هيجت المشاهد المتوافدة من محافظة السويداء خلال الشهر المنصرم، مشاعر نوستالجيا الثورة السورية لدى من عايشوها بكل تعقيداتها وكانوا جزءًا من التاريخ الذي سُطّر بدم الشهداء.
“يالله ارحل يا بشار”، “الشعب يريد إسقاط النظام”، “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”، كلها هتافات تصدح بها حناجر أهل السويداء من صغار وكبار، ونساء وأطفال ورجال، منذ أكثر من شهر، متعهدين بالاستمرار إلى أن تتحقق مطالبهم بالحرية والكرامة.
لم تزد الحشود المتوافدة إلى ساحات الكرامة من نساء وأطفال ورجال ومشاهد كسر تماثيل عائلة الأسد في بلدات السويداء، إلّا صفحةً لتاريخها الذي يزخر بمشاهد البطولة والشجاعة ضد كل أشكال القمع والحكم الديكتاتوري.
نستغل الحديث الثوري القائم عن السويداء في الأيام الراهنة، لنلقي نظرة على تاريخ هذه المحافظة ونسلّط الضوء على بعض أهم المحطات التي عايشتها.
السويداء
تقع السويداء في الجنوب السوري، يجاورها من الشمال محافظة ريف دمشق ومن الجنوب الأردن ومن الغرب محافظة درعا، ويحدها من الشرق بادية الشام، ويغلب على السويداء الطابع الجبلي، فقد تشكلت أرض المحافظة نتيجة ثورات بركانية متتالية انتهت في الزمن الجيولوجي الرابع، تبلغ مساحتها 6550 كيلومترًا.
يشكل الموحدون الدروز 90% من السكان المقيمين في المحافظة البالغ عددهم الإجمالي 770 ألف نسمة وهو أكبر تجمع للدروز في العالم، فيما تحتضن أقلية من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، ومجموعات صغيرة من السنة المسلمين القادمين من المحافظة المجاورة “درعا”.
جبل العرب.. “الاسم الذي نريده”
عُرفت محافظة السويداء بأسماء عديدة أشهرها جبل باشان وجبل حوران وجبل الدروز، بالإضافة إلى جبل العرب الذي تشتهر به اليوم.
ويعدّ مسمى جبل باشان أقدم اسم أُطلق على السويداء، وورد في التوراة والكتابات الآرامية ويعني الأرض الخصبة، أما مسمّى جبل حوران فجاء من موقعها الجغرافي حيث تتربع محافظة السويداء على طول الجبل، وكان هذا الاسم أكثر ما تردد في التاريخ العربي والإسلامي عند ذكر السويداء، فقال امرؤ القيس:
فلمّا بدت حوران في الآل دونها … نظرت فلم تنظر بعينيك منظر
فيما سمّيت بجبل الدروز، نسبة إلى الطائفة الدرزية التي تشكل غالبية السكان في الجبل وهو الاسم الذي رفضه عوام الناس بسبب طابعه الطائفي وفضّلوا أن يبقى اسمها جبل العرب، والشاهد أن سلطان باشا الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى، تبنى هذا الاسم قائلًا: “هذا الاسم الذي نريده وهذا ما يجب أن يسمّى به الجبل”.
ويعود أصل اسم المحافظة في يومنا الحاليّ إلى مركزها حيث مدينة السويداء أو “سؤادا” أي المدينة السوداء كما عرفت سابقًا، ويرجع سبب تسميتها إلى طبيعتها البركانية وحجارتها السوداء البازلتية.
تاريخ يعود للعصر الحجري
لا شك أن محافظة السويداء إحدى المناطق السورية الشاهدة على عصور ما قبل التاريخ والممتدة إلى يومنا هذا، فتحمل بين طياتها معالم أثرية وألواحًا مكتوبة تعود إلى العصور الغابرة، وهي تشكل كنزًا دفينًا لباحثي التاريخ لما تحتويه في باطنها من آثار تنتظر أن ينقب عنها، كما أنها مثلت مستراحًا ومركزًا حيويًا للعديد من الحضارات التي استقرت على أرضها متنقلةً بحثًا عن مرعى ومأوى.
