” إن البيانات والتصريحات “المقلقة” من الإدارة الأمريكية الجديدة هي واحدة من عدة تهديدات خارجية للاتحاد الأوروبي وتهدد مستقبل الاتحاد..” بهذه الكلمات أستهل رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، رسالته إلى قادة الاتحاد الأوروبي أمس الثلاثاء، ردًا على ما أسماه بالتدخل غير المقبول في شئون الدول الأوروبية الداخلية.
رسالة توسك لزعماء الدول الـ27 أعضاء الاتحاد الأوروبي، تأتي في إطار القلق من مواقف الرئيس الأمريكي الجديد والتي كشفت تصريحاته عن جزء كبير منها، حيث تعكس شعورا متناميًا في كثير من المجتمعات الأوروبية بالحاجة إلى الرد على تحركات ترامب السياسية، لاسيما قرار الحظر الذي فرضه قبل أيام على دخول اللاجئين والمسافرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى أمريكا.
رسالة توحد ضد أمريكا الجديدة
رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، قال في رسالته إن “التغيير في واشنطن يضع الاتحاد الأوروبي في وضع صعب، حيث يبدو أن الإدارة الجديد تثير الشكوك في الـ70 عاماً الماضية من السياسة الخارجية الأمريكية”، ملفتًا أن التصريحات المثيرة للقلق والصادرة عن ترامب خلال حملته الانتخابية، وما تلاها عقب توليه مقاليد الأمور داخل البيت الأبيض، تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل أوروبا خاصة والعالم بصفة عامة.
ومع حلول الذكرى الستين لتوقيع الوثيقة التأسيسية للإتحاد الأوروبي، مارس القادم، ناشد توسك زعماء أوروبا أن يتذكروا أن قوة قارتهم وتماسك بلدانهم وقدرتها على مواجهة كاف الصعاب والتحديات التي تواجهاه لا يكون إلا حين تكون متحدة، مضيفًا: “سوياً فقط يمكننا أن نكون مستقلين تماماً”.
توسك: التغيير في واشنطن يضع الاتحاد الأوروبي في وضع صعب، حيث يبدو أن الإدارة الجديد تثير الشكوك في الـ70 عاماً الماضية من السياسة الخارجية الأمريكية
وتابع أن “تفكك الاتحاد الأوروبي لن يؤدي إلى استعادة سيادة كاملة للدول الأعضاء فيه كما يقول البعض”، مؤكدًا رفض الاتحاد لأي محاولات أو تصريحات تتطرق إلى الشأن الداخلي لأي دولة أوروبية، لذلك “علينا اتخاذ خطوات حازمة وقوية تغير المشاعر الجمعية وتنعش الطموح للارتقاء بالاندماج الأوروبي إلى مستوى أعلى”.
تصريحات رئيس المجلس الأوروبي ضد ترامب، تعد الأعنف ضد أي رئيس أمريكي سابق، وتعكس حجم القلق من مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية في عهد الرئيس الجديد، وهو مايثير العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذا القلق، وسيناريوهات مستقبل العلاقة بين الطرفين.
دعوة لتوحد قادة أوروبا ضد سياسة ترامب الجديدة
تصريحات ترامب وقلق أوروبا
الموقف الأوروبي من الرئيس الأمريكي الجديد ليس وليد اللحظة، ولم يكن كرهًا في سيد البيت الأبيض الجديد أو حزنًا على خسارة هيلاري أو خروج اوباما، بل هو موقف عززه تصريحات الرجل منذ أن اعلن عن خوضه الماراثون الانتخابي الرئاسي، ونستعرض هنا بعض المواقف والتصريحات التي دفعت أقلقت أوروبا ودفعت قادتها إلى ضرورة التوحد من أجل مواجهته.
