جرى يوم الخميس الماضي التجديد لقوات الطوارىء الدولية المعزّزة (اليونيفيل)، العاملة في جنوب لبنان على الحدود مع فلسطين المحتلة، عاماً جديداً بعد انتهاء فترة عملها يوم 31 آب/ أغسطس، وذلك وسط جدل وشدّ وجذب بين لبنان من ناحية وأعضاء في مجلس الأمن الدولي من ناحية ثانية، على خلفية محاولة إدخال تعديلات معيّنة على وظيفتها.
تمكّن مجلس الأمن من التجديد لليونيفيل بعد الإخفاق في عدة محاولات بسبب رفض لبنان الصيغة التي قدّمتها فرنسا للمجلس، والتي أكّدت على ما هو معمول به من العام الماضي، في محاولة لبنانية لإدخال تعديل على النص الحالي الذي يتيح لليونيفيل التحرّك في مناطق عملها في جنوب لبنان، بحرّية مطلقة ومن دون إشعار الجانب اللبناني أو التنسيق معه، وبصورة معلنة أو حتى سرّية.
طالب لبنان أيضًا بضرورة التنسيق المسبق مع الجيش اللبناني المنتشر في المنطقة قبل أي تحرك لليونيفيل، وصولاً إلى الصيغة التي تمّ التراضي عليها وهي أن تقوم اليونيفيل بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية، وليس مع الجيش اللبناني، بمعنى آخر هو تنسيق سياسي مع الحكومة، وليس ميدانياً مع الجيش على الأرض.
المسار التاريخي لعمل اليونيفيل
بدأت قوات الطوارىء الدولية (اليونيفيل) مهامها في جنوب لبنان في العام 1978 إنفاذاً لقرار مجلس الأمن 425 الذي قضى بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان ونشر قوات دولية لحفظ السلام في تلك المنطقة.
ثم تحوّلت هذه القوات إلى قوات معزّزة في جنوب لبنان بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 حيث ازداد عدد عناصرها، كما توسعت رقعة انتشارها وعملها لتشمل معظم المنطقة الحدودية التي تقع جنوب نهر الليطاني، وتركّز عملها على حفظ الأمن والسلام في المنطقة وضمان عدم عودة عناصر حزب الله إلى هذه المنطقة بموجب اتفاق وقف النار الذي أُبرم في حينه، وصارت هذه المنطقة بموجب هذا الاتفاق والقرار الدولي 1701 منزوعة السلاح إلا سلاح الجيش اللبناني الذي انتشر لأول مرّة منذ الحرب الأهلية في العام 1975 في هذه المنطقة.
صار بإمكان اليونيفيل التحرك في الجنوب من دون التنسيق مع الجيش اعتباراً من 2022، ولكنّ اليونيفيل لم تمارس هذا “الحقّ” إلا في أوقات محدودة حفاظاً على علاقات طيّبة مع الأهالي في الجنوب
كما تضمّن الاتفاق تنسيق اليونيفيل تحركاتها في هذه المنطقة مع الجيش اللبناني، وعدم التعاطي مع المدنيين بشكل مباشر توقيفاً أو اعتقالاً أو أي شيء من هذا القبيل، وشهدت المنطقة على مدار السنوات الماضية العديد من المواجهات والاحتكاكات بين جنود اليونيفيل من ناحية وشبان محسوبين على حزب الله تحت عنوان الأهالي من ناحية ثانية.
كان أبرزها وأخطرها على الإطلاق الحادثة التي حصلت العام الماضي قرب بلدة “العاقبية” في جنوب لبنان عندما تعرّضت دورية من اليونيفيل لإطلاق نار مباشر في 14 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي أدّى في حينه إلى مقتل جندي إيرلندي وإصابة زملاء آخرين له، وكشف التحقيق أنّ مطلقي النار من المقرّبين جدّاً من حزب الله.
غير أنّ تعديلاً طرأ في 31 آب من العام 2022 على وظيفة ومهمّة اليونيفيل عندما أدخل مجلس الأمن الدولي تعديلاً بإضافة فقرة إلى البند 16 منح بموجبها قوات اليونيفيل حرية الحركة من دون تنسيق مع الجيش اللبناني وهو ما جاء في القرار الدولي 2650، وصار بإمكان اليونيفيل التحرك في الجنوب من دون التنسيق مع الجيش أو إبلاغه بتحركاتها اعتباراً من الأول من أيلول 2022، ولكنّ اليونيفيل وعلى الرغم من ذلك لم تمارس هذا “الحقّ” إلا في أوقات محدودة جدّاً حفاظاً على علاقات طيّبة مع الأهالي في الجنوب، وحتى لا تدخل في احتكاكات دائمة مع حزب الله.
لبنان وتعديل التعديل
هذا العام ومع اقتراب موعد التجديد لليونيفيل بذل لبنان جهوداً كثيفة في محاولة لتعديل التعديل وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء فيما يتعلّق بحركة اليونيفيل، لتقييد حرية هذه الحركة كما كان عليه الأمر في الأعوام الممتدّة من العام 2006 حتى العام 2022.
