ماذا بقي للمعارضة المسلحة بعد هزيمة وادي بردى بسوريا؟ وكيف سيستغلها النظام ومن خلفه إيران وحزب الله اللبناني؟، وكيف تشكل قرى الوادي أهمية استراتيجية للفئات المتناحرة على التورتة السورية؟، وما هي الوجهة المقبلة للمعركة، إذا ما بقيت الظروف في سوريا تسمح باستكمال المعارك؟، وهل يشكل اتفاق وقف إطلاق النار الآن نعمة أم نقمة لكل من النظام والمعارضة؟، وكيف سيؤثر هذا السقوط على واقع الفصائل بإدلب؟، أسئلة كثيرة يطرحها المحللون في ظل الواقع الجديد الذي فرضته ظروف سقوط الوادي الأهم والأخير تقريبا للمعارضة المسلحة حول العاصمة دمشق، ويمثل خزان المياه المغذي لدمشق، بعد نحو شهر من خروجها من مدينة حلب، في أكبر انتصار لجيش النظام السوري.
خريطة سابقة تظهر سيطرة المجموعات المسلحة على 10 قرى في منطقة وادي بردى بريف دمشق
واقع جديد
الواقع الآن يقول إن هذا التقدم الجديد يتيح للنظام السوري تعزيز أمن العاصمة، وكأن دمشق تتحرك شيئا فشيئا إلى امتلاك زمام المبادرة، للمرة الأولى منذ ما يقرب الست سنوات، وفرض وزنها العسكري على الأرض، لكن ذلك لا يتم بمعزل عن الحليف الروسي، والذي وإن كان قد قدم ضمانات للجميع في أستانة.
إلا أنه لم يتحرك ميدانيا إلا لفرض واقع جديد، وتأمين غطاء للنظام وأمامه طهران وحزب الله، لفرض الأمر الواقع، وخصوصا أن الفصائل المعارضة لم تعد تسيطر سوى على مناطق في الغوطة الشرقية قرب دمشق، وبات وجودها يقتصر -إلى جانب إدلب-، على بعض المناطق في درعا (جنوب) وحمص وحماة (وسط) وفي محافظة حلب، كما من شأن الاقتتال الدائر هناك بجبل الزور بين الفصائل، الإسلامية منها والجهادية، أن ينعكس سلبا عليها، خصوصا وأن سقوط وادي بردى يدعم استراتيجية النظام وحزب الله وإيران، المتبعة منذ أكثر من ثلاث سنوات، والتي تقضي بإنهاء تواجد الفصائل المعارضة حول العاصمة، وتجميعها في منطقة واحدة، يسهل من التعامل معهم والقضاء عليهم، كما حدث من قبل في حلب، ويتم التجهيز له الآن بإدلب.
وحاليا لم يبق لدى الفصائل المعارضة بشكل أساسي قرب دمشق سوى بعض المناطق في الغوطة الشرقية، وهي المناطق التي يوسع جيش النظام منذ أشهر عملياته العسكرية فيها.
الغوطة هدف جديد للنظام
ورقة تفاوضية
في البداية كان المحللون يرون أن حزب الله وإيران، يضعان هذه المنطقة في وضع المقايضة مع كفريا والفوعة المحاصرتين بريف إدلب، ولكن، بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، استناداً إلى الاتفاق الروسي التركي سقطت هذه المعادلة، وجاء التصعيد في بردى رفضاً للاتفاق الذي لم يشمل تطبيق المطالب الإيرانية، وأصرّ حزب الله والنظام على تحقيق انتصار في تلك المنطقة، أولاً لرد الاعتبار، وثانياً لتأكيد أن هناك منطقة نفوذ لا يمكن لأحد أن يكون صاحب القرار فيها غير إيران، وأذرعه بينها حزب نصرالله.
تفريغ ديموغرافي
النقطة الأهم والتي تمنح النظام وخلفه إيران وحزب الله أفضلية، أن هذه المنطقة الاستراتيجية تقع ضمن الجغرافيا التي عمل هذا الجمع على تغيير ديمغرافيتها، وتهجير سكانها السنة منها تباعا، وإفراغها منهم، وتبدأ من جنوب دمشق ومحيطها، وصولاً إلى ريفها في القلمون ثم حمص.
لكن في المقابل يحمل بعض المحللين جانب من فصائل المعارضة جزء من المسئولية ، كونها هي من فتحت المعركة بقطع المياه عن دمشق، كنوع من المزايدة على فصائل معارضة أخرى، وافقت على الذهاب إلى مؤتمر أستانة، ولولا ذلك لما كان النظام وحزب الله قد فكر – على الأقل الآن- في شن هجومه على تلك القرى، وهي كانت ساقطة من حيث المبدأ لكنها متروكة للتفاوض!!.
حزب الله يهيمن على وادي بردي
طريق استراتيجي
الواقع السياسي يجزم بأن حزب الله أصبح يسيطر على معظم المناطق المحيطة بدمشق وريفها، ولديه توجه أساسي للسيطرة على المنطقة كلها، أي على دمشق الكبرى، لتشكيل حزام آمن حولها، لذا، فإن ما تبقى أمامه هو السيطرة على الزبداني ومضايا، اللتين يعتبرهما جاهزتين للسقوط، لكنهما متروكتان للعبة التفاوض والتوازنات، لأن السيطرة الكاملة عليهما تعني أن الحزب ربط القلمون بتلك المنطقة عبر سهل رنكوس، كما تبقى أمامه منطقة الغوطة الشرقية، والناحية الجنوبية الغربية لدمشق كبيت جن والقرى المحيطة بها.