أولا: التدخل في شئون أوروبا الداخلية: حيث جاء دعم ترامب لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر الاستفتاء الذي وقع في 23 يونيو العام الماضي، وتصريحاته بخصوص إمكانية تطبيق نموذج “بريكست” في دول أوروبية أخرى، ليشعل غضب قادة أوروبا، وهو ما تجسد في رد فعل الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند، والذي طالب بضرورة أن ترد أوروبا “بحزم” على تصريحات ترامب
أولاند في تصريحات صحفية من مدينة لشبونة البرتغالية، على هامش مشاركته في قمة الدول المتوسطية في الاتحاد الأوروبي، قال: “عندما تصدر تصريحات من الرئيس الأميركي حول أوروبا، وعندما يتحدث عن تطبيق نموذج بريكست في دول أخرى، أعتقد أن علينا أن نرد عليه”، مضيفًا: “علينا أن نؤكد مواقفنا ونبدأ حوارا حازما حول ما نؤمن به” مع “الحرص على تسوية مشاكل العالم”، مؤكدًا على ضرورة أن تحدد أوروبا نفسها استنادا إلى قيمها ومبادئها ومصالحها”.
كذلك انتقاده للمستشارة الألمانية ميركل بشأن ما وصفه بـ” سياسة الباب المفتوح” التي تسمج بتدفق اللاجئين من مختلف دول العالم لاسيما الإسلامي إلى أوروبا، فضلا عن تحميلها مسئولية الحادث الإرهابي الذي وقع في أعياد الكريسماس بأحد الأسواق ببرلين، إضافة إلى وصفه ميركل بأنها ارتكبت بهذه الأعمال خطأ خطير، ما أعتبره البعض تدخلا سافرًا في شئون ألمانيا الداخلية غير مقبول.
أضف إلى ذلك تصريحاته السابقة خلال حملته الرئاسية، بتفكيك حلف شمال الأطلسي “الناتو” وانه صار عبئًا على الإدارة الأمريكية في ظل فشله في التصدي للجماعات الإرهابية، على حد وصفه، وهو ماتسبب في انتقادات لاذعة وجهت له حينها.
أولاند: عندما تصدر تصريحات من الرئيس الأميركي حول أوروبا، وعندما يتحدث عن تطبيق نموذج بريكست في دول أخرى، أعتقد أن علينا أن نرد عليه
ثانيًا: رفضه لاتفاقية باريس للمناخ: كما أثارت تصريحات ترامب بشأن عدم قناعته بـ”اتفاقية باريس” للمناخ، التي تم التوصل إليها في المؤتمر الـ21 للأطراف الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، والذي استضافته باريس في الفترة من 30 نوفمبر إلى 11 ديسمبر 2015، غضب أوروبا وأعتبر تضلك تهديدُا وزعزعة لاستقرار الاقتصاديات العالمية وليست الأوروبية وحدها.
ثالثًا: الموقف من اللاجئين والهجرة: ومن القضايا التي أثارت غضب وقلق أوروبا من الرئيس الأمريكي الجديد، توقيعه على قرار بحظر اللاجئين والزائرين من سبع دول عربية وإسلامية لمدة ثلاثة شهور، وهي إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن، ويعد هذا القرار أحد التعهدات التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية، والذي يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من “الإرهاب” على حد زعمه.
رابعًا: توجهاته حيال الشرق الأوسط: تصريحات ترامب حيال الملفات الجدلية في الشرق الأوسط لاسيما فيما يتعلق بالملف السوري، ورفضه للاتفاق النووي الإيراني، فضلا عن تصريحاته ضد الخليج، وعزمه نقل سفارة الكيان الصهيوني إلى القدس، كل هذه التصريحات كانت مثار قلق لأوروبا خشية إثارة القلاقل والاضطرابات في مختلف دول الشرق الأوسط، بما يهدد مصالح أوروبا في هذه المنطقة.
خامسًا: السياسيات الحمائية: والتي تعني ببعض الإجراءات المتخذة لحماية أمريكا من الإرهاب كما يعتقد ترامب، وفي مقدمتها بناء جدار فاصل على الحدود مع المكسيك، لوقف تدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة، وهو ما قوبل برفض شديد من قبل الرئيس المسكيكي فضلا عما أثاره من غضب أوروبي، إضافة إلى عزمه إعادة النظر في اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، الذي يضمّ أيضاً الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وآثاره السلبية على الاقتصاد المكسيكي والكندي.
انتقادات ترامب للمستشارة الألمانية أثار غضب أوروبا
موسكو- بكين – واشنطن… محور التهديد الأوروبي
في رسالته الموجهة للاتحاد الأوروبي أشار توسك (رئيس المجلس الأوروبي) إلى أنه ووفقا لما سبق، فإن الولايات المتحدة أصبحت أحد المخاطر الخارجية التي تواجه الاتحاد الأوروبي، إلى جانب روسيا والصين والإسلام الراديكاليّ والإرهاب على حد تعبيره.
