ترجمة وتحرير نون بوست
حملة غير مسبوقة، باتت تستهدف جماعات حقوق الإنسان فضلاً عن الناشطين الحقوقيين في مصر، من قبل حملة “تصيد” معقدة، وذلك وفقًا لتحقيق مشترك من قبل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية و”سيتيزن لاب”.
تتزامن الحملة التي أطلقت التقارير عليها اسم “نايل فيش”، مع حملة غير مسبوقة ضد المجتمع المدني في مصر، على مدى السنوات القليلة الماضية حيث تعرضت المنظمات غير الحكومية وموظفوها للاستجواب والاعتقالات وحظر السفر وتجميد الأصول والإغلاق القسري والمحاكمات طويلة المدى، وذلك بسبب اتهامات بتلقي تمويل أجنبي لزعزعة استقرار البلاد.
طبيعة الهجمات التي تمت على مدى الأشهر القليلة الماضية ومدى تعقيدها، يثبت أن الحملة تنسق بشكل مباشر من قبل وكالة الاستخبارات المصرية
وفي الواقع، تشمل أهداف هجمات التصيد سبعًا من أبرز مجموعات حقوق الإنسان (بما في ذلك المبادرة المصرية)، المتهمة في قضايا التمويل الأجنبي، وتشمل المجموعات معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان واللجنة المصرية للحقوق والحريات و”نظرة” للدراسات النسوية.
ووفقًا للمبادرة المصرية و”سيتيزن لاب”، فقد استهدفت الحملة أيضًا عددًا قليلاً من الأفراد، من بينهم المحامين والصحفيين والناشطين السياسيين، كما قال باحثون في المبادرة المصرية إن طبيعة الهجمات التي تمت على مدى الأشهر القليلة الماضية ومدى تعقيدها، يثبت أن الحملة تنسق بشكل مباشر من قبل وكالة الاستخبارات المصرية.
على الرغم من أن التحقيق لم يتضمن أدلة قاطعة على تورط الحكومة في الحملة، فإن المبادرة المصرية تقول إن توقيت الهجمات واختيار المنظمات المستهدفة، إضافة إلى أدلة أخرى للمراقبة الإلكترونية التي تمارسها الدولة، واستهداف المجتمع المدني، تشير بقوة إلى تورط إحدى وكالات الاستخبارات في البلاد.
في هذا السياق، قال المدير التنفيذي للمبادرة المصرية جاسر عبد الرازق: “ليس لدي أي شك في أن وكالة حكومية متورطة في هذه الحملة، فمن يكون مهتمًا ومستعدًا لاستثمار الوقت والجهد في هذا النوع من الهندسة الاجتماعية المنسقة، باستثناء الدولة؟”.
“التعقيد يكمن في الخداع، وليس في التكنولوجيا، وما يميز هذه الحملة هو مدى ارتباطها بما يحصل بصفة يومية ومستمرة في مصر”
في المقابل، لم يصل الباحثون من “سيتيزن لاب” لنفس النتيجة، بل كان تحليلهم يقتصر على ما يمكن إثباته من وجهة نظر تقنية. وتجدر الإشارة إلى أن “التصيد” هو محاولة خداع بهدف الحصول على معلومات شخصية مثل كلمة المرور الخاصة بحساب ما، وذلك عن طريق إرسال رسالة بريد إلكتروني خادعة، وقد حدد التحقيق أكثر من 90 هجومًا بين 24 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 و31 من كانون الثاني/ يناير 2017.
وفي المرحلة الأولى من الحملة، تلقى موظفو المنظمات غير الحكومية رسائل إلكترونية تحتوي على روابط وثائق من “غوغل” و”دروب بوكس”، فيها معلومات حساسة عن حملة التصيد التي تقوم بها الحكومة.
