ترجمة وتحرير نون بوست
كتبه: جوناثان فيرزيقر وبيتر والدمان
على مدى 30 سنة من العمل في المخابرات الإسرائيلية، كان شموئيل بار منغمسًا في التعامل مع قضايا الإرهاب، عن طريق استخدام تقنيات التحليل الأدبي، التي تنمّ عن إلمام كامل بعلماء القرآن ونقاد الكتاب المقدس.
وفي هذا السياق، صرح شموئيل أنه جاء ليتعرف على مميزات العبارات العربية التي يتلفظ بها الانتحاريون، في أشرطة الفيديو التي تنشر لاحقًا، على غرار عبارة “النصر للصابرين”، التي ظهرت كثيرًا في إعلانات استشهاد مجندي “حماس”، فضلاً عن العبارة التي يطنب جماعة تنظيم القاعدة في استعمالها “اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا”.
كان ميشائيل بار يبلغ من العمر 62 سنة، أشعث الشعر، ذو حساسية ساخرة، وكان يعمل لصالح الحكومة الإسرائيلية إلى غاية سنة 2003، لكن نجمه سطع أكثر، عقب انتشار الإرهاب العالمي، ومن كثرة الإحساس بالعدم وقرب النهاية، اقتنص بار الفرصة ليؤسس شركة تدعى “إنترفيو”، تعمل في مجال الرصد والتنصت، وهي شبيهة بالنسخة الإسرائيلية “بلانتير”، وشركة “سيكيوريتيكونتراكتر” في “سيليكون فالي” إذ تتم عملية التنصت من قبل المهندسين في نقطة الاتصال المركزية “بهرتسليا”.
في الواقع، قام ميشائيل بتكييف أذنه التحليلية مع لغة الخوارزميات المخصصة لغربلة السيل اللامتناهي من الرسائل، التي تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لمواجهة التهديدات الإرهابية، وكان يبيع خدماته للشرطة والحدود ووكالات الاستخبارات في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة.
سمع السعوديون عن التكنولوجيا التي طورها بار، وطلبوا منه مساعدتهم لرصد ومتابعة الجهاديين السعوديين، ولكنهم وضعوا شرطًا واحدًا، ألا وهو أن عليه أن يؤسس الشركة باسم مستعار في الخارج
ومنذ عامين، وصلت رسالة إلى بار عبر البريد الإلكتروني الخاص به، من أحد القيادات السعودية رفيعة المستوى، حيث دعاه لمناقشة مشروع محتمل عبر “سكايب”، إذ سمع السعوديون عن التكنولوجيا التي طورها بار، وطلبوا منه مساعدتهم لرصد ومتابعة الجهاديين السعوديين، ولكنهم وضعوا شرطًا واحدًا، ألا وهو أن عليه أن يؤسس الشركة باسم مستعار في الخارج، لإخفاء هوية “إنترفيو” الإسرائيلية، وبالفعل وافق على ذلك، ومنذ ذلك الوقت، شرع في التحري عن الجهاديين السعوديين، باستعمال أحد البرامج الذي يدعى “إنتوسكان”، والذي يمسح ويعالج ما يربو على 4 ملايين من التغريدات والمنشورات، على فيسبوك يوميًا.
وفي وقت لاحق، أصبحت مهمة “بار” تشمل أيضًا إصدار أبحاث عن الرأي العام، فيما يخص العائلة المالكة في السعودية، وفي هذا الصدد صرح بار، وعلامات الارتباك من جراء المنعطف غير المتوقع والخطير الذي يمر به، ما زالت واضحة عليه: “الأمر ليس كما تظنون، فأنا لم أذهب إليهم، بل هم من طلبوا مساعدتي”.
كما أكد أنه، في الأيام القليلة الماضية، أجرى لقاءات مع قادة سعوديين وغيرهم من الخليج العربي، في مؤتمرات خارجية ومناسبات خاصة، بالإضافة إلى ذلك، نوه بار بأن التجارة والتعاون بين إسرائيل ومجموعة من الدول العربية، في مجال التكنولوجيا والمعلومات الاستخبارية مزدهرة، رغم تنصل وتكتم الشركات العاملة.
