في الوقت الذي تستعد فيه دول الجوار الليبي لعقد قمة ثلاثية على مستوى الرؤساء (مصر، تونس، الجزائر) لبحث المبادرة التونسية – الجزائرية لحل الأزمة الليبية، تسارع دولة الإمارات لعرض مبادرة أخرى لحل هذه الأزمة تحظى بمباركة روسية، فما الذي تخفيه هذه المبادرة الإماراتية؟ وما دور الإمارات في ليبيا؟
مساعٍ تونسية جزائرية لإقناع مصر بالانضمام لمبادرتهم
تقود تونس مبادرة رسمية على أعلى مستوى مع دول الجوار (الجزائر ومصر) لبحث حلول للأزمة في ليبيا بمشاركة الأطراف الليبية، وفي هذا الإطار تأتي زيارة رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي إلى الجزائر، مؤخرًا، ولقائه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، فيما تؤكد مصادر دبلوماسية تونسية، قرب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تونس، لبحث الملف الليبي والحديث عن هذه المبادرة والتحضير لمؤتمر حوار شامل يجمع مكونات المجتمع الليبي والاستعدادات الجزائرية لتنظيم قمة ثلاثية في الغرض، وتسعى كل من تونس والجزائر لإقناع مصر بالانضمام لمبادرتهم من أجل ضمان نجاحها نظرًا للدور المصري في ليبيا.
كان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد أعلن مطلع يناير الماضي مبادرة لحل الأزمة الليبية دون أن يكشف عن تفاصيلها
وينتظر أن تعقد الرئاسة الجزائرية قمة ثلاثية تجمع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بنظيريه المصري عبد الفتاح السيسي والتونسي الباجي قايد السبسي منتصف شهر فبراير الحالي لبحث مستجدات الأزمة الليبية، والتحضير لتنظيم مؤتمر الحوار الشامل والمصالحة الوطنية الذي من المنتظر أن يجمع مكونات المجتمع الليبي، تسبقها اجتماع في تونس على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاثة.
لقاء الغنوشي ببوتفليقة لبحث المبادرة التونسية
وكانت جريدة “الخبر” الجزائرية قد ذكرت أن رئيس الديوان في الرئاسة الجزائرية أحمد أويحيى عقد اجتماعًا غير معلن مع القيادي الليبي علي الصلابي الذي يعد أبرز قيادات تيار الإخوان المسلمين في ليبيا، الثلاثاء الماضي، في بيت رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في تونس.
وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد أعلن مطلع يناير الماضي مبادرة لحل الأزمة الليبية دون أن يكشف عن تفاصيلها، مؤكدًا أنها ترمي إلى مساعدة مختلف الأطراف الليبية، وتشجيعها على الحوار من أجل بلوغ حل توافقي.
في ذات السياق، أوصى البرلمان الفرنسي، مؤخرًا في تقرير له، بدعم المبادرة التونسية الجزائرية المصرية لحل الأزمة الليبية، وأوصى البرلمان في تقريره شركاء فرنسا الأوروبيين بالانخراط في المبادرة التي تقودها دول جوار ليبيا في عملية المصالحة الليبية، وتوثيق المشاورات مع الجزائر ومصر وتونس.
الإمارات تطرح مبادرة موازية بدعم روسي
بالتوازي مع جهود دول الجوار لحل الأزمة الليبية، أطلقت الإمارات العربية المتحدة مبادرة جديد لحل هذه الأزمة التي تشهدها ليبيا منذ ثورة فبراير 2011 والإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، تحظى بدعم روسي قوي.
وأطلقت دولة الإمارات مؤخرًا، مبادرة لعقد اجتماع بين كل من رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا فائز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، لتعلن فيما بعد روسيا دعمها هذه المبادرة على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، خلال مشاركته في الدورة الرابعة لمنتدى التعاون الروسي العربي التي انعقدت في أبو ظبي، ووصف “افروف، كلا من السراج وحفتر وصالح، بالـ”شخصيات المحورية على ساحة الأحداث الليبية”.
تسعى الإمارات من خلال المبادرة التي طرحتها مؤخرًا، حسب عديد الخبراء، إلى عرقلة المبادرة التونسية
وعرفت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تدخلها في ليبيا بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب باقي الأطراف المكونة للمشهد الليبي، ضمن الاتجاه العام للسلطات الإماراتية بدعم موجة الثورات المضادة للربيع العربي، في مسعى منها لإجهاض الثورة الليبية ودعم العسكر كما فعلت في مصر من خلال دعمها المشير عبد الفتاح السيسي في انقلابه على الرئيس محمد مرسي.
وتسعى الإمارات من خلال هذه المبادرة، حسب عديد من الخبراء، إلى عرقلة المبادرة التونسية والوقوف إلى جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر ودعم الوجود الروسي هناك الذي يتخذ حفتر واجهة له.
تواصل أعمال العنف يعقد الوضع الليبي
ومنذ أن أطاحت ثورة شعبية بالعقيد معمر القذافي عام 2011، تتقاتل في ليبيا كيانات مسلحة متعددة، وتتصارع حاليًا ثلاث حكومات على الحكم والشرعية، إحداها هي حكومة السراج المعترف بها من الأمم المتحدة وحكومة في طبرق وحكومة طرابلس.