وعن هذه الحملة، تحدث جون سكوت ريلتون، أحد المشاركين في تقرير “سيتيزن لاب”، قائلاً: “التعقيد يكمن في الخداع، وليس في التكنولوجيا، وما يميز هذه الحملة هو مدى ارتباطها بما يحصل بصفة يومية ومستمرة في مصر”، وأهم مثال على ذلك هو ما حصل يوم 7 من كانون الأول/ ديسمبر، عندما تم اعتقال المحامية والناشطة عزة سليمان بشكل غير متوقع من منزلها.
وبعد ساعات قليلة من اقتيادها إلى السجن، تلقى عدة موظفين في منظمات غير حكومية رسالة إلكترونية، تحتوي ملف “بي دي إف” محملاً على برنامج “دروب بوكس”، يزعم احتواءه على ملف الشرطة حول اعتقال عزة سليمان، ولكي يتم فتح الملف، يجب إدخال كلمة السر لبرنامج “دروب بوكس” في صفحة يتحكم فيها منفذ الهجوم، وفي هذا الصدد، قال رامي رؤوف وهو تقني باحث في المبادرة المصرية: “التوقيت يشير إلى تنسيق حكومي، لا يمكن لأحد أن يكون قادرًا على استخدام هذا النوع من الهجمات، من خلال استغلال مذكرة اعتقال عزة سليمان، بهذه السرعة، إن لم يكن يعرف مسبقًا أنه سيتم اعتقالها”.
المرحلة الثانية من حملة الخداع، تتمثل في إرسال رسائل تحذيرية، مثل محاولات تسجيل الدخول المشبوهة أو دفع المستخدم لاستعمال كلمة مرور حساب ما، وقد أرسلت شركة “غوغل” رسائل لأعضاء وموظفي المنظمات غير الحكومية، محذرة من وجود مهاجمين مدعومين من قبل الحكومة يحاولون سرقة كلمات المرور.
وفي الحقيقة، تتزامن هذه الحملة مع جهود الحكومة المصرية لتعزيز قدراتها فيما يتعلق بالرقابة الإلكترونية، حيث اشترت وكالات استخبارات الدولة تقنيات مراقبة قوية من شركات أوروبية، بما ذلك برنامج نظام تحكم عن بعد، أسسته شركة تجسس إيطالية.
مصر تتجه نحو التحول إلى دولة بوليسية، منذ ثلاث سنوات ونصف، وهذا ما تفعله في دولة بوليسية تُستخدم فيها التكنولوجيا لتبادل الآراء
بالإضافة إلى ذلك، تحاول السلطات المصرية منع استخدام تطبيق الرسائل المشفرة “سيغنال”، على الرغم من محاولات الشركة المنتجة للتطبيق التغلب على الرقابة، وفي هذا السياق قال عبد الرازق: “لا أعتقد أن الأمر سيتوقف”، مؤكدًا أن “مصر تتجه نحو التحول إلى دولة بوليسية، منذ ثلاث سنوات ونصف، وهذا ما تفعله في دولة بوليسية تُستخدم فيها التكنولوجيا لتبادل الآراء”.
وتأتي هذه الهجمات، في ظل التقارب بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي دعا إلى مراقبة أشد للمساجد في الولايات المتحدة، وقد وصف ترامب السيسي بأنه “رجل رائع”، عقب لقاء جمعهما في أيلول/ سبتمبر المنصرم، كما كان الرئيس المصري أول رئيس يهنئ ترامب، بعد أن فاز في الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وبعد تنصيب الرئيس الأمريكي، كان السيسي ثاني رئيس يتحدث معه بعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
والجدير بالذكر أن كلاً من ترامب والسيسي ناقشا سبل مكافحة “الإرهاب والتطرف”، وذلك وفقًا لبيان صادر عن مكتب الرئيس المصري، كما أنه من المرجح أن تجمع زيارة محتملة بين الرئيس الأمريكي ونظيره المصري في واشنطن.
المصدر: الإنترسبت