالف سيطرته على المدينة، أعلن الحوثيون والقوات الموالية لصالح استرداد المخا، وإعادة القوات الموالية للرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي إلى منطقة “الكدحة” الواقعة بين ذباب والمخا، علمًا أن الحرب ما زالت مستمرة وضارية تخوضها وحدات قتالية خاصة في الحرس الجمهوري اليمني، حتى لحظة كتابة هذا وفقًا لمصادر ميدانية وثيقة.
أهمية السيطرة على الميناء
لنفترض أن القوات الموالية للرئيس اليمني، سيطرت على هذه المنطقة، وفقًا لحديث وسائل الإعلام التابعة لهم، وبغض النظر عن نفي ذلك من قبل وسائل إعلام أخرى تابعة أيضًا للحوثيين وصالح، فالتحالف يرى أن السيطرة على كل من “ذباب والمخا” أمر مهم لكون ذلك يفقد طرفي صنعاء واحد من أهم المنافذ الذي يتنفس منه، كما أنه يحرمهم من شرفة بالغة الأهمية تطل بهم على مضيق باب المندب الذي تمر به خطوط الملاحة الدولية.
لكن ستظل السيطرة غير مستقرة بالنظر إلى معارك أخرى تدور في مناطق متفرقة في اليمن، قاربت بعضها على السنتين دون أن تحقق تقدمًا حقيقًا بل ما زالت تراوح مكانها، كمنطقة ميدي “أقصى الشمال” -(تقع على خط التماس الحدودي مع السعودية في الزاوية الشمالية الغربية من اليمن, وتدور فيها معارك طاحنة أيضًا بين قوات الحوثيين وصالح من جهة والقوات الموالية للرئيس اليمني بإسناد جوي وبحري أيضًا)-، والتي كان التحالف أعلن سيطرته عليها في 7 يناير 2016، وهو نفس التاريخ الذي أعلن هذا العام سيطرته على “ذوباب”، وقبل أن يستعيدها تحالف صنعاء.
إن استطاعت القوات الموالية إسقاط “المخا وذوباب وجبال العمري”، فإنها ستنتقل إلى ميناء الحديدة بكل تأكيد، ونشوة “الانتصار” ستجعلهم يتقدمون أكثر ويتوغلون إلى مناطق الوسط، وهو ما يعني هزيمة تحالف الحوثيين وصالح الذين قد يقبلون بالشروط التي تمليها السعودية في أي مفاوضات قادمة
لكن التقدم نحو مدينة الحديدة بعد السيطرة على ميناء المخا، يعتمد بدرجة أساسية بالسيطرة على معسكر خالد ابن الوليد الذي يشكل نقطة ارتكاز بالغة الحيوية لتغذية. وهو المعسكر الذي أنيطت بصالح مهام تأسيسه كقاعدة عسكرية لليمن الشمالي (قبل إعادة تحقيق الوحدة بين الشطرين في مايو 1990) ويوازي قاعدة العند العسكرية التي كانت تابعة للشطر الجنوبي إبان فترة حكم الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي منتصف السبعينات. كما كان المعسكر أساس القوة والنفوذ لليمن بما أتاحه له من قوة واحتكاك مع العالم المفتوح على شواطئ المخا.
وهو ما قد يسعى التحالف للسيطرة عليه بكل ما يملك من إمكانية وقوة، فالسيطرة عليه تعني سقوط الساحل الغربي بالكامل والسيطرة على البحر الأحر (الممر التي تسيطر عليها اليمن)، وبالتالي فالسيطرة على الحديدة سيكون مسألة وقت.
فبسقوط معسكر “خالد ابن الوليد” سيمكن التحالف من الاتجاه نحو ميناء الحديدة للسيطرة على أهم ثاني ميناء في اليمن بعد ميناء عدن، وحصر الحوثيين في منطقة الوسط، وفرض عليهم الرؤية السعودية، أو حصارهم اقتصاديًا، وعسكريًا وسياسيًا، حتى يعلنون الاستسلام الكامل.
إضافة إلى أن ذلك قد يكون المعسكر قاعدة انطلاق للسيطرة على محافظة تعز بالكامل، لكن نسبة تحقيق النجاح في ذلك ضئيلة نتيجة للخبرة القتالية الضعيفة التي يتمتع بها القوات الموالية للرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي مقابل الخبرة القتالية للحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في الجبال، وهذا ما يؤكده عدم قدرة التحالف تسجيل أي اختراق في جبال نهم البوابة الشرقية للعاصمة اليمنية صنعاء منذ عام ونصف، ومناطق أخرى يجري فيه القتال منذ قرابة العامين.