ومؤخرًا، أعلن مركز أبحاث لندني أن بار استدعي ليُجري لقاءً في إحدى حلقات النقاش، لكنه رفض، نظرًا لأن مسؤولاً سعوديًا رفيع المستوى كان من بين أحد الضيوف آنذاك، وبالتالي، من غير الممكن أن يظهرا معًا، وأخبر بار المنظمين بأنه من المزمع أن يجتمع برجل سعودي ليتناولا الغداء سويًا في مطعم مغربي، على مقربة من مكان المنظمة، وليذهبا على إثرها معًا لإجراء اللقاء، لكن هذا لم يتم.
عمومًا، لم يحل السلام في منطقة الشرق الأوسط، ولم ترجع السيوف إلى أغمادها، ولكن ما يجمع السعوديين بهذا الرجل الإسرائيلي هو المصالح المشتركة والقنبلة النووية الإيرانية والإرهاب والتمرّد الشعبي والانسحاب الأمريكي من المنطقة.
في الواقع، تتمتع “إنترفيو” بتراخيص التصدير الإسرائيلي، وبدعم الحكومة الكامل لها، وذلك لتساند أي بلد يواجه تهديدات من قبل إيران والجماعات الإسلامية المتشددة.
وفي هذا الصدد، صرح بار قائلاً: “إذا كانت البلد التي تسعى للعمل معنا ليست معادية لإسرائيل، فسنمد لها يد العون، ما عدا سوريا ولبنان إيران والعراق”، كما أضاف “السعوديين وغيرهم من الدول العربية الغنية بالنفط، سعداء بخدماتنا ولا يسعهم إلا دفع المال مقابل ذلك، أما المقاطعة العربية، فلا وجود لها من الأساس”.
ومن جانب آخر، يعد “الأمن السيبراني” من المجالات الواعدة للتعاون بين السعودية وإسرائيل، فمثلا في سنة 2012، عندما تم اختراق نظام كمبيوتر شركة “أرامكو” السعودية، شركة النفط الوطنية، تم استدعاء الشركات الإسرائيلية للتدخل لحل الأزمة.
وفي هذا الإطار، صرحت إيريلمرغليت أحد أعضاء البرلمان الإسرائيلي، أن هناك بعض الشركات الإسرائيلية التي شاركت بطريقة خفية في هذه العملية، عن طريق الشركات العالمية.
قال رئيس بلدية مدينة نيويورك السابق رودي جولياني، عقب اللقاء الذي جمعه، في أواخر كانون الثاني/ يناير، برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نيابة عن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب: “أرى أن مجالات التعاون بين البلدين أهم وأكبر بكثير من الإنترنت”.
في المقابل رفض المسؤولون السعوديون التحدث بشكل رسمي عن العلاقات الإسرائيلية السعودية الممكنة، كما رفضت وزارة الخارجية السعودية وسفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن، الإجابة على الأسئلة التي طرحناها عليهم فيما يخص الرسائل الإلكترونية.
من جهة أخرى، أرسل لنا أحد المصادر السعودية، الذي رفض الكشف عن هويته، بريدًا إلكترونيًا أكد فيه ألا علاقة تجارية تجمع السعودية بإسرائيل، وهذا ما جاء في نص الرسالة:
“فيما يخص مجال تكنولوجيا نُظم الدفاع، لم تتعامل السعودية أبدًا مع إسرائيل في هذا المجال، أو في أي مجال آخر، علاوة على ذلك، يفرض الحس السليم على السعودية، عندما تقرر أن تشتري أية نظم دفاعية، شراءها من خلال اتفاقات تجارية مع دولٍ صديقة وشقيقة تُصنّع تلك النظم، مع شهادات التصدير الرسمية والمعتمدة من قبل حكوماتهم، ومن المؤكد أن إسرائيل ليست من بين الدول التي لها علاقات تجارية مع المملكة العربية السعودية”.
والجدير بالذكر أن المقاطعة العربية الإسرائيلية المعمول بها منذ تأسيس الدولة اليهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، تتطلب إلغاء جميع الأعمال التجارية بين إسرائيل ومعظم الدول العربية، ولذلك التجأت السعودية إلى العمل مع إسرائيل، من خلال شركات وسيطة في بلدان أخرى، ولكن في ظل تنامي العلاقات الإسرائيلية، على الأقل مع ستة بلدان خليجية، أصبح من الصعب إخفاء هذه التعاملات.
وخير دليل على ذلك يتمثل في استثمار مجموعة من الشركات الإسرائيلية الناشئة في أوروبا والولايات المتحدة، لأكثر من ستة مليار دولار في البنية التحتية الأمنية للإمارات، وذلك بمعية مهندسين إسرائيليين، كما أدارت الشركات نفسها المشاريع التي تعمل على التقليص من حدة الاكتظاظ في مكة المكرمة.
