هل ساعدت باكستان ابن لادن على الاختباء في أراضيها لسنوات؟

لا تزال العلاقة الغامضة التي كانت تجمع زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن مع السلطات الباكستانية قبل مقتله، تثير نقاط استفهام عديدة، فلا يكاد الموضوع يغلق حتى تصدر معطيات جديدة تعيده إلى نقطة البداية، رغم تأكيد وزير الداخلية الباكستاني عبد الرحمن مالك أنه من غير المنطقي أن تحمي بلاده ابن لادن وهو متورط في اغتيال بي نظير بوتو رئيسة الحكومة السابقة.
قبل أيام، قال قمر نديم محامي أسرة شكيل أفريدي الطبيب المسجون الذي ساعد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الوصول إلى مخبأ أسامة بن لادن في 2011، إن السلطات الباكستانية رفضت إصدار بطاقات هوية لأسرة أفريدي وهو ما يمنع أولاده من الالتحاق بالتعليم الجامعي.
أفريدي الذي اتهم بالخيانة بعد أن ذاعت أنباء بأنه ساعد المخابرات المركزية الأمريكية في جمع عينات من الحمض النووي (دي. إن. إيه) لأسرة ابن لادن مما مهد لغارة سرية شنتها وحدة خاصة من البحرية الأمريكية قتل فيها زعيم القاعدة في بلدة أبوت أباد، والذي ألقي القبض عليه بعد أيام من العملية الأمريكية.
شكيل أفريدي، الذي أشاد به مسؤولون أمريكيون باعتباره بطلاً، وجهت له باكستان اتهامًا بإجراء حملة تطعيمات زائفة جمع من خلالها عينات من الحمض النووي لمساعدة ”سي. آي. إيه” على التأكد من هوية ابن لادن
في 17 من يناير الماضي، أفاد وزير القانون الباكستاني زاهد حامد، بأن سلطات بلاده لن تفرج عن شكيل أفريدي، الذي أشاد به مسؤولون أمريكيون باعتباره بطلاً، بينما وجهت له باكستان اتهامًا بإجراء حملة تطعيمات زائفة جمع من خلالها عينات من الحمض النووي لمساعدة ”سي. آي. إيه” على التأكد من هوية ابن لادن.
الزعيم السابق لتنظيم القاعدة الذي أعلن مقتله في شهر مايو 2011، بعد نحو عقد ونصف من الاختفاء، فاجأ الجميع باتخاذه بيت محصن إلى الجنوب الغربي من الأكاديمية العسكرية الباكستانية، مما خلف أزمة صامتة بين الحليفين في مكافحة الإرهاب.
قبل 3 سنوات ونصف، ذكر تقرير رسمي باكستاني عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، أنه عاش على مرأى من الجميع ما يقرب من عشر سنوات، بل إنه أوقف ذات يوم على طريق لتجاوز السرعة القانونية ولكن لم يقبض عليه، لعدم كفاءة أجهزة الأمن والمخابرات الباكستانية.
ويعرض التقرير الذي سرب إلى قناة “الجزيرة” وأعدته لجنة رأسها قضاة، وشكلتها الحكومة الباكستانية بعد وقت قصير من مقتل ابن لادن عام 2011، ويقع في 336 صفحة، ويستند إلى مقابلات مع 201 شخص، منهم أفراد من عائلة ابن لادن ومسؤولين، تفاصيل مذهلة عن حياة أكثر شخص مطلوب في العالم سابقًا، حيث يكشف أن ابن لادن كان يضع قبعة رعاة البقر على رأسه لتفادي رصده بالأقمار الصناعية.
ورغم أن الرئيس الباكستاني آصف زرداري، كان قد نفى أن بلاده أخفت ابن لادن، عقب اتهامات وجهتها وسائل إعلام أمريكية لباكستان بمساعدتها له على الفرار من ملاحقات القوات الأمريكية، وتأكيده بأن العملية ما كانت لتنجح وما كان لبن لادن أن يقتل لولا التعاون المستمر لمدة عشر سنوات بين الولايات المتحدة وباكستان في مكافحة الإرهاب، فإن كارلوتا غول الصحفية بـ”نيويورك تايمز” الأمريكية، كشفت أن باكستان لم تتعمد إخفاء زعيم تنظيم القاعدة السابق ومدبر هجمات الحادي عشر من سبتمبر أسامة بن لادن فحسب، بل قدمت الرعاية لحركة طالبان بعد العام 2001، مما أسفر عن مقتل 2625 جنديًا أمريكيًا وبريطانيًا.
