ما إن خرجت لبنان من أزمة انتخب رئيس الجمهورية التي تواصلت سنوات وتشكيل الحكومة التي لاقت عديد الصعوبات، حتى دخلت في أزمة وصراع جديد بين الأحزاب السياسية حول القانون المنظّم للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها قبل نهاية ولاية المجلس الحالي في مايو المقبل، الأمر الذي دفع برئيس الجمهورية ميشيل عون إلى التهديد باستخدام صلاحياته الدستورية، معلنا تفضيله الفراغ في البرلمان على إجراء الانتخابات وفق قانون “الستين”.
هل يفشل الحريري في كسب التحدّي الأوّل لحكومته؟
في بيانه الوزاري الأوّل، أكّد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، أن إعداد قانون جديد للانتخابات النيابية المقرر إجراؤها الربيع المقبل، يمثّل أحد أهم أولويات حكومته، إلا أن رغبة الحريري اصطدمت بعقبات سياسية، أبرزها غياب الإجماع الوطني على شكل ومضمون قانون الانتخابات النيابية، حيث تتعدّد وجهات نظر ومقترحات القيانات السياسية الممثلة في الحكومة والبرلمان، بين من يطالب بقانون انتخابي على أساس النسبية، ومن يدعو لقانون مختلط يجمع بين الاقتراع الأكثري والنسبي، ومن يتحفظ على الاقتراحين ويطالب بالعمل بالقانون الأرثودوكسي، وآخر يريد العمل بالقانون الانتخابي المعروف باسم قانون الستين.
في حال لم يتمّ التوصّل إلى قانون انتخابي توافقي فإنّه سيتّم إعادة العمل بالقانون النافذ وهو قانون الستين
وإلى الآن لم تتوصل القوى السياسية الممثلة في الحكومة والبرلمان اللبناني إلى تفاهم على صيغة قانون انتخابي جديد، يرضي الجميع ويسمح بإجراء هذه الانتخابات التي لا يفصل اللبنانيين عن موعدها سوى بعض الأشهر، وينصّ الدستور اللبناني على استقالة الحكومة فور إجراء الانتخابات النيابية المنتظرة منتصف العام الحالي.
لم يتوصل الحريري بعد إلى اقناع الفرقاء بمشروع قانون انتخابي جديد
ويرجع مراقبون، أسباب عدم توصّل حكومة الحريري إلى صيغة قانون انتخابي جديد ينظّم الانتخابات القادمة، إلى غياب الثقة بين مكونات الحكومة وتنوع وجهات النظر فيها، الأمر الذي يصعب معه إيجاد توافق فيما بينهم، فيما يشير أخرون إلى عدم رغبة بعض الأطراف في انتاج إنتاج قانون عصري للانتخابات يسمح بتغيير المعادلات القائمة وبدخول قوى سياسية جديدة إلى الحياة العامة في لبنان. وفي حال لم يتمّ التوصّل إلى قانون انتخابي توافقي فإنّه سيتّم إعادة العمل بالقانون النافذ وهو قانون الستين، الأمر الذي يعيد إنتاج مجلس نيابي على أساس المحاصصة الحالية.
مشاريع القوانين المقترحة
يقترح الفرقاء في لبنان أكثر من 17 مشروع قانون للانتخابات تراكمت على مدى السنوات الماضية أمام لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب، منها قانون الستين والقانون النسبي والقانون الأرثودوكسي وقانون يجمع بين نظامي النسبي والأكثري ، وفي أخر انتخابات نيابية تمّ اعتماد قانون الستّين (نسبة الى إقراره في العام 1960) الذي يعتمد القضاء دائرة انتخابية مع استثناءات، وعليه فإن الانتخابات تتم وفقا لتقسيمات إدارية تراعي الخصوصيات الطائفية للقوى السياسية، حيث قسمت بيروت الى ثلاث دوائر، وجبل لبنان الى ست دوائر، والشمال الى سبع دوائر.