وفي الواقع، توجد أيضًا شركات إسرائيلية أخرى تعمل في منطقة الخليج، من خلال مسميات وهمية في مجال تحلية المياه وحماية البنية التحتية والأمن السيبراني وجمع المعلومات الاستخباراتية.
وفي هذا الإطار، قال شبتاي شافيت الذي كان يدير الموساد في الفترة ما بين 1989 و1996، والذي شغل أيضًا منصب رئيس شركة الأمن الإسرائيلية “أثينا جي أس 3”: “كل الشركات الكبرى والصغرى على حد السواء تنشط بصورة عادية”، لكن شافيت رفض تقديم المزيد من التفاصيل عمن يدير هذه الشركات، واكتفى بقول: “لا داعي لأن ندخل في التفاصيل”.
وفي مصنع “نيو هامبشاير” في الولايات المتحدة، الذي يعد فرعًا من شركة أنظمة “إلبيط” الإسرائيلية، إحدى شركات المقاولات الدفاعية الخاصة، كانت هناك بعض الإجراءات التي تتخذ عند قدوم العملاء من الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية، إذ كان على المسؤولين بهذه الشركة أن يقوموا بإخفاء علامات “إلبيط” والخرائط الإسرائيلية والكتابات العبرية.
وعلاوة على ذلك، كان يتم إزالة اللوحة التي تحمل أسماء الموظفين مؤقتًا، وفي هذا الصدد، صرح ريتشارد وولف الذي كان يعمل بتلك المنشأة لأكثر من 15 سنة، إلى غاية سنة 2013، أن كل شخص يحمل اسمًا يهوديًا يتم محوه من القائمة، وكان وولف يعمل في تصميم العدسات لمختلف النظم البصرية التي تنتجها الشركة.
بالإضافة إلى ذلك، صرح أحد الموظفين السابقين أنه يتم أيضًا إزالة العلامات الإسرائيلية التي توضع على بعض المكونات، عند زيارة هؤلاء العملاء على وجه التحديد، في المقابل، أكدت شركة أنظمة “ألبيط” في بيان لها، أنه ليس من سياسة الشركة أن تخفي اسم شركة “ألبيط”، أو غيرها من الشركات الإسرائيلية الأخرى.
جذبت مبيعات شركة “ألبيط” للمملكة العربية السعودية، منذ سنتين، أنظار العالم، خاصة غداة وفاة كريس كريمر وهو أحد الفنيين الأمريكيين في “نيو هامبشاير” في ظروف غامضة، عندما كان يقوم بصيانة النظم الصاروخية في السعودية.
من جانب آخر، جذبت مبيعات شركة “ألبيط” للمملكة العربية السعودية، منذ سنتين، أنظار العالم، خاصة غداة وفاة كريس كريمر وهو أحد الفنيين الأمريكيين في “نيو هامبشاير” في ظروف غامضة، عندما كان يقوم بصيانة النظم الصاروخية في السعودية، ووفقًا للمنشور الذي أنزله كريمر على صفحته في “فيسبوك”، فقد تم إرساله للسعودية لمساعدة الجيش السعودي في سلسلة من تجارب إطلاق النار الحي، لأنظمة استهداف جديدة طورت من قبل شركة “إلبيط” لصواريخ “تاو”.
وتجدر الإشارة إلى أن كريمر عمل مع شركة “ألبيط” لمدة 12 سنة، وساعد في بناء هذا النظام، وتم العثور عليه ميتًا في الفندق الذي نزل فيه في المدينة العسكرية “بتبوك”، قبل يوم واحد من موعد عودته إلى موطنه، وادعت الشرطة السعودية أنه انتحر، لكن عائلته رفضت تصديق هذه الأقاويل.
وفي بيان أصدرته إسرائيل، رفضت شركة “ألبيط” أن تصرح بالمهمة التي أوكلت لكريمر في السعودية، واكتفت بالقول إنه كان بصدد تجريب أحد “المنتجات الأمريكية”، مؤكدة على عدم وجود أجهزة إسرائيلية.
وفي الرسالة التي أرسلها أحد المصادر السعودية، قال: “لوفاة المواطن الأمريكي، أبعاد جنائية وقضائية، وفي هذه الحالة، لا دخل للمملكة العربية السعودية في مثل هذه القضايا، وستترك هذه القضية للهيئات الجنائية والقضائية، للبت فيها وفقًا للقوانين التي تحكم هذا النوع من القضايا”.
