ترجمة وتحرير: نون بوست
في مقابلة أجرتها مؤخرًا هيئة الإذاعة الأردنية الموالية للحكومة، أسهب أكبر ضابط عسكري أمريكي في الثناء على القوات المسلّحة في البلاد. قال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية: “تربطنا مع الأردن مصالح وقيم مشتركة. إن القوات المسلّحة الأردنية تتسم بقدر عال من الاحترافية وتتمتع بقدرات هائلة، ناهيك عن أنها تعمل تحت قيادة جيّدة”.
تمثّل وجهة نظر ميلي الموقف الأمريكي الأكثر شيوعًا بشأن الجيش الأردني، الذي يتمتع منذ فترة طويلة بعلاقة وثيقة مع البنتاغون. لكن هناك مشكلة واحدة فقط وهي أن “هذا الوضع خاطئ”، على تعبير شون يوم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تمبل.
بينما تنظر واشنطن للقوات الأردنية باعتبارها جيشًا صغيرًا ولكنه قويّ، يعتقد يوم أنه يمثل “قوة حامية مجيدة”، وذلك حسب ما كتبه في فصل من كتابه الصادر حديثًا بعنوان “المساعدة الأمنية في الشرق الأوسط”. وذكر أن الجيش الأردني “دأب على مراقبة المجتمع للحفاظ على النظام الاستبدادي في الداخل أكثر من تنفيذ عمليات معقّدة”.
وفقا لشون يوم، فإن النظام الذي يدافع عنه الجيش الأردني أصبح استبداديًا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. وقد صادق الملك عبد الله مؤخرًا على قانون الجرائم الإلكترونية الذي من شأنه أن يسمح للحكومة بسجن مواطنيها لنشر “أخبار كاذبة” أو “تقويض الوحدة الوطنية” – وهي مصطلحات التي يتركها هذا القانون دون تعريف إلى حد كبير. وتأتي حملة القمع ضد حرية التعبير بعد ثلاث سنوات فقط من سحق الحكومة لنقابة المعلمين في البلاد، التي كانت في السابق بمثابة الأداة الأساسية للمعارضة السياسية في الأردن.
إذًا، ما الذي يتعيّن على الولايات المتحدة إظهاره بعد عقود من تقديم الدعم السخي للجيش الأردني؟ وماذا يمكن أن يكشف ذلك عن كيفية تعامل واشنطن مع المساعدات الأمنية؟ تحدّث موقع “ريسبونسيبول ستيت كرافت” مع شون يوم لمعرفة ذلك، مع العلم أن هذه المقابلة معدلّة من أجل الإيجاز والتوضيح.
ريسبونسيبول ستيت كرافت: تتمثل الرواية التقليدية للمساعدة الأمنية الأمريكية في أن بعض البلدان التي نساعدها استبدادية بطبيعتها، إلا أن مساعداتنا تميل إلى أن تؤدي إلى تعزيز المبادئ الديمقراطية هناك، وإذا لم تحقق الأغراض المنشودة منها فإنها على الأقل ستساعد في تعزيز قدرات الجيوش الشريكة. لكنك تصف في كتابك قصّة مختلفة. هل يمكنك التحدث عن ذلك قليلاً؟
شون يوم: عادةً ما يتم تبرير المساعدة الأمنية الأمريكية من خلال مبدأ “بناء قدرات الشركاء”. لقد أسيل الكثير من الحبر حول أهمية تحديث القوات المسلحة الأردنية والتأكد من أنها قوة مسلحة قادرة ومتماسكة وقابلة للتشغيل المتبادل ويمكنها العمل بسلاسة مع الجيش الأمريكي أو تنفيذ عمليات بمفردها للدفاع عن الأردن أو تعزيز الاستقرار الإقليمي، مثلا، من خلال عمليات مكافحة الإرهاب أو المساهمة في بعثات حفظ السلام.
تكمن المشكلة في قلة الأدلة التاريخية التي تشير إلى أن الجيش الأردني هو في الواقع قوة قتالية قوية وكفؤة، وهناك بعض الأدلة الرئيسية التي تؤكد ذلك. أولاً، لم يخض الأردن صراعا مسلحاً كبيرا منذ نصف قرن. وتقوم قواته بحفظ السلام في الخارج تحت مظلة الأمم المتحدة، ويضطلع أحيانًا بمهام لمرة واحدة على غرار الغارات الجوية التي شنها ضد تنظيم الدولة في سوريا في سنة 2014. لكن هناك القليل جدًا من الأدلة في ساحة المعركة التي تبين أن الجيش الأردني هو جيش شريك قوي وكفؤا، حسب وصف الولايات المتحدة.