إلى جانب قانون الستّين نجد مشروع قانون النسبية الذي يهدف الى تمثيل كلّ حزب أو مجموعة سياسية بعدد مقاعد يوازي قوتها الانتخابية
وتم اعتمد هذا القانون في كل من انتخابات 1960 و1964 و1968 و1972 وهي آخر انتخابات قبل الحرب الأهلية والتمديد لهذا المجلس حتى العام 1992، وفي انتخابات 2009، وفي حال عدم إقرار قانون جديد للانتخابات يتمّ العمل بقانون الستين بهذه الصيغة.
إلى جانب قانون الستّين نجد مشروع قانون النسبية الذي يهدف الى تمثيل كلّ حزب أو مجموعة سياسية بعدد مقاعد يوازي قوتها الانتخابية، ويجري الترشح في هذا القانون على أساس اعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة، على أن يجري اعتماد عدد معين من المرشحين من كل قضاء داخل اللائحة الواحدة.
وبموجب نظام التمثيل النسبي المطلوب اعتماده في انتخابات مجلس النواب، تنال كل لائحة من اللوائح المتنافسة نسبة مئوية من المقاعد مساوية للنسبة المئوية التي تنالها من مجمل الاصوات التي نالتها على مستوى الدائرة الانتخابية الكبرى. ويؤكّد الداعمون لهذا الطرح أهمية العمل بقانون انتخاب عصري وحديث، كما هو معمول به في الدول الديمقراطية، حتى تبتعد لبنان عن الطائفية.
البرلمان يسعى لصياغة قانون انتخابي جديد
إضافة إلى ذلك يتبنى مسيحيو 8 و14 اذار مشروع قانون اللقاء الارثوذكسي الذي ينصّ على توزيع المقاعد على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، بحيث ينتخب كل مذهب لائحة تضم نواب من مذهبه على مستوى كل لبنان، بمعنى أن تتشكل لوائح مذهبية تمثل جميع المناطق الانتخابية إنما لمذهب واحد، ويبقى الترشح والفرز والتمثيل على اساس المناطق وتوزيع المقاعد ضمن الإطار الذي حدده اتفاق الطائف.
بالتوازي مع مناقشة مشاريع هذه القوانين قدّم وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل (تيّار الرئيس ميشال عون) اقتراح مشروع قانون انتخابي جديد يجمع بين نظامي النسبي والأكثري ويستجيب لتطلعاتهم ويخدم أهدافهم بشكل يمسّ اتفاق الطائف الذي حدد آلية الإصلاح في لبنان ومنها قانون الانتخاب، حسب عديد الخبراء.
عون يهدد باستخدام صلاحياته الدستورية
في ظلّ تواصل الخلاف بين القوى والأحزاب السياسية والطائفية حول القانون الانتخابي الجديد، وفي تطوّر غير منتظر، هدّد رئيس الجمهورية ميشال عون باستخدام صلاحياته الدستورية، معلنا تفضيله الفراغ في البرلمان على إجراء الانتخابات وفق قانون “الستين” التي جرت على أساسه انتخابات عام 2009.
اتهامات لعون بعرقلة صياغة مشروع قانون جديد
ورغم كون تهديد الرئيس عون باستخدام صلاحياته الدستورية وتفضيله الفراغ على العودة إلى قانون الستين أعاد خلط الأوراق، فإنّ عديد المراقبين يقللّون من خطورة هذا التهديد على اعتبار الرئيس غير قادر على تحمل الفراغ، وليس بمقدوره أيضا أن يتحمّل عدم إجراء انتخابات أو فرض قانون يخدم مصالحه ومصالح حزبه. وتتّهم أوساط سياسية، الرئيس عون بالعمل على فرض قانون انتخابي يخدم حزبه ويستهدف اتفاق الطّائف وينذر بمزيد من الانقسام اللبناني.
لم يتمكن البرلمان الحالي خلال ثمان سنوات من إقرار قانون انتخابي جديد
وتتّجه لبنان نحو إعادة العمل بقانون “السّتين” الانتخابي، لأن المهلة الدستورية لا تساعد في إقرار أي قانون جديد ضمن الفترة الزمنية التي تفصل البلاد عن موعد اجراء الانتخابات البرلمانية القادمة، خاصة في ظلّ استبعاد التمديد التقني لعدة أشهر لمجلس النواب الحالي الذي مدّد لنفسه مرتين ولم يتمكن خلال ثمان سنوات من إقرار قانون انتخابي جديد.