هدنة أستانة مهددة
توازنات إقليمية
المتبقي الآن وفق المراقبين هو سقوط الهدنة في أي وقت، ليتحرك حزب الله باتجاه جنوب غرب العاصمة وتحديداً بيت جن، لتأمين خط الحماية لدمشق، وخط الحماية لبعض مناطق الجنوب اللبناني، وإن كانت أي معركة من هذا النوع ستكون خاضعة لتوازنات إقليمية أوسع، في ظل واقع منطقتي تدمر وريف حمص الشرقي، خصوصاً أن هذه المنطقة تعتبر الأهم بالنسبة إلى الحزب وإيران، لأنها ترتبط بالبادية السورية التي تتصل بالعراق، وهي الخط المعتمد لتمرير طهران شحنات التسليح والدعم للحزب، وهي الخط الواصل من إيران ولبنان عبر العراق وسوريا.
انتشار لحركة أحرار الشام بريف إدلب
إدلب في الصورة
لكن السؤال الأهم الآن، ماذا عن إدلب؟ بعد نزوح كل فصائل المعارضة المسلحة إليها، بل وتحولها لما يشبه السجن المفتوح لتلك الفصائل، والمدنيين الذين يتم إجلاؤهم من مناطق سيطرتهم التي تسقط تباعا.
ما يثير الخوف على إدلب الآن، وهو نفس ما حذرنا منه مسبقا هنا في “نون بوست” من أن ارتفاع حدة التوتر، والمعارك غير المسبوقة بين الفصائل المسلحة، وهي المعركة التي تقودها كل من حركة أحرار الشام من جهة، وجبهة فتح الشام (النصرة سابقا) من جهة ثانية، وهو ما سيمنح النظام فرصة العمر لتكرار ما فعله بحلب، وهذه المرة ستكون الثورة السورية قد كتبت نهايتها بأياد أبنائها ومطامعهم.
لقاء هام بين لافروف وشخصيات من المعارضة في موسكو
معارضة بنكهة جديدة
تأزم موقف المعارضة المسلحة في إدلب آخذ في التطور، خصوصا بمنطقة جبل الزاوية، بعد أن أعلنت فصائل عدة بينها “صقور الشام” و”جيش المجاهدين”، الانضمام إلى حركة أحرار الشام، فيما اختارت أخرى بينها جبهة فتح الشام، وحركة نور الدين الزنكي المدعومة من تركيا، أن تحل نفسها، لتندمج سويا تحت مسمى “هيئة تحرير الشام”، وكأن مؤتمر أستانة كان بمثابة نقمة على الثورة، وليس منقذا لها.
وزادت حدة المعارك بين جبهة فتح الشام “النصرة سابقا”، وألوية صقور الشام، مستخدمين الرشاشات الثقيلة، ومدافع الهاون، حيث تحاول النصرة السيطرة على جبل الزاوية، وبالتالي مقرات جيش الإسلام، كنوع فيما يبدو من النكاية في باقي الفصائل التي شملها اتفاق أستانة، الذي أقر مبدأ أن من يمتلك القوة على الأرض، هو من يمتلك القدرة على التفاوض.
اتفاق مشبوه
مع الوضع في الاعتبار أن اتفاق وادي بردى لترحيل فصائل المعارضة من المدينة إلى إدلب، تم بين قوات النظام وميليشيا حزب الله وإيران، وبين فصائل من المعارضة لم تشملها أية اتفاقات سابقة، ولم يسبق لها أن تفاوضت مع النظام من قبل، مع ربط الأمر باتفاق أستانة، واجتماع وزير الخارجية الروسي لافروف في موسكو مع بعض المعارضة السياسية، يمكننا التوصل إلى نقطة هامة، توحي بأن روسيا تعمل خفية على خلق فصائل وقادة معارضة سياسية جدد على قياسها، وبالتالي قد نشهد في مقبل الأيام توسع للجبهة الوليدة “تحرير الشام”، وبالتالي جبهة النصرة، وتمتلك قوة على الأرض في إدلب، وهو ما يمهد لها حضورا قويا في أية مفاوضات مقبلة، وفق مبدأ أستانة حول “القوة والتفاوض”.
زمن ما بعد حلب
خلاصة الأمر أن ما حدث في وادي بردى، وما قد يحدث في مناطق أخرى خلال المراحل المقبلة، هو أزمة أبعد من الحدود السورية، وتعتبر مجرد ورقة لممارسة الضغوط السياسية على القوى الإقليمية، خصوصا تركيا في معركتها بمدينة الباب، وربما الرقة فيما بعد ضد داعش، وبات ما يحكم الأرض الآن هو ما يمكن وصفه في تاريخ الثورة السورية بـ ” زمن ما بعد حلب” أو بمعنى سياسي واضح “زمن الحل السياسي” وليس رحيل النظام.