يبدو أن الملامح العدوانية التي كانت تتصدر الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الفلسطينيين بدأت تتضح وترسم صورة المرحلة المقبلة “الخطيرة” عليهم في ظل حكم الساكن الجديد للبيت الأبيض الذي أكد دعمه وولائه المطلق للاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية.
تهديدات ترامب المتواصلة حتى اللحظة بنقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس المحتلة، لم تكن الملف الأول الأسود الوحيد الذي سيختبر توجه ترامب في المنطقة بعد أسابيع من جلوسه على كرسي الرئاسة الأمريكية، بل الأمر تعدى ذلك حين قرر معاقبة الفلسطينيين “ماليًا وسياسيًا”وتوجيه تهديد مباشر للرئيس محمود عباس.
ومنذ تولي ترامب منصبه في 20 من يناير/ كانون الثاني الماضي، لم تضيع حكومة الاحتلال وقتًا في استغلال وجوده في منصبه، للاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية وتدمير ما تبقى من مبدأ “حل الدولتين”.
ويتوقع خبراء ومحللون أن تنصيب الجمهوري ترامب سيضع السلطة الفلسطينية في الفترة المقبلة أمام خيارات صعبة ومحدودة للتحرك على الساحة الدولية واستكمال نهجها الدبلوماسي الذي توّجته العام الماضي بقرار مجلس الأمن 2334 الداعي إلى وقف الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
رسالة التهديد الأمريكية الأولى
ولعل أول رسالة تهديد رسمية وصلت السلطة الفلسطينية التي كشف عنها مسؤول رفيع المستوى بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حذر السلطة من مغبة التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة إسرائيل.
إدارة الرئيس الأمريكي الجديد نقلت خلال الأيام الأخيرة رسالة واضحة جدًا للسلطة الفلسطينية حذرتها فيها من مغبة التوجه للمحكمة الدولية لمقاضاة إسرائيل على خلفية قراراتها الاستيطانية الأخيرة
وقال المسؤول الفلسطيني، نقلاً عن دبلوماسيين غربيين وعرب تأكيدهم له أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد نقلت خلال الأيام الأخيرة رسالة واضحة جدًا للسلطة الفلسطينية حذرتها فيها من مغبة التوجه للمحكمة الدولية لمقاضاة إسرائيل على خلفية قراراتها الاستيطانية الأخيرة.
وهددت إدارة ترامب باتخاذ خطوات عقابية شديدة ضد السلطة في حال أقدمت على هذه الخطوة مثل وقف تام للمساعدات الأمريكية المقدمة للسلطة وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في العاصمة الأمريكية واشنطن واتخاذ خطوات شديدة أخرى من شأنها أن تلحق الضرر الكبير بمكانة وموقع منظمة التحرير الفلسطينية.
صحيفة “هارتس” العبرية، قالت: “رسالة التحذير الأمريكية وصلت السلطة الفلسطينية من خلال القنصلية الأمريكية التي اتصلت هاتفيًا بأحد القيادات الفلسطينية المرتبط مباشرة مع الرئيس محمود عباس وليس من خلال البيت الأبيض مباشرة أو وزارة الخارجية الأمريكية كما جرت العادة”.
وادعت الصحيفة أن الرسالة الأمريكية استقبلت لدى القيادة الفلسطينية بغضب شديد حيث وصفتها هذه القيادة بمحاولة أمريكية لتصفية الاستراتيجية الفلسطينية القائمة على ترك الكفاح المسلح أو النضال العنيف لصالح العمل الدبلوماسي الممتد على الساحة الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة بشكل كامل وتام.
ونسب الموقع لمصدر فلسطيني رسمي وصفه بالرفيع قوله “ترامب وقع ضمن الأوامر الرئاسية التي أصدرها فور تسلمه منصبه قرارًا رئاسيًا يقضي بتنفيذ قرار سابق اتخذه الكونغرس إبان فترة حكم أوباما يتعلق باتخاذ خطوات وإجراءات عقابية ضد منظمة التحرير الفلسطينية في حال قررت السلطة التوجه للمحكمة الدولية في لاهاي”.