ويبدو من الجلي في خطابات نتنياهو الساخرة، أن هناك ثلاثة أسباب تجعل العرب يهتمون بإسرائيل، ألا وهي “التكنولوجيا والتكنولوجيا والتكنولوجيا”، ولكن على الرغم من إيلاء أهمية قصوى للشأن التكنولوجي، الذي من شأنه أن يترجم على شكل علاقات تجارية مفتوحة، إلا أن السبب الأبرز الذي يحول دون تحقيق ذلك، هو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
ووفقًا لما صرح به الباحث الاقتصادي رياض الخوري، فإن التعاون مع دول الخليج لن يكون مربحًا لدرجة كبيرة، ما لم “يتخلّ نتنياهو عن صفة العناد فيه” ويوقع معاهدة السلام، ما من شأنه أن يزيد الوضع سوءًا.
وفي هذا الصدد، قال دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية، إنه ينوي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حيث أكد ذلك بعد تنصيبه، كما رشح الرئيس الأمريكي الجديد المحامي الذي ساهم في إفلاسه ديفيد فريدمان، ليشغل منصب سفير الولايات المتحدة في القدس، والذي أكد بدوره على أن القدس ستبقى العاصمة الأبدية لإسرائيل.
وعلى ضوء هذا المعطى الدبلوماسي الجديد، أشارت حركة فتح، في بيان لها، أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن “تفتح أبواب جهنم”.
صورة “لقرا” مع بعض المقربين والأصدقاء، وهو الشخص الذي يرتدي الأزرق
وفي مطلع شباط/ فبراير، تعهد نتنياهو ببناء أول مستوطنة جديدة في الضفة الغربية منذ 25 سنة، ومنذ تولي ترامب لمنصبه، أعلنت إسرائيل عن مخطط بناء ما يفوق عن 5500 وحدة سكنية في الأراضي المحتلة، علاوة على ذلك، وجه ترامب دعوة إلى نتنياهو لزيارة البيت الأبيض في 15 من شباط/ فبراير.
وفي المقابل، أفاد السعوديون في العديد من المناسبات، أنهم لن يدخلوا في سلام مع إسرائيل، ما لم توقع على معاهدة السلام مع فلسطين، وقد تكرر هذا العرض مرة أخرى سنة 2016، من قبل اثنين من كبار المسؤولين السعوديين، في إحدى المناسبات العامة النادرة التي جمعتهما بنظرائهما الإسرائيليين في واشنطن وفي القدس.
وفي هذا الصدد، أرسل سلمان الأنصاري وهو مصرفي سابق ومسؤول إعلامي يدير مجموعة مناصرة سعودية في واشنطن، إشارة أخرى في تشرين الأول/ أكتوبر، لا تقل قوة عن سابقتها حيال هذا الأمر، من خلال نشر تقرير في صحيفة “ذا هيل”، سلط من خلاله الضوء على ضرورة تشكيل كل من السعودية وإسرائيل “لتحالف تعاوني”، يقوم أساسًا على علاقات اقتصادية منفتحة، للتأكيد على الدور الذي تضطلعان به في المنطقة باعتبارهما “ركيزتين للاستقرار”.
وعلى إثر هذا المقال، تعرض الأنصاري للعديد من الانتقادات من قبل النقاد العرب، لأنه لم يذكر الفلسطينيين، لكنه قال إن غض الطرف عن الشأن الفلسطيني كان مقصودًا، لأنه أراد للتقرير أن يعكس أمنيته بألا يتم إقحام القضية الفلسطينية في كل المواضيع المتعلقة بالشأن العربي.
كما أضاف الأنصاري أنه حتى في غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية، فإن العلاقات بين السعودية وإسرائيل يمكن أن تزدهر، في إطار “النظرة الواقعية والاستشرافية” لولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وعلى خلاف ما يتطلع إليه الإسرائيليون، فإن هذا الانفتاح سرعان ما ستطرأ عليه العديد من التغيرات، إذا ما واصل كل من نتنياهو وترامب سياستهما الاستفزازية، التي من المتوقع أن تؤدي إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية أخرى.
وفي هذا الإطار، قال دينيس روس الذي أشرف على العمليات الدبلوماسية العربية الإسرائيلية طيلة فترة رئاسة ثلاثة رؤساء أمريكيين: “من الواضح للعيان كَمُّ التغيرات التي طرأت على السعودية، وعلى الرغم من أنه من النادر رؤية مثل هذا الأمر، لكن من الواضح أن هذا ليس سوى قشة في مهب الريح”.