والدليل الآخر أن جزءًا كبيرًا من البنية الدفاعية الأردنية قد تم نقله جزئيًا إلى الولايات المتحدة. بُني نظام مراقبة الحدود بين الأردن وسوريا من قبل شركة رايثيون من خلال المنح العسكرية والاقتصادية الأمريكية، وتتولى الولايات المتحدة مراقبة جزء كبير من المجال الجوي الأردني عن كثب كما هو الحال من قبل الأردنيين أنفسهم. لهذا السبب، يعد الوجود العسكري الأمريكي الكبير في الأردن جزءًا لا يتجزأ من مصالح الولايات المتحدة في الدفاع عن سيادة الأردن وضمان عدم توغّل المعتدين الأجانب – سواء كانوا إرهابيين أو منظمات مسلحة أو حتى دولا أجنبية – داخل المملكة الهاشمية.
يلعب الأردن وظيفة مهمة في الاستراتيجية الكبرى لواشنطن باعتباره جزءًا مهمًا من بنيتها التحتية لصناعة الحرب في الشرق الأوسط، فضلًا عن كونه واحة استقرار موالية للغرب دبلوماسيًا
نحن لا نرى جيشاً يُبنى ليكون قويا وحديثاً ومستقلاً وجاهزاً للقتال. وبدلا من ذلك، إن المبرر المهيمن – داخليا على الأقل، ونادرا ما يذكر علنًا – هو أن المساعدة الأمنية الأمريكية في الأردن مصمّمة ليس لبناء قدرات الشركاء وإنما لضمان الوصول السياسي إلى النظام الملكي الهاشمي وتليين العلاقات الأمريكية الأردنية للتأكد من أن هذا التحالف الثنائي سلس ويسمح للجانبين بتحقيق مصالحهما المتبادلة. وتتمثل مصلحة الأردن في الحفاظ على استقراره الأمني وتلقي المساعدات والأسلحة من الولايات المتحدة، وحماية سيادته. في المقابل، تهدف واشنطن إلى التأكد من امتلاكها جبهة معتدلة موالية للغرب في قلب الشرق الأدنى.
ريسبونسيبول ستيت كرافت: السؤال الأهم هو ما إذا كان النظام الملكي الحالي في الأردن قادرا على مواصلة الحكم دون الحصول على الدعم الأمريكي. بصراحة، هل تدعم المساعدات الأمريكية الحكم الاستبدادي في الأردن؟
شون يوم: أعتقد أن الأمر كذلك، ولكن مع بعض التحذيرات. الأول هو أن الأردن، من منظور مقارن، ليس فريدًا من نوعه في كونه دولة متوسطة الدخل يحتاج نظامها الاستبدادي إلى المساعدات الخارجية من أجل البقاء. التحذير الآخر هو أنني لا أعتقد بالضرورة أن الدعم والمساعدات الأمريكية هو السبب الوحيد الذي يجعل نظام الحكم الحالي في الأردن قادرًا على الاستمرار. لدى الأردن آليات البقاء الخاصة به، سواء كان يحشد الدعم من بعض الدوائر الانتخابية في المجتمع، مثل بعض المجتمعات القبلية، أو يعتمد بشدة على شركاء آخرين في المنطقة. لكنني سأقول هذا: قد لا يكون دعم الولايات المتحدة هو السبب الوحيد، لكنه سبب رئيسي وراء تمكّن الملكيّة الهاشمية ونظامها من الحفاظ على استراتيجيتها السياسية الحالية للحفاظ على السلطة، والتي لا تهدف إلى إضفاء الطابع الديمقراطي أو تخفيف القمع وإنما للحفاظ على الوضع الاستبدادي الراهن.
أعتقد أن الدعم الأمريكي هو أيضًا سبب رئيسي لعدم وجود حافز لدى القيادة الأردنية لمنح إصلاحات سياسية ذات معنى مثل الحد من الفساد ومنح المزيد من الحريات الديمقراطية، وهو ما يرغب فيه أغلبية الأردنيين بوضوح. ونحن نعرف ذلك من خلال الاستطلاعات العامة. الأردنيون واضحون جدًا في عدم رضاهم عن النظام السياسي الحالي، لكنهم يشعرون أيضًا أنه نظرًا لأن الولايات المتحدة ترفض غالبًا الضغط على الحكومة الأردنية لمنح المزيد من هذه الإصلاحات أو التنازل عنها، فإنهم يشعرون أن الولايات المتحدة متواطئة وتحافظ على الوضع الاستبدادي الراهن.