وقال “بنت القيادة الفلسطينية استراتيجيتها على أسس عديدة منها التوجه للمحكمة الدولية كوسيلة مركزية لوقف الاستيطان لكن الرسائل التي وصلت من واشنطن في الأيام الأخيرة كانت واضحة في تأكيدها بأن خطوة من هذا القبيل ستجر رد فعل أمريكي قوي وشديد وهنا من تحدث عن إمكانية إعادة منظمة التحرير إلى قائمة الإرهاب الأمريكية”.
وهنا يرى ناجي شراب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر، أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض سيترك تداعيات كبيرة على الفلسطينيين، منوهًا أن ذلك يوجب على السلطة الفلسطينية إعادة التقييم لجميع الخيارات الفلسطينية وترتيب أولوياتهم بما يتفق مع بيئة هذه الخيارات.
ويتوقع شراب أن تفرض واشنطن على السلطة الفلسطينية العودة إلى طاولة المفاوضات مقابل تجميد نقل سفارة واشنطن إلى القدس المحتلة لفترة محددة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يضع السلطة في مأزق رفض الطرح الأمريكي أو القبول دون شروط مسبقة، وبناءً على ذلك من الممكن أن تتخذ الإدارة الأمريكية خطوات عقابية وتنقل سفارتها.
ويتوقع كذلك أن تنتهج السلطة الفلسطينية في الفترة المقبلة استراتيجية المهادنة والمرونة السياسية مع الأمريكان، مستبعدًا أي تحركات لانتزاع قرارات دولية جديدة على غرار قرار مجلس الأمن 2334.
حرب ترامب الاقتصادية
وفي حربه الاقتصادية والعقابية ضد الفلسطينيين، يعمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إعداد أمر رئاسي لتقليص حجم المساعدات للأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى تعترف بالسلطة الفلسطينية كدولة، وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن خفض المساعدات سيصل إلى 40% على الأقل.
إدارة ترامب قررت إلغاء حزمة المساعدات التي أقرها الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما للسلطة الفلسطينية قبل رحيله عن البيت الأبيض، التي تقدر بـ221 مليون دولار
وكان مسؤول فلسطيني قد كشف النقاب عن أن إدارة ترامب قررت إلغاء حزمة المساعدات التي أقرها الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما للسلطة الفلسطينية قبل رحيله عن البيت الأبيض، التي تقدر بـ221 مليون دولار، ونقل موقع “واللا” الإخباري العبري عن مسؤول فلسطيني في الحكومة أن رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله تلقى رسالة من الجانب الأمريكي أن حزمة المساعدات لن تصل لرام الله.
وأضاف أن السلطة الفلسطينية حصلت خلال فترة ولاية أوباما على 250 مليون دولار تضمنت 180 مليون من الوكالة الأمريكية لتطوير المشروعات كالمياه والكهرباء في أراضي السلطة الفلسطينية، و25 مليون دولار للمستشفيات الفلسطينية و45 مليون دولار دفعت لإسرائيل من أجل تقديم الوقود للسلطة.
وأوضح أن العلاقات بين الإدارة الأمريكية والسلطة الفلسطينية تمر بمرحلة الاختبار خاصة في أعقاب تصريحات ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس الأمر الذي أثار غضب الدول العربية والفلسطينيين.
وفي ذات السياق، قالت مصادر حكومية مطلعة إن وزارة المالية لم تتلق أي منح مالية من الولايات المتحدة الأمريكية خلال الشهر الحاليّ، وأضافت أنها قرأت عبر وسائل الإعلام عن تحويل منحة مالية بقيمة 221 مليون دولار أمريكي، وتراجعت المنح المالية الأمريكية، للخزينة الفلسطينية من 300 مليون دولار سنويًا بالمتوسط إلى أقل من 100 دولار في 2016.
وتحدثت الحكومة الفلسطينية أن تراجع المنح المالية كان نتيجة لانضمام فلسطين إلى عديد من المنظمات والمعاهدات الدولية، خاصة الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، يذكر أن إجمالي الدعم المالي الذي تلقته الحكومة الفلسطينية خلال العام الماضي 2016 ككل بلغ 614 مليون دولار أمريكي، مقارنة مع متوسط 1.1 مليار دولار سابقًا.