الدور الإماراتي “المشبوه” في ليبيا
تشير عديد من التقاريرالإماراتية والاستخباراتية إلى دور إماراتي “مشبوه” في ليبيا، حيث أكدت تقارير إعلامية قيام الإمارات بتزويد حفتر بالسلاح رغم الحظر المفروض على السلاح إلى ليبيا، كما أن هناك حديث عن وجود طيارين إماراتيين في ليبيا، وكان تقرير لموقع “IHS Jane” البريطاني المتخصص في الشؤون العسكرية والفضائية قد كشف عن قاعدة جوية إماراتية في الشرق الليبي، في مطار “الكاظم” تعمل بها طائرات هجوم خفيفة وأخرى من دون طيار، لدعم قوات تابعة لحفتر، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد أكدت عبر تصريحات رسمية، العام الماضي أن الإمارات ومصر شنتا غارات جوية على ليبيا.
وسبق للحكومة الليبية في طرابلس أن أعلنت في العاشر من نوفمبر 2015 عن توقيف ضابط إماراتي بتهمة التجسس، مشيرة إلى العثور على دلائل بين وثائقه وعلى جهاز كمبيوتر كان بحوزته، وقال صادق السور، المدعي العام، إن الضابط الذي عرفه باسم يوسف صقر أحمد مبارك، اعتقل في طرابلس بعد أن كشفت معلومات مخابراتية عن أنشطته.
غارات جوية إماراتية على مواقع ليبية
الدور الإماراتي في ليبيا، بدأ يبرز للعيان، منذ ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الساحة في مايو 2014، وإعلانه الانقلاب العسكري على مؤسسات الدولة القائمة، حيث أكدت عديد من التقارير وجود دعم سياسي وعسكري ومادي إماراتي لحفتر للتخلص من المؤتمر الوطني العام.
وعلاوة على ذلك تقدم أبو ظبي مساعدات كبيرة لحلفائها ببيع النفط الخام، حيث نقلت وكالة رويترز في وقت سابق عن رئيس الحكومة الليبية المنبثقة عن البرلمان المنحل المدعوم إماراتيًا عبد الله الثني قوله إن مبيعات النفط ستتم عبر حساب مصرفي في دبي لمؤسسة النفط الحكومية الجديدة التابعة لحكومته في شرق ليبيا.
لدعم وجودها في ليبيا، عملت الإمارات على ضم ليوناردينو ليون المبعوث الأممي السابق للسلام في ليبيا إلى صفها
وتحدثت تقارير صحفية وتسريبات، عن قيام محمد دحلان مستشار ولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان بعديد من الزيارات السرية إلى مصر لمقابلة قيادات ليبية تابعة لنظام القذافي واللواء المتقاعد خليفة حفتر، بمعية محمد إسماعيل المستشار الأمني الأسبق لنجل معمر القذافي سيف الإسلام.
المبعوث الأممي السابق للسلام في ليبيا
ولدعم وجودها في ليبيا، عملت الإمارات على ضم ليوناردينو ليون المبعوث الأممي السابق للسلام في ليبيا، إلى صفها وهو ما حصل بالفعل، إذ أكدت تسريبات نشرتها وسائل إعلامية، تحالف ليون مع الإمارات، وجاء في أحد التسريبات للمبعوث الأممي، ” لا أعمل على خطة سياسية من شأنها أن تشمل الجميع وتعامل كل الأطراف بشكل متساوٍ، وأعمل وفق خطة استراتيجية لـنزع الشرعية تمامًا عن المؤتمر الوطني العام”، الأمر الذي يؤكد انحياز ليون لأحد أطراف الصراع وفقًا لما يتسق مع الرغبات الإماراتية.
ولمكافأته على الدور الذي لعبه في ليبيا لصالحها، أمضت الإمارات اتفاقًا مع ليون على وظيفة براتب 35 ألف جنيه إسترليني شهريًا (53 ألف دولار)، يشغل بموجبها منصب مدير عام “أكاديمية الإمارات الدبلوماسية”، التي تهدف إلى تطوير علاقات الإمارات مع العالم، والترويج لسياساتها الخارجية، إضافة إلى تدريب الكادر العامل في السلك الدبلوماسي.
يدفع التهور الإماراتي إلى هدم كل الجهود الدبلوماسية الدولية المبذولة، مما يفاقم الصراع الليبي ويعمق الأزمة في هذا البلد
وللإمارات عديد من الرجال في ليبيا، من ذلك محمود جبريل وزير التخطيط في عهد القذافي ورئيس الحكومة في أثناء الثورة، ويقضي جبريل معظم وقته في الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب جبريل نجد عبد المجيد مليقطة أحد الرموز المهمة في تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه جبريل، وهو شقيق عثمان مليقطة قائد كتائب القعقاع، وهي ميليشيا تابعة لقبائل الزنتان التي تتهم بإثارة الفوضى ونشر العنف في ليبيا، ونجد أيضًا عارف علي النابض الذي يعمل سفيرًا لليبيا في الإمارات ويعد من المقربين لجبريل ومعروف بكرهه للإسلاميين.
انطلاقًا مما تناولنا يظهر الدور “المشبوه” الذي تلعبه الإمارات في الشأن الليبي الداخلي، وتورطها في دعم أحد أطراف الصراع الليبي هو اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مواجهة الإسلاميين في ليبيا، ويدفع التهور الإماراتي إلى هدم كل الجهود الدبلوماسية الدولية المبذولة، مما يفاقم الصراع الليبي ويعمق الأزمة في هذا البلد.