غول: القيادة الباكستانية ظلت تخدع الولايات المتحدة لكي تعاملها باعتبارها صديق طوال عقود، وباكستان كانت على دراية بالفعل بالمكان الذي يختبئ فيه ابن لادن
وأوضحت غول التي عملت مراسلة للصحيفة بباكستان وأفغانستان لأكثر من 10 أعوام، أن القيادة الباكستانية ظلت تخدع الولايات المتحدة لكي تعاملها باعتبارها صديق طول عقود، مضيفة لشبكة “إيه بي سي نيوز” الأمريكية: “باكستان كانت على دراية بالفعل بالمكان الذي يختبئ فيه ابن لادن، وقد أخبرني أحد المقربين من السلطات الباكستانية بذلك”.
وتابعت غول “لم يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، لكن السلطات الباكستانية وفرت له المكان والحماية والإشراف، وتعاملت معه وفقًا لشروط أجهزة المخابرات السرية، ورغم إنكار كل ما سبق عدة مرات، لكنني علمت أن كبار القادة على دراية بالأمر”.
رواية الصحفية الأمريكية، فند جزءًا منها الصحفي الأمريكي سيمور هيرش مع تأكيده في نفس الوقت أن المخابرات الباكستانية كانت على علم بوجود ابن لادن على أراضيها، حيث قال هيرش إنه حصل على معلومات سرية عن تفاصيل العملية التي أدت إلى مقتل ابن لادن، وعن التعاون بين الاستخبارات الباكستانية والأمريكية لتنفيذ هذه العملية، حصل عليها من الجنرال الباكستاني المتقاعد أسعد دوراني الذي تحدث عن الدور السري الذي لعبه الجنرال إشفاق برويز كياني والمدير العام للاستخبارات الباكستانيّة المشتركة أحمد شجاع باشا، اللذان سهّلا عملية التصفية الأمريكية لأسامة بن لادن في مجمع أبوت أباد حيث كان يقيم.
وعلى خلاف الرواية المتداولة، فإن الاستخبارات الأمريكية لم تتمكن من تحديد موقع ابن لادن إلا بعد أن قام أحد عناصر الاستخبارات الباكستانية بخيانة دوره الوظيفي وإيصال معلومات للاستخبارات الأمريكية عن موقعه، وذلك مقابل مكافأة بقيمة 25 مليون دولار.
وأشار دوراني إلى أن ابن لادن كان موجودًا كرهينة لدى السلطات الباكستانية منذ عام 2006، مضيفًا أن باشا وكياني كانا على علم بالعملية التي ستقوم بها الاستخبارات الأمريكية، ولكن تم الاتفاق على عدم كشف الحقيقة لأغراض سياسية تتعلق بالمعونات التي تقدمها أمريكا للجيش الباكستاني في سبيل الجهود المشتركة للوقوف بوجه الإرهاب ولأسباب تتعلق بعدم إثارة الغضب الشعبي وغضب طالبان خصوصًا.
وأفاد الصحفي سيمور هيرش بأن الاستخبارات الأمريكية أخفت المعلومات التي حصلت عليها عن الحكومة الباكستانية خوفًا من أن تقوم بتغيير مكان ابن لادن، واحتاطت بتهريب مسرّب المعلومة وعائلته إلى واشنطن.
باكستان تلقت منذ بدء الحرب على الإرهاب في عام 2001، مساعدات تُقدّر بـ20 مليار دولار من الولايات المتحدة، لكن في أعقاب الغارة التي قتلت ابن لادن قلصت الإدارة الأمريكية مبلغ 800 مليون دولار
يشار هنا إلى أن باكستان تلقت منذ بدء الحرب على الإرهاب في عام 2001، مساعدات تُقدّر بـ20 مليار دولار من الولايات المتحدة، لكن في أعقاب الغارة التي قتلت ابن لادن قلصت الإدارة الأمريكية مبلغ 800 مليون دولار من المساعدات لباكستان.
ورغم أن ملف اغتيال أسامة بن لادن لا يبدو أنه سيغلق في المستقبل القريب بسبب ضبابية المعطيات وتضارب الروايات، فمن المؤكد أن العلاقات الأمريكية الباكستانية المبنية على الحيطة أكثر من الثقة قد تأثرت سلبًا بعد عملية الاغتيال، ففي الـ26 من نوفمبر 2014، وصف وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف الولايات المتحدة الأمريكية بالقول: “ليست حليفًا يمكن الوثوق به، فقد كانت حليفًا نسبيًا لنا في الستينيات والسبعينيات، وكانت سياساتها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا كارثية، وما زلنا ندفع ثمنها”.