في معرض تخوفاتها وتحذيراتها المستمرة من سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، حذرت ألمانيا مؤخرًا على لسان وزيرا المالية والاقتصاد فيها، من أسلوب الرئيس الأمريكية دونالد ترامب في التعامل مع القضايا الاقتصادية، متوقعين فشله في إدارة البلاد اقتصاديًا بسبب المعارضة الداخلية لسياساته المثيرة للجدل.
فولفغانغ شويبله، وزير المالية الألماني، انتقد طريقة تفكير ترامب في إبرام الصفقات الاقتصادية، حيث قال في تصريحات لصحيفة “تاغس شبيغل” الألمانية اليوم: “لا نحتاج إلى حلول يخسر فيها طرف بينما يكسب الآخر، ربما يختلف الوضع في قطاع العقارات (في إشارة إلى ترامب)، لكن العالم يحتاج إلى وضع يكون الكل فيه فائزًا”.
“إذا لم يكن فوز ترامب في الانتخابات يعد تنبيها لأوروبا، فلا أعلم أي تنبيه نحتاج إليه!”.
وحذّر شويبله قائلًا: “لا ينبغي لنا الاستجابة للاستفزاز أو ممارسة الاستفزاز نفسه”، موضحًا أن ترامب يختبر حاليًا الكثير من الأمور عبر تصريحات ضد أوروبا الموحدة على سبيل المثال. مؤكدًا أن ترامب “غير جاد تمامًا في هذه التصريحات”.
إلى ذلك، أكد الوزير الألماني على ضرورة أن تعي أوروبا أن الوضع أصبح على “منعطف”، قائلًا: “إذا لم يكن فوز ترامب في الانتخابات يعد تنبيها لأوروبا، فلا أعلم أي تنبيه نحتاج إليه!”.
ترامب وصف سياسات ميركل بالكارثية
وكان ترامب في منتصف الشهر الماضي قد أطلق تصريحات حول الاتحاد الأوربي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أشعلت غضبًا وانتقادات واسعة وصلت حتى واشنطن نفسها. حيث لم يقتصر الرد على تصريحات ترامب على الزعماء والمسؤولين الأوروبيين فقط، إذ ندد حينها وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري بما أسماها “تصريحات ترامب غير اللائقة حول المستشارة الشجاعة أنجيلا ميركل”.
حيث كان ترامب وفي مقابلة مع صحيفتي “بيلد” الألمانية و”التايمز” البريطانية، قال إن حلف الناتو قد “تخطاه الزمن”، منتقدًا في الوقت نفسه سياسة المستشارة الألمانية لاستقبال المهاجرين، واصفا اياها بأنها “كارثية”.
ألمانيا تعّول على فشل ترامب
على صعيد متصل، اعتبرت وزيرة الاقتصاد الألمانية بريغيته تسيبريس أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب يشكل خطرًا على التنمية الاقتصادية في أمريكا وأوروبا والعالم أيضًا. وقالت الوزيرة، في تصريحات لصحيفة “فرانكفورتر ألغماينه زونتاغس تسايتونغ” الألمانية إن “حالة عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ بخطط وأفكار ترامب تصيب بالشلل، والشلل خطير على الاقتصاد”. وذكرت تسيبريس أنها تعول على إخفاق ترامب في مساعيه عبر المعارضة الأمريكية الداخلية، مضيفة: “أيضا في أمريكا سيعلم الرئيس في وقت ما أنه يحتاج إلى أغلبية في البرلمان لتنفيذ سياسته”.
وزيرة الاقتصاد الألمانية بريغيته تسيبريس
إلى ذلك، قال موقع “دويتشه فيله” إن تسيبريس تسعى إلى التواصل مع وزير التجارة الأمريكي الجديد، والتي أكدت أنها ستلقي نظيرها الأمريكي ويلبور روس بمجرد موافقة مجلس الشيوخ على تعيينه”. مضيفة في تصريحاتها: “ألمانيا تبحث عن الحوار وعن شركاء حوار مناسبين في الإدارة الأمريكية”.
يذكر أن تسيبريس تولت منصب وزيرة الاقتصاد في ألمانيا قبل أسبوع خلفًا لزيغمار غابريل، الذي تولى حقيبة الخارجية. وعاد غابريل صباح اليوم السبت إلى برلين عقب زيارة رسمية لواشنطن التقى خلالها نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون ونائب الرئيس الأمريكي مايك بينس.
هل تدفع سياسة ترامب لتولي ألمانيا دور قياديًا في العالم؟
يقول خبراء ومراقبون أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تتجه في المرحلة القادمة نحو مرحلة من العزلة عن العالم، وذلك بسبب قرارات ترامب الأخيرة المثيرة للجدل، والتي من الواضح أنها لن تنتهي. حيث ربما تتيح بذلك الولايات المتحدة المجال لدول أخرى كبيرة من أجل لعب دور أقوى في المجتمع الدولي والعالم، مثل ألمانيا.
حيث قال صحيفة دويتشه فيله الألمانية في تقرير لها نشر قبل أيام، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوضح أنه سيتنبى سياسة خارجية انعزالية. وحث دولًا أخرى في حلف شمال الأطلسي على تحمل قسطها من المسؤولية في الحلف العسكري (الناتو).