تصريحات توسك جاءت بالتناغم مع ما أعلنه ممثل البرلمان الأوروبي في المفاوضات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جي فيرهوفستادت، رئيس وزراء بلجيكا السابق، بقوله إن أهم التهديدات الخارجية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي تتمثل في الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، مضيفًا في كلمة له ألقاها بلندن: إن الاتحاد الأوروبي واجه سابقا تهديدين فقط تمثلا في “الإسلاموية” و”بوتين”، إلا أنني رجعت للتو من الولايات المتحدة، وبرأيي ظهرت أمامنا قوة أخرى تقوض الاتحاد الأوروبي، إنه دونالد ترامب”.
البرلماني الأوروبي حذر في كلمته من خطورة التطرف القومي، والنزعة المتشددة التي يتبناها ترامب وغيره من القادة، مشيرا إلى أن بناء أوروبا على أساس أفكار قومية يمثل “أغبى شيء”، معتبرا ذلك بمثابة اللعب بالنار.
اللاجئون.. أبرز محاور الصدام الأمريكي الأوروبي
أوروبا – أمريكا.. إلى أين؟
لاشك أن مواقف ترامب وتصريحاته ستلقي بظلالها القاتمة على مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية، وهو ما دفع بعض الأحزاب السياسية داخل أوروبا إلى المطالبة بإعادة تقييم العلاقات مع واشنطن، كما جاء على لسان رئيس حزب الخضر الألماني، جيم أوزديمير، والذي طالب ألمانيا بتعزيز دورها في أوروبا، وأن تعمل على تقوية الاتحاد الأوروبي كرد فعل على تصريحات ترامب.
أوزديمير توقع أن تسفر مواقف الرئيس الأمريكي الجديد عن “أوقات عجاف” في العلاقة بين أوروبا وأميركا، مطالبًا بضرورة البحث عن شركاء جدد، مثل كندا أو ولايات أميركية بعينها، بشكل منفرد.
كيري: أعتقد بصراحة تامة أنه كان من غير اللائق لرئيس منتخب للولايات المتحدة أن يتدخل في شؤون دول أخرى بهذه الطريقة المباشرة
الانتقادات الموجهة لترامب بسبب سياساته حيال أوروبا لم تأتي من داخل القارة العجوز فحسب، ولم تنحصر في زعماء دول أوروبية كأولاند أو ميركل وفقط، بل جاءت على لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والذي ندًد بـ “التصريحات غير اللائقة” التي أدلى بها الرئيس الجديد تجاه الاتحاد الأوروبي والمستشارة الألمانية، وذلك خلال مقابلة مع شبكة “CNN” الاثنين الماضي في لندن.
كيري أعتبر تصريحات ترامب تدخلا في الشئون الداخلية لبعض دول أوروبا، محذرا من تبعات هذا التدخل، حيث قال: “أعتقد بصراحة تامة أنه كان من غير اللائق لرئيس منتخب للولايات المتحدة أن يتدخل في شؤون دول أخرى بهذه الطريقة المباشرة”.
كما أنه وبحسب رويترز، فإن نحو 900 من مسئولي وزارة الخارجية الأمريكية وقعوا على مذكرة داخلية تعارض قرار الرئيس دونالد ترامب بحظر دخول لاجئين ومهاجرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، وأكد مسئول كبير في الوزارة تقديم المذكرة المتعلقة بالاعتراض
من الواضح أن ترامب نجح في توسعة رقعة العداء له يومًا تلو الأخر، فبعد إقصاءه للإسلاميين من حساباته خلال حملته الانتخابية، هاهو اليوم يفقد شريكه الأوروبي، ويدفعه إلى إعادة تقييم علاقته معه، كما أن نفوذه في الشرق الأوسط بات على المحك بعدما فقد الكثير من حلفاءه هناك، ليصبح ترامب أول رئيس استطاع مضاعفة عدد المعارضين له في الداخل والخارج في وقت قياسي، وهو الذي لم يتم 12 يومًا على مراسم تنصيبه.. لتعود التكهنات – الخيالية – في السابق والتي كانت ترجح عدم إتمام ترامب لدورته الرئاسية الأولى حال استمراره على هذا النهج لتفرض نفسها على موائد النقاش مجددًا.