تعهّد قادة الاتحاد الأوروبي، في ختام قمتهم بمالطا نهاية الأسبوع المنقضي، بتمويل مخيمات للمهاجرين في ليبيا تديرها حكومة فايز السراج، في إطار جهود الاتحاد للتصدي للهجرة السرّيّة من أفريقيا والشرق الأوسط، الأمر الذي رفضته حكومة السرّاج وعدد من المنظمات الحقوقية، معتبرة إيّاه سعيًا مباشرًا لتوطين اللاجئين في لبيبيا.
ما وراء “إعلان مالطا”
وأصدر قادة دول الاتحاد الأوروبي، خلال قمتهم الأخيرة في العاصمة المالطية فاليتا، وثيقة أطلقوا عليها “إعلان مالطا”، والتي ركّزت على أساسيات العمل الأوروبي لمحاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، على برنامج من عشر نقاط للحد من تدفق اللاجئين من شمال إفريقيا عبر البحر المتوسط، والتصدي لشبكات التهريب، وسط مخاوف من ارتفاع أعداد القادمين منهم خلال فصل الربيع خاصة عن طريق ليبيا.
وسبق هذا الإعلان، توقيع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتوليني مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، فائز السراج، على مذكرة تفاهم لمعالجة مسألة تدفق المهاجرين غير الشرعيين. وتنصّ مذكرة التفاهم الموقّعة على تقديم إيطاليا بدعم من الاتحاد الأوروبي التمويل لمخيمات ليبية لإيواء اللاجئين والمهاجرين الذين يُنقذون في البحر المتوسط، لتعزيز الجهود الرامية للحد من تدفق آلاف من اللاجئين عبر أوروبا، وهو ما اعتبرته عديد المنظمات الحقوقية محاولة من الاتحاد توطين اللاجئين غير الشرعيين في ليبيا.
تتركّز اتفاقية مالطا إضافة إلى تمويل المخيمات، على تقديم الدعم المالي والتقني وتدريب وتسليح خفر السواحل الليبي
ونصت المذكرة على ضمان الجانب الإيطالي، ألا تمس الإجراءات الأمنية المتخذة “النسيج الاجتماعي في مناطق الجنوب الليبي، أو تهدد الوضع الديمغرافي للسكان، أو الحالة الأمنية والاقتصادية للمواطنين الليبيين”. واتفق الطرفان، الإيطالي والليبي، على أن تكون مدة تنفيذ مذكرة التفاهم بينهما، ثلاث سنوات فقط، ما لم يبد أحدهما الرغبة في إلغائها، وتسوية أي خلاف بشأن تنفيذ بنودها وديا.
وتتركّز اتفاقية مالطا إضافة إلى تمويل المخيمات، على تقديم الدعم المالي والتقني وتدريب وتسليح خفر السواحل الليبي، لتفعيل دوره في مكافحة شبكات تهريب اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وحماية الحدود البحرية الجنوبية للاتحاد الأوروبي، إلى جانب تكثيف عمل الشرطة الجنائية الأوروبية (أيروبول) لمكافحة شبكات التهريب بطريق النيجر ومالي، وجمع معلومات وأدلة من هناك على هذه العمليات.
مساع أوربية للحد من الهجرة غير الشرعية
وعَبَر البحر إلى أوروبا ما يقرب من 163 ألفاً من المهاجرين واللاجئين، في رحلة مباشرة من ليبيا عام 2016، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، (تمت إعادة حوالي 15 ألفا منهم بموجب اتفاقات ثنائية مع دول شمال إفريقيا) مقارنة بأكثر من 138 ألف شخص في عام 2015، فيما دخل أكثر من نصف مليون شخص إلى إيطاليا قادمين من شمال إفريقيا منذ عام 2014. ويقدّر الاتحاد وجود ما بين 300 و350 ألف طالب لجوء ينتظرون في ليبيا حاليا فرصتهم لركوب البحر إلى أوروبا عند تحسن الطقس.
انتقادات كبيرة للخطّة الأوروبية
لاقت، “وثيقة مالطا” والمساع الأوروبية لتوطين اللاجئين غير الشرعيين في ليبيا، انتقادات كبيرة من أحزاب أوروبية ومنظمات دوليّة للإغاثة الإنسانية ومساعدة اللاجئين، حيث وصف حزب اليسار الألماني المعارض هذه الاستراتيجية “بالصفقة القذرة”، واعتبر – في بيان له – أن مشاركة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في تنفيذ الاتفاق الأوروبي “يجعلها مشاركة في انتهاك حقوق الإنسان، وفي الإفلاس الإنساني للاتحاد الأوروبي”.
فيما ووصفت برو أزيل -أكبر منظمة لمساعدة اللاجئين بأوروبا- والاتحاد الألماني للجمعيات الخيرية، في بيان مشترك، الخطة بأنها انحدار في سياسة اللجوء الأوروبية، وحثت المنظمة والاتحاد، في البيان، المستشارة أنجيلا ميركل على التدخل لمنع تنفيذ هذه الخطة، واعتبرتا أن إنفاق الاتحاد الأوروبي مئتي مليون يورو عام 2017 لإقامة سور مزدوج ومعدات إنذار في الحدود مع ليبيا، سيؤدي إلى سقوط ضحايا كثيرين من الباحثين عن حماية، “بينهم الإريتريون الذين يقطعون مسافات طويلة عبر السودان إلى ليبيا في طريقهم إلى أوروبا”.
