قرار آخر تصعيدي من قبل الرئيس اليمني المدعوم دوليًا، يؤكد انسداد العملية السياسية في بلد يُحاصر شعبه برًا وجوًا وبحرًا ويصارع الموت من الجوع يوميًا لأن يبقى حيًا كريمًا في أرض كانت تعرف تاريخيًا بالأرض السعيدة.
فقرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بنقل جلسات البرلمان من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن وإلغاء جميع القرارات الصادرة عنه، منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، يثير موجة من الجدل الدستوري والقانوني عن أهمية ذلك القرار في الوقت الراهن سياسيًا وعسكريًا.
وجاء قرار هادي، مستندًا إلى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وعلى نص المادة (66) من دستور الجمهورية اليمنية والمادة (5) من قانون اللائحة الداخلية لمجلس النواب اليمني، بحسب ديباجة القرار الرئاسي، الذي قال إنه جاء وفقًا للظروف القاهرة وللأوضاع الأمنية والخطر الذي يهدد حياة أعضاء مجلس النواب وعدم تمكنهم من أداء مهامهم التشريعية والقانونية في مقر المجلس بالعاصمة صنعاء.
أسباب النقل
لا يبدو أن الرئيس اليمني لديه أسباب سياسية مقنعة، جعلته يتخوف على حياة أعضاء البرلمان اليمني أو على سير أدائه وينقله إلى العاصمة الاقتصادية والتجارية عدن، أولاً لكون القرار جاء متأخرًا، وكان يفترض عليه إجراء دستوري أو قانوني لاتخاذ مثل هكذا القرار، وثانيًا أن غالبية أعضاء البرلمان من حزب المؤتمر الشعبي العام الذين يعتبرون أن شرعية هادي باتت في العدم، وهو يرى أن البرلمان غير شرعي دونه.
لكن من الواضح أن هادي منح البرلمان شرعية إضافية واعتراف مهم في الوقت الراهن بأهميته، وكونه سلطة تشريعية يتم الاعتماد عليها، وبالتالي فإن اعترافه يضع حكومته – التي لم تنل الثقة من البرلمان اليمني كحكومة ” الإنقاذ” التابعة للحوثيين – على المحك.
هناك إجراءات سرية تجري على قدم وساق لإعلان دولتين في اليمن، وبدعم التحالف العربي الذي بات يعمل في هذا الاتجاه
غير أن القرار يعد ورقة يناور بها للتخفيف على ما تسرب يوم 27 من يناير 2017 من إصدار وزارة العدل التابعة لحكومة صنعاء، مذكرة رسمية للبرلمان اليمني تدعوه إلى المصادقة عليها، طالبت فيها برفع الحصانة البرلمانية عن ثلاثة من أسرة الشيخ القبلي الراحل عبد الله بن حسين الأحمر هم أعضاء في البرلمان وهم حميد ومذحج وهاشم الأحمر، إضافة إلى نائب الرئيس الحالي اللواء علي محسن الأحمر، بسبب حادث تفجير دار الرئاسة في العام 2011، ويبدو أن قرار النقل جاء خشية من إضفاء شرعية لذلك القرار الموجه ضد ثلاثة من أبرز قيادات حزب الإصلاح “الجناح السياسي لجماعة الإخوان في اليمن”.
إضافة إلى ذلك، فهو يحاول أن يعمل على نزع أهم سلطة تشريعية في اليمن من بين أنياب الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، لكونه يعطي شريعة دستورية إلى الحوثيين في صنعاء ومجلسهم السياسي، لكن القرار متأخرًا، لأن الوقت الذي أضاعه هادي في ذلك سمح لتحالف صنعاء بممارسة الكثير من خطواتهم تحت غطاء البرلمان، ولعل أبرزها إقرار تشكيل المجلس السياسي الأعلى والحكومة التابعة له، والتي نالت ثقة البرلمان.
إضافة إلى ذلك، فإن الرئيس اليمني يخشى من أن يكون هو المستهدف القادم بعد نائبه وأعضاء بارزين في حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن) من خلال اتهامه بالخيانة العظمى وفقًا للمادة 182 من الدستور اليمني.