استنادًا إلى المراجع الأثرية يمكننا القول إن الإنسان في العصر الحجري الحديث سكن السويداء واستقر بها العرب الكنعانيون وما زالت بعض مناطقها تسمى بأسماء كنعانية، كما احتضنت الآراميين في الألف الأول قبل الميلاد، ثم تنقلت على أرضها القبائل العربية كالغساسنة والأنباط إلى أن شملها الغزو الروماني الذي اهتم بالاستيلاء على المنطقة لكثرة ينابيعها وبعدها عن ساحات القتال مع الفرس، ومن بعدهم احتلها البيزنطيون قبل أن يفتتحها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب سنة 635 ميلاديًا.
بعد تحرير بلاد الشام ولى الخليفة عمر بن الخطاب الأمير مالك بن الحارث الملقب بالشهاب إمارة جنوب سوريا أي سهل وجبل حوران، وبقيت المنطقة تحت إمارة الشهابيين – نسبة إلى أميرها الأول – حتى عام 1193 تقريبًا، حين ارتحلوا إلى وادي التيم في لبنان واستمرت إمارتهم هناك.
وقف سكان منطقة جبل العرب بوجه الحملات الصليبية بكل شجاعة وبسالة وتصدّوا لها، وتمركز فيها الأيوبيون وبنوا القلاع والحصون التي يمكننا أن نرى آثار بعضها في يومنا الحاليّ، كما شوهدت معالم تعود إلى عهد المستنصر بالله الفاطمي تدل على امتداد الحكم الفاطمي إلى المنطقة.
كيف توطن الدروز في السويداء؟
إبان الحكم العثماني وتحديدًا في نهايات القرن السابع عشر، بدأت دفعات من دروز لبنان تتوافد إلى جبل العرب، فما لبث أن استقر المهاجرون الأوائل حتى بدأوا بحصد ثمار عملهم في الزراعة وتربية الماشية في أرضهم الجديدة، ما أثار حفيظة العشائر البدوية المتنقلة في مناطق الجبل.
وعندما احتد النزاع بين الطرفين على ثروات المنطقة، وجه مشايخ الدروز حديثو الإقامة نداءات إلى أبناء الطائفة في جميع أنحاء بلاد الشام لنجدتهم، متعهدين بتقديم منح مغرية كبيوت وأراضٍ دون مقابل، الأمر الذي زاد من أعدادهم يومًا بعد يوم.
وبينما تؤرخ هذه الفترة لتوطن السكان المحليين الحاليّين في المنطقة، تظهر توجس الدولة العثمانية من اجتماع كلمة السكان الجدد على الانفصال إداريًا كما حصل في جبل لبنان حيث قامت الإمارة المعنية، في مواجهة ذلك أبقت الجبل جزءًا من لواء حوران وقسمت مناطقه إلى مجموعة أقضية مرتبطة بمناطق حوران أو شرقي الأردن، كما منحت الدولة العثمانية الدروز امتيازات كالإعفاء من الجندية وحمل السلاح بحجة الدفاع عن أنفسهم ضد عشائر البدو.
ويرى المؤرخون أن “سلطة الدولة العثمانية ظلت ضعيفة على الجبل نظرًا لوعورة مسالكه خاصة بالمئة سنة الأخيرة من عمر السلطنة وكذلك لقلة غلاله وعصبية أهله”، ما جعله مقصدًا لكل عاص ومتمرد على الدولة.
مع بدء خفوت نجم الدولة العثمانية وضعفها، خاض دروز السويداء عدة مواجهات مع إبراهيم باشا الذي كان واليًا على مصر وسوريا، عندما أراد أن يعيد فرض التجنيد على الدروز تحقيقًا لرؤيته القاضية بإنشاء نظام مركزي تحت سياسة شديدة، ما أشعل ثورة دروز حوران التي استمرت لـ9 أشهر، خاض فيها إبراهيم باشا ثلاث حملات ضدهم لم تزده إلّا ضعفًا وحقق فشلًا ذريعًا من الناحيتين العسكرية والسياسية، وفي عام 1852 دارت معركة بين سكان الجبل والدولة العثمانية عن الضرائب قادها والي دمشق محمد قبرصي باشا في موقعة ساري عسكر، انتصرت فيها الثانية.