باركت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، هذه الخطّة الأوروبية
من جانبها انتقدت منظمة “أطباء بلا حدود” الاتفاق، وقالت إن “إعلان مالطا ليس سوى محاولة جديدة لإبقاء المهاجرين بعيداً عن أوروبا، وهو لن يحل الأزمة”. وقالت المنظمة في بيان إن “الاتحاد الأوروبي واهم، ولا يعلم مدى خطورة الوضع في ليبيا. فأولئك الذين يتم إنقاذهم في البحر المتوسط يتحدثون عن مجاعات وتعذيب وانتهاكات يعايشها المهاجرون يومياً في مراكز الاحتجاز بليبيا”.
ظروف قاسية يعاني منها اللاجئين في ليبيا
رغم اعترف رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، بأن هناك “مشكلات تتعلق أساساً بحقوق الإنسان” في مخيمات اللاجئين في ليبيا، فقد باركت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، هذه الخطّة الأوروبية، كما أشاد رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، في حديث له بعد القمة، بالاتفاقية الإيطالية واصفاً إياها بـ “الخطوة الواقعية والعملية.
وخلال الشهر الأول من العام الجاري، غرق 246 لاجئاً قبالة الشواطئ الليبية، وهم يحاولون عبور البحر المتوسط نحو أوروبا. وجاءت هذه التقديرات من منظمة اللاجئين الدولية التي تقول إن 210 ماتوا في الفترة ذاتها من عام 2016.
رفض ليبي للتوطين
الخطّة الأوروبية لتوطين المهاجرين، لاقت رفضا ليبيًا رسميًا وشعبيًا، حيث أكّد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج أمس الأحد، خلال لقائه مع نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الخارجية البلجيكي ديديه رينديرز، في بروكسل، رفض بلاده المساعي الأوروبية بتوطين المهاجرين غير الشرعيين في بلاده بأي صورة كانت، موضحا أن “ليبيا دولة ممر وليست دولة مصدرة للهجرة”.
إلى جانب ذلك، أكّد نواب في برلمان طبرق المنحلّ (شرق) عدم قبولهم لهذه الخطّة “الأحادية”، حسب وصفهم، معتبرين أن الاتفاق الذي وقّعه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج مع الحكومة الإيطالية غير دستوري، كون البرلمان لم يصادق عليه.
السراج أكد رفض بلاده المساع الأوروبية
ويخشى الليبيون من أن تؤدّي عمليات توطين اللاجئين في بلادهم إلى حدوث تغير ديمغرافي في تركيبة السكان في بلادهم، إضافة إلى انتشار الأوبئة في ظل ضعف المنظومة الصحية وبنيتها التحتية في مواجهة ومكافحة الأمراض
انطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الأوروبي لتدريب خفر السواحل
وفي سياق متصل، أعلن الاتحاد الأوروبي، نهاية يناير الماضي، بدء المرحلة الثانية من برنامج تدريب خفر السواحل الليبيين في سياق عمليته البحرية “صوفيا” لمكافحة مهربي المهاجرين قبالة سواحل ليبيا، التي بدأت في سنة 2015. وباشر الاتحاد الأوروبي في تدريب دفعة جديدة من عشرين عنصرًا من خفر السواحل الليبيين في مركز تدريب في جزيرة كريت اليونانية، حسب ما أوضح مكتب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في بيان. وستستمر المرحلة الثانية من التدريب طوال العام 2017 وستجري في مواقع مختلفة من البحر المتوسط.
أنقذ خفر السواحل الليبي أكثر من 120 مهاجرا يوم الأحد، قبالة سواحل طرابلس
في غضون ذلك، قال خفر السواحل الإيطالي إنه تم إنقاذ نحو 2000 مهاجر من زوارق مطاطية وسفن خشبية في البحر المتوسط في يومي الجمعة والسبت، ما يرفع عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى السواحل الإيطالية منذ بداية السنة الحالية إلى أكثر من 7000 مهاجر.
وبالتزامن مع ذلك، أنقذ خفر السواحل الليبي أكثر من 120 مهاجرا، الأحد، قبالة سواحل طرابلس، وقال ضابط ليبي في تصريحات اعلامية، إن مهاجرين ينتمون إلى جنسيات أفريقية، انطلقوا الجمعة الماضي من شواطئ صبراتة على بعد 70 كلم غرب طرابلس سعيا للوصول إلى أوروبا على متن زورق مطاطي نفد وقوده، وأضاف أن دورية لخفر السواحل عثرت على المهاجرين التائهين في وقت مبكر أمس الأحد، على بعد 20 ميلا بحريا شمال شرق طرابلس، ثم اقتادتهم إلى مرفأ شرق العاصمة.
تحذيرات من تواصل تدفق المهاجرين
وسبق لمنظمة “أس.أو.أس المتوسط” غير الحكومية، أن حذّرت السبت الماضي، من تواصل وصول اللاجئين عبر البحر إلى أوروبا رغم قسوة الشتاء، ويستفيد مهربو المهاجرين غير الشرعيين من حالة الفوضى السائدة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، وتبحر معظم الزوارق من غرب البلاد باتجاه إيطاليا التي تبعد 300 كلم من سواحل ليبيا.