من الواضح أنه الولايات المتحدة ستكون في “موقف انعزالي عنيف”. فترامب يقول أشياء مثل: “لا يهمني ما يحصل في باقي العالم.. يهمني فقط القضاء على “داعش” وما يحصل في الولايات المتحدة”.
وقالت الصحيفة إن ألمانيا -في بادئ الأمر ألمانيا الغربية- والآن البلاد برمتها كانت دائمًا محمية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ضد تهديد سوفيتي أو روسي. والولايات المتحدة الأمريكية أكدت دومًا أنها تُعنى بهذا التحالف الوثيق مع ألمانيا، لأنها تحتاج لها كعامل استقرار في أوروبا وكذلك داخل الاتحاد الأوروبي.
وحاليا مع مجيء ترامب، من الواضح أنه الولايات المتحدة ستكون في “موقف انعزالي عنيف”. فترامب يقول أشياء مثل: “لا يهمني ما يحصل في باقي العالم.. يهمني فقط القضاء على “داعش” وما يحصل في الولايات المتحدة”.
وتقول الصحيفة إن التحدي الأكبر أمام ألمانيا الآن هو أن البلاد ستتولى دورًا جديدًا ـ ستصبح أكثر استقلالية وتتحمل دورًا قياديًا داخل الاتحاد الأوروبي والعالم بشكل عام.
لكن الصحيفة أكدت على “شكوك من قدرة ألمانيا على التعامل مع موقف جديد قوي في العالم، حيث أن ألمانيا الآن أمام تحديين سياسيين كبيرين، الأول يتعلق بالاتحاد الأوروبي ـ فألمانيا هي أهم فاعل داخل الاتحاد الأوروبي، بما أن تأثير فرنسا سياسيًا واقتصاديًا في تراجع”.
كما أن ألمانيا لديها دور يزداد قوة داخل المجتمع الدولي، مؤكدة “لا أحد هنا في ألمانيا كان يصبو إلى هذا الشيء، نحن فقط انزلقنا الى هذا الدور، فالجميع الآن بات يعلم أن ترامب سيغير موقف ألمانيا في العالم، ولكن لا أحد يقبل بذلك في هذه الفترة، لأنه لا توجد نماذج سابقة”.
أوروبا بحاجة لبناء سياسة جديدة
إلى ذلك، نقلت “دويتشه فيله” عن المحلل السياسي الألماني البروفيسور زيبو يانسين، قوله بأن الاتحاد الأوروبي يجب عليه بناء سياسة دفاع وخارجية مستقلة فيه، مؤكدًا في الوقت نفسه: “يجب علينا بناء هذه السياسة اعتمادًا على ركيزتين، الدبلوماسية التي نحن أقوياء فيها، وإعادة بناء القوة العسكرية، وهذا لأوروبا كلها، وليس فقط لألمانيا أو فرنسا”.
بوتين وميركيل
وأكد المحلل والمؤرخ الألماني أنه “إذا انعزلت الولايات المتحدة بصفة متزايدة، أخشى أن يكون الاتحاد الأوروبي وألمانيا مجبرين على الاعتناء بجوارهما بشكل خاص.. لا يمكن لنا أن نطلب من الولايات المتحدة أن تقوم بذلك، ويجب علينا القيام بذلك بأنفسنا، لأن ترامب سبق وأن قال بأنه لا يريد التصعيد في النزاع مع روسيا على سبيل المثال”.
وأضاف يانسين أنه “إذا حاولت روسيا مثلا تقوية دورها في أوكرانيا وجنوب شرق أوروبا وجورجيا، فعلينا الرد على ذلك في دول البلطيق. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يرد إذا لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لفعل ذلك، لا يمكن لنا قبول ما فعله بوتين في غالبية أقطار الشرق وجنوب شرق أوروبا”.
الاتحاد الأوروبي في ضعف مستمر
“نحن الآن في مفترق طرق، يمكن لنا التقدم أكثر في اتجاه الاتحاد الأوروبي وتقويته عندما يتعلق الأمر بالسياستين الخارجية والدفاعية، أو يمكن لنا فقدان التأثير في العالم “
المؤرخ الألماني قال أيضًا “أن دول الاتحاد الأوروبي ربما تكون بحاجة كبيرة إلى مقر في الأمم المتحدة. بحيث سيكون ذلك إشارة واضحة لباقي العالم ـ في اتجاه روسيا والولايات المتحدة والصين ـ بأن الاتحاد الأوروبي يجتمع لسياسته الخارجية وليس لمصالحه الوطنية”.
في الوقت نفسه، لم يخف يانسين أن الاتحاد الأوروبي بات يضعف يومًا بعد يوم، مؤكدًا “المشكلة تكمن في أننا نعايش انهيار الاتحاد الأوروبي على الجانب الآخر، فهو يضعف باستمرار. أصبح لدينا الكثير من المشاكل الداخلية والخارجية، ويكفي هنا فقط إلقاء نظرة إلى بولندا والمجر وتشيكيا وسلوفاكيا وانسحاب بريطانيا من الاتحاد”.
وختم المحلل قوله: “نحن الآن في مفترق طرق، يمكن لنا التقدم أكثر في اتجاه الاتحاد الأوروبي وتقويته عندما يتعلق الأمر بالسياستين الخارجية والدفاعية. أو يمكن لنا فقدان التأثير في العالم عندما نتخلى عن أوروبا الشرقية وأقطار أخرى في العالم لصالح سياسات دول مستبدة مثل الصين أو روسيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية!”.