جبل العرب.. مهد الثورة السورية الكبرى
مع انتهاء السلطنة العثمانية، وبحسب ما تقتضيه معاهدة سيفر، وقعت سوريا تحت الانتداب الفرنسي وبدأت مرحلة من المواجهات بين السوريين والاحتلال لتحرير بلادهم.
لم تكن السويداء بمنأى عن هذه المواجهات بل كانت في صميمها، إذ رفضت كل أنواع الإذلال والقمع الذي حاول الاحتلال ممارسته على المدنيين العزّل، فلم تتردد بالتمرد عند كل حادثة تمس حرية وأمن المواطنين.
فمن جبل العرب انطلقت شرارة الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش وامتد فتيلها إلى المدن الأخرى، فقد أبى أهل الجبل أن يسكتوا عن ممارسات الاحتلال المشينة، خصوصًا بعدما فصلت فرنسا المنطقة عن سوريا تحت مسمى دولة “جبل الدروز”، وتعيين حاكم ديكتاتوري عليها أحكم على شعبها الخناق بفرضه ضرائب باهظة وتضييقه على الحريات الدينية والفكرية وتسخيره الناس في شق الطرق وتكسير الحجارة، فما كان من أهالي الجبل إلّا مواصلة الاحتجاجات والمظاهرات.
“إلى السلاح أيها السوريون، يا أحفاد العرب الأمجاد. هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم”، بهذه الكلمات في يوم 21 يوليو/تموز 1925، أعلن القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش قيام الثورة والاستعداد لمواجهة العدو عسكريًا.
خاض الثوار بقيادة الأطرش معارك هزموا فيها العدو المدجج بالأسلحة النوعية هزيمة ساحقة وأظهروا هشاشة جيش الاحتلال رغم تفوقه عليهم بالكم والعتاد، والبداية كانت من معركة “الكفر” حيث لم تنجح جهود الثوار الدبلوماسية في طرد الفرنسيين من قرية الكفر، وأبوا إلا أن يخرجوهم منها صاغرين، ففي أقل من 40 دقيقة أبادوهم بالسلاح الأبيض ولم ينج من حملة الفرنسيين إلا 3 جنود، فيما استشهد 50 شخصًا من الثوار بينهم شقيق سلطان باشا الأطرش.
أراد الفرنسيون الانتقام من الثوار بعد هزيمتهم بمعركة الكفر، فحشدوا جيشًا قوامه ما يقارب الـ9 آلاف جندي، لم يكونوا على دراية بأن الإيمان بالقضية التي يقاتلون لأجلها أهم سلاح في المعركة، فكانت المواجهة من أعنف المعارك التي تكبد فيها الفرنسيون الخسائر الجمة ولُقّنوا من خلالها درسًا بالشجاعة والبطولة، حتى وصف أحد الضباط الفرنسيين ذلك بمذكراته أنه “لو علم العرب ما جرى للفرنسيين في معركة المزرعة لاعتبروه يومًا قوميًا”.
انتهت الثورة السورية برضوخ الانتداب الفرنسي لمطالب الثوار وقبوله بإجراء انتخابات لهيئة تأسيسية لكتابة دستور للبلاد الذي نص على أن حدود سوريا هي حدود اتفاقية “سايكس بيكو”، وأن نظام الحكم جمهوري، ما كان أولى الخطوات التي مهدت لاستقلال سوريا.
تصاعدت الأصوات الوطنية المطالبة بالاستقلال وتزايدت الضغوط الاقتصادية على الانتداب الفرنسي، ما اضطره لتغيير سياسته في بعض الملفات، وكان نصيب منطقة جبل العرب من هذه التغييرات أن أعلن الانتداب الفرنسي ضمها إلى حدود الدولة السورية مرة أخرى عام 1936.
تحت نيران الشيشكلي
مرت السويداء بمحنة أخرى في عهد الرئيس السوري الأسبق أديب الشيشكلي، الذي اعتقل منصور الأطرش نجل سلطان باشا الأطرش بسبب قيادته احتجاجات ضد المناهج الدراسية وحكم الحزب الواحد برئاسة الشيشكلي.
