في الواقع، نجحت آليات توزيع السلطات التي يتميز بها النظام السياسي في الولايات المتحدة في خلق حالة من الاستقرار والتوازن وتعديل الوضع نسبيا، إذ أن قرار ترامب القاضي بمنع قدوم المسلمين من سبع دول تم تعليقه. في المقابل، لا يجب أن ننسى أن أوروبا أيضا تتبع سياسات مشابهة في حق المسلمين واللاجئين.
وعلى ضوء سياساته المتطرفة وممارسته للسلطة بكل رعونة في أول أسبوعين من تنصيبه رئيسا جديدا للولايات المتحدة، ظهر سؤال ملح هو: من يستطيع إيقاف ترامب؟ وخلال هذا الأسبوع بدى جليا للعيان من قد يتولى هذه المهمة، فقد أصدر قاضي الاستئناف في مدينة سياتل، جيمس روبرت، قرارا بالتعليق المؤقت للمرسوم الذي أصدره ترامب بمنع المواطنين من سبع دول ذات غالبية إسلامية من القدوم إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى اللاجئين القادمين من سوريا.
وبالتالي، سيسمح لسكان هذه الدول السبعة بالعودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي، وهو مطلب شعبي عبر عنه الآلاف من المتظاهرين في أنحاء البلاد وكذلك في أوروبا. وبالنسبة لترامب الذي تجرع مرارة هذا القرار، فإن هذه هزيمة تعتبر الأولى من نوعها منذ توليه السلطة. وفي الأثناء، وجدت حكومته نفسها في موقف محرج أمام ردود الفعل العالمية التي رحبت بالقرار المستقل والجريء الذي اتخذه القاضي جيمس روبرت.
وفي المقابل، لا يستبعد أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ مرة أخرى بعد بضعة أشهر، في أعقاب عرض هذا المرسوم أمام المحكمة العليا. وفي الاثناء، يمكن للأغلبية من الجناح المحافظ أن تكون لها الكلمة الفاصلة، ولعل ذلك ما دفع الرئيس ترامب لتعيين القاضي نيل غورساتش، الذي ينتظر أن تتم الموافقة عليه في مجلس الشيوخ.
رغم الاستياء الشعبي والدولي من سياسات دونالد ترامب، فإن هذا الصراع القضائي حول القرار الذي يستهدف المسلمين، يثبت أن النظام الديمقراطي الأمريكي القائم على توزيع السلطات بشكل متوازن ومراقبة السلطة التنفيذية، لا يزال نظاما ناجعا
ورغم الاستياء الشعبي والدولي من سياسات دونالد ترامب، فإن هذا الصراع القضائي حول القرار الذي يستهدف المسلمين، يثبت أن النظام الديمقراطي الأمريكي القائم على توزيع السلطات بشكل متوازن ومراقبة السلطة التنفيذية، لا يزال نظاما ناجعا. ومن هذا المنطلق، لا يمكن أن يكون الرئيس المنتخب فوق الدستور، وحتى لو كان اسمه ترامب فلا يمكنه تجاوز صلاحيات القاضي الفيدرالي الذي وقف ضده، إذ أن المحاكم يمكنها مراجعة قرارات السلطة التنفيذية والتصدي لها.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تعتبر دولة مختلفة كليا عن بعض الدول الاستبدادية في القارة الأوروبية مثل روسيا، على الرغم من كل التشاؤم المحيط بوصول ترامب للسلطة وسياساته المتطرفة.
ومن ناحية أخرى، قد تتصد الأغلبية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب لقرارات ترامب، رغم أن ذلك مستبعد بالنظر للحسابات الحزبية. علاوة على ذلك، هناك سلسلة طويلة من القرارات التي أمضى عليها ترامب بشكل متسرع، يُنتظر أن تمر أيضا للتدقيق والمناقشة من قبل الحكومة والبرلمان، وإلى ذلك الحين فإن كل ما صدر إلى حد الآن هو بمثابة إعلان نوايا.خلافا لذلك، تعالت العديد من الأصوات داخل الكونغرس منتقدة بعض قرارات الرئيس، وبالتالي قد يضطر ترامب لتعديل أسلوبه في اتخاذ القرارات على المدى الطويل، نظرا للضغوط المسلطة عليه من قبل النواب والمجلس المدني والاحتجاجات الشعبية والقضاء.