وعلى أرض الواقع، فإن أيوب قرا الذي يعتبر من بين أحد أبرز مهاجمي نتنياهو في التعاون الإقليمي، وهو سياسي إسرائيلي درزي، كان أحد أعضاء حزب الليكود في الكنيست، ونائب وزير تطوير النقب والجليل، كما يعد من بين معارضي صنع السلام مع فلسطين، يُصنّف من بين المشرفين على علاقات التطبيع مع الدول العربية، والحفاظ على مساحات واسعة في الضفة الغربية.
وفي أحد الأيام من أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وقف قرا على شرفة أحد المنتجعات في الأردن، المطلة على البحر الميت، وأشاح بنظره إلى خليج العقبة، نقطة التقاء كل من إسرائيل والأردن والسعودية.
وفي الوقت الراهن، فإن هناك تطوير لبرامج تنموية بين الأردن وإسرائيل لمنطقة مهجورة، أين قاد النبي موسى، عليه الصلاة والسلام، قوم بني إسرائيل، وظلوا يجوبون الصحراء لمدة 40 سنة، كما أصر قرا على أن السعودية سوف تشارك في هذا المشروع في نهاية المطاف، حيث قال: “إنهم يريدون التكنولوجيا، وخبرتنا في هذا المجال، فضلاً عن إزاحة المشكلة الفلسطينية من طريقهم”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المخطط سوف يمهد الطريق لأشغال عامة تعاونية، هي الأكبر من نوعها، ولم يسبق لها مثيل في مجال التعاون الاقتصادي، بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين، وقد تضمن المخطط بعث مشروع أطلق عليه اسم “مشروع قناة البحر الميت”، لسحب المياه من البحر الأحمر، وضخّها في البحر الميت، وسحب المياه العذبة المتدفقة طبيعيًا إلى البحر الميت، إلى أجهزة الري الإسرائيلية والفلسطينية والأردنية، وقد قدرت تكلفة مشروع التحلية بنحو 10 مليارات دولار، إذ سيتكفل البنك الدولي بتمويل هذا المشروع.
ومن المفترض أن تبدأ أشغال هذا المشروع في سنة 2018، حيث سيتمّ إنتاج الماء الصالح للشراب، والطاقة الكهربائية الكافية للأطراف الثلاثة، فضلاً عن أنه من شأنه التخفيف من حدة الصراعات على المياه، في مفترق الطرق الهيدرولوجية، الواقعة بين إسرائيل والأردن والضفة الغربية وأجزاء من المملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا، التي تعول كلها على مصدر شحيح من الأنهار والمياه الجوفية.
وفي الحقيقة، يبدو أن لقرا مصالح أخرى أكثر إلحاحًا، متعلقة بالمياه الواقعة بين الضفة الغربية والأراضي المحتلة، ولعل هذا ما دفع إلى دعوته إلى المؤتمر، الممول من قبل المنظمة السويدية، التي تعنى بالسلام البيئي، وتقاسم المياه الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ذلك، رتب قرا لقاءً مع نظيره الأردني، لمناقشة طريق تجاري محتمل يمر من أوروبا وتركيا، عبر ميناء مدينة حيفا الإسرائيلية، إلى الأردن والمملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، أصبحت حيفا مركز عبور للبضائع التركية، إذ يستخدم هذا المعبر الحدودي للسفر برًا إلى دول الخليج، عبر شرق تركيا وسوريا، وفي الوقت الحالي، تصل قرابة 20 شاحنة تركية أسبوعيًا لميناء حيفا، حيث يقوم مسؤولو الميناء بتفتيشها، وتمريرها على الأشعة السينية، من ثمّ تركها لتواصل طريقها عبر الجليل إلى الأردن، لكنّ الشحن إلى السعودية توقف منذ عامين، حين أفسد أحد المنافسين في الرياض شحنات الطماطم التركية، التي كانت تأتي عبر ميناء حيفا، بحسب أحد وسطاء الشحن داخل هذا الميناء.
والجدير بالذكر، أن قرا يعمل مع دبلوماسيين خليجيين، مستعينًا بوساطة شركاء بارزين في الحكومة الأردنية، في محاولة لإعادة فتح الطريق الإسرائيلي السعودي على نطاق أوسع، ليشمل شبه الجزيرة العربية.