سياسة الاعتقال والقمع التي انتهجها الشيشكلي تجاه الاحتجاجات في الجبل، زادت من شرارتها ولم تزد المتظاهرين إلّا إصرارًا، إذ تحولت إلى مواجهات مسلحة بين 10 آلاف جندي مزود بالأسلحة الثقيلة والمدنيين، فضلًا عن القصف الجوي، ما أسفر عن عشرات القتلى والإصابات في صفوف المدنيين.
بينما زعمت حكومة الشيشكلي حينها أن العمليات العسكرية في السويداء كانت بهدف إفشال المخططات الأجنبية التي تقف وراء احتجاجات السويداء، وأعلنت إثر ذلك حالة الطوارئ في خمس محافظات هي: دمشق وحمص وحلب وحماة والسويداء، واعتقلت عددًا من المعارضين البارزين له.
قضى الشيشكلي على نفسه بهذه الخطوات، فلم يمض إلا 20 يومًا حتى أعلنت حلب انقلابًا عسكريًا عليه، ما أجبره على الاستقالة والفرار إلى البرازيل حيث اُغتيل بعدها بعشر سنوات على يد شاب من أبناء الجبل.
في عصر الأسد الأب
بعدما تقلّد حافظ الأسد الحكم في سوريا، بدأ يخطط لمنهجية شاملة لتحكم عائلته البلاد أطول فترة ممكنة، وكان من التحديات التي تواجهه الدروز في السويداء الذين لطالما انخرطوا في عمليات العصيان والتمرد ضد السلطة، فاعتمد نهج بث الطائفية بين السنة والدروز.
تذكر ورقة بحثية بعنوان “واقع الدروز في الثورة السورية: بين الخوف والدور التاريخي” بقلم رافع سعدو أحد أبناء الجبل، أن “النظام قد عزز منذ مجيئه للسلطة مقولة أن الجبل وأهله قد تعرضوا للغبن الكبير إبان حكم “السنة” منذ لحظة الاستقلال وحتى تاريخه، وقد زاد العسف والاضطهاد عليهم خلال ترؤس أديب الشيشكلي حموي المولد للحكم بين عامي 1953 – 1954، الذي قصف مدينة السويداء بالطائرات إثر ثورة الجبل على حكمه”.
وخلال حملة الإبادة الجماعية التي نفذها حافظ الأسد بحق سكان حماة عام 1982، لم يغفل عن استغلالها لبث الفتنة، فعمل على ترويج فكرة أن ما يحدث في حماة هو محاولة لوأد أي محاولة لعودة السنة إلى السلطة، وبالتالي حماية الدروز من قمعهم.
على الطرف الآخر، حاول الأسد الأب التقرب من الزعامات الدينية وكسب ولائهم كون الكلمة في الجبل لهم، كما عمل على استمالة النخب المدنية خاصة العائلات الكبيرة من خلال توليتهم مناصب حزبية وحكومية، فيما استبعدهم من المناصب الأمنية والعسكرية.
الصراع مع البدو
كانت العلاقة بين البدو المتنقلين في السويداء والدروز الذين أصبحوا يشكلون 90% من سكان المحافظة مستقرّة نوعًا ما خلال عهد رئيس النظام السوري الأسبق حافظ الأسد، عدا عن المشكلة المتجددة المتمثلة برعي البدو مواشيهم في أراضي الدروز.
وفي عام 2000 بعد شهور من تولي الأسد الابن الحكم تطورت هذه المشكلة لتتحول إلى صراع بعد مقتل أحد أبناء الطائفة الدرزية على يد جماعة مسلحة من البدو.
استنفر الدروز واتجه بعضهم إلى الاعتداء على البدو بهدف “الأخذ بالثأر”، ومن جهة أخرى بدأوا إضرابًا عامًا وسيّروا مظاهرات احتجاجية لمطالبة السلطات بحمايتهم، وبعدما كان رد السلطات عنيفًا، انتهت باحتجاجات ضد نظام الأسد الذي لطالما تعهد حماية الدروز مقابل تجاوزات البدو.
وعندما مسّت الاحتجاجات حكم النظام، لم يتردد بإدخال قواته المدججة بالسلاح لقمع هذه الاحتجاجات، فقتل يومها 20 شابًا درزيًا وأُصيب جراء الاعتداءات التي أمر بتنفيذها العشرات، وسط فرضه تعتيمًا إعلاميًا ليخفي ممارساته الشنيعة عن المحافظات الأخرى.