من الناحية الجيوسياسية، يلعب الأردن وظيفة مهمة في الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة باعتباره جزءًا مهمًا من بنيتها التحتية لصناعة الحرب في الشرق الأوسط، فضلًا عن كونه واحة أو جزيرة استقرار موالية للغرب دبلوماسيًا في قلب “الحزام الممزق” في الشرق الأوسط. وبسبب هذه العوامل، لا تواجه واشنطن مشكلة كبيرة في تقديم مثل هذه المساعدة العسكرية السخيّة للقوات المسلحة الأردنية. وفوق كل شيء، فإن الأردن متاخم ل”إسرائيل”. ودور الأردن في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهدفه الأساسي كشريك سلام ل”إسرائيل” يؤكد في نظر العديد من صناع السياسة الأمريكيين السبب الذي يجعلهم يستمرون في دعم تحديث وتسليح القوات المسلحة الأردنية تحت ستار بناء قدرة الشريك مع العلم أن الأردن لن يخوض حربًا في أي وقت قريب.
تعتقد واشنطن أن وجود جهاز قمع مسلح جيدًا سوف يحصنها من أي نوع من الاضطرابات الداخلية أو الإستياء الشعبي
على مستوى ما، رُسمت صورة لانتصار كبير لمصالح الولايات المتحدة هنا. هناك شعور بأن الولايات المتحدة تحصل على قطعة أرض ضخمة في وسط منطقة تعتبرها حيوية، والجانب السلبي الوحيد هو أن هذا الدعم لا يتوافق حقًا مع قيمنا المعلنة. ولكن في مقالتك، كان لديك نتيجة مختلفة. هل يمكن أن تخبرني المزيد عن هذا الموضوع؟
شون يوم: من خلال المساعدة في الحفاظ على البنية التحتية السياسية (الأردنية)، تكون الولايات المتحدة متواطئة في الركود الاقتصادي والاجتماعي المستمر في الأردن. مقابل كل دينار تنفقه القيادة الأردنية على البنود الأمنية أو العسكرية – وهو المال الذي يشعر الكثير من الأردنيين أنه ليس من الضروري إنفاقه – تقل الأموال التي يمكن إنفاقها على البرامج الاجتماعية أو التنمية الاقتصادية.
إذا نظرت إلى الاقتصاد الأردني، فمن المذهل حجم الأزمة التي وقع فيها. نحن ننظر الآن إلى معدل بطالة يتراوح بين 22 إلى 23 بالمئة بشكل عام، وهو على الأرجح أقل بكثير من الإحصائيات الحقيقية. نحن ننظر إلى ما يقارب 50 بالمئة من البطالة بين الشباب. نحن ننظر إلى الفقر، الذي يتراوح بين 25 إلى 30 بالمئة اعتمادًا على التقدير الذي نعتبره موثوقًا.
وهذا كله في بلد ينفق أيضًا ما يقارب ثلث ميزانيته سنوية على الإنفاق العسكري والأمني. لذا، فإن ما تنظر إليه بشكل أساسي عندما تفكر في الاقتصاد الأردني اليوم هو اقتصاد زمن الحرب. تسيّر الحكومة الأردنية البلاد والجيش كما لو كانت على وشك شن حرب لا يتوجب عليها شنها، وهذا له تأثير مدمر على الاقتصاد وغالبًا ما يبرر الإجراءات الأمنية الصارمة لتنظيم المجتمع ومراقبته. وأنا أعتقد أن الولايات المتحدة متواطئة في هذا التنسيق.
لقد مرّت واشنطن بتجارب مشابهة للغاية في الماضي مع بلدان أخرى حيث تعاني الأنظمة من نوع من الأزمات الاقتصادية أو السياسية العميقة، ومع ذلك فهي تعتقد أن وجود جهاز قمع مسلح جيدًا سوف يحصنها من أي نوع من الاضطرابات الداخلية أو الإستياء الشعبي. الآن، قد يكون هذا هو الحال في الأردن، لأنه من الصعب التنبؤ بالمستقبل. ولكن من المؤكد أن هذا لم يكن الحال في إيران في عهد الشاه، ولم يكن هذا هو الحال في جنوب فيتنام، ولم يكن الأمر كذلك في بعض الدول العميلة لنا في أمريكا الوسطى في السبعينيات والثمانينيات.
ومن بين الأمور التي أتمنى أن يعيد صنّاع القرار في الولايات المتحدة النظر فيها هو ما إذا كان التنسيق الحالي يصب بشكل أساسي في مصلحة الشعب الأردني أم لا. إذا قمنا بتعريف الاستقرار على أنه “دولة لا تتمتع بنظام سياسي شرعي فحسب، بل تتمتع باقتصاد مستدام وسكان راضين نسبيًا”، فإن الأردن يفشل على بعض هذه الجبهات الرئيسية. يُظهر لنا التاريخ أن هذا النوع من الإستراتيجية نادرًا ما ينجح، وأخشى من عواقبها المظلمة في الأردن، حيث من الواضح أن عدم الاستقرار لا يساعد أحدًا. ولكن الرؤية الحالية للاستقرار التي تحصنت في أذهان المشرعين الأميركيين ليست الرؤية التي أعتقد أنها سوف تكون مثمرة على المدى الطويل.
المصدر: ريسبونسيبول ستيت كرافت