إن الخطوة التي أقدم عليها قرا من شأنها أن تضاعف من عدد الشاحنات التركية المارة عبر المعبر، بنحو خمس مرات، بين عشية وضحاها، وفي هذا السياق، أكد قرا من خلال أحد تصريحاته “في القريب العاجل سترون قدم نتنياهو وهي تطئ أراضي الدول العربية”، وفي الإطار نفسه، أكد وسيطه الأردني أن “الوقت قد تغير، وأن هذه الدول سوف تسعى إلى إيجاد سبل للتعامل مع إسرائيل”.
وتبعا لهذه المعطيات، فإن نتنياهو يستخدم مساعدين آخرين، من أجل الإشراف على اتصالات عربية رفيعة المستوى، ومن بينهم محاميه الشخصي إسحاق مولخو والسفير السابق في الولايات المتّحدة الأمريكية دوري غولد، ومنذ بدء العمل باتفاقية أوسلو في بداية التسعينيات، أنشأت السلطات الإسرائيلية مكاتب تجارية في كل من قطر وعمان، ومنذ سنة تقريبًا، تلقّت السلطات الإسرائيلية موافقة على إنشاء موقع دبلوماسي في العاصمة الإماراتية أبوظبي، كممثل عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
وبالتالي، فإن هذا المكتب له القدرة الوظيفية على الاضطلاع بدور السفارة، وذلك في إطار توسيع علاقات إسرائيل بالخليج.
فضلاً عن ذلك كله، فإن العضو العربي الوحيد في مجلس وزراء نتنياهو أيوب قرا، له دور فريد من نوعه، حيث يلتقي بانتظام مع العديد من الدبلوماسيين ورجال الأعمال العرب، في القاهرة والدار البيضاء وجنيف ونيويورك، وتجدر الإشارة إلى أن الطائفة الدرزية تنتشر في العديد من الدول، حيث يقدر عددهم بنحو 140 ألفًا في إسرائيل، و850 ألفًا في كل من لبنان وسوريا والأردن، ويعود تاريخ وجودها إلى قبل نحو 1000 سنة، وقد تمكنت هذه العشائر من الصمود، بفضل تقديم الولاء للسلطة التي تحكم المناطق التي يتمركزون فيها.
من جانب آخر، قتل اثنان من أعمام أيوب قرا على يد العرب، بتهمة تعاونهما مع اليهود، قبل نشأة ما يسمى بالدولة الإسرائيلية، في المقابل، تعرض قرا لإصابة داخل دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي، خلال حرب لبنان سنة 1982، وتمت ترقيته إلى رتبة ضابط بعد مقتل شقيقيه.
علاوة على ذلك، عمل أيوب قرا في مجال القانون مع الحكومة الإسرائيلية لمدة 15 سنة، وفاز بمقعد في الكنيست سنة 1999، وقد تسلم قيادة حزب الليكود سنة 2006، وفي الاحتفال بالذكرى 58 لاستقلال ما يسمى بدولة إسرائيل، أقام أيوب قرا حفلاً على شرف نتنياهو، حيث جلب جزارين لذبح 58 خروفًا على الطريقة اليهودية، ومن جهته، أطعم نتنياهو 7000 درزي من سكان المدينة، أمام منزل قرا الواقع في دالية الكرمل.
وفي هذا السياق، قال قرا خلال أحد الحوارات الصحفية التي أجريت في منزله: “أشعر كأنني يهودي، لكنني لست كذلك، وأنا في اتصال دائم مع الناس باللغة العربية، لكن هذا لا ينفي أنني لن أتخلى عن احتياجات إسرائيل”، وفي نفس اللقاء، عرض صحفي صورة لأحد الأشخاص، وهو يشعل لقرا سيجارًا كوبيًا، في جناح أحد الفنادق بنيويورك، ليكشف لاحقًا عن هويته، مدعيا أنه من أفراد العائلة المالكة في قطر.
وصرح قرا أيضًا، أنه من الممكن أن تستفيد دول الخليج من خط أنابيب ثانٍ، سيُدشّن تحت البحر الأحمر، والجدير بالذكر أنه تم إنشاء خط أنابيب أول قبل 50 سنة، بالشراكة بين إسرائيل والشاه الإيراني، وحافظت الدولتان على تحالفهما السري.