ومن ناحية أخرى، استقبل الأوروبيون بسعادة الحكم القضائي الذي صدر في سياتل. وفي الأثناء، غمرت العالم موجة من ردود الفعل المستنكرة والمنددة التي أعقبت قرار ترامب الذي يستهدف المسلمين، والذي يعتبر بمثابة ممارسة للعنصرية الدينية وانتهاكا لحقوق الإنسان
وفي المقابل، لا يمكن اعتبار أوروبا نفسها أفضل حال من الولايات المتحدة في هذا الصدد، فرغم أن القارة العجوز لم يصدر فيها أي قرار صريح يمنع المسلمين من الدخول، إلا أنها شهدت إجراءات وسياسات تندرج ضمن هذا التوجه. ففي واقع الحال، أغلب البلدان في الإتحاد الأوروبي (باستثناء ألمانيا ودول الواجهة إيطاليا واليونان)، لا تستقبل لاجئين من الدول العربية التي تعيش فيها أغلبية مسلمة، ولا ترحب حتى باللاجئين القادمين من سوريا.
أوروبا تشيد جدران في وجه اللاجئين
منذ حوالي سنة كاملة، يتم تطبيق اتفاق اللاجئين بين تركيا والإتحاد الأوروبي، الذي يمنع هؤلاء بشكل كامل من دخول دول الإتحاد. فضلا عن ذلك، انطلق العمل مؤخرا على اتفاق مشابه مع ليبيا، التي تعاني من انهيار أركان الدولة وتفشي الفوضى، ويهدف هذا الاتفاق إلى غلق الطريق التي يسلكها أغلب اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط نحو الضفة الشمالية.
وفي هذا الإطار، يعتقد أغلب الملاحظين أن هذا الأمر لن يكون ممكنا بالنظر للأوضاع المتأزمة في ليبيا، إذ تشير المعلومات التي أفاد بها دبلوماسيون ألمانيون مطلعون على الوضع الليبي، إلى أن اللاجئين الموجودين في مخيمات في ليبيا يعانون من ظروف سيئة للغاية، حيث يتعرضون هنالك لمخاطر جمة على غرار الإعدام والتعذيب والاغتصاب بشكل مستمر.
ولذلك تواجه أوروبا هنا سؤالا أخلاقيا خطيرا هو: هل يجب ابقاء اللاجئين داخل أراضيها أم إعادتهم إلى ليبيا؟
وللأسف يبدو أن التفكير البراغماتي البغيض الذي يتبناه المتطرفون قد انتشر ليصل إلى الطبقة السياسية الحاكمة في أوروبا، علما وأن بعض الأشخاص الذين لم يكونوا في السابق بهذا التطرف، قد أظهروا مؤخرا انحرافا نحو مثل هذه السياسات. ولعل خير مثال على ذلك، زعيم كتلة الحزب الديمقراطي الاشتراكي في البرلمان، توماس أوبرمان، حيث انضم هذا الأخير لوزير الداخلية توماس دي ميزيار في نهاية الأسبوع الماضي، مساندا المقترح القاضي بإعادة اللاجئين القادمين عبر البحر الأبيض المتوسط إلى شمال إفريقيا، بدعوى أن ذلك سوف يضع حدا لعمليات تهريب البشر.
وفي الحقيقة إن هذه المسألة لا تتعلق بمكافحة التهريب بل هو مخطط لمنع اللاجئين من القدوم لأوروبا، سواء بطرق قانونية مثل التأشيرة أو غير القانونية.
تدعي حكومة ترامب أن السماح بدخول اللاجئين للولايات المتحدة يعتبر “منّة “وليس أمرا مستحقا، كما لو أن الرئيس الأمريكي هو واحد من مالكي الأراضي الإقطاعيين في أوروبا خلال القرون الوسطى، الذين كانوا يقررون من يقبل ومن لا يقبل
ومن جهة أخرى، تدعي حكومة ترامب أن السماح بدخول اللاجئين للولايات المتحدة يعتبر “منّة “وليس أمرا مستحقا، كما لو أن الرئيس الأمريكي هو واحد من مالكي الأراضي الإقطاعيين في أوروبا خلال القرون الوسطى، الذين كانوا يقررون من يقبل ومن لا يقبل.
وفي الحقيقة، إن حماية الفارين من الاضطهاد والحروب والخطر، ليست مبادرة نبيلة تقوم بها الدول، بل هي حق إنساني وواجب بمقتضى القانون الدولي، وهي مفروضة على الدول التي تحترم قوانين حقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق، يجب أن تتذكر ألمانيا وكل دول أوروبا هذه الحقيقة جيدا، وتستحضر خاصة ماضيها بعد الحربين العالميتين، ومعاناة الأوروبيين من الأنظمة الدكتاتورية القومية والشيوعية التي سادت وقتها.
المصدر: تسايت