استغل النظام هذه الحادثة ليروج معلومات مضللة بين الدروز في السويداء، تفيد بأن الضابط الذي أمر بإطلاق النار على المحتجين حموي وأن الحمويين لم ينسوا ثأرهم لأديب الشيشكلي من أهل الجبل.
السويداء بعد الثورة السورية
لم يكن الحراك الشعبي الحاليّ في السويداء الأول من نوعه منذ بدء الثورة السورية، رغم أن المحافظة اتخذت موقفًا محايدًا من الانتفاضة، ففي الأيام الأولى لانطلاقتها أظهر بعض أبناء السويداء تأييدهم لمطالب الثوار بالحرية والكرامة، وتمثلت أول مشاركة لهم بالثورة باعتصام مجموعة من المحامين الدروز أمام نقابتهم بتاريخ 28 مارس/آذار 2011، للتنديد بجرائم النظام في المحافظة المجاورة درعا، ثم بعد شهرين كانت أول مشاركة جماعية منظمة داخل مدينة السويداء انضم إليها العشرات، والجدير بالذكر أنها لم تشهد أي ملاحقات أمنية.
فضلًا عن المظاهرات، ذهب الحراك في السويداء إلى مراحل متقدمة، فطالبوا بإسقاط النظام وحرقوا عدة تماثيل للأسدين – الأب والابن – ونزعوا صوره من أقواس النصر التاريخية في مدينة شهبا، كما رفعوا علم الاستقلال على النصب المخصص لسلطان باشا الأطرش خلال مظاهرات حاشدة في عام 2012.
برزت شخصيات ثورية من أبناء المحافظة زرعت في ذاكرة الثورة ومن عايشوها وساهمت في النضال الشعبي ضد آلة الحرب الأسدية، فمن ينسى الشهيد خلدون زين الدين الذي كان أول ضابط ينشق عن جيش النظام ليشكل كتيبة أطلق عليها اسم “سلطان باشا الأطرش”، فقاتل إلى جانب الثوار إلى أن قُتل بإحدى المعارك، وكانت آخر كلماته قبل أن ينتقل للرفيق الأعلى: “الكرامة يا أهل السويداء.. الكرامة”.
أما سميح شقير، فهو صاحب أغنية “يا حيف” من أوائل الأغاني الثورية التي أشعلت روح الحماسة لدى الثوار والنشطاء وعبرّت عن خيبات السوريين بالحياة الكريمة، فخرجت كلماتها “يا حيف.. زخ رصاص على الناس العزّل يا حيف”، لتلامس الوجع السوري، وسرعان ما انتشرت في المنازل والشوارع والمظاهرات.
الحياد ساد المشهد الثوري
ذهب الكاتب والمحلل السياسي حسين عبد العزيز إلى أن سبب الموقف المحايد للسويداء من الثورة السورية لا يعود في مجمله إلى رفض الدروز انتقال الثورة من بعدها المدني السلمي إلى بعدها العسكري كما يرى البعض، بقدر ما هو ناجم عن ذاكرة درزية جمعية ما زالت حاضرة بشأن تعرض حقوقهم للانتهاكات.
ويلّخص عبد العزيز السبب الرئيسي بغياب حالة القابلية للثورة، فالدروز لم يكونوا مهيأين للمشاركة في ثورة تطالب بإنهاء الاستبداد وإحلال نظام ديمقراطي يضمن حقوق الأفراد والجماعات على اختلافها.
من جهته يرى الباحث السياسي، رشيد حوراني، أن أسباب عدم مشاركة الدروز في الثورة بشكل كامل أن المعارضة السورية السياسية “لم تعطِ أهمية كبيرة لمسألة الأقليات والاختلافات الدينية والمذهبية والطائفية، واعتمدت على سياسة رد الفعل، وعلى تطمينات على المستوى الشعبي لم ترتقِ إلى برامج سياسية واضحة”.
يُضاف إلى ذلك أن الساحة السياسية في سوريا ملاحقة أمنيًا، عدا عن أن النظام يشوه سمعة المعارضين من المدينة وعائلاتهم ويصوّرهم على أنهم منشقون عن الدروز فكريًا و اجتماعيًا، ما يجعلهم بعيدين عن اتخاذ موقف صارم من الثورة، وفق حوراني.