ويقوم خط أنابيب إيلات – عسقلان الإسرائيلي، الذي يبلغ طوله نحو 160 ميلاً، بنقل النفط من ميناء إيلات إلى مدينة عسقلان، دون المرور بقناة السويس، كما يمكن أن يساهم ذلك في التقليص من مصاريف الشحن إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، لكن عند سقوط الشاه سنة 1979، استولت إسرائيل على المشروع بمفردها.
وتجدر الإشارة إلى أن محكمة الاستئناف السويسرية أصدرت حكمًا، يقضي بمنح إيران نحو 1.1 مليار دولار، كتعويض عن عائدات المشروع، بعد استيلاء إسرائيل عليه، بيد أن إسرائيل رفضت دفع التعويض مما دفع قرا إلى اعتبار أن مسألة استخدام الأنابيب ستكون موضوع المفاوضات القادم الذي ستناقشه مع المملكة العربية السعودية.
وفي هذا السياق، قال رئيس الموساد السابق شافيت: “كل شيء في الوقت الراهن، تحت أنظارنا”، وبهذه الطريقة، استثمر رجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوخافي، قرابة ستة مليار دولار في المجال الأمني، في الإمارات العربية المتحدة.
ويذكر أن كوخافي مستثمر إسرائيلي، يقضي معظم أوقاته في الولايات المتحدة الأمريكية، ويبلغ من العمر 54 سنة، كما أنشأ عددًا من الشركات التي تنشط في المجال الأمني بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ومن بينها شركة “فور دي” بولاية نيوجيرسي التي أنشأت نظام المراقبة بمطار نيويورك.
وقام كوخافي بتسويق خدمات شركاته لدى الحكام في الإمارات وأبوظبي، ولم يُخفِ أن شركته إسرائيلية وأن العديد من موظفيه ينحدرون من إسرائيل.
وفي هذا الصدد، قال أحد الموظفين العاملين لدى شركة كوخافي، موشي ديبي: “الأمن المتوفر في إسرائيل يعتبر فائدة لصالح بلد يواجه العديد من المخاطر، لكنه يفتقر إلى نظام دفاعي متطور”.
وأضاف ديبي، واصفًا البنية التحتية الإماراتية: “لم تكن توجد أسوار عندما بدأنا مشروعنا، كان من الممكن أن يذهب جمل إلى المرافق النفطية ويشرب النفط”.
في الفترة الممتدة بين سنتي 2007 و2015، أنشأت شركة كوخافي “أي جي تي” الدولية، والتي يقع مقرها الاجتماعي بمدينة زيوريخ السويسرية، أكبر نظام دفاعي شامل ومتكامل في العالم
وفي الفترة الممتدة بين سنتي 2007 و2015، أنشأت شركة كوخافي “أي جي تي” الدولية، والتي يقع مقرها الاجتماعي بمدينة زيوريخ السويسرية، أكبر نظام دفاعي شامل ومتكامل في العالم، ويتكون هذا النظام من الآلاف من أجهزة الكاميرات وأجهزة الاستشعار المنتشرة على قرابة 620 ميلاً على الحدود الدولية للإمارات وأبو ظبي.
وفي الحقيقة، تملك شركة كوخافي قاعدة بيانات تسمى “ويسدم”، تقوم بتحليل الصور والبيانات، ويشرف كوخافي على هذه القاعدة من الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا، إذ تدار كل هذه العمليات في إسرائيل، لدى إحدى شركات كوخافي والتي تسمى “لوجيك إينداستريز”.
وفي ذروة المشروع، كانت تقلع طائرة بيضاء اللون من طراز “بوينغ 737″، مرتين في الأسبوع، من مطار بن غوريون الدولي، لتحُطّ لفترة وجيزة في قبرص أو الأردن، وذلك بغاية التمويه، ثم تحطّ بعد ثلاث ساعات في أبو ظبي، وعلى متنها عدد من المهندسين الإسرائيليين، كان أغلبهم يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية.
والجدير بالذكر أنهم كانوا يحملون طول الوقت أجهزة تحديد المواقع، ويضغطون على أزرار النجدة، وعلاوة على ذلك، فإن هؤلاء المهندسين قاموا بإخفاء هوياتهم الوطنية، وأسمائهم العبرية، كما لم يتجرؤوا على النطق باسم دولتهم، بل كانوا يطلقون عليها “سي”، أما كوخافي فكانوا ينعتونه باسم “إم كيه”.