التجديد بهذه الصيغة والطريقة المبهمة يمكن أن يفتح الباب على مواجهات واحتكاكات كثيرة في الجنوب بين بيئة حزب الله بشكل أساسي وبين اليونيفيل
سعى وزير الخارجية، عبدالله بوحبيب، إلى تعديل الصيغة الحالية التي تجيز التحرك دون تنسيق مباشر مع الجيش، وحضر إلى نيويورك وانخرط بشكل مباشر في مباحثات ومفاوضات التجديد، غير أنّ محاولات بوحبيب أخفقت في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل العام 2022، وأقصى ما تمّ الوصول إليه في عملية التجديد لليونيفيل هو قبول مسألة تنسيقها مع الحكومة اللبنانية، وليس مع الجيش اللبناني ميدانياً على الأرض.
بمعنى آخر هو تنسيق سياسي لا يدخل في تفاصيل الحركة اليومية الميدانية لليونيفيل، وهو ما ضغط حزب الله من أكثر من جهة لتعديله وعدم الوصول إليه، وقد حذّر أمين عام الحزب، حسن نصرالله، في كلمة متلفزة له في 27 آب /أغسطس، أي قبل مناقشة مجلس الأمن التجديد بساعات، من أنّ منح اليونيفيل حرية الحركة سيعني مزيداً من الاحتكاك مع الأهالي في الجنوب، وقال: “يريدون من قوات “اليونفيل” أن تعمل عند الاسرائيلي وجواسيس عندهم، وحيث لا تستطيع كاميرا التجسس ان تصل المطلوب ان تقوم بذلك كاميرات اليونيفيل”. وأضاف نصرالله: “الناس في الجنوب لن يسمحوا بأن يُطبق قرار بالرغم من رفض الحكومة اللبنانية”.
هذا التجديد بهذه الصيغة والطريقة المبهمة يمكن أن يفتح الباب على مواجهات واحتكاكات كثيرة في الجنوب بين بيئة حزب الله بشكل أساسي وبين اليونيفيل، خاصة إذا لجأت هذه القوات إلى ممارسة هذا “الحق” من دون اعتبار لأي تنسيق مسبق مع الجيش اللبناني ميدانياً. أمّا إذا حرصت كما في العام الماضي على عدم استعماله إلا في حدود ضيقة جدّاً، فهي بذلك تضمن عدم التوتر مع تلك البيئة.
ولكن في مقابل ذلك أيضاً فإنّ حزب الله الذي أعاد نشر عناصره بشكل صريح وواضح في منطقة جنوب الليطاني، كما في حالة الخيمتين اللتين أقامهما في خراج بلدة شبعا المتاخمة لمزارع شبعا المحتلة، سيشعر أنّ حركته مقيّدة في ظلّ تواجد اليونيفيل وحركتها الكثيفة في المنطقة ولجوءها في أي وقت إلى التحرك المباشر وغير المعلن أو المنسق ميدايناً مع أي طرف، وهو بدوره ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول شكل العلاقة المستقبلية بين اليونيفيل من ناحية وبين بيئة حزب الله من الأهالي من ناحية ثانية. أو بين اليونيفيل وبين حزب الله بشكل مباشر.
انعكاسات على الخارجية اللبنانية
لم تمرّ مسألة التجديد لليونيفيل بهذه الصيغة (التنسيق مع الحكومة وليس الجيش) مرور الكرام، فتداعياتها طالت وزارة الخارجية اللبنانية سيّما سفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة، السفيرة أمل مدلّلي، التي اتُهمت من قبل وزير الخارجية، عبدالله بوحبيب، بعدم القيام بواجبها بشكل مهني كامل، وعدم الضغط الكافي للعودة إلى الصيغة الأولى من القرار التي تنصّ على التنسيق بين اليونيفيل والجيش؛ غير أنّ مدلّلي خرجت عن صمتها ورفضت اتهامات وزير الخارجية بل وجّهت له الاتهام بالتقصير وعدم الوفاء بموجبات الخارجية.
وأشارت في أحاديث صحفية إلى أنّها راسلت الخارجية والوزير على وجه الخصوص بخصوص التوجيهات المطلوبة لمسألة التجديد لليونيفيل في العام 2022 والعام الحالي 2023 من دون الحصول على أي توجيه سوى في الساعات القليلة التي سبقت المناقشات، وبالتالي رفضت أن تتحمّل أيّة مسؤولية عن هذا الوضع.
كما رفضت مدلّلي اتهامات ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي اتهموها بالعمل لصالح المطالب الأمريكية خاصة لناحية وضع حزب الله على قوائم الإرهاب التابعة للأمم المتحدة.
هو تجديد لعمل قوات الطواىء الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان جاء هذه المرّة على زغل، وترك بعض الندوب في أكثر من مكان، وهو ما يمكن أن يشكّل مادة لتفجير الأوضاع الملتهبة أساساً عند طرفي الحدود بمقدار ما يمكن أن يشكّل مادة للضغط على الأطراف المعنية لقبول الترسيم البرّي بعد أنّ تمّ الاتفاق على الترسيم البحري العام الماضي.