وتنص المادة 128 من الدستور اليمني على “يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بخرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد بناءً على طلـب من نصـف أعضاء مجلـس النـواب ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضائه ويبين القانون إجراءات محاكمتـه، فإذا كان الاتهام موجهًا إلى رئيس الجمهورية ونائبـه تباشر هيئة رئاسة مجلس النواب مهـام رئاسة الجمهورية مؤقتًا حتى صدور حكم المحكمة، ويجب أن يصدر القانون المشار إليه خلال دور الانعقاد العـادي الأول لمجلس النواب التالي لسريان هذا الدستور وإذا حكم بالإدانة على أي منهما أعفي من منصبه بحكم الدستور مع عـدم الإخـلال بالعقوبات الأخرى وفي جميع الحالات لا تسقط بالتقـادم أي من الجرائـم المذكـورة في هـذه الـمـادة”.
دستورية النقل
في بنود القرار الذي حمل رقم (19) لسنة 2017م، فقد استند الرئيس إلى المادة رقم 66 من الدستور اليمني التي تنص على أن “مقر مجلس النواب في العاصمة صنعاء، وتحدد اللائحـة الداخلية الحالات والظروف التي يجوز فيها للمجلس عقد اجتماعاتـه خارج العاصمة”، واعتمد أيضًا الرئيس اليمني على المادة رقم (5) من اللائحة الداخلية للبرلمان اليمني في قرار النقل والتي تنص هي الأخرى على أن “مقر مجلس النواب العاصمة صنعاء، ولا يجوز للمجلس عقد اجتماعاته خارج العاصمة إلا لظروف قاهرة يستحيل معها انعقاد المجلس داخل العاصمة بناءً على دعوة من رئيس الجمهورية أو بناءً على اقتراح من هيئة رئاسة المجلس ويوافق على الاقتراح أغلبية أعضاء المجلس”.
وبالعودة إلى الدستور اليمني ولائحة البرلمان وأعضائه الذين يشكلون غالبيته من حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فإن هذا القرار غير قابل للتنفيذ لأسباب كثيرة لعل أهمها أن عدن غير آمنة، وكذا لأن الدستور حدد أن العاصمة صنعاء مقر للمجلس وحدد ظروف نقل المجلس باللائحة وأناطها بصلاحية المجلس لا صلاحية الرئيس، بالإضافة إلى صعوبة توفر نصاب انعقاد المجلس في عدن واستحالة اتخاذ القرارات التي تحتاج إلى أغلبية خاصة.
من الواضح أن هادي منح البرلمان شرعية إضافية واعتراف مهم في الوقت الراهن بأهميته، وكونه سلطة تشريعية يتم الاعتماد عليها
وهذا يثير الجدل، إن كان الرئيس اليمني ذاته لا يعرف الدستور أو غير واع لبنوده، كون دعوته للبرلمان بأن يعقد خارج العاصمة صنعاء بسبب ما اعتبرها الظروف القاهرة، يتطلب موافقة 142 نائبًا من إجمالي قوام المجلس من الأعضاء الذين هم على قيد الحياة البالغ عددهم 276 عضوًا، وهم أنفسهم الذين ساعدوا على اكتمال النصاب للمجلس في عقد أول اجتماع له بعد عودته في 13 من أغسطس الماضي.
كيف سيكون رد البرلمان؟
مثلما تعامل البرلمان اليمني عقب إلغاء ما يسمى بـ”الإعلان الدستوري” للحوثيين، بتجاهل تام لاستقالة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي أو الإشارة إليه من قريب أو بعيد، يبدو أنه سيتعامل مع قرار نجل جلساته بتلك الطريقة ذاتها، على اعتبار أن القرار معدوم من الأصل، لعدة أسباب.
أولًا: يعتبر البرلمان اليمني أن الرئيس عبده ربه منصور هادي، انتهت شرعيته في فبراير 2014، وهي المدة المحددة بأن تنتهي فترته كرئيس انتقالي للبلاد في الاتفاق الموقع عليه في الرياض بين الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ومعارضيه، والتي باتت تعرف بالمبادرة الخليجية، ومما يؤكد ذلك تجاهله المستمر في عقد جلساته المتعاقبة من عودته في آغسطس الماضي بناء على اتفاق سياسي بين الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام في 28 من يوليو 2016 والذي تمخض عنه تشكيل المجلس السياسي الأعلى وإعلان “حكومة إنقاذ” يديرها الحوثيون وصالح في صنعاء.