وكان العرب الذين عملوا في المشروع ينظرون إلى زملائهم من زاوية أخرى، مما تسبب في بعض المشاكل، لكن هذه النظرة المختلفة لم تشكل عائقًا أمام ربط علاقات وطيدة ببقية الموظفين، وقد بدا الأمر سخيفًا بعض الشيء، خاصة عندما حاول مسؤولو الاستخبارات الإماراتية إخفاء هويات الإسرائيليين، بإعطائهم أسماء شخصيات بعض المسلسلات على غرار “بون” و”سواريز”.
وفي الواقع، ظهرت أهمية التكنولوجيا الإسرائيلية في كانون الأول/ديسمبر 2014، عندما قامت امرأة بطعن سيدة كندية حتى الموت، في مرحاض بمركز تجاري بأبو ظبي، ثم زرعت قنبلة في منزل طبيب مصري أمريكي، تم إبطال مفعولها فيما بعد.
عموما، ساهمت مقاطع الفيديو التي التقطتها أجهزة الكاميرا، والتي ركبتها شركة “أي جي تي”، في التعرف بسرعة على المشتبه بها. وبعد سبعة أشهر من هذه الجريمة، تمت إدانة المرأة، وصدر في حقها حكم بالإعدام، وسط تكتم الحكومة الإماراتية.
وعندما كان مشروع الإمارات على وشك النهاية سنة 2014، أنشأت شركتا “أي جي تي ” و”فور دي”، بصفة مشتركة، نظام تحكم، مع مزود الخدمات الخلوية السعودي، موبايلي، في الحرم المكي.
ومن جهة أخرى، ومع تدفق قرابة 3 ملايين شخص في موسم الحج، طرحت وزارة الحج السعودية عروضًا من أجل التحكم في الزحام داخل مكة المكرمة، وعلى الرغم من سن المملكة قوانين تنظم تصاريح الحج، لا يمكنها منع الحجاج من الدخول إلى المسجد الحرام، لذلك، يجب السيطرة على وفود الحجاج، قبل وقت طويل من وصول الحافلات إلى غرب المملكة، ولكن كيف سيتم ذلك؟
لقد صمم مهندسو شركة “فور دي” نظامًا، يطلب من كل حاج يحمل سوارًا إلكترونيًا، التسجيل بحافلة الحجاج، وتقوم الحافلات بإعلام جهاز حاسوب مركزي بعدد المسافرين عليها، عن طريق نظام موبايلي، ومن جهته، يصدر هذا الجهاز ضوءًا أحمر من الحافلات التي تقل أشخاصًا دون ترخيص، حيث يمثل هذا الضوء إشارة للشرطة، ليقوموا بطرد هؤلاء الأشخاص، قبل وصولهم إلى مكة.
كما يمكن لهذا الجهاز التفطن إلى هؤلاء الأشخاص عن طريق البوابات الآلية عند نقاط التفتيش، وأتيح أيضًا للمسؤولين السعوديين نشر أنظمة مشابهة لهذا الجهاز، بغرض التحكم في حركة مرور الحافلات، في الواقع، نال النظام المشترك بين شركتي “فور دي” و”أي جي تي” المرتبة الأولى بين كل الأنظمة، لكنه لم يفز بالمشروع.
وبعد عدة أشهر، نشر عدد من المهندسين لدى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن فكرة مشابهة لهذا النظام في صحيفة أكاديمية، وخلال موسم الحج الماضي، طلبت السلطات السعودية من الحجاج ارتداء أساور إلكترونية لأول مرة الأمر الذي ساهم في عثور الشرطة على نحو 200 شخص دون ترخيص بالحج، في المقابل، رفض متحدث باسم وزارة الحج السعودية الرد على الأسئلة المرسلة عبر البريد الإلكتروني.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم شركة “موبايلي” محمد بلوي، في رد على رسالة إلكترونية أرسلناها لهم: “شركة موبايلي تقدمت، بعرض بشأن هذا النظام، لكننا لم نفز به”، في المقابل، فند بلوي مسألة الشراكة بين موبايلي وشركة إسرائيلية، قائلاً: “لا تسمح سياسة شركتنا بمثل هذا التعاون”.
من جهة أخرى، يعتقد مهندس سابق بمشروع “كوخافي” أن فكرة المشروع قد سرقت، وعبّر في الوقت نفسه عن تعجبه من كيفية حصول الاختبار، حيث أفاد أنه “متفاجئ من الأموال والتكنولوجيا والمعدات، التي تتدفق بين أيدي أعدائنا على الساحة السياسية”، كما يبدو أن أقدس الأماكن الإسلامية قد بلغت شوطًا من التقدم.
المصدر: بلومبيرغ