حكومة صنعاء
تدرك حكومة (الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام) أن تعز وساحلها محورًا مهمًا في أي مباحثات سياسية قادمة، وسقوطها يعني سقوط محافظة إب القريبة منها، (هاتان المحافظتان يقطن بهما ما يقارب 6 ملايين يمني من أصل 26 مليون هم عدد سكان اليمن يتوزعون على 22 محافظة)، وهو ما قد يسهل على التحالف تضييق الخناق على العاصمة اليمنية صنعاء، إضافة إلى حصارهم من كافة الاتجاهات، ووصولهم الحديدة.
وسقوط ميناء ومدينة المخا ومن ثم معسكر خالد ابن الوليد قد يتبعه انهيار متسارع لقوات الحوثي وجماعة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، سياسيًا وعسكريًا، وربما يتبعه انشقاقات في صفوف القوات الموالية لهم في وسط العاصمة صنعاء، وقد يغير موازين القوى على الأرض وهو ما يفرض عليهم القبول بشروط وإملاءات التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
ضرب فرقاطة سعودية قبالة سواحل الحديدة اليمنية
الرد كان سريعًا وتطورًا لافتًا في العمليات العسكرية البحرية، إذا شاركت القوات البحرية اليمنية الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، ومليشيات حوثية يوم الاثنين 30 يناير 2017 بعمليات هجومية مباشرة ضد فرقاطة بحرية سعودية ” تحمل اسم المدينة” كانت تساهم في الهجوم على مدينة المخا انطلاقا من الممر المقابل لساحل محافظة الحديدة اليمنية.
لكن قيادة قوات التحالف السعودي، أعلنت في بيان لها تعرض فرقاطة سعودية أثناء قيامها بدورية مراقبة غرب ميناء الحديدة “لهجوم انتحاري” من ثلاثة زوارق تابعة لما سماها “المليشيات الحوثية”، مشيرا إلى أن الفرقاطة السعودية قامت بالتعامل مع الزوارق بما تقتضيه الحالة.
وقال بيان التحالف إن “استخدام ميناء الحديدة قاعدة انطلاق للعمليات الإرهابية يعد تطوراً خطيراً من شأنه التأثير على الملاحة الدولية و على تدفق المساعدات الإنسانية و الطبية للميناء و للمواطنين اليمنيين”.
وبالرغم من أن التحالف لديه علم مسبق بعدم قدرته على السيطرة بالكامل لتلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي وصالح، تراجع عن التدخل البري بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها في مأرب بتاريخ 4 ديسمبر 2015 عندما حاولت قوات إماراتية وسعودية السيطرة بالكامل على مأرب، إلا أنه يأمل في السيطرة فقط على السواحل اليمنية بغية تقوية الأوراق التفاوضية في أي حوار قادم.
ذلك عسكريًا، أما سياسيًا، سيستمر الحوثيين وصالح بالتصلب بمواقفهم، بعدم الانصياع للرؤية السعودية التي تطالبهم بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي يدعو إلحوثيين وصالح للاستسلام بشكل كامل والانسحاب من المدن وإعادة عبده ربه منصور هادي إلى الحكم، وتسليم الأسلحة، واتخاذ تدابير تصعيدية أخرى على غرار التصعيد الذي يتخذه الرئيس عبده ربه منصور هادي أو التحالف، وهو ما نتوقع أن يكون هناك تصعيدًا خلال الفترة القليلة القادمة.
سيرفض الحوثيون وصالح أيضًا الدخول في أي حوار قادم تشارك فيه الحكومة اليمنية، ما لم يكن التفاوض على إنشاء حكومة وحدة وطنية يتزامن مع الحل العسكري، الذي سيكون تحت إشراف تلك الحكومة المتفق عليها عقب أي حوار يفضي إلى تسوية سياسية حقيقية
ويبدو أن التحركات الأخيرة على ميادين القتال وفتح جبهات في مناطق مختلفة، هو أسلوب من أساليب الضغط على الحوثيين وصالح للقبول بالتسوية السياسية، بعد أن رفضوا إجراء أي حوار تشارك فيها الحكومة المعترف بها دوليًا، لاسيما بعد الفشل المتتالي من قبل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد في تسجيل أي اختراق في جدار الأزمة اليمنية.
الخلاصة:
الهدف من فتح الجبهات في اليمن هو تحريك المفاوضات السياسية؛ إذ لا مؤشرات بأن أحد الطرفين قادرا على تحقيق انتصار ميداني حقيقي، ولن تسقط حكومة صنعاء في السيطرة على الساحل الغربي، كون معركة العمق هي الأخطر والأشد فتكًا، وسيظل الحل السياسي هو المخرج.
بداية الحل هو حصول تفاهمات وتطمينات للسعودية لكي توقف الحرب وتدفع بالأطراف المؤيدة لها نحو التسوية السياسية، ما لم فالحرب مستمرة والمعارك تظل دائرة بين كر وفر يدفع ثمنها الشعب اليمني أكان مؤيدًا للتحالف العربي أو الحكومة المدعومة دوليًا، أو الحوثيين.