ثانيًا: سيستمر البرلمان بتجاهل أي قرارات تخصه من قبل هادي، وربما قد نشاهد خلال الفترة المقبلة تصعيدًا مشابهًا من صنعاء كما هو معتاد، وهو محاكمة الرئيس هادي بتهمة الخيانة العظمى على غرار القرار الذي اتخذ بمحاكمة نائبه علي محسن الأحمر.
أهمية القرار؟
صدور القرار جاء في وقت أصبحت الحرب فيها مستعرة ونيرانها تلهث في غالبية المناطق اليمنية منها البحرية والبرية، وهذا القرار من شأنه أن يعمل على تسجيل اختراق في جدار التحالف الحوثي وصالح، لشق الصف بينهما، وهو توقيت حساس متزامن مع الهجوم الإعلامي المتبادل بين الطرفين (الحوثي/ صالحي)، وتراجع دور الحوثي ميدانيًا لا سيما في الشريط الساحلي أين تعرضوا لنكسة كبيرة، ليأتي الحرس الجمهوري وينقذهم من سقوط مروع.
قرار الرئيس هادي في هذا الوقت يربك تحالف الحوثي وصالح عسكريًا، أو يتوقع منه أن يزيد إشعال الخلاف بينهما وهو ما يمكن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وحكومة الرئيس هادي من استغلال ذلك لتحقيق نصر كبير على الأرض، وهذا لن يحدث إلا في حالة تذمر القيادات العسكرية في الحرس الجمهوري من أساليب الحوثيين وهجومهم على صالح أو حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو ما قد يؤثر على أدائهم القتالي أو ربما يدخلون في مفاوضات سرية مع حكومة هادي نكاية بأساليب الحوثيين التي بدأت تطفو خلال الفترة الحالية.
ليس مستبعدًا أن يدعو هادي إلى عقد جلسات البرلمان لعدد معين من أعضائه في عدن ربما تكون غالبيتها جنوبية
لن يكون هذا الأمر غريبًا وليس ببعيد أن يحدث، لا سيما أن المحاولات من قبل الحوثيين مستمرة في ابتزاز واستفزاز القيادات العسكرية للحرس الجمهوري اليمني، إضافة إلى توظيف وسائل إعلام مقربة من مكتب عبد الملك الحوثي كصحيفة الهوية أو قيادات فيهم كمهدي المشاط وهو أيضًا يحمل صفة مدير مكتب زعيم الجماعة بالهجوم المتكرر على صالح، وهو ما قد يكون أحد أسباب سقوطهم خلال الفترة القادمة.
ولكي تحقق الحكومة المعترف بها دوليًا تلك الأمنيات، أو يحقق التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية نصرًا تاريخيًا في اليمن المترنح، يجب عليها الأخرى تسجيل اختراق في جدار تحالف الحوثي وصالح، وتنسق مع الرئيس اليمني السابق، فدونه لا يمكن أن تحقق النصر وستبقى الحرب في اليمن تراوح مكانها وبين كر وفر، وإن فتحت جبهات عدة اليمن كما هو الحاصل الآن.
الخلاصة
قرار الرئيس اليمني بنقل جلسات البرلمان اليمني إلى عدن من شأنه أن يسجل اختراقًا في جدار تحالف الحوثي وصالح، ويربك العمليات العسكرية مستغلاً الخلافات القائمة بينهما، لكن ذلك لن يتحقق إلا بعمليات دقيقة ومدروسة، وتنفيذ نقل جلسات البرلمان إلى عدن على أرض الواقع سيصطدم بعراقيل كبيرة أهمها عدم قدرة هادي تأمين النصاب لعقد جلساته في عدن، هذا إذا تم تجاوز المادة الخامسة من اللائحة الداخلية للبرلمان التي تشترط بأن يوافق غالبية أعضاء البرلمان على هكذا قرار.
لكن ليس من المستبعد أن يدعو هادي إلى عقد جلسات البرلمان لعدد معين من أعضائه في عدن ربما يكون غالبيتهم جنوبيين، وفي جو تغطية إعلامية ضخمة ستصور المشهد مشروعية ذلك، وهذا ما يشير إلى أن هناك إجراءات تجري على قدم وساق لإعلان دولتين في اليمن، وبدعم التحالف العربي الذي بات يعمل في هذا الاتجاه.