مثّل فتح الأرشيف السرّي لأمن الدولة، أحد أبرز مطالب ثورة يناير في تونس، خاصة بعد حلّ جهاز هذه الإدارة الأمنية في مارس 2011، إلا أنّ هذا المطلب لم يتحققّ ولم يرى النور بعد لأسباب عدّة أهمها
طلب ألماني بفتح الأرشيف السياسي
في مقر “هيئة الحقيقة والكرامة”، المكلّفة بالتقصي في انتهاكات حقوق الإنسان طيلة حقبة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، حثّ، رولان ياهن، المفوض الألماني الخاص بأرشيف أمن الدولة لألمانيا الشرقية (الديمقراطية) سابقا، تونس على إتاحة الأرشيف السياسي للجمهور، لتعزيز الديمقراطية في البلاد.
قرّر وزير الداخلية آنذاك فرحات الراجحي، حلّ جهاز أمن الدولة والبوليس السياسي وعزل أكثر من 40 إطارا أمنيا
وقال رولان ياهن في ندوة صحفية مشتركة مع رئيسة هيئة الحقيقة سهام بن سدرين التي ما فتئت تطالب بضرورة اطلاع هيئتها على الأرشيف السياسي للدولة، لكشف الانتهاكات الحاصلة في الماضي وممارسات البوليس السياسي، ” الاطلاع على ماضي الدكتاتورية يمكننا من ممارسة أفضل للديمقراطية”، مؤكّدا ” أهمية الكشف عن الأرشيف السياسي لفهم الماضي.”
وفي السابع من مارس 2011، قرّر وزير الداخلية آنذاك فرحات الراجحي، حلّ جهاز أمن الدولة والبوليس السياسي وعزل أكثر من 40 إطارا أمنيا، وجاء في بيان صادر عن وزارة الداخلية أن الوزارة “شرعت في اتخاذ إجراءات تتمثل في إلغاء إدارة أمن الدولة، والقطع نهائيا مع كل ما من شأنه أن يندرج بأي شكل من الاشكال تحت منطوق “الشرطة السياسية” من حيث الهيكلة والمهمات والممارسات، وتأكيد التزام وزارة الداخلية بالقانون واحترام الحريات والحقوق المدنية”.
رولان ياهن المفوض الألماني الخاص بأرشيف أمن الدولة لألمانيا الشرقية
وأوضحت وزارة الداخلية في بيانها أن هذه “الاجراءات العملية جاءت تماشيا مع قيم الثورة ومبادئها والتزاما باحترام القانون نصا وممارسة وتكريسا لمناخ الثقة والشفافية في علاقة الامن بالمواطن وحرصا على معالجة السلبيات المسجلة في ظل النظام السابق في مستوى هذه العلاقة.
إلاّ أن حلّ إدارة أمن الدولة وإقالة الأمنيين العاملين فيها لم يؤدّي إلى إتاحة أرشيفها أمام المواطنين للاطلاع عليه والاطلاع على ممارسات هذه الإدارة التي كانت وراء التنكيل بالمعارضين مقابل حماية الدولة والنظام.
سبق لهيئة الحقيقة والكرامة أن طالبت، في مرّات عديدة، بضرورة تمكينها من النفاذ إلى ارشيف البوليس السياسي
ويوصف نظام بن علي بالنظام البوليسي، حيث كان يعتمد على قوات الأمن وخاصة عناصر الشرطة السياسية (البوليس السياسي) والمخبرين لتتبّع معارضيه واقتفاء أخبارهم وتحركاتهم والتضييق عليهم والتنكيل بهم داخل السجون وفي مراكز الإيقاف وخارجها.
وسبق لهيئة الحقيقة والكرامة أن طالبت، في مرّات عديدة، بضرورة تمكينها من النفاذ إلى ارشيف البوليس السياسي والحصول على وثائق تمكّنها من كشف عدد حقائق هذا الجهاز لما في ذلك من أهمية لبناء ديمقراطية متجذرة وكشف للمظالم.، إلاّ أن مطالبها قوبلت بالرفض.
فتح أرشيف أمن الدولة يمثّل أكبر زلزال في تاريخ تونس الحديث
اعتبر الأستاذ الجامعي والسجين السياسي السابق سامي براهم، أن فتح أرشيف أمن الدولة يمثّل أكبر زلزال في تاريخ تونس الحديث، وقال براهم في تصريح لنون بوست، فتح أرشيف أمن الدولة والبوليس السياسي يعني أكبر زلزال في تاريخ تونس الحديث والمعاصر.
فتح هذا الملف ستتضرر منه مؤسسات الدولة والطبقة السياسي
مؤكّدا أن قرار فتح هذا الأرشيف ليس سهلا، وقال في حديثه لنون، ” فتح الأرشيفات من هذا النوع تقوم به الثورات الدموية أو التعاقدات القوية وهذا غير متوفر في الثورة التونسية.” وتابع، ” فتحه خاضع لموازين القوى، لصالح الإصلاح الجذري بما يقتضيه من تكلفة باهظة أو الإصلاح الجزئي الخارجي.”
سامي براهم، سجين سياسي سابق
وعن المتضررين من فتح هذا الأرشيف وإتاحته للعموم، أكّد سامي، أن فتح هذا الملف ستتضرر منه مؤسسات الدولة والطبقة السياسية بأسرها لذلك ليس لها مصلحة في فتحه، فلا يمكن أن يفتحه المتضررون من فتحه، فهم بهذا يقدمون دليل إدانتهم، حسب قوله.
العدالة الانتقالية تحتاج فتح الأرشيف
من ضمن أهداف فتح الأرشيف التعرّف على جرائم الماضي لتفاديها في الحاضر والمستقبل وتحقيق العدالة الانتقالية، وفي هذا الشأن يقول سامي براهم لنون بوست، “العدالة الانتقالية تحتاج فتح الأرشيف للاسترشاد حول ملفات بعينها قدمها أصحابها وهذا لا يقتضي فتح كلّ الأرشيف الموجود بل جزء منه.
الممسك بهذا الأرشيف هو المعني به أي المنظومة القديمة”
وأرجع براهم سبب عدم إتاحة الأرشيف السياسي للعموم إلى “امكانية غياب إرادة سياسية ووطنية لمعرفة سياسات النظام القديم لتفكيكه وإصلاحه لأنّ الممسك بهذا الأرشيف هو المعني به أي المنظومة القديمة”، حسب قوله.
وختم بقوله، “في رأيي الشخصي البلد غير مهيّأ لفتح هذا الأرشيف خارج إجماع وطني على فتحه، ولكن هذا لا يمنع من إنارة العدالة الانتقالية في الملفات المعروضة لديها للقيام بمهامها المحدّدة”
وينتظر عديد التونسيين، منذ سنوات، فتح هذا الأرشيف لجهاز أمن الدولة للتعرف على جرائم النظام زمن بورقيبة وبن علي وكيف كانت قوات الأمن والمخبرين التابعين إليها يعذبون المعارضين وينتهكون الحرمات.